إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    رسالة الأمام الصدر (نداء 6)

    الموضوع : نداء ـ إلى العقل اللبناني.
    المكـان : بيروت ـ 6/1/1976.
    المناسبـة : مناسبة الأعياد واشتداد عنف القتال الداخلي.
    ـ الــنـــص ـ
    إلى ذلك العقل النير الذي لا ينقطع عن القلب الودود، الى الفكر الملتزم بالضمير. الى ضمير لبنان الواعي. الى الإبداع الذي أنعم الله به على الإنسان في لبنان. الى الجذوة التي أوقدها العليم الخبير في نفوس المثقفين والخبراء والمتفكرين والتي رعتها أيدي الرحمن. إلى أساتذة الجامعات. الى التجارب والمجربين. الى كل دماغ يرى متألماً في غسق الليل الذي غشينا والى كل قلب يحب لبنان أو الإنسان أو هما معاً. إليكم جميعاً.
    أين أنتم يا سفراء الله في الوطن من أحداث لبنان الدامية ومن اللهب الذي يحرق الحرث والنسل ويكاد يصيب المنطقة بكاملها؟
    أين أنتم؟ هل نسيتم مسؤولياتكم؟ هل تنكرتم لفطرتكم التي فطركم الله عليها؟ هل منعكم أحد من التفكير في الحل؟ هل منعتم من عرض آرائكم؟ هل عرضتم فرفض الوطن مقترحاتكم؟ هل تجاهلكم المسؤولون وأهملكم المواطنون فاعتبرتم التجاهل والإهمال عذراً للاعتزال؟
    على من تركتم الوطن العزيز الذي لا نملك غيره؟! هذا الوطن الفريد في نوعه. هذه الأرض التي تعكس السماء. هذه الجغرافية التي تمثل التاريخ. هذه التربة الشفّافة المبدعة كالروح، بل الروح نفسها. هذه البقعة التي امتدت الى العالم كله فتبلور العالم فيها. هذا الإنسان الذي أراده خالقه كبيراً فأرادوه صغيراً وأراده مقداماً مؤاسياً فأرادوه حذراً متجنباً آلام قومه ومصائب بني نوعه وأراده قائداً طليعياً فأرادوه راكضاً متجاهلاً أنانياً.
    على من تركتم الوطن هذا والمواطن يا أيتها العقول المسؤولة، حتى أصبح يحارب في إنسانه وفي أرضه وفي رسالته وفي قوّته وحتى في كرامته.
    هل اعترفتم بعقمكم ـ لا سمح الله ـ وتنازلتم لأولئك الذين حوّلوا وطن المبادرات الدائمة إلى العقيم خلال ثلاثين عاما أو اكثر؟ هل هربتم من الرصاص والقنّاص وتركتم الوطن وحده في محنته غريباً يذوب كالشمعة في ليله الأليم؟!
    هل انزويتم في بريجاتكم المهددة أو بروج أوروبا العاجية تتفرجون حتى إذا سقط قريبكم أو نسيبكم في المحنة وحتى إذا تعرضت بيوتكم للبلاء تتحركون وتتصلون بقادة المقاتلين أو بأصدقائهم أو بمن كنتم تتجاهلون وجودهم وكنتم تترفعون عن التفكير فيهم؟
    هل تشمتون؟! لا قدّر الله بمن؟ أو تتوقعون النهاية لمن؟
    هل سمعتم ما يقول الصديق عنكم قبل العدو؟ ألا يكفي الوطن القبلة عذاباً وهوانا أن مقتل خمسة مسلّحين من منظّمة الباسك يهز قصر فرانكو وحكمه ونظامه بينما الآلام المريعة التي تحل بنا لا تهز أحداً، بل لا يبالي أحد بها وبنا وبمدننا وجامعاتنا اللهم إلا تجار السلاح أو العدو المتربص أو الشامت.
    أين أنت أيها العقل اللبناني ذو الضمير، ويا أيها الأخ في المصير ويا أيها الصديق العاقل.
    فكر، ادرس، تعمق، اقترح، اطلب، ألح، استنجد، انتقد، شدّد، طالب ثانياً وثالثاً ورابعاً.. انشر في أوساط المواطنين اقتراحاتك، في أوساط الطلاب الذين غابوا أيضا بدورهم عن الساحة، إشْهَدْ وأشْهِدْ العالم والتاريخ وقِفْ مع المواطن في محنته.
