إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    سيرة الأمام الصدر (مؤتمر صحفي1 )جزء 2

    تنكر الإنسان لله :
    س ـ هل يعني الانصراف إلى الخلق والاكتشاف وسبر غور المجهول والسعي وراء المعرفة تنكراً لله ؟
    ج ـ إن الإنسان هذا الذي تنكر لله أعطى صنعة الله لمصنوعاته ومكاسبه (لأصنامه) سرعان ما شعر بالقلق حيث أن العلم والصناعة والقوانين الوضعية والتنظيمات وغيرها متزلزلة، حيث أنها متطورة في تاريخ التكامل.
    فبالتالي فقد الإنسان استقراره واطمئنانه الذي لا يحصل إلا بالإيمان المطلق.
    وزادت المشكلة تعقيداً حينما ازدادت سرعة التطور، وتبدلت الآراء العلمية والنظريات الاجتماعية والمكتشفات الحديثة التي تؤثر في تغيير حياة الإنسان بشكل عميق.
    حصل القلق وكان الإنسان يستند إلى الماء أو الهواء. حسب هذا التفسير أنني أعتقد أن الإنسان إذا آمن إيماناً كاملا وأعطى الله دوره الحقيقي في الكون، وما اعتبره بديلاً عن الأسباب المادية بل آمن به خالقاً للأسباب والمسببات والسببية.
    ثم أعطى لمكاسبه الحضارية من علم أو تنظيم أو صناعة أو فلسفة أو فن، أبعادها الحقيقية، عند ذلك يشعر بقوة واستقرار، ويتمتع بحياته ويستفيد من مكاسبه.
    ولا شك أن هذا الأمر في حاجة إلى تكوين حضارة جديدة لا تقوم على أساس المادة فحسب، كما انه في حاجة إلى تربية الإنسان من جديد.
    س ـ جاء في القرآن الكريم أن الإنسان خليفة الله في الأرض. ألا يعني هذا أن للإنسان دوراً بارزاً في عملية الخلق؟ والخلق لا يتم إلا بفعل القلق؟
    ج ـ في ضوء ما ذكرنا في الجواب عن السؤال السابق، وبعد الالتزام بمبدأ أن الإنسان المخلوق لله هو العنصر الوحيد في تطوير الكون، نقول إن إمكانات الإنسان في الإنتاج والخلق حسب تعبيرك لا حد لها. فالمفهوم من كلمة خليفة الله أن دور الإنسان ينمو ويتوسع إلى اللانهاية. ولا شك أن هذا الدور الذي هو تسخير للقوى الكونية بعد اكتشافها دور منسجم مع طموح الإنسان اللانهائي. ولا يكون له حد يشعر بالمضايقة.
    لكن الإنسان الكبير الذي يؤدي هذا الدور الكبير مخلوق لله بالذات، وإذا شعر برغبة في التخلص من هذا الواقع فهو يتناقض نفسه.
    كما أن مكاسب الإنسان مهما بلغت كما وكيفاً وشمولاً، لا تتعدى نطاق الإنسان ولا تخرج من أنها مصنوعات للإنسان. حتى ولو أثرت في حياته وتفاعلت معه وغيرت معالم عيشه.
    وهكذا نرى أو وراء ما سميته بالخلق للإنسان، طموحه دائماً وحاجاته في الأكثر وغريزته الاستطلاع في كثير من الأحيان.
    أما القلق فقد حصل من عدم استجابة الإنسان إلى مستلزمات أيمانه. ونتج عن ذلك ضعف الإيمان وموته وتحويله إلى شبه للإيمان وبالتالي ومع فقد الإيمان الحي شعر بالانقطاع عن الكون وبالغربة وابتلى بالقلق. وما نفعته مكاسبه الكثيرة.
    قلق المتفوقين:
    س ـ هل الإيمان بالله انتماء كلي للإنسان، وهل يلغي هذا الانتماء جذور القلق عنده؟ وإذا كان هذا فكيف تفسر قلق المتفوقين الذين كانوا في أساس الإيمان؟
    ج ـ الانتماء الكلي بمعنى تحديد موضع الإنسان من الكون ومن الخلق وتحديد الخط العريض لرسالته الحياتية نتيجة طبيعية للإنسان بالله، وعلاجاً للقلق الذاتي.
    ولكن لا يعني هذا تحديد سير الإنسان وأبعاد نشاطاته الحياتية. وبالتالي فالإنسان المؤمن كثيراً ما يشعر بغموض في المصير وتحير في الطريق وخطأ في التجارب. لكنه عند ذلك لا يشعر في مصطلحنا بالقلق الذاتي. بل بالقلق الذي هو نتيجة حتمية لطموحه وعدم رضاه عما يجري حوله وسعيه الدائب لبناء مستقبل أفضل.
    وبتعبير أدق، هذا الإنسان قلبه مطمئن يقف على قاعدة صلبه، ينظر إلى المستقبل، إلى الإمام. وهذه صفة المتفوقين صانعي التاريخ.
    أما الإنسان الكبير الذي يشعر بالقلق الذاتي فهو في حالة الشك لا يتمكن من المشاركة في بناء المستقبل، حيث أن الخط الحياتي الذي يبدأ مما قبل ذاته عبر ذاته غير مرسوم عندها، فهو يتخبط.
    لا أنكر أن هناك من المتفوقين القلقين خدموا وقدموا للإنسانية شيئاً كثيراً، لكني أحب أن أفسّر هذا الدور بوجود جذور الإيمان في عقل باطني يوجههم مرغمين..
    س ـ ألا تعتقد أن هناك عوامل اجتماعية ونفسية بينها الحب والجنس والمصير، تزعزع صورة الإيمان، وتظهر المؤمن ممزقاً وموزعاً بين عدة ولاءات؟
    ج ـ أتصور أن في حديثنا السابق ذكرت لمحة عن ذلك. فالإحساس بالحب والجنس والحاجات البشرية والتفكير في المصير، كلها من صميم تكوين الإنسان، وللإيمان في هذه الحاجات مواقف ومستلزمات. فإذا عاشها الإنسان يقوى إيمانه والعكس بالعكس. ولا يمكن إنكار التفاعل العميق بين أحاسيس الإنسان بعضها مع بعض.
    أما الحديث عن شواذ المتفوقين فيمكن أن نفسّره بقاعدة عامة هي أن الاهتمام الزائد بأي حقل من الحقول الحياتية يؤدي إلى نمو هذا الجانب على حساب الجوانب والحاجات والكفايات الأخرى.
    الولاء الديني والقومي :
    س ـ هل يتعارض الولاء الديني مع الولاء القومي، انطلاقاً من التأكيد على أهمية الإيمان في كلا الولاءين؟
    ج ـ القومية إذا ما اعتمدت على الإيمان بتفوق عنصر على بقية العناصر، ذلك ما نسميه بالعنصرية، القومية هذه تعني التفاف كتلة من البشر ذات تاريخ مشترك وآمال وآلام مشابهة وثقافة متقاربة تؤثر فيها وتكونها اللغة إلى حد كبير.
    القومية هذه تعد مرحلة طبيعية لحياة الإنسان بين الفردية وبين الإنسانية العالمية. ولا شك أن أساس تكوين المجتمعات يقوم على التفاعل ومبادلة التجارب وتقديم كل فئة ما عندها من الكفايات والمكاسب للفئات الأخرى والأخذ مما عندها، وللقومية في تكوين هذه الكفايات دور كبير.
    هذا التفسير للقومية المتفتحة الإنسانية لا يتنافى حتما مع التعاليم الدينية فالقرآن الكريم يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13). وعلى هذا فوجود القبائل والشعوب ونظائرها من القوميات حينما تكون مبدأ التعارف، أي معرفة كل فئة بما عند الآخرين وتؤدي بالنتيجة إلى التفاعل والتكامل فهي معترف بها.
    س ـ هل تعتقد أن المناسب والمفيد فصل الدين عن الدولة؟ إذا لا، لماذا لا؟
    ج ـ إن هذا البحث بحث علمي تاريخي واسع ارجوا أن توافق على تأجيله لوقت محدد كي أقدم لك وللجريدة العزيزة دراسة واسعة عنه.
    س ـ هل توافق على تدخل رجال الدين في السياسة؟ لا ؟ ما هي محاذير هذا التدخل وما هي ذيوله؟
    ج ـ هذا المساء (الأربعاء 4 حزيران) سوف يصدر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بيان في هذا الصدد. بإمكانك أن تلخصه وتضيفه إلى هذا الحديث.
    س ـ ما هو الفرق، أو التناقض إذا كان ثمة تناقض بين الشيعة والسنة؟
    ج ـ ليس بين الشيعة والسنة أي تناقض إطلاقاً. بل هما مذهبان لدين واحد، وقد قدمت "لملحق النهار" قبل شهر حديثاً حول هذا الموضوع، وأيضاً بحثت في محاضرة مطبوعة في الندوة اللبنانية تفاصيل توضيحية عن هذه الناحية بالذات.
    أسئلة أخرى تتناول الإنسان وتفاعله في بيئته وانصهاره في وحدة مجتمعية وتتناول موقف المنتمي إلى مذهب معين من المنتمي إلى مذهب آخر، كانت ستطرح في هذا الحوار. إلا أن المهنئين والزوار والمراجعين كانوا ملأوا المكان، وكان الوقت ضاق على موعد الحديث مع العلامة الصدر فتأجل كل شيء إلى موعد يكون فيه شاغراً لمتابعة الحوار

    تعليق


    • #17
      سيرة الأمام الصدر (بيان 1 )

      الموضوع : بيان ـ إلى اللبنانيين تحذير من الأخطار التي تهدد كيان لبنان وتنبيه إلى محنة الجنوب
      المكـان: بيروت ـ 10/6/1969
      المناسبـة : بعد انتخابه رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
      ـ الــنـــص ـ
      أيها الاخوة الأعزاء، يا أبناء لبنان الأماجد
      تحيط ببلدنا العزيز في هذه الأيام أخطار محدقة تهدد كيانه وتجرح كرامته وتعرض معالمه الحضارية وقيمه الإنسانية للدمار.
      وكلنا يعلم أن بقاء كل شعب في صفحات الزمن، رهين مواقفه البطولية وتضحيات أبنائه وإحساسهم بمسؤولياتهم وتحملها بوعي ودقة. فالتاريخ شاهد الكثير من الأمم الغابرة اندثرت وطمست حضارتها عندما تركت واجبها وقدمت أهواءها ومصالحها الخاصة على المصلحة العامة، وعندما تخبطت واندفعت وراء تصرفات غير واعية.
      وها نحن اليوم أمام هذه التجربة نتحمل المسؤولية، ونحمل الأمانة بعد أن تحملتها الأجيال السابقة بوعي وتضحية فحفظت البلاد وكرامتها.
      فمحنة الجنوب اليوم هي محنة لبنان كله. هي محنة العرب جميعاً، هي محنة فلسطين الجريحة، هي محنة الإنسانية في كل زمان ومكان.
      في هذه الظروف العصيبة أرى من واجبي أن أوجه إليكم هذا النداء. إليكم جميعاً دون استثناء وإلى المسؤولين على مختلف مستوياتهم بصورة خاصة.
      أوجه إليكم هذا النداء بصفتي مواطناً عادياً. ففي المحنة جميع المواطنين سواء.
      إن الوطن بماضيه المشرق، بحاضره المبتلى، بمستقبله الذي هو رهن مواقفكم الواعية، في هذا اليوم أن الوطن يناديكم ويستنجد بكم.
      إن أبناءكم والأجيال المقبلة يصرخون في سمع ضمائركم.
      إن فلسطين والأراضي الفلسطينية المقدسة والمقاومة الفلسطينية الحق، تهيب بكم.
      إن كرامة الإنسان، إن الحق والعدالة تناشدكم.
      إن الله يطالبكم بحقوق خلقه وبالمحافظة على شرف عباده.
      إن الأديان السماوية والقيم الأخلاقية والنفوس الخيرة تأمركم بحفظ شعارها ورعاية مبادئها.
      يا أبناء لبنان. فلنترك الخلافات التقليدية، فلننس الرواسب الماضية، فلنؤجل إلى ما بعد المحنة جميع نزاعاتنا وحساسيتنا والاعتبارات الحزبية والطبقية والطائفية والإقليمية.
      إن المسؤولية الكبرى على عاتقكم حيث أنكم عند توحيد صفوفكم تتمكنون من التغلب على الصعاب كافة ومن تخطي جميع العقبات.
      واجهوا المشكلة وعالجوها بروح الأيمان والتضحية وبعقل راجح وصريح وبقلب ملؤه المحبة، فالله والشعب والأجيال والإنسان المعذب يطالبونكم ويحاسبونكم بدقة.
      إن أبناء الطائفة الاسلامية الشيعية بصفتهم مواطنين، وبصفتهم في قلب المحنة مستعدون لتقديم طاقاتهم كافة ولبذل أرواحهم في سبيل الدفاع عن الوطن وسيادته وسلامة أراضيه. إنهم على استعداد كامل للتدريب العسكري ولحمل السلاح والانضمام في صفوف التجنيد الإجباري ولتحمل المشاق والتضحيات لأجل تعزيز الجيش وتجهيزه بالأسلحة الدفاعية الحديثة من أجل الدفاع عن الوطن والمشاركة في تحرير الأراضي المقدسة مع الدول العربية الشقيقة ولدعم المقاومة الفلسطينية العادلة.
      إنهم على استعداد لبذل النشاط الإعلامي الكامل وإرسال الوفود إلى أقطار العالم تشرح بالتعاون مع الممثلين الرسميين ومع جالياتنا العزيزة ذات النفوذ الواسع، تشرح للعالم قضيتنا العادلة وتعديات العدو وأطماعه، لكي نكسب وقوفه اكثر واكثر معنا في المحنة.
      انهم على استعداد لكل ذلك، وللمطالبة الواثقة الملحة بتعاون المسؤولين وأداء دورهم وتحضير موجبات العمل لهم ولتحسين منطقة الخطر، الجنوب، دفاعياً واجتماعياً.
      أما المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أسس حديثاً، وهو اليوم في دور البناء الداخلي، أما المجلس هذا فما وجد ليكون فئة جديدة تزيد في المشكلة وتفرق من جديد بين أبناء وطن واحد.
      والمجلس ما وجد أيضا ليكون بديلاً عن المسؤولين بمختلف مستوياتهم، بل وجد المجلس لكي يهيئ أبناءه لأداء دورهم الإيجابي لخدمة الجميع، ولكي يزيد في إيمانهم ووعيهم وإخلاصهم، ولكي يرفع من مستواهم، وبالنتيجة ليرفع مستوى أبناء البلد عامة.
      وجد المجلس ليكون قوة مواطنية ضاغطة تنصح وتراقب وتطالب، وتقوم برأب الصدع ورتق الفتق وتمنع الإهمال وتحول دون التفرقة.
      وعلى هذا الأساس يقوم المجلس بكل إخلاص بتقديم هذه الخدمات للمواطنين وللمسؤولين ويؤكد بصورة خاصة على المسؤولين من أبناء الطائفة. دولة رئيس مجلس النواب والسادة الوزراء والنواب وجميع من بيدهم الأمر أن يستمروا في المساعي الحثيثة التي بدأوا بها، طالباً منهم المزيد من اليقظة والإخلاص والتحرك داعياً لهم من الله التوفيق والسداد.

      تعليق


      • #18
        سيرة الأمام الصدر (حوار تلفزيوني)

        الموضوع : حوار تلفزيوني ـ أسس وحدة اللبنانيين والأخطار على لبنان
        التاريـخ :تلفزيون لبنان ـ 20/6/1969
        المقدمـة : إستضاف برنامج "سجل مفتوح" التلفزيوني في حلقته الأخيرة سماحة الإمام السيد موسى الصدر في حديث وطني شامل. وتنشر "الجريدة" فيما يلي النص الحرفي للحوار الذي جرى بين سماحة الأمام الصدر والزميل عادل مالك نظراً لأهميته.
        ـ الــنـــص ـ
        عادل مالك: صاحب السماحة نعيش الآن كما يعلم الجميع فترة مصيرية في لبنان والعالم العربي. فماذا تقترحون من أسس معينة يلتقي حولها جميع اللبنانيين على أهداف مشتركة لخدمة لبنان؟
        الإمام موسى الصدر: حول هذا السؤال بالذات أعتقد أن نقترح الأسس التي هي ضرورية لكل تجمع ابتداء من الجمعية الصغيرة التي تتكون في القرية وانتهاء بهيئة الأمم. كل تجمع يتكون حول أسس معينة. لكن المهم هو تحقيق هذه الأسس. ولكي نتمكن من تحقيق ذلك علينا أن نعتمد على أسس مستندة الى واقع. وإذا كان هذا الواقع مرتبطاً بجذور عميقة تاريخية أو جغرافية أو إنسانية أو عقائدية لا شك أن هذه الأسس سوف تكون عميقة في القلوب وفي النفوس وتجمع بالفعل حولها مجموعة من الناس.
        أما بالنسبة الى لبنان، فلبنان واقع تاريخي يمتد إلى أقدم العصور، هذا التاريخ الذي حمل في طياته الكثير من الحضارات والأمجاد والرسالات، والثقافات. هذا التاريخ الذي يجعل اللبناني في هذا اليوم، إذا كان مطلعاً على تاريخه، يشعر بالطموح لأنه يتذكر الأمجاد والحضارات والإمكانات التي كانت ولا تزال للإنسان اللبناني أن يقوم بدور رسالي كبير. ومن الناحية الجغرافية، لبنان جزء من العالم العربي من جانب لبنان، ومنفتح على آسيا وأفريقيا وأوروبا، قريب من البحر. هذه الإمكانات تعطي اللبناني إمكانية التحرك، وتسهل له تحقيق الطموح الموجود عنده. قربه من البحر، المناخ المعتدل، سلامة الجسد، هذه الإمكانات الإنسانية تسهل تحقيق الشعور الرسالي الإنساني وتبدو واضحة هذه التصرفات عند اللبنانيين المقيمين، وبصورة أوضح عند اللبنانيين المغتربين في العالم. لان هذه الإمكانات تسهل بالفعل تشجيع اللبناني على الإغتراب.
        ثم أن لبنان ذو واقع حضاري، تتكون الحضارة من مختلف الحضارات المتنوعة وثقافات متعددة وتيارات فكرية متنوعة، مما يجعل لبنان ملتقى أو معرضاً أو بتعبير ربما ألطف، هذه الألوان نوافذ حضارية تعكس على لبنان تجارب ملايين ومليارات من البشر من الممكن جداً الاستفادة من هذه المكاسب البشرية المتجمعة في لبنان.
        على ضوء هذا الواقع هو واقع مشرف ومشرق، نجد في لبنان هناك ألواناً ومجموعات. هذه الألوان والمجموعات من الممكن أن تستعمل وتستغل للعزل والإنفصال، ومن الممكن أن تستغل كمنطلقات للتعاون لان كل فئة عندها تجارب، عندها أفكار. ممكن أن تكون وسيلة للتلاقي، للتعارف لتبادل المعلومات والتجارب، وبالتالي لتكوين حضارة إنسانية مستفيدة من جميع التجارب، ومن الممكن أن تسهل مهمة اللبناني الرسالية على أساس أنه نتيجة هذه التجارب، ممكن أن تصدر للعالم وتكون مهمة رسالية لهذا البلد.
        لكن الشرط الأساسي لكي نتمكن من أن نجمع هذه الأفكار والألوان والتجارب ونجعلها منطلقات للتعاون، الشرط الأساسي وجود الاحترام المتبادل بين أبناء هذا البلد، وهذا ليس شيئاً جديداً في لبنان، أي بلد. لأنه إذا كان في بلد لا توجد فيه هذه الأفكار تجد أشياء محلية إقليمية عائلية، وسائل أخرى، ممكن للجاهل أن يستغل هذه الوسائل فيكون إنفصال وعزل وتناحر، لا خوف من وجود ألوان من الأفكار والآراء في هذا البلد. لكن إذا كان هناك ثقة متبادلة، والثقة المتبادلة لا تحصل إلا بالاحترام المتبادل. لازم أنت تحترمني وأنا أحترمك، لا أحتقر غيري، وغيري يحتقرني. وإلاّ بطبيعة الحال لا يكون هناك ثقة، وبالتالي البلد ينعزل ويتحول الى فئات وكتل بشرية غير منتجة، ضعيفة. ولكي يسهل التبادل يجب أن أثق بالثاني والثاني يثق بي.
        إذاً الأساس هو الإعتراف بهذه الحقيقة، ثم الثقة المتبادلة التي تحصل نتيجة للإحترام المتبادل لأجل التعاون. مع الأسف، هذه الحقيقة قد تشوه فتسمى بالتسويات، هذا الذي يسمونه لا غالب ولا مغلوب في لبنان. لكن هذه التسويات، إذا كانت تسويات بالفعل، ففيها أخطار، لأن التسوية عادة تكرس الغلبة، فلكي يسكتوا الغالب يعطونه أكثر من المغلوب وان كان على ضلال، هذا خطر، وخطر ثان هو التسويات دائماً بين الوجوه على حساب الناس، على حساب الشعب.
        هذان الخطران موجودان في التسويات، لكن إذا اعتبرنا أن الألوان من التفكير والحضارة تسهل مهمة التعاون بين أبناء البلد الواحد، فسوف يكون بلا شك وسيلة لشد الارتباط بين أبناء الوطن الواحد، لأن كل واحد يشعر بأنه لا يستغني عن الآخرين. وهكذا الاعتراف بالحقيقة والاحترام المتبادل شرط أساسي لبقاء أي وطن واستمراره.
        عادل مالك: صاحب السماحة نحن أمام أخطار مختلفة تتهدد لبنان، بل سلامة لبنان في الوقت الحاضر وتعرض الحدود اللبنانية للخطر. فما هو واجبنا كلبنانيين لدرء هذه الأخطار؟
        الإمام الصدر: طبعاً هذه الأسئلة بحاجة إلى أجوبة طويلة، لكن أنا أوجز قدر الإمكان، ربما جوابي على هذا السؤال يكون غريباً على المستمعين والمشاهدين. أنا لا أجد أي خطر خارجي على لبنان يذكر، وحتى على أي بلد وأي شعب وأي أمة. فالخطر الأساسي هو الخطر الداخلي. حتى العدو يحاول دائماً أن يستغل الإنقسامات والأخطار الداخلية فيضرب البلد من خلالها.
        فالخطر الخارجي الذي تقصده، أي الخطر الصهيوني، لا يمكن الاستهانة به لأنه ربما أخطر خطر في العالم.
        ولكن اقصد أن الخطر الذي يهدد كيان أمة أو كيان وطن أو كيان شعب هو الخطر المميت، وأنا اعتقد، وهذا واقع، إن الشعب لا يمكن أن يموت مهما كانت الأخطار والأعداء كثيرة. وما مات شعب أو أمة في التاريخ نتيجة للإضطهاد أو نتيجة للغلبة الخارجية، إذا كان هذا الشعب متماسكاً وموحداً وشاعراً بمسؤوليته. المهم هو الخطر الداخلي خطر الانقسام، هذا الذي أشرنا إليه في الجواب عن السؤال الأول، وهو يحصل نتيجة للتحقير وعدم الإحترام والإحتقار للوطنية وتصنيف الناس، هذه المشاكل التي نعيشها.
        والخطر الأساسي الداخلي هو خطر الميوعة، خطر الذوبان، خطر الفساد. لأنه بالفعل مما يؤسف أننا نشعر في وقت كان من الواجب أن يعيش لبنان كمجتمع حرب يكون كل شيء فيه يشير الى الصمود والوقوف والدفاع، نجد انه لا يزال عند البعض من أبناء هذا البلد شعور بأنهم لا يزالون في مجتمع عادي، مجتمع رخاء ورفاهية. السهرات الاجتماعية، الملابس، وهذا شيء لا يمكن، أما نريد أن نعيش في هذا العالم وفيما هذا العالم لا يمكن أن يعيش إنسان إلاً بجهد. أما بالهزل بالإسراف بالميوعة لا يمكن الفرد أن يعيش في هذا العالم، فمن المفروض أن نضع حداً لهذا الفساد. ما من نشك في أن قسماً يقع على رجال الدين والمصلحين، ولكن كذلك على المؤسسات الإعلامية، على الصحف والجرائد، على الدولة بالذات، على الحكومة أن تراعي ظروف المجتمع الذي تعيشه وتحدد وسائل الفساد وتكوّن مناخ جد، مناخاً طاهراً، وربما في البحث عن التجنيد الإجباري الذي يقال في هذه الأيام ونرجوا أن يتم، الوسيلة المعقولة لتكوين مجتمع حرب عند شباب لبنان أو مجتمع جد نسميه، لأننا نحن لا نريد أن نحارب لكن نريد أن ندافع.
        بالنسبة للخطر الخارجي، وأمام هذا الخطر لنا كلمة واحدة: كلمة الصمود حتى الموت، الصمود المطلق إذا كان لنا وسائل الدفاع ندافع، إذا ما كان لنا وسائل الدفاع نموت، وموتنا ربما لا يمنع من الإحتلال لكن تسجيل موقف. أولادنا شعبنا في المستقبل يشعرون أن أباءهم ماتوا. وهذا هو السبيل الوحيد لبقاء هذا البلد ولبقاء بلد آخر. ولهذا فإن الكلمة الوحيدة لدرء الخطر الخارجي هو الصمود. الصمود هو سلاح مطلق لا علاج له إطلاقاُ.
        وعند ذلك، بعد اتخاذ هذا المبدأ، علينا أن نهيئ وسائل الصمود، ووسائل الصمود هي التسلح بالأسلحة الحديثة الدفاعية، هي تكوين مجتمع جد كما قلت، ربما تحسين الوضع الإجتماعي في المناطق المهددة، لأنه بالفعل الوضع في هذه المناطق لم يتحسن والإهمال في هذا لا يجوز في هذه الفترة العصيبة من التاريخ. كل يوم له ألف حساب.
        التجنيد الإجباري هذا شيء لا غنى عنه إطلاقاً، سواء كان من جهة القضاء على الفساد الداخلي وصهر اللبنانيين في بوتقة وطنية صادقة، وفي نفس الوقت من أجل الدفاع أمام العدو. ثم الوسائل الإعلامية، وقبل ذلك وبعد ذلك التنسيق للعمل مع الدول العربية الشقيقة. هذه الوسائل التي هي من أختصاص السياسيين وأختصاص العسكريين وأختصاص الجامعة العربية. وكما قلت في بيان (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى للطائفة الشيعية) نحن نعتبر أنفسنا قوة مواطنية ضاغطة للتوجيه، للضغط والمطالبة. فإذاً أمام الأخطار علينا أن نصمد وان نهيئ الجو للصمود وأن نكون أنفسنا للصمود وأفضل طريقة لتكوين النفس للصمود هي تقوية الإيمان بالله الإيمان بالمطلق الإيمان بالقيم. الإيمان بأن الحق هو الذي ينتصر في العالم مهما تقلبت الظروف ولو طالت أياماً وسنين وعشرات السنين.
        أمام الأخطار الداخلية، الإحترام المتبادل لتقوية الصف الوطني ومكافحة الفساد بقوة، لأنه اليوم لا يمكن محاربة الفساد، لأنه فقط خلاف للدين أو خلاف للأخلاق. الفساد اليوم، كل عمل فاسد في هذا البلد وكل ميوعة وكل ذوبان. وكل بيت للفساد يعتبر خلية للعدو في داخل البلد، وهذا لا يجب أبداً أن نتجاهله، وأنا لا أتحدث في هذا الموضوع بالذات كرجل دين وإنما أتحدث كمواطن مخلص لا يمكن للبلد أن يعيش في مجتمع جد، مجتمع حرب ويكون في صفوفه، في بيوته بالليل، بالنهار خلايا للفساد. هذا غير معقول.
        = يتبع =