    إن الحلول المطروحة على الساحة مع الاحترام لطارحيها، عدا البعض منها، إما طائفية والطائفية بلاء الوطن. وإما فئوية وفي تنفيذها أو القبول بها انتصار لفئة والانتصار الفئوي مرفوض، وإما حلول نابعة من التشنج أو التحدي وهذه ترفض مرتين!
    والحلول العادلة المحقة بحاجة الى الإخراج الصحيح وتوحيد المواقف أو تدور بما يشبه حوار الطرشان يملأ حديثها الآفاق والأنفس، والآخرون يقولون أنهم لم يسمعوا مطالب محددة أو مقترحات مدروسة وتستمر المحاولات والهيئات والاجتماعات والاتصالات الخاصة والجانبية المليئة بالإيجابيات ثم الجمود.. واستمرار المحنة.
    يحدثونك عن الخوف والخوف المتبادل ويعملون لأجل خلق خوف أكثر عند الآخرين كأنهم يبدلون العلاج بتعميم المرض.
    وبكلمة. تمر على الوطن أكبر محنة في تاريخه وتفوق ضحاياها ضحايا الحروب، لكن الغموض في الأسباب والنتائج والأبعاد والعناصر المتفاعلة فيها من الداخل ومن الخارج يسيطر على الجو حتى أن الطبيب والأطباء يظهرون كأنهم يزيدون في المرض.
    والآن أيها العقل اللبناني الملتزم بالضمير!.. أناشدك بل يناشدك الوطن راجياً أن لا يكون الوقت قد فات. أناشدك التحرك لكي تضع خطة لخروج الوطن من محنته.
    فالمطلوب أن تصنع مستقبلا لا ينتهي الى ما انتهى إليه الماضي، مستقبلا لا يضم المواطنين ولا الفئات، مستقبلا يتساوى المواطنون فيه في الحقوق والواجبات، مستقبلاً يتمكن الوطن فيه من الوقوف في وجه التحديات العالمية وأمام الاعتداءات الإسرائيلية العسكرية منها والثقافية والاقتصادية والحضارية مستقبلاً يحفظ وينمي رسالة الوطن العالمية ويجعل من الطوائف اللبنانية نوافذ حضارية على العالم لا دويلات متصارعة ويمكن كل فئة من أن تعطي الوطن لا أن تأخذ منه وتنمو على حسابه، مستقبلاً تحس كل طائفة بأنها عزيزة تعطي ولا تشعر بأنها مظلومة ومصنَّفة ومحتقَرة، مستقبلاً يكتفي كل مواطن من دون استثناء بالوطن معتبراً أنه خاسر لو خسر الوطن حتى لو قُدِّم له العالم أجمع، مستقبلاً يكون الوطن ندوة الحوار الإسلامي ـ المسيحي وقاعدة اللقاء الأوروبي ـ العربي يختبر التفاعل الحضاري بل يكون نموذجاً للتجربة العالمية الناجحة غداً.
    المطلوب أن تصنع غداً يحمل الوطن فيه مشعل القضية الفلسطينية ورسالة القدس على رؤوس الأشهاد فيدخل به وبها ضمير العالم ويؤسس معه ومعها حضارة المستقبل العادلة.
    المطلوب أيها العقل أن تبني وطناً جديداً لا يبقى فيه محروم، وأن تجنِّد الكفاءات الضائعة والعبقريات المهملة لرفع شأن وطن العمالقة، وطناً يستثمر كل ثرواته المائية المهدورة ومناجمه المكتنـزة، أرضه وبحره وجوه، تماماً كما يعمل أحد مهاجرينا في أرجاء العالم.
    المطلوب أيها العقل المحب أن تضع خطة عمل لتنفيذ الحلول حتى يكون لبنان هو المنتصر، لا المسلمون ولا المسيحيون، لا الأفراد ولا الأحزاب، لا اليمين ولا اليسار بل الشعب وحده.
    المطلوب أن تفكر أو تعلن عن تفكيرك في أننا كيف نقنع الناس؟ كيف نكسب قبول الأطراف؟ ماذا نقول للمتطرفين، والموتورين، والمتضررين، ولمن فقد عزيزه، ماذا نهيء للشهداء الذين سقطوا؟ وللآلام والفاجعة التي ملأت القلوب؟ ماذا نقول للعالم لمن فقدنا ثقتهم؟ لكن خيبنا آمالهم، لمن رفضنا بوادرهم لمن أسأنا الى مصالحهم ومواطنيهم. المطلوب إذاً خطة تضم الفكر ووسيلة التنفيذ وأسلوب الإخراج. فإلى العمل في الساحة أيها العقل أيها الضمير أبها الإنسان {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69).