        تعليق


        • #19
          سيرة الأمام الصدر (تابع الحوار التلفزيوني)

          عادل مالك: صاحب السماحة، هل أن المجلس الأعلى للطائفة الشيعية هو كأي مجلس يجمع أبناء طائفة معينة هي الطائفة الشيعية الكريمة، أم أن لهذا المجلس أهدافاً أخرى تتجاوز المفهوم التقليدي للمجالس الأخرى ؟
          الإمام الصدر: في الحقيقة أنا أحترم جميع المجالس الملية وجميع الاجتماعات التي تنجم وتتكون باسم الدين وأنا أعتبر أن التدين غير الطائفية. هناك ثلاثة شعارات نحن نقولها: العلمانية، والطائفية، والاعتدال الديني الذي نسميه التدين. التدين والإيمان بالله والله هو اله الجميع في صلب التدين هو التفتح على الآخرين، لا دين يدعوا الى الأنعزال وأحتقار الآخرين أبداً.لا شك أنه "الخلق كلهم عيال الله واحب الناس إليه انفعهم لعياله" خدمة عباد الله من أي طائفة كانوا، هي في الحقيقة خدمة لله تعالى، لأن الله غني عن خدمة عباده، فالله يخدم في عباده.
          هذا بالنسبة للمجالس الأخرى، أما الحقيقة فان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي تكون جديداً كما أشرتم إليه سيتولى، ما عدا الواجب الديني الذي يتجلى في الرعاية الدينية والتعليم الديني في المدارس وتنظيم الأوقاف، سيتولى تنسيق جهود الجمعيات وأمثال ذلك من الجهود التقليدية التي تحتاج الطائفة إليها في هذه الظروف وفي كل ظرف، تحسين أمر أبنائها وتنظيم شأنهم ورفع مستوياتهم حتى يكونوا في الحقيقة بمستوى سائر أبناء لبنان، ويتمكنوا من أداء دورهم ومسؤولياتهم. أظن انك تقصد هذه الناحية بالذات.
          اعتقد أن الكثير من أهدافنا هي أهداف وطنية. من باب المثل، في طليعة أهدافنا مسألة مكافحة الأمية، لأنه مع الأسف عندنا في الطائفة نسبة كبيرة من الأمية. مكافحة التشرد، تحسين الأماكن والأوضاع وأمثال ذلك في حدود مسؤولياتنا.
          فهذه أهداف عامة واسعة، وتتعدى نطاق الطائفة المعنية، خاصة نحن في اجتماعاتنا دائماً نتحدث أن هناك تعاوناً. نعتبر المجلس منطلقاً جديداً للتعاون. التعاون مع أي طائفة وأي فئة يفسر بشكل من الأشكال. مثلاً تعاوننا مع الطوائف الإسلامية حول أهداف إسلامية خاصة، وتعاوننا مع الطوائف الأخرى حول أهداف دينية وطنية وأخلاقية وغيرها.
          عادل مالك: صاحب السماحة، استناداً الى ما سبق، ما هي هذه الأهداف، أهداف المجلس الأعلى للطائفة الشيعية، وكيف نتمكن من تحقيقها عملياً وخاصة على صعيد المهمات الوطنية كما تفضلتم؟
          الإمام الصدر: بطبيعة الحال تنظيم الطاقات الموجودة عند أبناء الطائفة الشيعية، وتكوين نوع من التنسيق والحوار والتعاون للأهداف مع الطوائف الأخرى يسهل مهمة تنسيق الأعمال مع المسؤولين، وبتعبير أخر، نتمكن من أن نقول أنه بهذه الطريقة نتمكن من توحيد وتنظيم جميع الجهود المخلصة في هذا البلد لصالح الأهداف الوطنية الصحيحة.
          وكثيراً ما نتمكن من أن نتبنى مشاريع وقضايا وطنية عامة نستفيد منها في سبيل الطائفة. مثال على ذلك: إذا تحقق مشروع التجنيد الإجباري من الممكن، كما سمعت أن المجندين ستة أشهر يقومون بالتعلم والتدرب على السلاح، والستة أشهر الثانية يقومون بمشاريع عامة من جملة هذه المشاريع فليكن المثقفين من هؤلاء المجندين يروحون في القرى ينشرون العلم لمكافحة الأمية أو بالتعليم الزراعي أو بمحاربة المرض وتأمين الصحة للمناطق. طبعاً هذا بحاجة الى تخطيط عام، فسوف نجعل بالتعاون مع المخلصين من أبناء الطوائف الأخرى ومع المسؤولين نجعل من هذا المجلس منطلقاً للخدمة العامة، لخدمة الله في خلقه في جميع هذه الأمور مع الاستعانة بالتجارب الموجودة في العالم.
          عادل مالك: صاحب السماحة، الإحصاءات العامة أثبتت أن نسبة الشباب في لبنان تتجاوز نصف عدد سكانه، أي تجاوز 55% لكن الملاحظ حتى الآن أنه لم يحدث أي تجمع لشباب الطليعة يمكن أن نستفيد منه على صعيد لبناني عام. فماذا تقترح سماحتكم بهذا الشأن؟
          الإمام الصدر: وجود التجمع بين الشباب هذا أمر طبعاً يجب أن يترك لهم. يعني الشباب هم لازم يتجمعوا ويحققوا أهدافهم المشتركة، لكن فيما يعود إلينا يعني المجتمع القائم، البحث في الموضوع يجب أن يكون كيف نستفيد من طاقات الشباب. وطاقات الشباب كثيرة جداً لأجل الحال ولأجل المستقبل. وكيفية الاستفادة من هذه الطاقات ارتباط بالمجتمع القائم لأنه بطبيعة الحال، الشباب لأنه جديد يريد شيئاً جديداً، ولأنه ما تعب وما كدّ في تكوين هذا المجتمع، لا يحب المجتمع ويريد أن يكون شيئاً جديداً، وهذه الثورية عند الشباب نابغة من ها هنا، من أن أرتباطهم بالمجتمع القائم ضعيف. أمامنا ارتباطان، ارتباط عقلاني وعاطفي الارتباط العقلاني غير موجود في الوقت الحاضر بين المجتمع وبين الشباب. ربما سابقاً كان موجوداً نتيجة لبطء التطور البشري لكن اليوم نتيجة لتطورات المجتمعات البشرية السريعة، الارتباط بين الشاب وبين المجتمع ضعيف من الناحية العقلانية. حتى لو كان الأب أستاذاً جامعياً وفيلسوفاً كبيراً: الشاب تحرك الى غير ما هو فيه أبوه أو مجتمع أبيه، ولهذا يجب أن نحاول المحافظة على الارتباط العاطفي بين المجتمع القائم وبين الشباب، وهذا لا يأتي إلاّ عن طريق التربية البيتية. نحن مش لازم ننسى أننا تجاهلنا واجباتنا البيتية، كل واحد منا يفكر أنه إذا وضع إبنه في المدرسة الخاصة الداخلية أو في المؤسسات أو أخذ له معلّماً أو خادماً وتفرغ هو أو هي لشؤونه الخاصة أو الإجتماعية هذا غير كاف إطلاقاً لأن هذا يفصل بين الشاب وبين بيته، والشاب لا يشعر بارتباط عقلاني ولا ارتباط عاطفي ثم يعزل ويهمل، أحياناً نسمعهم يريدون تحطيم تراث الماضي.
          علينا أن نكون الارتباط العاطفي بين الشاب وبين أهله. ولكن أفضل من هذا كله هو الإرتباط الديني المتطور المنفتح الواعي، وهذا لا يأتي إلا عن طريق التربية الدينية المنفتحة الواعية في جميع الأوساط، في جميع المؤسسات، في جميع المدارس في الجامعات حتى بالشكل السليم، يعني بتكوين مناخ طاهر ملائم لهذا الشيء حتى نتمكن من تكوين شبابنا والإستفادة من طاقاتهم في المستقبل.
          المجتمع اليوم بحاجة الى طاقات الشباب وخاصة هذه النسبة التي أظن أنها غير موجودة في نقطة من نقاط العالم بهذا المستوى. وهذا يبشّر بالخير لأن طاقات الشباب العاملة موجودة. أما التجمع فهذه المسائل أعتقد أنه من الأفضل أن نتركها للشباب أنفسهم ونتمنى لهم التوفيق، كما نتمنى التوفيق للتلفزيون ومشاهديه. وأنا أعتذر ربما ضيق الوقت لم يسمح لي بتفصيل أكثر من ذلك.

          تعليق


          • #20
            الموضوع : رسالة ـ إلى مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد يدعو فيها إلى وحدة المسلمين
            المكـان : بيروت ـ 1/10/1969
            المناسبـة : تحرك سماحة الإمام السيد موسى الصدر لتوحيد كلمة المسلمين
            ـ الــنـــص ـ
            بسم الله الرحمن الرحيم
            سماحة الأخ الجليل الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية الموقر
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية الإسلام الطيبة وبعد:
            في هذه الأيام العصيبة التي تلّف الأمة بالقلق: وبين يدي هذه الأخطار المحدقة التي تجعل المنطقة كلها، حاضرها ومستقبلها في مضرب الطوفان، تبدو لنا بوضوح أكثر فأكثر حاجة المسلمين الملحّة الى وحدة شاملة متلاحمة لجمع ما تفرق من صفوفهم وتوحيد ما يتعثر من جهودهم وذلك حتى تتبين لهم مواقع أقدامهم. وتعود الثقة الى أنفسهم وهم في طريقهم الى المستقبل وأمام بناء تاريخهم وأداء مسؤولياتهم.
            إن جمع الكلمة لتوحيد الطاقات ولتنمية الكفاءات، ليس موجهاً كونها من أشرف الغايات الدينية ووصية نبينا العظيم فحسب، ولكنها أيضاً تتصل بوجودنا وكرامتنا وبمقومات وجود أجيالنا، إنها مشكلة حياتية.
            ووحدة الكلمة هذه لا ينبغي أن تظلّ شعاراً مرفوعاً أو كلمة مكتوبة بل يجب أن تكون ومضة الفكر وخفقة القلب ودرب السلوك، انها البعد الأساسي للمستقبل.
            ولا يكون ذلك إلاّ ببذل عناية فكرية خارقة وإبلائها اهتماماً وجدانياً والسعي والسهر من أجل تكريسها، عندئذٍ تصبح الوحدة حقيقية قائمة ونموذجاً يحتذى. ومثلاً به يقتدى.
            صاحب السماحة:
            وها نحن نضع تجربتنا المتواضعة بين أيديكم وكان قد سبق وعرضت في أول لقاء بيننا في دار الإفتاء الاسلامية منذ أربعة أشهر.
            إن توحيد كلمة المسلمين وعقولهم وقلوبهم، وبتعبير أدق، إنّ تعميق وحدة المسلمين وجعلها على ركائز فكرية وعاطفية متينة يتحقق بطريقتين:
            1ـ توحيد الفقه:
            فالصرح الإسلامي الواحد في الأساس، والأمة الواحدة في العقيدة والكتاب والمبدأ والمنتهى، بحاجة الى وحدة في التفاصيل أيضاً.
            وتوحيد هذه التفاصيل المختلفة أو تقريبها، أمر لم تفت رؤياه الكبيرة، سلفنا الصالح من علمائنا الأبرار قدس الله أسرارهم.
            فقد رأينا الشيخ أبا جعفر محمد بن الحسن الطوسي وضع كتابه، الخلاف منذ ما يزيد على ألف سنة في الفقه المقارن وتبعه العلامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر في كتاب، التذكرة والفقه المقارن هو النواة الصالحة لاستتبات الوحدة الفقهية ولاكتمال وحدة الشريعة.
            وفي أيامنا ومنذ ثلاثين عاماً، أسست نخبة فاضلة ومجاهدة من كبار علماء المسلمين دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة. ومن بينهم المغفور له الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم والمغفور له الأستاذ المجدد الشيخ محمود شلتوت والمغفور له عميد كلية الشريعة بالأزهر الشيخ محمد محمد المدني وكبار علماء المسلمين في لبنان وإيران والعراق كالمقدس سره الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين والمغفور له المرجع الأعلى للطائفة الإسلامية الشيعية في العالم السيد حسين البروجردي والأستاذ العلامة الجليل الشيخ محمد تقي القمى سكرتير دار التقريب الدائم.
            وقد تبنت مؤسسة التقريب هذه، عدى خدماتها الواسعة، مشروعاً وضع خطوطه الأولى وبدأ بتنفيذها والدنا المفغور له الإمام السيد صدر الدين الصدر في كتابه لواء الحمد وهو محاولة لجمع كل ما رواه المسلمون في مختلف فرقهم عن النبي صلى الله عليه وآله في سائر حقول العقيدة والشريعة، ليكون مرجعاً للمسلمين بعد القرآن الكريم ويعتبر ادق سعي لتوحيد السُـنة النبوية المطهّرة.
            وقد وضع خلال هذه الفترة بعض هؤلاء الاعلام وغيرهم، أبحاثاً وكتباً حول الفقه والمذاهب الإسلامية.
            ثم جاء دور الموسوعات الفقهية وبدأت جامعة دمشق بوضع "الموسوعة الفقهية" وبدأت جامعة الأزهر بتأليف "موسوعة عبد الناصر للفقه الإسلامي" والآن تجري في جامعة الكويت نشاطات كبيرة حول إكمال "الموسوعة الفقهية".
            وألفّ الأستاذ الأكبر عميد كلية الفقه في النجف الأشرف السيد محمد تقي الحكيم كتاباً جليلاً حول المبادئ العامة للفقه المقارن.
            إنّ هذه المساعي البنّاءة بدأت تعطي ثمارها في فتاوى فقهاء المسلمين وتؤكد أننا أصبحنا على مقربة من وحدة الفقه بإذن الله.
            2 ـ طريق المساعي المشتركة:
            وهذه الطريق يبدو في الظروف الاستثنائية، مثل ظروفنا في لبنان، اكثر ملائمة وأسرع إنتاجاً.
            ويتمثل بحشد جهود مشتركة لتحقيق أهداف متنوعة يعدّ بحد ذاته كسباً وحدوياً ويؤدي السعي المشترك الى تلاقي العاملين في ميدان واحد كرفقاء سلاح، لتشيع الثقة وترتاح النفوس حيث تتجلّى وحدة العقيدة والمشاعر.
            وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بعض هذه الأهداف:
            أ ـ الأهداف الشرعية المحضة: مثل توحيد الأعياد والشعائر الدينية وصيغ بعض العبادات كالأذان والجماعة وغيرها.
            فبالإمكان درس اقتراح يرمي الى الاعتماد على الطرق العلمية الحديثة لاكتشاف وجود الهلال في الأفق في زاوية الرؤية، توصلاً إلى معرفة العيد بصورة دقيقة لكي يمكن للمسلمين في العالم اعتماده في يوم واحد ولكي يوفّر لهم المتاعب التي تحصل لهم ولكل من يريد مشاركتهم بزيارة أو عطلة أو خلافه، تلك المتاعب التي نعيشها لتأخّر ثبوت العيد. وبالإمكان دراسة صيغة مقبولة للآذان لدى الجميع.
            ب ـ الأهداف الاجتماعية: وتبدو صورة هذه الجهود المشتركة في المساعي الرامية الى مكافحة الأمية والتشرد ورعاية الأيتام ورفع مستوى حياة الكادحين.
            ومن السهل تأسيس مؤسسات لهذه الغايات السامية ودعم الموجودة منها برعاية أوسع وتأييد أمنع.
            ج ـ الأهداف الوطنية : وهل هناك ريب في وحدة مشاعرنا الوطنية، فوجوب المشاركة الفعلية لتحرير فلسطين، وواجب حماية لبنان من مطامع العدو الغادر، وواجب دعم المقاومة الفلسطينية المقدسة.
            وضرورة الاستعداد التام والتعاون الكامل مع الدول العربية الشقيقة لمواجهة العدوان المحتمل في كل لحظة.
            وموضوع تحصين الجنوب بصورة خاصة، وكل لبنان بصورة عامة ليصبح قلعة عليها تتكسّر قرون إسرائيل وتتبدد مطامع الاستعمار. كل هذه.. أهداف ليس عليها أدنى خلاف، ولكنّها كلها بحاجة ملحة الى وضع دراسات دقيقة لتنفيذها ولتحديد المسؤوليات فيها وتنسيق جهود جميع أبناء هذا البلد فيما بينهم ومع المسؤولين، ومع الدول العربية ولتجنيد طاقات المسلمين في العالم، واصحاب الضمائر الحية والنوايا الحسنة في كل مكان.
            ولأجل المشاركة الحقيقية في هذه الواجبات أي بذل جميع ما في الوسع علينا أن ندرس هذه الأمور وبرامجها وأساليبها بصورة مشتركة تسهل تنسيق النشاطات ومضاعفتها.
            هذه نماذج نعرضها على سماحتكم على أمل دراسة الموضوع من كل جوانبه وتكليف ذوي الاختصاص لتكوين لجان مشتركة والشروع في العمل فوراً.
            صاحب السماحة:
            وقبل أن أوقع هذه الرسالة وأقدمها. نلفت نظر سماحتكم إلى أن شهر رمضان المبارك أصبح قريباً، ورمضان المبارك فرصة فريدة، كما تعلمون لخلق جو روحي وبطولي يعيش فيه المسلم ذكرياته الخالدة لكي تنعكس تلك المواقف العظيمة على حياته فتتحول إلى حركة مماثلة تمتن واقعه في هذه الأيام.
            ولذلك نرجو الإسراع بتكليف المسؤولين في هذا الشأن بدار الإفتاء الإسلامية للاجتماع بأعضاء لجنة النشر والإعلام في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحضور وتعاون بعض الناشطين من المؤمنين الاختصاصيين في دوائر الإعلام الرسمية لوضع برامج متكاملة على خلق الأجواء المناسبة لهذا الشهر العظيم وتذكي في نفوس المسلمين جذوة الخير والحق والبطولات.
            ودمتم يا صاحب السماحة للإسلام وللخير كله ولإخوانكم أعضاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولأخيكم المخلص.