    تعليق


    • #92
      سيرة ألأمام الصدر (نداء 7)

      الموضوع : نداء ـ إن الشعب الذي يحتفل بذكرى استشهاد الحسين لا يمكن يفرض عليه الموقف بالقوة أو بقصف أحيائه أو تعذيب مخطوفيه.
      المكـان : بيروت ـ 11/1/1976.
      المناسبـة : الإحتفال بذكرى عاشوراء.
      ـ الــنـــص ـ
      احتفلنا يوم أمس بذكرى عاشوراء، في احتفالات مثيرة وواسعة تقام كل سنة في أقطار العالم في هذا اليوم الزاخر بالذكريات. وأبرزها ذكرى استشهاد الإمام الحسين مع جميع أهله وأصحابه في فاجعة لم يشهد التاريخ مثلها، حاصرهم عشرات الألوف من الرعاع، وانتهت بمقتلهم جميعاً، ثم سُحقت أجسادهم الطاهرة ودفنت تحت الرمال وأحرقت خيامهم، وأسرت نساؤهم بصورة مأساوية نادرة.
      وفور حدوث الفاجعة بدأ التململ في صفوف الطرف الآخر، وحدثت اهتزازات واحتجاجات ثم ثورات دامية عمّت أرجاء العالم الإسلامي وانتهت بسقوط حكم بني أمية حيث انحراف واتسم بالطابع العنصري وتمادى بالظلم والاضطهاد واغتصاب حقوق الناس.
      وكان للذكرى الأليمة في أيامنا العصيبة في لبنان معناها المتميز بين الذكريات المشابهة التي تقام في المناسبة منذ ألف سنة وكان شعارها دائماً خطاب المحتفلين الى الحسين وأصحابه "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً".
      ذلك لأن المعارك الدامية المحزنة التي تجري على أرض وطننا الحبيب بدأت تتطور وبتطورها تلتهم المناطق منطقة بعد أخرى وتلتهم أيضاً وبكل أسف جميع الناس، وأرجو ألا يكون هذا هو المقصود، ثم إن مخاطبة العقل ومناشدة الضمائر ومحاولات الحلول السياسية ومساعي الحوار كلها تبدو وكأنها فقدت أثرها رغم أن الوطن هو وطن العقل والضمير وبلد الحوار والسياسة.
      وهنا تبرز الذكريات لكي تضع أمام الجميع، وبخاصةٍ أمام السياسيين المقاتلين، وبوجه أخص أمام بعض السلطات والأحزاب المسلّحة المعتزة بتنظيمها وتدريب أفرادها وبسلاحها الكثيف المتطور، تضع أمامهم حقائق جديدة.
      أولها: أن المعادلات التي تدرس في موازين القوى العسكرية وفي حسابات الربح والخسارة تختل جميعاً عندما يدخل عنصر الشهادة في الميدان، إن الشهادة تحوّل الفرد الى سلاح لا يقهر وتجعل الشهيد ينبوعاً متدفقاً يهز الجميع ويحرّك الإنسان وضميره وطاقاته في كل مكان، لذلك فإن على جميع الأطراف أن تعيد النظر في معادلاتها وفي إمكانية الانتصار بالقوة السياسية والعسكرية والإعلامية المتوافرة لديها.
      ثانيهما: أن الشعب الذي يحتفل بذكريات استشهاد الحسين منذ ألف سنة ويتذكر الآلام التي عاناها التي عاناها ويسمع أنه، أي الحسين، لم يتراجع عن موقفه ولم يغير أسلوبه الشريف في مأساته على رغم العنف والقسوة التي أحيطت به، أقول أن الشعب الذي يحتفل بذلك لا يمكن أن يفرض عليه الموقف بالقوة ولا بقصف أحيائه ولا بتعذيب مخطوفيه ولا حتى بمنع وصول الغذاء إليه أو جعله في حالات صحية صعبة.
      ثالثهما: وكالحسين يجب أن يكون المحتفلون مستعدين حتى النهاية للحوار، ولوقف إطلاق النار وللعمل الجاد في سبيل بناء وطن واحد متطور وللسعي المشترك من أجل إنقاذ الوطن والمواطنين... لذلك وفي هذه المناسبة أشعر بأن واجبي توجيه نداء أخوي حار إلى المتقاتلين الذين يعتبرون أن معركتهم تهدف الى مبدأ، وأن لهم قضية وأنهم لا يسترخصون دماءهم ولا يستهترون بدماء الآخرين، أمام الأهواء والنـزعات أو مع التفكير المرتجل، أقول لهم أن المعركة تبدو وكأنها تعتمد على حسابات خاطئة لأنها تعتمد العنف والانتقام سبيلاً وتحاول استدراج مختلف فئات الشعب وبالوسائل القاسية الى المعركة، وليتأكدوا أن العنف والقسوة والسلاح لا تغير المواقف كما لم يغير موقف الحسين ولا موقف الذين يتمنون الالتحاق به عبر التاريخ.
      إن تقسيم لبنان لا يمكن أن يحصل مهما كلف الثمن لأن هذا يتناقض مع إيماننا والتزاماتنا ورسالتنا.
      إن الاعتداء على لبنان، وبخاصة على جنوبه، سيقابل بمعركة تبدأ ولا تنتهي مهما كان تفاوت القوى وإختلاف الموازين.
      وتصفية المقاومة الفلسطينية ضرب من المحال بعد أن دخلت الضمير العالمي، وبعد أن وضعت نفسها وجهاً لوجه مع إسرائيل أي الشر المطلق.
      إن هذه الأخطار الثلاثة لا تخدم أحداً في ظننا، بل في العالم كله، غير أعدائنا، ولا يمكن للشر أن يبني مستقبلاً أو سعادة للأجيال المقبلة.
      تبقى المطالب السياسية والاجتماعية وتبقى مسألة البناء والتطوير، والتي يمكن تحقيقها دائماً بالحوار البناء والحب والتعقّل، إننا ونحن نحتفل بذكرى عاشوراء لا ولن نريد الاعتداء على أحد ولا فرض رأي سياسي أو وضع اجتماعي على أحد، ولكننا لا نقبل الاعتداء من أحد ولا فرض رأي سياسي أو وضع اجتماعي من أحد.
      اتركوا القتال وأبعدوا المسلحين ولا تعتدوا على الأبرياء، ولا تحاصروا مئة ألف أو اكثر من المواطنين في حالة صحية ومعيشية لا تطاق. تعالوا الى العقل ونداء الحبّ والسعي المشترك لبناء الوطن الواحد ولتحسين أوضاع المعذبين فيه، تعالوا نكرم الحسين وذكراه وهدفه وأسلوبه، ذلك الهدف والأسلوب المشرفين اللذين التزم بهما المسيح من قبل ومارسهما جميع المرسلين تعالوا وقبل التورط الأخير نحاسب أنفسنا ونعيد النظر في المعادلات: لماذا؟ من الذي استدرجنا الى هذه المزالق: من هم؟ وما هو تاريخهم وماضيهم؟ وما هي رسالتهم؟
      إن الحياة عزيزة إنها أمانة الله لا تقدم إلا لأجلِّ الأشياء وليس لأجل الأهواء والنـزعات.
      أيها المواطنون لنتذكر مرة أخرى لا انتصار إلا للحق، أما السلاح فمهما كان لا يكوِّن لمواقف ولا يبني الأوطان ولا الإنسان. تعالوا نلتقي قبل أن تسد العقول الواعية والقلوب المفتوحة وقبل أن تنسحب الأيادي الممدودة.

      تعليق


      • #93
        سيرة ألأمام الصدر (نداء 8 )

        الموضوع : نداء ـ تعالوا نترفع عن الجراح ونعود إلى ضمائرنا وعقولنا، نرجع إلى الحق والعدالة، ونهب لإنقاذ الوطن.
        المكـان : بيروت ـ 22/1/1976.
        المناسبـة : وقف إطلاق النار على المحاور وظهور بوادر حل سياسي.
        ـ الــنـــص ـ
        لمناسبة وقف إطلاق النار، وظهور بوادر حل سياسي شامل، وجه الإمام موسى الصدر النداء الآتي إلى اللبنانيين:
        بإسم الله. أيها اللبنانيون،
        هل تتذكرون الآية الكريمة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} صدق الله العلي العظيم (الروم:41).
        وهل اقتنعنا أن الذي ذقناه والذي تحمله وطننا الحبيب والمواطنين، على رغم مرارته وخطورته القصوى، هو بعض الذي عملناه وانه بعض آثار الذي ارتكبناه في خلال 30 عاماً وبالتالي هل أدركنا وجوب العودة إلى الحق والعدالة، إلى النظام والإخلاص، إلى الوحدة الوطنية، إلى تركيز الجهود لإنقاذ الوطن وصيانة أهله وأرضه ووحدته، والى إعادة النظام والسيادة والرسالة الوطنية والعودة إلى الله..
        أيها الاخوة المواطنون. لقد عايشنا وعانينا قتل وجرح عشرات الألوف. وهدم كل شيء. اختل النظام. تشتت الشمل. انهار الاقتصاد، والثقافة. بل انهار المجتمع اللبناني حتى يكاد لا يوجد بيت إلا والدموع والدمار والدماء تجري على أبوابه وجدرانه وعلى وجوه أهله.
        هذه المصائب هي بعض المحنة، والمحنة الأخرى هي المستقبل القاتم الذي ينتظرنا وننتظره. مئات الألوف من العاطلين عن العمل، من المعاقين والجرحى، كيف نؤمن لقمة العيش لهم؟ كيف نخلق الحياة السعيدة لأجلهم ؟ كيف نمنعهم من الثارات والانهيارات العصبية؟ كيف نبعد عنهم شبح الفقر والمرض والجوع حتى الموت؟ إنكم تعرفون أن الهدم سهل، وأن تحطيم مصنع يقتضي بضع دقائق ولكن بناءه بحاجة الى سنوات ونفقات.
        أما المحنة الكبرى فهي في انهيار الأخلاق وتدهور الكرامات والقيم. لقد اجتاحت موجات النهب والسرقات والسلوك الفوضوي الحاقد جميع المناطق. فقد تمزقت شعورنا وآمالنا وطموحاتنا، وسقط كل ما بنيناه. لقد عمّت الاعتداءات على الأبرياء وذهبت ضحيتها عشرات الألوف من العائلات الشريفة من البيوت الكريمة، وما حصل بالفعل، وبكل أسف، هو بعض الذي عملناه في حق الوطن وأهله والمستقبل اعظم وافضع حتى يكاد يخفي عين الشمس ووجه السماء. إن ما حصل في لبنان في حدود علمي، فاق كل محنة، وتجاوز كل حرب أهلية، وتخطى كافة التوقعات اللهم إلا خطة العدو وتوقعاته.
        والآن تعالوا أيها الاخوة، يا أيها المواطنون يا أيها الآباء والأمهات، يا أيها القادة، أيها المسلمون، والمسيحيون، أيها المسؤولون عن المستقبل، تعالوا نترفع عن الجراح، نعود إلى ضمائرنا وعقولنا، نرجع إلى الحق والعدالة. لقد صدرت إرادة الله، فسخَّرت الشقيقة سوريا ومعها مناشدة العرب بل الإنسان في كل مكان. صدرت الإرادة الإلهية وقامت سوريا الشقيقة بالمبادرة وحصلت الاتصالات والأبحاث والاتفاقات من اجل إنقاذ الوطن، بل إنقاذ المنطقة. فتعالوا نلبي هذا النداء، ونساهم في نجاح المحاولة ونضع حداً للمأساة الكارثة. تعالوا نؤجل الحسابات الخاصة والمنافع الذاتية والآراء الشخصية، تعالوا لا نناقش في التحديات في حسابات الربح والخسارة، والقليل والكثير، نؤجل كل شيء ونهب لإنقاذ الوطن ساعة النهاية.
        تعالوا نداوي الداء الميت. نستغفر عن الخطايا والانحرافات والأخطار، نلتقي جميعاً قلباً واحداً ويداً واحدة. هل يرضينا ما حصل؟ هل يرضينا بل هل يشرف كلاً منا ما حصل في جبهته؟ هل يرضينا ما سميناه بالانتصارات؟ من الذي يتحمل مسؤولية ما حصل هل الذي حصل في المسلخ وفي حارة الغوارنة وسبنيه، وفي حوش الأمراء، وفي مخيم ضبية يرضي المسيحيين؟ يرضي الطائفة المارونية؟ يرضي الكتائب والأحرار وحراس الأرز، أو هل الذي حصل في عكار وفي حوش بردي في البقاع وطرابلس وفي الدامور يرضي المسلمين؟ هل يرضي الجبهة الوطنية والأحزاب التقدمية؟ هل يرضي المقاومة الفلسطينية؟ هل يرضي ما حصل أقطاب لبنان الدولة؟ هل يرضي الجيش والقوى المسلحة؟ واسمحوا لي أن أجيب عنهم جميعاً كلا ثم كلا. إن هذا لا يرضي أحدا، بل الكل عدا الحاقدين والموتورين والمتآمرين، يستنكرون ذلك. والشعب اللبناني بأكثريته الساحقة يعيش هذه الأشهر كابوساً مزعجاً ويسعى للخلاص واليقظة. إذاً، تعالوا أيها الاخوة نغتنم الفرصة ونساعد على وقف الاقتتال وضبط الأمن وإعادة النظام.
        هبوا جميعاً يا أيها الأمناء على الوطن وعلى الأجيال، لنجدة الوطن لنجاة الأبرياء، لنرحم عبرات الأيتام ودماء الأبرياء والقلوب المنكسرة والمستقبل. هبوا أيها الكرام لإنقاذ الكرامات للبناء، للعودة إلى الله.