            موسى الصدر

            تعليق


            • #21
              بسم الله الرحمن الرحيم

              شكرا لك أخي الكريم صدر على هذا الموضوع المفيد ..

              وإن شاء الله نرى منك المزيد
              وتقبل تحياتي


              اللهم يا راد يوسف على يعقوب ... رد إلينا سيدنا الصدر السجين
              يا الله

              تعليق


              • #22
                السلام على من اتبع الهدى

                مشكور اخي صدر على هذا الموضوع المهم والمغيب عنالأذهان ،،

                بارك الله فيك

                وأعاد الله امامنا انه سميع مجيب ،،

                تعليق


                • #23
                  سيرة الأمام الصدر(مؤتمر صحفي 2)

                  الموضوع : مؤتمر صحفي ـ إسرائيل خطر على الجنوب وهو مسؤولية لبنانية وعربية
                  المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية ـ 19/11/1969
                  المقدمـة:
                  تلا الإمام الصدر في المؤتمر بياناً حدد فيه الخطوط العريضة التي ينبغي على ضوئها وضع قاعدة الانطلاق نحو المستقبل المليء بالأخطار المصيرية. وقال أن المبادئ المتفق عليها هي التالية:
                  ـ الــنـــص ـ
                  المبادئ المتفق عليها :
                  1 - إن إسرائيل بوجودها وبما لها من أهداف تشكل خطراً علينا محدقاً على جنوبنا وشمالنا، وشعبنا، وعلى قيمنا وحضارتنا، على اقتصادنا وسياستنا.
                  إنها تشكل الخطر الآن وفي المستقبل، في المنطقة وفي أبعاد لبنان التاريخية والجغرافية والبشرية.
                  هذه المبادئ لا تحتاج الى إثبات إلاّ لمن يجهل حقيقة إسرائيل أو تجاهلها.
                  2- ومجاورة هذا الخطر الدائم الداهم تقتضي الاستعداد الدفاعي والسياسي والإعلامي والاقتصادي والاستعداد النفسي أيضاً وبدون هذه الاستعدادات نعيش حالة الاستسلام أو تجاهل الخطر.
                  3- ومن صميم الاستعداد لهذه المعركة المحتومة إضعاف الخصم أيضاً بأي صورة وفي أي حقل وكلنا نعرف أن من أفضل وسائل تحقيق هذه الغاية وجود المقاومة الفلسطينية ونموها.
                  دعم المقاومة :
                  وهذا يعني أن دعمنا للمقاومة ومشاركتنا في تصعيدها وحرصنا على سلامتها، هذه المساعي هي جزء من استعدادنا لمجابهة العدو ولذلك فهي تنطلق من نفس المبدأ الذي ينطلق منه السعي للمحافظة على الوطن والدفاع عنه ولا تتناقض معه إطلاقاً.
                  4- إن معركتنا هذه ذات وجوه كثيرة فهي معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجهات، وطنية، قومية، دينية. إنها معركة الماضي والمستقبل. معركة المصير وهذا يعني أن المطلوب منا الاستعداد ليس لأجل الأيام والأسابيع القادمة فقط ولكنه للسنوات ولعشرات السنين وعلى جميع الجبهات وبكل المستويات ومع جميع الطاقات.
                  نقطة الضعف في الجبهة :
                  5 - إن منطقة الجنوب بوضعها الحالي تشكل نقطة ضعف كبيرة في الجبهة حيث أنها بطبيعتها الاستراتيجية النادرة وغناها الطبيعي تؤثر في وضع المعركة عند تعرض العدو لها وتغير معالم الحرب والتوازن بين القوى .
                  وهذا يعني التهاب أطماع العدو على المنطقة التي ليس مع الأسف مستعدة إطلاقاً للدخول في المعركة دفاعياً واجتماعياً ونفسياً ويعني هذا الكارثة، كارثة لبنان حتى قبل الشروع في المعركة.
                  6- ومنطقة الجنوب هذه لا يمكنها وحدها القيام بأعباء الدفاع ولا تحضير معركة من معاركه، ولكنها كانت ولا تزال جزءاً مخلصاً ومؤثراً في مصير هذا البلد وهذه الأمة.
                  فوقوفها أو أنهيارها ليس أمراً عابراً، بل ينعكس على المناطق الأخرى بصورة عنيفة .
                  7- وهنا نصل الى نتيجة حتمية للمقدمات والمبادئ الستة السابقة، وهي ضرورة مشاركة جميع اللبنانيين. بل العرب أجمع، في تحسين أوضاع الجنوب دفاعياً واقتصادياً ونفسياً وجعله مستعداً للصمود ولخلق السد الأول في وجه العدو .
                  واجب الدفاع عن النفس :
                  إن المشاركة هذه ليست وظيفة دينية قومية وطنية فحسب، بل إنها حاجة للدفاع عن النفس لكل مواطن لبناني ولكل عربي بل لكل مؤمن في الشرق.
                  والتأكيد هنا على هذه الحقيقة الواضحة ليس غريباً حينما نشعر اللامبالاة عند بعض المواطنين وكأنهم يعيشون أيام القرون الوسطى حينما كان الإنسان يحمي عائلته أو قريته بمعزل عن محيطه وحينما كان يعيش في واحة بين أمواج من التوتر واللهب تجتاح ما حوله .
                  الحاجة الى الأوطان ليست ترفاً فكرياً :
                  إن الحاجة إلى الأوطان ليست ترفاً فكرياً أو رغبة في اتساع رقعة المسكن أو اتفاقية مكتوبة تربط بين المناطق المتعددة، بل هي حقيقة التطور والنمو التدريجي في المنافع والأخطار والمصالح والأضرار، وهي أيضاً المشاركة المحقة في الآلام والآمال .
                  وبقاء الأوطان وخلودها أيضاً ليس أنشودة ولا حلماً، ولا التزامات وطنية أو دولية بل هو الوحدة الحقيقية في الاتجاه، في المبدأ المتكون من الآلام والمنافع، وفي المنتهى المتجسد بالامال والطموح .
                  فشل العدو في إفساد الوحدة :
                  والشعب يبقى لا كأفراد وأنفار (فما أكثر الأمم الغابرة) بل يبقى كاتجاه ورسالة حتى لو ذهب بعض أفراده وقتل الألوف أو عشرات الألوف منه. وهنا بالذات يكمن سرّ القوة وموطن الضعف لكل شعب ولكل أمة.
                  إن العدو كان يظن أنه يتمكن بواسطة ضرب المطار تجزئة هذا الشعب، والمتربصون دائماً يتوقعون الانهيار الداخلي لوجود الطوائف المختلفة في لبنان. الا وقد خاب ظن المتربصين ورد كيد العدو، فلنقوي هذا الاتجاه الوطني الواحد بالمشاركة الحقيقية التي هي الميثاق الحقيقي وهي المواطنية الصادقة والوحدة الحقيقية. في ساعات الرخاء وأيام السلام، كان تقسيم المنافع والمشاريع بالنسبة إلى منطقة الجنوب جائراً، ولكن هذه المنطقة صبرت واحتسبت وكانت وفية.
                  فلنتحمل عنها بعض الأعباء، ولنشاركها في المحنة لكي يشعر أبناؤها بوضوح أنهم مواطنون في الساعات الحرجة على الأقل.
                  ما أحوج أبناء الجنوب إلى الوضوح في هذا الوقت والتأكد من مشاركة اللبنانيين جميعاً لهم والعرب أجمع، سيما بعد طول الإهمال والكثير الكثير من الوعود المنجزة.
                  عزم الجنوب على الصمود وشروط هذا الصمود :
                  أؤكد لكم رغبة منطقة الجنوب وعزمها على الصمود، وعلى تحمل المحنة حتى الفناء (ولا فناء)، ولكن عليكم أن توفروا للجنوبيين وسائل الصمود وامكانية الصمود واعطاء فعالية لصمودهم .
                  أعطوا الأفضلية للجنوب في الموازنة العامة سنة أو سنتين، بعد أن عاش في أفضلية الحرمان منها عشرات السنين .
                  أنجزوا المشاريع المدروسة والمقررة والموعود بها عشرات المرات، وأولها مشروع الليطاني. مئات من القرى سجلت الأراضي المطلوبة باسم وزارة التربية على أمل بناء المدارس فيها وهي تنظر. والأراضي المتملكة للطرقات وعبور الأنابيب وبناء الخزانات كثيرة بانتظار الإنجاز.
                  ساهموا في رفع معنويات أبناء الجنوب، زوروهم، اكتبوا عنهم وعن بلادهم مقالات وريبورتاجات. أقيموا مواسم وأعياداً وطنية ومهرجانات مهذبة بينهم، وأكثروا من ا لتنقل في قراهم النائية وبصورة خاصة القرى المجاورة للحدود .
                  درّبوا أبناء الجنوب وسلحوهم :
                  درّبوهم على السلاح وسلّحوهم، وحافظوا على ولائهم الوطني وعلى ولائهم لكم. وبهذه الوسيلة تكونون قد ساعدتم جيش الوطن، وحافظتم على المقاومة الفلسطينية، وكونتم نواة المقاومة الوطنية لليوم العصيب.
                  أسسوا لجاناً شعبية لنصرة الجنوب ولإنعاشه ولصموده تستعين بالمواطنين وبالعرب حكومات وشعوباً في كل مكان، فتؤسس لهم مدارس ومستوصفات نقالة ومشاريع ومصانع ووسائل الدفاع المدني وأمثال ذلك.
                  وها أنا أعلن تكوين هذه اللجنة عن المجلس، وأقترح على لجنة المتابعة المشتركة ذلك.
                  وانتقل الإمام الصدر بعد ذلك للرد على أسئلة الصحافيين فأوضح أن الغاية من تشكيل اللجان الشعبية هي أن إمكانات الدولة في مساعدة الجنوب محدودة سواء لجهة الموازنة العامة أو لجهة العنصر البشري ومهما طالبنا بإعطاء الأفضلية للجنوب فإن النتائج تبقى محدودة ما لم يشاركها دعم شعبي.
                  وأضاف: "لقد أبلغنا الرئيس حلو أن الملتزمين امتنعوا عن تنفيذ المشاريع في الجنوب، إن هذا الأمر يعني وجوب مشاركة الشعب وتحمل بعض الأعباء. واللجان الشعبية تمارس هذه الأعباء عن طريق القيام بجمع التبرعات من مختلف البلدان العربية وبلدان العالم قاطبة وبناء مستشفيات نقالة أو مدارس أو مشاريع حيوية تفيد منها المنطقة ولا شك أن إمكانات الشعب لتنفيذ هذه المشاريع هائلة ولا يستهان بها، وفي تكوين هذه اللجان ما يقنع أبناء الجنوب بأن اللبنانيين يفكرون بهم وانهم ليسوا وحدهم في الميدان".
                  ورداً على سؤال آخر قال الإمام الصدر: "إن المجلس الأعلى للطائفة الإسلامية الشيعية قد وجه رسائل إلى النواب لتحديد مواقفهم على ضوء اهتمام المسؤولين بأوضاع الجنوب، فالمؤتمر الإسلامي الذي عقد أثناء الأحداث الأخيرة خرج بقررات واضحة التزم بها الجميع وهي تنص على عدم اشتراك أي مسلم في الحكومة ما لم تتبنى هذه الحكومة أربعة مطالب بينها المطلب القاضي بتعزيز القدرة الدفاعية وتحصين قرى الحدود وتدريب أبنائها".
                  ورداً على سؤال آخر عما إذا كان سيقف عند حدود المطالبة المهذبة الواردة في البيان أم أن هناك تدابير أخرى ستتخذ في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب أجاب سماحة الإمام الصدر:"إن الجنوب بصورة خاصة ولبنان بصورة عامة بعيش بالفعل في ضل أزمة مصيرية، ووضع أبناء الجنوب دفعة واحدة أمام الخطر دون الاهتمام بأوضاعهم لا يبقى معه أي مجال للتهذيب. بل إن التهذيب الحقيقي في المستقبل سيكون في العنف، فأنا أرى بعيني أن الجنوب في خطر، وهذا الخطر يستدعي مني البدء بكتابة الحرف الأول في مواجهته وهو موتي في هذا السبيل".