        تعليق


        • #94
          سيرة الأمام الصدر (نداء 9 )

          الموضوع : نداء ـ بات سقوط الوطن في نار الفتنة العمياء أمرا محتوما فعلى رئيس الجمهورية أن يستقيل ليوقف المجازر .
          المكـان : بيروت ـ 19/3/1976.
          المناسبـة : بعد تفجر الوضع الأمني وفشل كل المحاولات.
          المقدمـة : أذاع راديو بيروت، في الثانية عشر عند منتصف ليلة أمس نداء من الإمام موسى الصدر، حث فيه الرئيس سليمان فرنجية على الاستقالة وقفا للمجازر وتهدئة الخواطر.
          ـ الــنـــص ـ
          "بات سقوط الوطن في نار الفتنة العمياء أمرا محتوماً، وها نحن نشهد كل يوم بل كل ساعة شعلة تلتهب في مكان وتحرق ما حولها ومن حولها، ثم تتسع دوائر الاشتعال وترتبط بعضها ببعض لتهدد الوطن كله، وحدته، وانسانه، ووجوده ومستقبله.
          إننا أمام محنة تصغر أمامها المحنة الدامية التي تجاوزناها، فالأسلحة الثقيلة والآليات أصبحت بين أيدي المواطنين، والعسكريون الخبراء في فن القتال دخلوا صفوف المقاتلين، وازداد الحقد وكثرت تجارب القتل والدمار، وسقطت الهيئات المشتركة التي كانت تخفف بعض الآلام في المحنة السابقة وبدأت نار الفتنة تنتقل الى جبل لبنان والى جبيل وأقاصي الجرود وعكار لتحرق الأخضر واليابس وتحرق الإنسان في جحيمها.
          لقد دخل لبنان مئات من الخبراء في الحرب وفي الدمار من هنا وهناك، والسلاح المتطور الفتاك والمؤامرات أيضاً، مما يدل على أن تدهور الوضع وتعقيداته سمحت للكثيرين من الجماهير البريئة أن تتقبل الاتهامات التي تكال للمناضلين الكادحين ولسوريا الشقيقة بالذات التي وضعت إمكاناتها في خدمة لبنان ووحدته وفي خدمة أمتها وقضيتها الكبرى فلسطين.
          واكثر من ذلك فان الوضع جعل بعض الفئات تنادي علناً بالتقسيم بشكل أو بآخر وتضلل الرأي العام وتقنعه باعتباره الخلاص وبذلك تريد أن تجير أرواح العشرات لإسرائيل أو لإيجاد إسرائيليات جديدة اخطر من إسرائيل الأم.. وأمامنا ضحايا بطشاي الأبرياء وأجساد الهاربين من العصفورية، والصحافيين المطروحة تحت رحمة القناصين، وعمداء الجامعات المقتولين في الشوارع، والأطفال المسحوقة في أزقة القبيات والنبعة والشياح وعشرات من القرى الأخرى.. والأشباح تتحرك في الشوارع تنهب وتقتل وتزرع الذعر في النفوس والدمار في الآفاق.
          إن القلم ليعجز عن وصف الحال ورسم صور المستقبل لكن العيون تشاهد والمسامع تسمع والقلوب ان بقيت تتفتت وللعقل اللبناني الفرد أن يختار بين أمرين:
          أولاً: على رئيس الجمهورية أن يستقيل ليوقف المجازر، وتهدأ الخواطر وعلى القادة العسكريين والسياسيين وعلى الشعب أيضاً أن يضمنوا استمرار الشرعية، وعلى مجلس النواب أن ينتخب الرئيس ليتمكن من حل الأزمة وإيجاد الطريقة وضمان الصيغة وحفظ المستقبل والمقام وصيانة حقوق الطائفة المارونية الشقيقة وبذلك ينفذ قسمه بحفظ وطنه ووحدته وانسانه وينقذ بذلك مستقبله ومستقبل أولاده وعشيرته، والرئيس اقدر الناس على عرض الأسلوب الذي يحفظ كرامته واستمرار النظام وبقاء الصيغة وعدم سقوط الوطن تحت رحمة الأقدار. إن الرئيس يعرف أن سوريا الشقيقة تضمن بقوة وإخلاص ما أعلنه هو في بيانه الرئاسي منذ أسابيع وهذا البيان مع التزام سوريا الرسمي على لسان رئيسها الضمانة الأكيدة لحقوق مختلف الفرقاء بالإضافة لموقف الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين لا يقبلون عن لبنان بديلاً. والحقيقة هي ان القضية انعكست تماماً حتى اصبح استمرار الوضع يهدد الوطن والشرعية والوحدة الوطنية وكل شيىء حتى الرئيس نفسه ويهدد سوريا الشقيقة وأمنها وسلامها وأصدقاءها والعرب جميعاً.
          هذا هو المنطق السليم الذي يقّره كل مواطن بعيداً عن الانحياز والتجني.
          ثانياً: وإلا فإننا نناشد إخواننا الموارنة بالذات قبل الآخرين، قادتهم الروحيين والسياسيين والعسكريين والشعب كله، مقاتليهم وغير المقاتلين، أن يسبقوا الآخرين لنجدة الوطن ويبادروا لإنهاء المحنة وإبعاد شبح الدمار والانقسام عن وطنهم الذي طالما تغنوا به والتزموا الدفاع عنه. نناشدهم باسم الأديان والمؤسسات وباسم المستقبل وآمال المواطنين وباسم الملايين من المهاجرين والعالم الصديق الذي ينتظر حسم الموقف، باستقالة الرئيس لصيانة الوطن".