                  تعليق


                  • #24
                    سيرة الأمام الصدر (محاضرة 1)

                    الموضوع :محاضرة ـ القلق على مستقبل لبنان
                    المكـان : فندق كارلتون بيروت ـ 24/11/1969
                    المناسبـة : ضمن سلسلة محاضرات بمناسبة عيد الاستقلال
                    المقدمـة :
                    في نطاق محاضراته عن لبنان، ألقى سماحة الإمام موسى الصدر محاضرة قيمة ليلة أمس في فندق كارلتون بعنوان "هل نشعر بقلق على مستقبل لبنان؟ ولماذا؟".
                    إستمع للمحاضرة لفيف من أهل الفكر والأدب والصحافة، كما حضرها جمهور غفير من الشباب اللبناني المتطلعّ للحقيقة والمعرفة عبر بلاغة الإمام وصدقه وصراحته.
                    ـ الــنـــص ـ
                    إستهل سماحته المحاضرة بقوله: " مهما اختلفنا في أسباب هذا القلق، فإننا لا نختلف في أصل المبدأ، فنحن قلقون على لبنان".
                    وقال: "إن هناك فرقاً بين القلق وانتظار الصعاب. إن القلق هو الشعور الذي لا علاج له أو الذي علاجه فوق مستوى إمكاناتنا".
                    ثم تساءل: "عما إذا كانت المشاكل فوق إمكاناتنا وتفكيرنا وقدراتنا المحدودة".
                    وأضاف يقول: "إن من ينتظر تقرير المصير والوصول للمستقبل وتأمين الكرامة دون تضحيات وصعوبات وتحمل مشاق، لمخطئ.
                    وها هي الأخطار التي تهدد لبنان؟ وأين هو القلق؟ هل هو في وجود دولة إسرائيل العنصرية المعتدية؟ هذا يمثل جزءاً من الخطر؟
                    هل الخطر في الاستعمار؟ هذا أيضاً جزءاً من الخطر، هل هو في الشيوعية التي تدخل في نفوس الطبقات المثقفة والطبقات المحرومة وتوجهها لتكوين صراع داخلي؟
                    هذا أيضاً جزء من الخطر. كل هذه لا تتعدى كونها مصاعب لا تشكل أخطاراً نعبر عنها بالقلق.
                    إن حقيقة الأمة أو الشعب ليست مجموعة أفراد أو كمية مهملة من البشر. هناك فرق بين الشعب والناس. إن الشعب يعني وجود وحدة ووجود فكر ووجود رسالة تقوم على عاتق الناس وتصهر المختلفات في بوتقة واحدة فتكون أمراً واحداً هو مفهوم الشعب أو الأمة.
                    ماذا تصنع إسرائيل والاستعمار مع أمة؟
                    تشريد؟ قتل؟ لا يهم طالما بقي شخص واحد في الأمة مؤمن بالوحدة التي يتكون منها الشعب".
                    أشار سماحته إلى أن "الخطر على الأمة وعلى لبنان بالذات نابع من داخل هذه الأمة، كالطائفية والفئوية أي في العقلية التي يحملها بعضنا".وأن الوحدة تبدل الأرقام وتتخطى الرياضيات لتصل إلى مرحلة "التفاعل": "هذا يأخذ من ذاك وذاك يعطي هذا".
                    وأشار سماحته إلى: "تخوف المسيحيين من الثورات التي تقوم في الوطن العربي والإسلامي، وشدد على أن الإسلام أبداً ما كان خطراً على إخواننا المسيحيين، فان يد الله مع الجماعة.
                    لا تقوم حياة للمجتمع إلاّ بالتفاعل فيه تقوى الأوطان. أن الخطر ليس في تعدد الطوائف ولكن إذا ما تحول التعدد إلى سلبية فهذا كارثة للوطن.
                    إن الوطن غال ولكنه يحتاج إلى أياد قوية، ويتجاهل الأنانيات والفئويات.
                    علينا التطور عقلياً، دولة وشعباً، وإلا فلبنان يحتضر.
                    إن العلاج يكمن في السمو في التفكير والتوسع في المسؤولية.
                    وختم سماحته محاضرته بقوله:
                    "إنني أنذر من الوصول إلى النهاية. ونحن أكثر من قلقين على لبنان".

                    تعليق


                    • #25
                      سيرة الأمام الصدر (رسالة الى النواب)

                      الموضوع : رسالة ـ إلى النواب اللبنانيين: وضع منطقة الجنوب وحاجاتها
                      المكـان : بيروت ـ 3/12/1969
                      المناسبـة : تكاثر الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب ومناقشة الموازنة في مجلس النواب
                      ـ الــنـــص ـ
                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      حضرة النائب الكريم
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
                      يسرني أن أبلغكم مع التحيات الأخوية الصادقة هذا النداء الحار المقترن بالأمل والثقة في أحرج ساعات الوطن المصيرية، وهو صدى لصوت ضميركم، وتعبير عن الأحساس بالمسؤولية التاريخية الجسيمة التي وضعت على عاتقكم، سائلاً المولى جلّ وعلا تأييدكم وتسديد خطواتكم.
                      لقد كلفني المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أن أوجه إليكم صورة مختصرة عن وضع منطقة الجنوب ولبقائها ومطالبهم، وهي مطالب كل لبناني واع وكل عربي مخلص، إنها مطلب حق.
                      لقد كان الجنوب منذ تأسيس معسكر العدو بشكل دولة إسرائيل، منطقة القلق، وذلك لوجود الأطماع التاريخية والعسكرية والاقتصادية التي ظهرت للجميع، وهذا القلق كان ولا يزال يؤثر في وضع الجنوب النفسي والاقتصادي والاجتماعي مما يجعل ابناءه لا يتمكنون من تحمل الأعباء وحدهم دون مشاركة مواطنيهم في مختلف المناطق اللبنانية ودون رعاية رسمية خاصة.
                      ومن الطبيعي أن الوضع الجديد هذا يضاعف المسؤوليات لأبناء الجنوب ويطالبهم بالمزيد من التضحيات، حيث يزيد في تهديدات العدو وتصرفاته الانتقامية العصبية. ولا أتصور أن ترك الجنوبيين وحدهم في الميدان في مختلف الأوضاع الدفاعية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، يخدم سوى مصلحة العدو.
                      ولا يمكن أن يحل المشكلة مواساة الجنوب بالعواطف وبعض لمساعدات الجزئية، بينما أبناء الجنوب يقفون على خطوط النار ويشعرون أن أرواحهم وحياتهم وكرامتهم ومستقبل أبنائهم معرضة للاعتداء وللتجاوز في كل آن. إن هذا ظلم فاضح، وتبعيض خطير، انه الاستسلام للقضاء بصورة تدريجية، والموت بالأقساط.
                      لذلك فأنني أطالبكم مطالبة أخ مخلص لأخيه في ساعة المحنة، مشاركة أبناء الجنوب بكل ما للكلمة من معنى، في مختلف المجالات وبكل الطاقات، وتحديد المواقف على أساسها في وقت الاستشارات الوزارية حينما تدعون للمشاركة في الحكومة، في تحضير البيان الوزاري، في وقت طرح الثقة، في دراسة الموازنة والمصادقة عليها، وفي تحضير المشاريع والوسائل المتنوعة الكفيلة لجعل الجنوب سداً منيعاً أمام أطماع العدو وتعدياته.
                      أيها الأخ العزيز، إن لبنان دون منطقة الجنوب أسطورة، وان لبنان مع جنوب ضعيف جسم مشلول، وان لبنان دون قوة الجنوب مغامرة تاريخية. إن الجنوب القوي سياج لبنان واللبنانيين، وسلاح العرب والحق ومصلحة عاجلة وعميقة لكل إنسان في الشرق وفي كل مكان.
                      بانتظار موقفكم ورأيكم أتمنى لكم التوفيق والنجاح في أداء الأمانة والسلام.

                      تعليق


                      • #26
                        سيرة الأمام الصدر (محاضرة2)

                        الموضوع : محاضرة ـ الطائفية والفئوية
                        المكـان : بيروت ندوة الاثنين ـ 5/12/1969
                        المناسبـة : ضمن سلسلة محاضرات بمناسبة الاستقلال
                        المقدمـة : ألقى سماحة الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محاضرة بدعوة من "ندوة الاثنين" حول الطائفية والفئوية والقلق على مستقبل لبنان.
                        وقد وصفت المحاضرة بأنها أجرأ ما قيل من قبل رجل دين كبير يتمتع بكل مزايا الإنسان النبيل والوطني والمفكر.
                        ـ الــنـــص ـ
                        ونأخذ من المحاضرة قول سماحته:
                        "إن تعدد الطوائف إذا كان يشكل عازلاً أو ضعفاً، فلا شك أن تعدد الطوائف يشكل خطراً على الوطن.
                        أما إذا كان تعدد الطوائف يؤدي في النهاية إلى تبادل المعارف والتجارب والحضارات، فانه يشكل قوة لهذا الوطن.
                        إذن، فالخطر ليس في تعدد الطوائف بل في تحول تعدد الطوائف إلى السلبية.
                        والطائفية ليست مبدأ مشكوراً في الأديان، لأن الأديان لا تدعوا إلى السلبية. والطائفية عندنا هي عقدة العقد لأنها تشكل السلبية في هذا البلد.
                        وهكذا تحول الوطن إلى أحزاب، وكل حزب يتعصب إلى أفكاره، فالتعصب يعطي السلبية والشك، ولا فرق عندئذ بين الطوائف والأحزاب التي عندها نفس الروح.
                        لماذا تحول الشعور بالسباق إلى الشعور بالصراع ؟
                        علينا خلق التنافس والسباق، لا خلق الصراع الذي يكون الشعور بالتضارب والكره.
                        وهذا ما نسميه الفئوية. لأنها تجلت الآن بالصراع الطبقي وظهرت قبلا صراعاً حزبياً، وقبلاً صراعاً طائفياً.
                        والدولة يجب أن تكون دولة سماوية لا دولة دينية.
                        فإذا كانت الدولة تمثل مصالح الأقلية فهذا ظلم فاضح للأكثرية.
                        وإذا كانت الدولة تمثل الأكثرية فما هي مصائر الأقلية ؟
                        الدولة يجب أن لا تمثل مصالح الأكثرية أو الأقلية، بل يجب أن تترفع، أي أن تقترب إلى السماء، أي أن تكون بعيدة عن الحزب والطائفية والفئة.
                        نحن في لبنان أصبحنا منذ عشرات السنين نعيش في وطن، كلنا أو بعضنا لا يشعر بالمواطنية الصادقة.
                        نحن في جميع شؤوننا أكثرنا فئويين. نريد من النائب أن يؤمن مصالحنا الخاصة، وكذلك نطلب من الوزير والرئيس والزعيم.
                        أنا لا أنكر وجود ظالم ومظلوم، ولكن لا نريد أن نحول المظلوم إلى ظالم، والظالم إلى مظلوم.
                        من منا تكلم عن غير مصالحه ؟
                        أي نائب عن جبل لبنان قال أن مناطق الجنوب أو عكار أو الهرمل محرومة ؟
                        أي رجل دين مسيحي قال أن المسلمين محرومون ؟
                        أي رجل دين مسلم قال أن الأرمن محرومون ؟
                        إذا كنا لا نشعر بالمواطنية الصادقة، فالوطن غريب عنا ونحن غرباء في وطننا.
                        يجب أن نرفع صوتنا منادين بإنصاف المناطق المحرومة. وعندئذٍ نصل إلى المواطنية.
                        هذا هو الخطر الذي يفتح الباب على مصراعيه للاستعمار ولإسرائيل وحتى لمن هو اضعف من إسرائيل.
                        هذه العقلية التي تأخذ من الدين مركباً تمتطيه من اجل مصالحها.
                        علينا أن نتطور عقلياً. وتطورنا العقلي دولة وشعباً، هو الحس بالروح الوطنية. وعلينا أن نمارس هذا. فالتفكير إذا لم يقترن بالممارسة يتحول إلى نقص، إلى تخدر، يجب أن نشعر بثقل المسؤولية.
                        إذا أردتم أم لم تريدوا، فلبنان محتضر إذا بقيت عقليتنا على ما هي عليه.
                        نحن بانتظار الأغنياء لكي يفكروا بالفقراء. وبانتظار الجمعيات التي عندها وفرة من المال لأن تنظر إلى الفقراء، وبانتظار الشباب لكي يذهبوا إلى المناطق المحرومة والى الحدود ليعملوا هناك.
                        إذا كنا نريد أن نحافظ على لبنان بعقليتنا التي نحن عليها: ما في لبنان.
                        واني لأحذر منذ الآن من النهاية.
                        فنحن لسنا قلقين على لبنان فحسب بل خمسين قلقين عليه".