          تعليق


          • #95
            سيرة الأمام الصدر (بيان 6 ) جزء 1

            الموضوع : بيان ـ نريد لبناناً واحداً عربياً عصرياً لا لبنانات ولا إسرائيليات.
            المكـان : بيروت ـ 16/4/1976 .
            المناسبـة : بمناسبة مرور سنة على الأحداث الدامية التي مزقت لبنان وجه الإمام الصدر إلى اللبنانيين هذا البيان .
            ـ الــنـــص ـ
            أيها اللبنانيون:
            مرّت سنة قاسية على الوطن وعلى المواطنين، تجاوزت في آلامها ومن نتائجها قرنا. مرت علينا أطول سنة في تاريخ العالم ودخلت السنة الثانية من عمر الأزمة اللبنانية الكارثة، وهي تحرقنا وتكوي بنارها الأشقاء والأصدقاء في المنطقة وفي أقطار الأرض، ولا ندري إذا كان المطلوب منا أن نكون لغما لتفجير المنطقة وان نبعث بالشرور الماحقة إلى العالم كله؟.
            إننا نعرف أن مؤامرة دنيئة كبرى فتكت بنا، وان غايتها لم تتحقق بعد، وان حجم هذه المؤامرة يتجاوز حدود الوطن، وان لبنان في الوضع الذي وصل إليه، يغري القوى المتصارعة في العالم. العربي وفي العالم وان التجارة بالأرواح وبالسلاح والسياسات الهدامة والأحقاد المتفجرة داخل الوطن وخارجه، كلها وجدت الفرصة الكبرى للتحرك، وان الجو اصبح ملائما لضرب الثورة الفلسطينية ولاحتلال الجنوب ولتمزيق الوطن بل لضرب الأشقاء العرب خصوصا سوريا.
            فهل كتب علينا ـ رحماك ربي ـ أن نحترق في النهاية وان نحرق أعزاءنا وأهدافنا وان نفجر المنطقة؟ وهل قبلنا، نحن اللبنانيين مشاعل الحضارة وينابيع الإنسانية، هل قبلنا أن نتجرد عن جميع القيم وان نفقد كل اعتبار وان نسفّه كل صديق ونهدد كل شقيق؟
            لا، لا نرضى حتماً أن نمارس الدور الذي كان المطلوب أن تلعبه إسرائيل فلم تتمكن، وان يصبح وطننا الحبيب بركان المؤامرات…، نرفض المؤامرة مهما كانت كبيرة ودنيئة، ونقطع دابرها بوعي وتضحيات، ونحطم أدواتها حتى لو كانت بين أضلعنا والتصقت والتفت حول أعناقنا…
            أيها الاخوة المواطنين:
            ما هي حصيلة سنة من الاقتتال؟ ومن الرابح؟ وما هي نتائجها الحقيقية بعيدا عن التبريرات والتحليلات وعن الإعلام الموجهة هنا وهناك؟ وما هي قيمة كل ما حصل، في معزل عن المناخ الغاضب والجو المتوتر الذي يدين التعقل والعمل المخلص والالتزام العنيد بالمبادئ والقيم؟
            إن ذكرى مرور سنة على المحنة، فرصة للتقييم لا نفوتها، لأن مصير الوطن ومستقبل أولادنا وكرامة المواطن وسلامة الأمة وكل ما نملك وجميع أبعاد وجودنا مرهونة بهذا التفكير والتقييم.
            فلنفكر ولنحكم مهما كان الحكم قاسياً فلم يبق لنا شيء نخشاه، لقد فقدنا كل شيء وأصبحنا غرباء عن الوطن، وفي الوطن نعيش في ظلمات بعضها فوق بعض، ولنتعرف ولنعمل، فسوف لا نعاني أقسى مما عانيناه.
            إن الدولة التي كانت تحكمنا والتي سقطت من دون رجعة، إن الدولة هذه تمادت في الظلم وبالغت في حرمان الناس، وفي نهاية الستينات حولت الجنوب إلى جبهة ساخنة وقودها المواطن الأعزل ونفر من الثوار الفلسطينيين من دون أن تتحمل مسؤولياتها ومن دون استعداد وطني وعربي قبالة مطامع شخصية وهمية. وتكاثرت الأخطاء، أخطاؤنا جميعاً لبنانيين وفلسطينيين. ثم انسحبت الدولة المتآمرة على شعبها من الجنوب، ورفعت شعار السيادة التي تنازلت عنها. ثم استعانت بالتسلح الشعبي المشحون، متذرعة بحفظ السيادة في المناطق الأخرى، واضعة الميليشيات موضع الجيش الذي كان الوهم الكبير، وأسدل الستار على الفصل الأول من المؤامرة.
            وجاء الفصل الثاني: استشهد معروف سعد مدافعاً عن المحرومين، وقتل المدنيون لبنانيون وفلسطينيون في عين الرمانة وانفجر الوضع بين بعض اللبنانيين المضللين والفلسطينيين في الدكوانة ـ تل الزعتر، ثم انتقل الصراع الدامي إلى اللبنانيين أنفسهم، بعضهم مع البعض في كل المناطق، لإبعاد الخطر عن الثورة الفلسطينية وانتشر القتال. وحاولت أياد غامضة ومأجورة وأجهزة مشبوهة ممارسة جرائم استفزازية من خطف وقتل على الهوية وتشويه الجثث وإعادة الاقتتال كلما وقف إطلاق النار، وكانت مشاركة الدولة واستدراج المتقاتلين في هذه الأحداث بارزة مما أكسب المعركة لونا طائفياً وتعمق الجرح وتصاعد الإجرام.