                        تعليق


                        • #27
                          سيرة الأمام الصدر (عيد الفطر)

                          الموضوع :رسالة ـ معنى العيد ومفهوم الوطن والمقاومة
                          التاريـخ : 10/12/1969
                          المناسبـة : عيد الفطر
                          ـ الــنـــص ـ
                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          أيها المسلمون:
                          مرة أخرى نودع شهر رمضان المبارك الذي عزّ علينا فراقه، وندخل في رحاب عيد الفطر السعيد، بعد أن تكرر مرات ومرات هذا الوداع وهذا الترحاب، وسيتكرر بإذن الله.
                          وعند المحاسبة، نرجو أن نكون قد بلغنا درجة النضج وتجاوزنا قشور هذه الشعائر الإلهية الخالدة. وأن نكون قد عرفنا أن الصيام والصلاة والعيد، ليست طقوساً وتقاليد مفروضة نقدمها تكريماً لله ونؤديها ضرائب للغيب. بل إنها محركات ودوافع تجدد قوة الاندفاع في الحياة الصحيحة، وتصحح الانحراف والخطأ في السلوك الإنساني.
                          لقد بلغنا مرحلة نعرف: أن نفكر ساعة خير من عبادة سنوات، وأن التأمل في الشعائر والانتباه إلى الدوافع، ذلك الذي سماه الشرع المطهر بالنية، هو جوهر العبادة ومحتوى الأعمال الحقيقي.
                          أيها المحتفلون بالعيد:
                          لقد خرجتم من دورة رمضان التدريبية أقوياء في العزيمة، أشداء على تحمل الصعوبات والمحن، صامدين أمام الأهواء والمغريات.
                          ولقد تخرجتم من مدرسة رمضان الإلهية بعقول صافية تشتاق إلى المعرفة، وبقلوب طاهرة تهفو إلى ذكر الله وتحسس آلام المعذبين والمحرومين.
                          ولقد علمكم الصيام كيف يكون الإخلاص للعقيدة وكيف تكون صيانتها في السر والعلانية. والآن، وفي يوم العيد تنطلقون إلى الحياة بأتم الاستعدادات لكي تصنعوا مجتمعاً كريماً منيعاً ينمو فيه العطاء وتتعاظم الكفاءات ويذوب فيه الفساد والرياء، مجتمعا يقذف الكسل والفوضى ويجتذب الجدية والإحساس بالمسؤولية.
                          إنكم مدعوون لبناء وطن ملؤه الجمال والنزاهة، يعتمد على العلم والتنظيم، ويقوم على أساس التحسس بآلام الكادحين والمظلومين وعلى التفاني في خدمتهم ورفع الحيف عنهم.
                          أيها الاخوة:
                          لقد كنا منذ أيام في رحلة إلى بدر الكبرى، فسمعنا نداء الله {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} (الأنفال:26). سمعنا وتذكرنا واقعنا الأليم وتآمر ذوي البغي والضلال علينا وتحالف الصهيونية والاستعمار ضدنا، ثم سمعنا نداء يؤكد {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الأنفال:26).

                          وقد شهدنا معركة حنين في رمضان {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (التوبة:25). وقد شهدنا معركة حـنين هذه وتذكرنا معركة حزيران التي اكتوينا بنارها ثم عدنا فرأينا عناية الله ونجاح مساعينا وانتصارنا إذ نستمع لقول الله تعالى {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (التوبة:26).

                          ودخلنا أيضاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بتأديب الله: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (سورة النصر).
                          لقد عشنا في رمضان أيضاً ذكريات شهيد الحق وقربان العدالة علي بن أبى طالب عليه السلام، وواسينا أحزان الرسول عام الحزن، وفي الثلث الأول من رمضان حينما مات أبو طالب ناصره وحاميه وتوفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى، ولاحظنا تأثير المرأة المؤمنة المجاهدة في حياة الأمة.
                          وأدركنا أخيراً ليلة القدر العظيمة التي جعلها لله خيراً من ألف شهر، وجعلناها بأمر من الله ساعة التوبة والدعاء ونقطة البداية في بناء حياتنا الجديدة، وليلة تقرير مصير مشرق يتناسب مع ماضي أمتنا المجيد ويكون استمراراً حقيقياً له.
                          أيها اللبنانيون:
                          هاهم إخوانكم تدربوا في رمضان، وتجهّزوا بقلوب طاهرة مليئة بالمحبة وبعقول نيّرة مزودة بالعبر، وبعزيمة صارمة مخلصة استعداداً لبناء لبنان الوطن الجميل القوي. وهم يمدّون أيديهم لكم ليتعاونوا معكم في الدفاع عنه وفي عمرانه وتحسين أوضاعه فمدوا إليهم أيديكم المخلصة وتعاونا في جبهة واحدة متراصة، واستعدوا لعودة المخلص يوم ميلاده لكي تصرخوا جميعاً في وجه المعتدين الصهاينة "هذا بيت أبى مكان للعبادة وانتم جعلتموه مغارة للصوص".
                          أيها الأعزاء :
                          إن الوطن يعيش في ضمائر أبنائه قبل أن يعيش في الجغرافيا والتاريخ. ولا حياة للوطن بدون الإحساس بالمواطنية والمشاركة. وهذا يجب أن يبرز بصورة واضحة وسريعة ودائمة في ترفعكم عن العائليات والأقليات والطائفيات والحزبيات.
                          أن تدوي في لبنان أصوات من الشمال تدافع عن حقوق المواطنين في البقاع، وان ترتفع صرخات في الجبل تعيد الحياة العمرانية والمساعي الدفاعية إلى الجنوب، وأن تسعى العائلات والأفراد المكتفية بصورة خاصة لرفع مستوى حياة الكادحين والمحرومين، وان تنادي وتطالب طائفة وتشجب التمييز الطائفي الذي يمارس بالنسبة إلى غيرها: هذه هي المواطنية الحقة وهذه وسيلة بقاء أي وطن.
                          أنتم أيها المجاهدون الفلسطينيون، لقد شرفكم الله وفضّلكم بأن تقضوا العيد في الخنادق وفي ساحات القتال. فاطمئنوا إننا في هذه الأيام وفي كل يوم معكم قلبا وفكراً ولسانا ويداً. نؤيدكم ونناصركم، وندفع عنكم الأذى ونسمع صوتكم للعالم. أنتم مشاعل طريقنا الشاق إلى النصر، أنتم طلائع جيشنا وحماة مستقبلنا، أنتم تنيرون الدرب بزيت دمائكم، وتبعثون الأمل والقوة ببذل مهجكم وأرواحكم.
                          أيها الاخوة:
                          إن الطاقات والإمكانات التي وهبها الله تعالى للبنان كثيرة جداً في داخل لبنان وخارجه.
                          وقد تعلمنا في شهر رمضان المبارك وفي تعاليم الأديان المقدسة أن شرف هذه الطاقات وبركتها هو بأن يستعملها الإنسان في خدمة أخيه، لا باحتكارها وتجميدها، ولذلك فسوف يسعى أبناء هذا البلد بتجنيد كافة طاقاتهم لخدمة قضية العرب الكبرى، قضية فلسطين.
                          وسوف يجنّدون هذه الطاقات لكي يدخلوا الاستقلال والحرية في كل بيت ولكي يوصلوا العلم والعمران إلى كل قرية، ولكي يحافظوا بكل قوة وعزم عن كل منطقة وعن الجنوب بصورة خاصة.
                          وأيها العيد :
                          هكذا وبالآمال العريضة نستقبلك ونرى فيك مع فرحة الإفطار، فرحة أرواحنا بلقاء الله. ونعاهدك على أننا نستعد إذا لزم الأمر لأدراك فرحة اللقاء بالشهادة لحماية بلادنا، وللمشاركة في تحرير أراضينا المغتصبة، والله الموفق المعين، وكل عام وانتم بخير.

                          تعليق


                          • #28
                            سيرة الأمام الصدر (عيد الفطر)

                            الموضوع :رسالة ـ معنى العيد ومفهوم الوطن والمقاومة
                            التاريـخ : 10/12/1969
                            المناسبـة : عيد الفطر
                            ـ الــنـــص ـ
                            بسم الله الرحمن الرحيم
                            أيها المسلمون:
                            مرة أخرى نودع شهر رمضان المبارك الذي عزّ علينا فراقه، وندخل في رحاب عيد الفطر السعيد، بعد أن تكرر مرات ومرات هذا الوداع وهذا الترحاب، وسيتكرر بإذن الله.
                            وعند المحاسبة، نرجو أن نكون قد بلغنا درجة النضج وتجاوزنا قشور هذه الشعائر الإلهية الخالدة. وأن نكون قد عرفنا أن الصيام والصلاة والعيد، ليست طقوساً وتقاليد مفروضة نقدمها تكريماً لله ونؤديها ضرائب للغيب. بل إنها محركات ودوافع تجدد قوة الاندفاع في الحياة الصحيحة، وتصحح الانحراف والخطأ في السلوك الإنساني.
                            لقد بلغنا مرحلة نعرف: أن نفكر ساعة خير من عبادة سنوات، وأن التأمل في الشعائر والانتباه إلى الدوافع، ذلك الذي سماه الشرع المطهر بالنية، هو جوهر العبادة ومحتوى الأعمال الحقيقي.
                            أيها المحتفلون بالعيد:
                            لقد خرجتم من دورة رمضان التدريبية أقوياء في العزيمة، أشداء على تحمل الصعوبات والمحن، صامدين أمام الأهواء والمغريات.
                            ولقد تخرجتم من مدرسة رمضان الإلهية بعقول صافية تشتاق إلى المعرفة، وبقلوب طاهرة تهفو إلى ذكر الله وتحسس آلام المعذبين والمحرومين.
                            ولقد علمكم الصيام كيف يكون الإخلاص للعقيدة وكيف تكون صيانتها في السر والعلانية. والآن، وفي يوم العيد تنطلقون إلى الحياة بأتم الاستعدادات لكي تصنعوا مجتمعاً كريماً منيعاً ينمو فيه العطاء وتتعاظم الكفاءات ويذوب فيه الفساد والرياء، مجتمعا يقذف الكسل والفوضى ويجتذب الجدية والإحساس بالمسؤولية.
                            إنكم مدعوون لبناء وطن ملؤه الجمال والنزاهة، يعتمد على العلم والتنظيم، ويقوم على أساس التحسس بآلام الكادحين والمظلومين وعلى التفاني في خدمتهم ورفع الحيف عنهم.
                            أيها الاخوة:
                            لقد كنا منذ أيام في رحلة إلى بدر الكبرى، فسمعنا نداء الله {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} (الأنفال:26). سمعنا وتذكرنا واقعنا الأليم وتآمر ذوي البغي والضلال علينا وتحالف الصهيونية والاستعمار ضدنا، ثم سمعنا نداء يؤكد {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الأنفال:26).

                            وقد شهدنا معركة حنين في رمضان {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (التوبة:25). وقد شهدنا معركة حـنين هذه وتذكرنا معركة حزيران التي اكتوينا بنارها ثم عدنا فرأينا عناية الله ونجاح مساعينا وانتصارنا إذ نستمع لقول الله تعالى {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (التوبة:26).

                            ودخلنا أيضاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بتأديب الله: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (سورة النصر).
                            لقد عشنا في رمضان أيضاً ذكريات شهيد الحق وقربان العدالة علي بن أبى طالب عليه السلام، وواسينا أحزان الرسول عام الحزن، وفي الثلث الأول من رمضان حينما مات أبو طالب ناصره وحاميه وتوفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى، ولاحظنا تأثير المرأة المؤمنة المجاهدة في حياة الأمة.
                            وأدركنا أخيراً ليلة القدر العظيمة التي جعلها لله خيراً من ألف شهر، وجعلناها بأمر من الله ساعة التوبة والدعاء ونقطة البداية في بناء حياتنا الجديدة، وليلة تقرير مصير مشرق يتناسب مع ماضي أمتنا المجيد ويكون استمراراً حقيقياً له.
                            أيها اللبنانيون:
                            هاهم إخوانكم تدربوا في رمضان، وتجهّزوا بقلوب طاهرة مليئة بالمحبة وبعقول نيّرة مزودة بالعبر، وبعزيمة صارمة مخلصة استعداداً لبناء لبنان الوطن الجميل القوي. وهم يمدّون أيديهم لكم ليتعاونوا معكم في الدفاع عنه وفي عمرانه وتحسين أوضاعه فمدوا إليهم أيديكم المخلصة وتعاونا في جبهة واحدة متراصة، واستعدوا لعودة المخلص يوم ميلاده لكي تصرخوا جميعاً في وجه المعتدين الصهاينة "هذا بيت أبى مكان للعبادة وانتم جعلتموه مغارة للصوص".
                            أيها الأعزاء :
                            إن الوطن يعيش في ضمائر أبنائه قبل أن يعيش في الجغرافيا والتاريخ. ولا حياة للوطن بدون الإحساس بالمواطنية والمشاركة. وهذا يجب أن يبرز بصورة واضحة وسريعة ودائمة في ترفعكم عن العائليات والأقليات والطائفيات والحزبيات.
                            أن تدوي في لبنان أصوات من الشمال تدافع عن حقوق المواطنين في البقاع، وان ترتفع صرخات في الجبل تعيد الحياة العمرانية والمساعي الدفاعية إلى الجنوب، وأن تسعى العائلات والأفراد المكتفية بصورة خاصة لرفع مستوى حياة الكادحين والمحرومين، وان تنادي وتطالب طائفة وتشجب التمييز الطائفي الذي يمارس بالنسبة إلى غيرها: هذه هي المواطنية الحقة وهذه وسيلة بقاء أي وطن.
                            أنتم أيها المجاهدون الفلسطينيون، لقد شرفكم الله وفضّلكم بأن تقضوا العيد في الخنادق وفي ساحات القتال. فاطمئنوا إننا في هذه الأيام وفي كل يوم معكم قلبا وفكراً ولسانا ويداً. نؤيدكم ونناصركم، وندفع عنكم الأذى ونسمع صوتكم للعالم. أنتم مشاعل طريقنا الشاق إلى النصر، أنتم طلائع جيشنا وحماة مستقبلنا، أنتم تنيرون الدرب بزيت دمائكم، وتبعثون الأمل والقوة ببذل مهجكم وأرواحكم.
                            أيها الاخوة:
                            إن الطاقات والإمكانات التي وهبها الله تعالى للبنان كثيرة جداً في داخل لبنان وخارجه.
                            وقد تعلمنا في شهر رمضان المبارك وفي تعاليم الأديان المقدسة أن شرف هذه الطاقات وبركتها هو بأن يستعملها الإنسان في خدمة أخيه، لا باحتكارها وتجميدها، ولذلك فسوف يسعى أبناء هذا البلد بتجنيد كافة طاقاتهم لخدمة قضية العرب الكبرى، قضية فلسطين.
                            وسوف يجنّدون هذه الطاقات لكي يدخلوا الاستقلال والحرية في كل بيت ولكي يوصلوا العلم والعمران إلى كل قرية، ولكي يحافظوا بكل قوة وعزم عن كل منطقة وعن الجنوب بصورة خاصة.
                            وأيها العيد :
                            هكذا وبالآمال العريضة نستقبلك ونرى فيك مع فرحة الإفطار، فرحة أرواحنا بلقاء الله. ونعاهدك على أننا نستعد إذا لزم الأمر لأدراك فرحة اللقاء بالشهادة لحماية بلادنا، وللمشاركة في تحرير أراضينا المغتصبة، والله الموفق المعين، وكل عام وانتم بخير.

                            تعليق


                            • #29
                              سيرة الأمام الصدر (نداء الى اللبنانين)

                              الموضوع : نداء ـ إن لبنان في خطر عظيم داهم
                              المكـان : تلفزيون لبنان ـ 29/1/1970
                              ـ الــنـــص ـ
                              أيها اللبنانيون
                              لا أجد صعوبة في توضيح الوضع المهدد في لبنان، ولا أتصور أيّ غموض أجل إدراك أبعاد الكارثة التي تتربص بوحدة هذا البلد ومصيره وتهدد حياة أبناءه وكرامتهم. إن الخطر الذي يستهدف لبنان الجنوبي هو الخطر الحقيقي على الأراضي اللبنانية بأجمعها وانهيار الجنوب لا ينفصل حتماً عن سقوط المناطق الأخرى.
                              إذا كنا نجد في التاريخ أو في بعض الأفكار المتحفية، نجد في لبنان الجبل أو لبنان المتصرفيات والأقاليم.
                              وإذا رأينا أن في بعض الحوادث القديمة سقطت منطقة لبنانية وبقيت مناطق أخرى قائمة مدافعة أو مهاجمة.
                              إذا رأينا ذلك فان القرون الوسطى قد انطوت ودفنت معها هذه النوادر والأحداث.
                              ثم إن طبيعة العدو الصهيوني تختلف عن طبيعة أيّ عدو أو مستعمر وبعض التأمل الواقعي يرسم لنا زيف هذه الافتراضات وعدم إمكانية تجدد تلك الأحداث في عصرنا الحاضر.
                              أيها الإخوان:
                              لا أناشدكم باسم إخوانكم في الجنوب فحسب، الذين عاشوا وما زالوا يعيشون آلامكم وآمالكم والذين سعوا وما زالوا يسعون لتكوين أمجادكم ومصالحكم المادية والمعنوية وقد ذابوا مقتنعين معتزين في هذا الوطن.
                              ولكني أقول لكم: يا أيها الذين أحسوا بآلام الأجانب والغرباء وتألموا للحق الضائع أينما كان وعاشوا مأساة المظلومين والمعتدى عليهم من بني الإنسان. أنتم الذين اتخذتم من مهاجركم أوطانا تضحون لها وتنضحون في الولاء لأجلها، انتم أيها الأنسانيون، هل تحتاجون إلى سبب أو نداء لكي تتحركوا وتبذلوا جهداً لخدمة الجنوب جنوبكم ولخدمة لبنان وطنكم ولحماية أبنائه أبنائكم.
                              أيها الأعزاء: إن وطنكم في خطر عظيم وداهم، هذا محض الحقيقة وصريح الواقع. أما الغريب الغامض. أما السر الخطير هو:
                              أن يكون الخطر قريباً منكم وكأنه لا يعنيكم، أن نتفرج باطمئنان وبلا مبالاة وبشيء من الحزن المترف على واقع لبنان الجنوبي ومصيره. هذه هي المأساة أيها الاخوة. استعراض للأحداث الأخيرة وللاعتداءات المتكررة على لبنان، على منطقة عزيزة من لبنان تشكل ركناً أساسيا في تاريخه وفي كيانه وفي استقلاله، واكتفائه الذاتي. استعراض سريع يؤكد أن هذا البلد يواجه خطراً مصيرياً.
                              وأمام هذه الحوادث ترتفع أصوات وتعلو صرخات وتظهر نشاطات، ولكن ويا للأسف المرير جميعها من منطقة معينة ومن طائفة معينة. اللهم إلاّ بعض المؤاساة واللياقات من الآخرين.
                              تتخذ تدابير، وتقرر امور بتثاقل وبطئ تقليديين ومع التحفظ والشروط الصعبة لأجل تنفيذها.
                              أليس في هذه الظاهرة نعي للوطنية ونذير في الإحساس المواطني وتشاؤم على مستقبل لبنان وكرامته؟
                              هذه اللامبالاة العامة تملأ القلب ألماّ وتميت الأمل وهي التي فرضت عليّ مناشدتكم هذه الليلة. أيها الاخوة، ويزيد القلق تصاعد الخلافات السياسية واستغلال الوضع للمصالح الخاصة وكان الجو هادئاً وعلينا أن نبحث في الكماليات أو نختلف على الأرباح.
                              والخطوة تبلغ مداها حينما يحاول البعض إذكاء نار الخصومة وخلق عداوات جديدة بين الاخوة والأشقاء.
                              أن يتهم لبنان وبنوه وكأن المشكلة مشكلة فلسطين لا تعنيهم وان العدو الصهيوني ليس عدوهم، مع العلم أن لبنان من الأهداف الأولية للصهيونية العالمية وهو داخل في أطماعهم العاجلة.
                              أو أن تستدرج المقاومة الفلسطينية في الأمور السياسية المحلية وتصور وكأنها لا تبالي بسلامة لبنان وتعرض أبناءه للأخطار.
                              إن هذه المحاولات هي أمضى سلاح بيد العدو المتربص الذي يترقب المزيد من التصادم بين الاخوة ويحاول خلق أجواء لنقض التعاون وابطال اتفاقية القاهرة وإنشاء الفوضى والتشكيك في النفوس.
                              وأخطر من هذه محاولات تبذل لخلق الشك في النفوس بكل شيء وبكل شخص وبكل مؤسسة وبالتالي تحطيم الثروات الوطنية والقومية والطعن في القادة المخلصين وبناء مجد على الأنقاض.
                              الإيمان بالله، الذي هو ثقة وطموح وأمل، الإيمان بالله الذي يوصل الموت بالحياة فيعدد وجود الإنسان وعطاءه.
                              الإيمان الذي يجند طاقات الفرد ويوحد طاقات الجماعة وينسق سلوك الإنسان مع حركة الكون في موكب الحياة من الأزل إلى الأبد.
                              الإيمان بالله الذي خلق للعرب اشرف تجربة وصنع لهم الأمجاد ولا يزال يطرز صفحات حياتهم بالنقوش الحمراء وتشعشع في جنبات ليلهم العليل اشراقات الامل.
                              إن هذا الإيمان في رأي البعض يجب أن يموت، يجب أن يقضي عليه لأنه سبب النكسة، حتى تخيم الظلمات على حياة هذه الأمة ولكي تتمكن الخفافيش من الانطلاق والتحرك.
                              هذا الإيمان بالله يزعجهم ويحاولون التشكيك فيه ووضعه في قفص الاتهام ثم يبرزون بعض التعاليم الدينية بصورة سطحية وطفولية ويضمون إليه سخافات بعض الكتاب السابقين وفكاهات الأدباء المعاصرين ويخرجون مسرحيات زائفة يتهمون الدين بها ويحاكمونه غيابياً ويستغلون الحريات التي هي من ثمار الإيمان ومن مكاسب المؤمنين، كل هذا لكي يقتلعوا من الصدور جذور الإيمان ويخمدوا في القلب نور الإسلام.
                              مع العلم أن هذه التعاليم هي تعاليم تربوية عامة يجب أن تفهم بصورتها الصحيحة ويجب أن تؤخذ من مصادرها الأصيلة.
                              فالحديث عن خلق الملائكة والإنسان وسجودها له وامتناع إبليس وطرده هو الحقيقة حكاية الإنسان على الأرض يعيشها كلّ واحد منا.
                              الإنسان يخلق فيجد نفسهم مخيراً بين الخير والشر متمكناً من معرفة كلّ شيء يسعى في سبيل المعرفة ويسيطر على القوى الكونية التي عرفها ويبقى في صراع مرير مستمر مع قوى الشر التي يقودها إبليس في العرف الديني. الإنسان في طريق السيطرة على كلّ شيء، أيّ الوصول إلى مقام خلافة الله في الأرض والى مقام تسجد له الملائكة التي هي المدبرات للأمور الكونية ولكن قوى الشر تتمرد عليه دائماً حيث الصراع يستمر ومعها يبقى التخيير.
                              إن هذه فصول لحياة الإنسان ترسم أمامه يجب أن يفهمها فهماً صحيحاً فيجعل من حياته حركة دائمة مع طموح لا نهائي.
                              وهكذا يفهم المتأمل كلام الله الذي لا يأتيه الباطل ولا يحتوي على الأساطير ولا يشبه الشعر والقصص.
                              ولكنهم يجمدون افهامهم ويزيفون التعاليم ويطعنون فيها لكي يعمقوا المحنة ويبثوا الفتنة والمعارك الداخلية ولكي يمتصوا الأمل الباقي في القلوب.
                              أيها اللبنانيون :
                              هذه هي الأجواء المأساوية المحيطة ببلدكم، وهذا هو القدر المحتوم الذي ينتظركم والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
                              وقد أودع الله في لبنان طاقات وقوى تفوق الوصف وتتجاوز التقدير، فالعلاقات القائمة بينه وبين العالم تصلح لإثارة الضمير العالمي ولتجنيد قوى الخير لحمايته ولخدمة قضية العرب الكبرى.
                              إن الاحترام والتقدير الذين يكنهما العالم للبنان ينتظران التحريك والاغتنام، فإلى متى نجمد هذه الطاقات ونحتكر هذه الثروات ولأي يوم آخر نوفر هذه الإمكانات؟
                              هل ننتظر الاعتداء والتشرد والتفرق أيدي سبا ثم نتحرك وننتشر في أقطار الأرض نستجدي المساعدات والمساعي لإعادة الوطن وكرامة أبناءه؟
                              هل ننتظر قتل إخواننا وأبنائنا والدمار والاحتلال حتى نتحرك وقبل ذلك فلا شيء… غريب امرنا في هذه الفترة... أيها الاخوة.
                              يا فخامة الرئيس، لماذا لا تسافر إلى أقطار الأرض، من بلد إلى بلد تواجه الناس بكلامك القوي وبلغتك الرائعة وبأفكارك المتينة السامية تثير الرأي العام البشري وتنير العقول في جميع الأقطار وتخبرهم عن حقيقة الوضع وتكشف لهم عن وجه العدو؟
                              أيها الرؤساء الروحيون، أيتها الطوائف اللبنانية، إن لكم في قلوب الملايين من إخوانكم في الداخل والخارج مكانة خاصة. تجعلهم يتعاطفون معكم ويحسون بآلامكم ويهبون من شرق الأرض وغربها لنصرتكم وقد رأيناهم في لقاءاتهم وفي مساعيهم لنصرة مؤسساتكم، إن هذه الثروات الإلهية تحملكم مسؤوليات كبرى في هذه الظروف.
                              أيتها الوزارة الجليلة، يا دولة رئيس الوزراء، يا أصحاب المعالي، هل تعتقدون أن ما حصل من قرارات ومواقف هو جميع إمكاناتكم وهو غاية جهدكم وان الأمور التي تتطور والأحداث التي تتلاحق لا تعالج إلا بالأساليب التقليدية البطيئة ثم إني أخاطبكم وأخاطب جميع قادة البلد مناشداً التحرك السريع لعلاج المحنة فلأي يوم أجلتم رحلاتكم ودعواتكم واتصالاتكم العربية والإسلامية والمسيحية وعلاقاتكم مع الدول الصديقة ومع جميع دول العالم وشعوبها.
                              يا جامعة اللبنانيين في العالم، أيها المهاجرون، ألاّ ترون أن الوقت قد حان لتجنيد كافة الصداقات والطاقات حتى تتداركوا الأمر قبل أن تفقدوا وطنكم وتفتشوا في مقابر التاريخ عنه؟
                              أيتها الصحف والمجلات، ووكالات الأنباء، يا منارات الكلمة، أيتها الزلازل الفكرية التي تهز ضمائر العالم وتفتح الأبصار والبصائر.
                              أيتها الجامعات، أيتها المؤسسات، أيتها المنظمات، أيتها العائلات التي تملك صداقات متينة مع كبار الشخصيات العالمية، أيتها الوكالات، أيها الناس، أيها اللبنانيون جميعاً...
                              اللهم ربنا يا إله لبنان ويا إله العرب، يا إله الحق والخير ألهم جميعنا طريق الصواب وأبعدنا عن الجمود، والتواكل واللامبالاة والتعاني والتشكيك والفرار من المسؤوليات.
                              وانتم يا أبناء الجنوب، يا أبناء علي والحسين، أيها المرابطون أيها الأبطال الصامدون استمعوا إلى قول الله تعالى يخاطبكم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200). {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:139-142). صدق الله العظيم.