            وسيطر على لبنان مناخ القتال الذي التهم المواطنين والمناطق جميعاً وشل المحاولات الرامية إلى خلق الحوار وإيجاد قواسم مشتركة والخروج من المحنة، فلم يبق سمع للاستماع ولا قلب للاسترحام ولا عقل للتفكر حتى ولا يد لمنع الاقتتال ولمسح الجراح.
            وكان الموقف الموضوعي الوحيد تحديد الأهداف والأبعاد للمعركة، لكي تجري في مسارها الصحيح، ولخدمة الوحدة أرضاً وشعباً، ولصيانة الوطن والمقاومة الفلسطينية والتعديلات السياسية.
            وهكذا حاولنا أن نعطي مفهوماً صحيحاً للموت الذي شمل المواطنين ونمنع هدر الدماء ونخلق للمصابين العزاء. وبالفعل خاض الكثير من الشباب المؤمنين بوطنهم معارك بطولية وقدموا الشهداء دفاعاً عن هذه الأهداف المقدسة التي وضعت أمامهم، واستمر القتال وسقط الآلاف من القتلى وعشرات الألوف من الجرحى، والدمار انتشر في المرافق الحيوية، وفشلت الاجتماعات والمحاولات واللقاءات.
            أما الأشقاء العرب والأصدقاء، فكانوا يناشدون ولا من يسمع، ويحضرون فلا يبالون، وينصحون وكنا نستمر في الحرب وتتهم كل فئة الأخرى بأنها البادئة وتتبرأ من مسئوليتها حتى إذا انتهت الجولة تطلب ثمن الانتصار وتطرح المطالب.
            وسقط المسلخ وتشرد الآلاف، وسقط مخيم الضبية وحوصر تل الزعتر ودمرت حارة الغوارنة وسبنيه وحوش الأمراء، وانقطع التموين عن معظم أحياء بيروت المهددة، وتجاوز الانفصاليون العنصريون كل حد، وارتفعت صرخات الاستنجاد بالشقيقة سوريا بعدما استقال رئيس الحكومة واهتزت الآمال.
            وكانت نجدة سوريا ومغامرة دخول جيش التحرير الفلسطيني من اجل حماية الأرواح البريئة وصيانة وحدة الوطن والثورة الفلسطينية.
            وتغيرت معادلات القوى وسقطت الدامور وحوصرت زحلة وزغرتا وانحسرت القوة المتجاوزة وانهارت القوة المساندة لها، أي الجيش والمؤسسات الرسمية واحدة تلو الأخرى وانتهت أسطورة الحماية الأجنبية.
            والقوة السورية هذه جعلت بادرتها لا تقبل في صورة مبدئية وتوقف القتال، وبدأ الحوار وقدمت مطالب إصلاحية كانت خلاصة الحوار الفوقي الذي جرى في غياب المتقاتلين الذين كانوا لا يجتمعون ولا يحاورون ويعزلون بعضهم البعض، قدمت المطالب هذه في صورة مرحلية عربوناً للمتقاتلين ومن اجل تثبيت وقف إطلاق النار.
            وانتصرت الإرادة الوطنية وبرزت العروبة والموقف القومي الصارم واعترفت الفئات المتحجرة بمبدأ التطور وتجاوز الوطن محنته الدامية مبتدئاً بالاستعداد لاستقبال عهد جديد، عهد العدالة والمساواة واللاطائفية الحقيقية، عهد عروبة لبنان، عزاء للمفجوعين، وضمادا لجراح الشعب وبشارة للغد الأفضل.
            وانكشفت عناصر المعادلة، وبرزت سوريا امتداداً للإرادة القومية الوطنية في لبنان وسنداً لها وحصناً منيعاً للمقاومة الفلسطينية.
            وكان موقف سوريا وهو البديل عن الحلول الأخرى للمحنة التي أقلقت العالم من تعريب وتدويل وتدخل أجنبي والتقسيم.
            وعرف العدو بل الأعداء والحاقدون والمخربون في الداخل وفي الخارج، مواقف القوة والضعف في لبنان، أدركوا مقاتل الإرادة الوطنية والثورة الفلسطينية وبدأ الفصل الأخير من المؤامرة الكبرى.
            وبين ليلة وضحاها، انقلبت الأوضاع، وتعثرت المحادثات، وانهارت اللجان المشتركة، وتجمدت المساعي، واستعرت الحرب في بيروت وفي الجبل، وتكونت جيوش متعددة، وانقسمت الآليات والأسلحة الثقيلة مع رفاق السلاح في الجبهات المتقاتلة، وتفجر الوضع مرة أخرى، وتوترت العلاقات بين الحلفاء في الجبهة الوطنية، وبدأت موجة إعلامية كاسحة في الصحف والشارع والأندية ضد سوريا، وانتشرت العدوى إلى العالم العربي، وانقلبت المواقف، واختلطت الأوراق، وبرزت ملامح التدخلات الأجنبية خصوصاً الأمريكية، ولاحت في الأفق أنياب العدو ومطامعه، وانقلب الرأي العام العالمي في اتجاه تحضيره للتدخل في لبنان، والحبل على الجرار!
            من المسؤول؟ ما هو السبب؟ من المستفيد؟ أما الخاسر الأكبر فهو لبنان وإنسانه مرة أخرى.
            ودخلت السنة الثانية من عمر الأزمة الفاجعة، وبعد الضحايا والأثمان الباهظة التي تحملناها نجد أمامنا النقاط العشر التي تناقض تماماً مع أمانينا قبل بدء الأزمة ومع مكاسبنا المبدئية بعد المبادرة السورية، والنقاط هي :