                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                              تعليق


                              • #30
                                سيرة الأمام الصدر (حوار صحفي 3 )

                                الموضوع : حوار صحفي ـ الطائفية في لبنان سياسة وليست ديناً
                                المكـان : القاهرة ـ 5/3/1970
                                المناسبـة : اشتراك الإمام في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة
                                المقدمـة :
                                كتب مصطفى نبيل:
                                السيد موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان والذي قدم إلى القاهرة لحضور مؤتمر علماء المسلمين. أحد الشخصيات الدينية التي برزت فجأة خلال العامين الماضيين.. فلم يكد يمضي على وصوله إلى لبنان سنوات قليلة حتى أصبح رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى اللبناني، وواحداً من أقوى الشخصيات المؤثرة في مجرى الأحداث اللبنانية.
                                وهو كما قدم نفسه.. "من عائلة لبنانية الأصل تنتسب إلى الإمام موسى بن جعفر الصادق، خرج جدي السيد صدر الدين من لبنان حينما بلغ الإضطهاد التركي ذروته بحرق الكتب وقتل العلماء فانتقل إلى العراق ثم إلى إيران حيث أسس في كلا البلدين عائلة كبرت ونمت تدريجياً منها العلماء والقادة والسياسيون منهم محمد الصدر أحد رؤساء الوزارة العراقية السابقين ومنهم محمد مهدي الصدر أحد قادة حركة الإستقلال في العراق"..
                                وأنا ولدت في إيران حيث كان يسكن ابي السيد صدر الدين مؤسس الجامعة الدينية في مدينة "قم"، ودرست درسي الأول في تلك الجامعة وتخرجت في كلية الحقوق في جامعة طهران، وأكملت دراستي في النجف بالعراق وتسلمت مسؤوليتي الدينية في جنوب لبنان بعد وفاة نسيبي الإمام عبد الحسين شرف الدين.
                                وهو يعرف أكثر من لغة أجنبية. وقد دار بيننا هذا الحديث عن لقاءات علماء المسلمين.
                                ـ الــنـــص ـ
                                س ـ تعقد مؤتمرات علماء المسلمين لتحقيق موضوع أساسي وهام هو التقريب بين المذاهب الإسلامية.. فالى أيّ حد نجح المؤتمر في تحقيق ذلك؟
                                ج ـ الوحدة بين المذاهب الإسلامية تتحقق بعد الوصول إلى"الوحدة الفقهية" بينها. ولا يمكن الوصول إليها بالمفاوضات أو المذكرات التي يتبادلها قادة هذه المذاهب، فالمذاهب عميقة في نفوس المتمذهبين، وأرى أن هذا المجمع من علماء المسلمين وفي القاهرة بالذات أمل كبير في تحقيق هذا الهدف.. وللقاهرة دور قيادي، وهذا لتأثيرها على العالم الإسلامي بمختلف مناطقه وكافة أقطاره... كما أني أؤكد أن الخلافات لا تتناول المبادئ الرئيسية فالأسس واحدة والمصادر واحدة وهي القرآن والسنة، ولا خلاف على القضايا الأساسية: فمثلاً لا خلاف على عروبة لبنان ولا خلاف في الموقف من العدو الإسرائيلي.. فالمسلمون على الرغم من التفاوت في المذاهب ليس بينهم في الأمور الأساسية والقواعد الأصلية والمواضيع الرئيسية تفاوت ملحوظ.
                                س ـ وبالمناسبة، هل يوجد "رجل الدين" في الإسلام..؟
                                ج ـ الحقيقة انه لا يوجد، وانما "خبير بشؤون الدين" أو "عالم ديني" فالإسلام لا يفرق بين الدين والدنيا. وفي وصف "الإمام علي" تحديد لهذه العلاقة يقول : "ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شيء".
                                وفي قطر من الأقطار يبدو في بعض الأحيان الحوار بين قادة المذاهب المختلفة وكأنه تنافس على النفوذ، ولكن مؤتمر القاهرة الذي يجمع بين علماء كافة المذاهب، يكون اقدر على التنسيق والتوحيد.
                                س ـ وبالنسبة للبنان ما هي إمكانية التنسيق بين المذاهب الإسلامية داخله؟
                                ج ـ منذ تم اختياري لرئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، بدأت أتحدث في الموضوع وجدت ان إمكانية الحوار في القاهرة اكثر منها داخل لبنان. فلقد بذلت وما زلت ابذل محاولات كثيرة من اجل الوصول إلى هذا الهدف المقدس، وقد أخذت الموافقة على ذلك من المراجع العليا في النجف.. وارجوا أن يكون لهذه الرحلة إلى القاهرة أثرها العميق لتقريب الطريق.
                                س ـ وما هي الصيغة العملية المطروحة؟
                                ج ـ من اجل الوصول إلى الوحدة الفقهية كان لا بد من تمهيد، وقد حدث ذلك بقيام مؤسسة التقريب بين المذاهب الدينية في القاهرة وبالشروع في تأليف الموسوعات الفقهية، كم صدرت الكتب في النجف حول الأصول العامة للفقه المقارن.
                                إذن التمهيد حدث، ولا تحتاج إلاّ إلى اللقاء والحوار ووضع الأسس، ومطروح فكرة المجلس الإسلامي في لبنان تسبقه لجنة تمهيدية لوضع برامج لمؤسسة موحدة تهتم بتحقيق الوحدة الفقهية، وأرى أن هذا أمر ممكن لا يحتاج إلى الكثير من العناء.
                                س ـ ما رأيك في الوضع الطائفي في لبنان، أو بالأحرى ما رأيك في الشعار الذي ترفعه العناصر المخلصة في لبنان والذي يدعوا إلى علمانية الدولة؟
                                ج ـ الواقع أني كرجل دين لا اعتقد أن الطائفية التي تشكل قاعدة الحكم في لبنان هي من الدين، ولكنها وضعت كتصنيف بين المواطنين وتقسيم الحكم إلى حقوق وواجبات بينهم، ولذلك نرى أن المطلوب أن يكون في بطاقة الهوية اسم طائفة معينة وليس المطلوب أن يكون حامل هذه البطاقة ملتزماً التزاماً دينياً، ولعلك تستغرب أن اكثر الناس تعصباً للطائفية في لبنان هم أبعدهم من التدين فهم لا يدخلون جامعاً أو كنيسة.. الطائفية ما وضعت كدين قائد للحكم ولكن كتقسيم للناس، وعلى هذا الأساس فالطائفية في لبنان بحث سياسي وليس بحثاً دينياً. وعليه يناقش الموضوع على الصعيد السياسي، والإنسان لا يمكن له أن يوافق على هذا لأن معناه تحديد الكفاءات وتجميد الكثير من الطاقات.
                                س ـ من أهم قيادات الشيعة في لبنان، القيادات ذات الوضع الديني أم القيادات السياسية؟
                                ج ـ القيادات السياسية لدينا لا تختلف عن القيادات السياسية لسائر الطوائف فيما ذكرت، ونحن لسنا قادة سياسيين وإنما خبراء بشؤون الدين نهتم بالقضايا إلى جانب واجباتنا الدينية نحاول رفع مستوى أبنائنا إلى مستوى بقية المواطنين، وبعبارة أخرى من خلال مساعٍ مشتركة أن نساهم في رفع مستوى المواطنين، كلّ في حقله، عندما نتمكن فيه من تجنيد طاقات أبنائنا والاستفادة من السلطة الروحية والثقة المتوفرة بيننا.
                                س ـ وإذا حدث تعارض بين الموقف الطائفي والموقف السياسي، ولنأخذ مثلاً إيران البلد الشيعي، وفي نفس الوقت له موقف معادٍ بالنسبة للقضية الفلسطينية وبالنسبة للخليج العربي، فماذا يكون موقفكم ؟
                                ج ـ الواقع أن إيران ليس لها سلطة روحية أو زمنية على الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان، وانما المرجع الروحي الاول لهذه الطائفة هو السيد محسن الحكيم الذي يسكن في العراق. وإذا كان المقصود من السؤال وضع الطائفة في إيران، فأؤكد لك تأكيداً لا شك فيه أن شعور الشعب الإيراني تجاه مشكلة فلسطين وأي قضية عربية أخرى لا يقل إطلاقا عن إحساس العرب أنفسهم، وحتى أن الشعب الإيراني ينسى أمام القضايا العربية قوميته، وعندي على ذلك شواهد عديدة وكثيرة...
                                أذكر احدها... يوم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 دخل رجل على سفير مصر في طهران، وقدم له رزمة من العملة وحينما سأله السفير ما هذا؟ قال: مساهمة متواضعة أتقدم بها للذين يقاتلون دفاعاً عن شرفنا جميعاً، وحين سأله عن اسمه أجاب : اكتب مسلم.
                                وليس غريباً أن أضخم المظاهرات التي شهدتها إيران في تاريخها الحديث كانت التظاهرات التي أقيمت من اجل فلسطين.
                                أما موقف الحكام فانما يستند الى مصالح سياسية أخرى، لا تمت بصلة الى أهداف ورغبات ومصالح الشعب المسلم في إيران، وقد نتج عن هذه المفارقة كثير من المشاكل والصعوبات والصدامات.
                                وأنا آمل أن يتمكن الشعب الإيراني في الاستمرار في مواقفه الأخوية مع العرب وان يتمكن من أن يصحح الكثير من الأخطاء التي شوهت حقيقة مشاعره الصادقة المخلصة.
                                س ـ جنوب لبنان يتعرض اليوم لخطر داهم... وفي الجنوب أغلبية من الشيعة، ما الذي يمكن القيام به في هذه المرحلة لمواجهة التحدي الذي يتعرض له لبنان؟
                                ج ـ إن مأساة جنوب لبنان هي مأساة العرب جميعاً، فالطمع وموت الضمير العالمي عوامل مشجعة لإسرائيل في اعتداءاتها المتكررة، ولجنوب لبنان أهمية خاصة يجعله المطمع القريب للعدو الإسرائيلي. فالجنوب منطقة استراتيجية هامة هجومياً ودفاعياً ولعله المنطقة الوحيدة الباقية في أيدي العرب فيما حول إسرائيل، ومنه تنبع المياه التي تبلغ كميتها في العام بين 800 مليون ومليار متر مكعب، وهو منطقة خصبة وللصهيونية أحلام تاريخية أخرى تجعل الجنوب مطمعاً قريباً لإسرائيل.
                                وإسرائيل منذ مدة وحتى حزيران 1967 وقبل نمو حركة المقاومة الفلسطينية كانت تعتدي وتهدد وتصطنع الحوادث وتختلق الأعذار.
                                وقد علمت أن هناك مخططاً دفاعياً موضوعاً للجنوب يستفيد من جباله وسهوله ويعتمد على الوسائل الدفاعية الحديثة، وقد أصدرت الحكومة اللبنانية قانوناً يجيز الاقتراض لشراء الأسلحة والعتاد الحربي المطلوب للدفاع، وهي الآن في دوار السعي لتحقيق هذه الغاية.
                                أما نشاطي فهو يتناول تحذير الشعب وتقوية معنوياته وتوفير الوسائل الكفيلة بأن تجعل الشعب يقف جنباً إلى جنب لصد العدوان. ومن جملة المحاولات التي أقوم بها مع زملائي في المجلس الشيعي، منع النزوح وتوفير وسائل الدفاع الشخصي من ملاجيء وأسلحة خفيفة وتدريب، ثم بتوضيح أخطار النزوح.. ومن المحاولات التي يجب الإشارة إليها انه منذ فترة وجيزة وجهت نداء إلى جميع اللبنانيين لكي يجندوا كافة طاقاتهم وعلاقاتهم بالعالم في سبيل إنقاذ الجنوب وطالبت رئيس الجمهورية بالسفر والتنقل في مختلف البلاد العربية لعرض الحق العربي، والعدوان الصهيوني، وطالبت رؤساء الطوائف والشخصيات السياسية المرموقة وجميع الجاليات اللبنانية في العالم لحشد الطاقات لتدخل المعركة قبل وقوع الكارثة.
                                س ـ وبقيت بعض المعلومات التي تتناول تنظيم طائفة الشيعة والعلاقات داخل الطائفة.. وكان هذا هو سؤالي الأخير..؟
                                ج ـ وقال السيد موسى الصدر إمام الشيعة في لبنان..: "إن رأس هذه الطائفة الديني هو المرجع الأعلى الذي من المفروض أن يكون أفضل الفقهاء وهو ينتخب بصورة طريفة أشبه ما تكون بالإستفتاء العفوي من بين علماء الشيعة في العالم.. أيّ أنه حينما يموت المرجع السابق يقوم كلّ عالم في منطقته في توجيه إخوانه الذين يرجعون إليه إلى من يتصور أنه أعلم العلماء وتتكرر هذه العملية في المناطق المختلفة بعفوية ودون علم أحدهم بموقف الآخر، وبعد فترة وجيزة يظهر أن الشخص الذي يرجع إليه أكثرية أبناء الطائفة هو المرجع، ويساعد على هذا الإختيار أن علماء المناطق من خريجي جامعة النجف بالعراق، هذا المرجع ينتخب دون تدخل السلطات في أيّ بلد من بلدان العالم.. وتبقى الفتوى والإجتهادات الجديدة والمشاكل المطروحة من حق (المرجع) في إطار الفقه الإسلامي وقد تم إنتخابي باختياره وتأييده " .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X