            1 ـ الحرمان، أرضية الانفجار، وجوهر التخلف اللبناني، اتسعت رقعته وتعمقت وتحول الكثيرون من المواطنين من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود بل المرفهين عدا تجار السياسة والسلاح، تحولوا إلى محرومين وانقطعت سبل المعيشة المتواضعة عن الأكثرية الساحقة من الناس. الحرمان زاد، على رغم أن جميع ضحايا الحرب الأهلية تقريباً كانوا من المحرومين وبذلك دفعوا ثمناً باهظاً وفوق ما تكلف الثورات الاجتماعية في العالم.
            2 ـ الجنوب وجبهته ومواطنوه اصبحوا تحت رحمة الأقدار والاعتداء اكثر بكثير من بداية الأزمة. فقد انقطعت السلطة اللبنانية عن المنطقة نهائياً وتفرغت عن السلاح الدفاعي وها نحن نسمع كل يوم تصريحاً ونرى حشوداً ونلاحظ ذرائع وأعذاراً متجددة للهجمة تجعلها موضع مساومات وضغوط ومناورات.
            3 ـ السيادة الوطنية انحسرت نهائياً ولم يبق شبر واحد من الأرض بما فيه مقر السلطات الثلاث الأصلية إلا تحكمه فئات مسلحة.
            ويزيد في الآلام أن الإحساس بسقوط السيادة بدوره سقط، وان المطالبة باسترداده غابت عن الساحة اللهم إلا لأجل التحديات والمناورات السياسية.
            4 ـ سقطت المؤسسات الرسمية كلها وتمزق الجيش ووقف رفاق السلاح مع الآليات والأسلحة المتنوعة وجها لوجه بعضهم أمام بعض، وأحرقت المستندات والوثائق والخرائط أو نهبت.
            5 ـ القتال أخذ الطابع الطائفي في شكل صارخ والصحف العالمية التي كانت طوال المعركة ترفض الطرح العنصري لها بدأت تتحدث عنها في شكل مثير وتنتشر الصور الاستفزازية وتحرض المسيحيين والمسلمين معاً.
            6 ـ مزقت أوصال الوطن تراباً وشعباً وقيماً وإعلاماً وقانوناً وتحول لبنان الواحد لا إلى بلدين فحسب بل إلى بلاد عدة واصبح شعبه أشلاء وتجمعات متعددة.
            7 ـ المطالب الإصلاحية، السياسية والاجتماعية والإنمائية، تبخرت ولم يبق منها إلا استقالة الرئيس. أما البقية منها فقد أصبحت شعارات وتحركاً في فراغ فلا حكم حتى يبحث في إصلاحه ولا مال في الخزانة وفي قدرة المواطن لكي ينفق في المشاريع الإنمائية وفي تحقيق العدالة الاجتماعية. أما الدراسات والخرائط فإنها احترقت مع كبار المهندسين بأبشع صورة ولا ندري كم يحتاج إليه الوطن الجريح من سنوات حتى يعود إلى نقطة الصفر وحد البداية.
            8 ـ أما السبيل المختار لتحقيق التقدم الاجتماعي والمطالب الإصلاحية وهو النضال الديموقراطي، فلقد قضي عليه تحت وطأة السلاح المشهور وتعود المسلحين استعماله المرتجل وفي الضباب المسيطر على المواقف من جراء الأحقاد والأحكام السابقة والاتهامات التي تمطر من كل جانب.
            9 ـ والمقاومة الفلسطينية، أمانة الوطن ورسالته، أصبحت مكشوفة جريحة مرهقة، معرضة للاعتداءات والمؤامرات تتحمل أعباء المقاتلين والمهجرين وتستدرج في المفاوضات والمصالحات والتفتيش عن الحلول لمشاكل الوطن.
            10 ـ وسوريا الشقيقة، بعد التضحيات الكبرى أصبحت معرّضة لموجة معادية في الشارع وفي الصحف وفي الأندية حتى في الكثير من الأوساط العربية، موجة تحاول إبرازها خصماً للإرادة الوطنية، منتدبة، منحازة، مختلفة مع حلفائها، حامية للظالمين والمتجاوزين المعتدين.
            11 ـ هذه هي خلاصة الفصل الآخر من المؤامرة الكبرى والمرحلة التي تمر بها الإرادة الوطنية، وهل أمامنا فصل آخر أو فصول ؟
            = يتبع =

            تعليق


            • #96
              سيرة الأمام الصدر (بيان 6 ) جزء 2

              أيها اللبنانيون ...
              يا بناة الأوطان وحملة الثقافات ومصدري الحضارات، يا صانعي التاريخ للمهاجر… ماذا تنتظرون؟ سقط السقف وحارب القيادات وانحرف الكثير من الزعامات أو تخلت عن مسؤولياتها أنتم وحدكم في الساح غرباء، حيارى، مهددون.
              ماذا نعمل؟ ومن يعمل؟ وكيف العمل؟ إنني كمواطن عادي أفتش معكم عن الجواب. ومسؤولية كل فرد منكم أن يفكر وان يجيب وان يخرج من الظلمة الدامسة؟ إلى أين؟ ماذا نريد؟
              أولاً: نريد لبناناً واحداً أرضا وشعباً بإرادة عنيدة جبارة. لا نريد التقسيم وخلق إسرائيل أو إسرائيليات أخرى، نرفض الدولة المارونية والدولة الشيعية والدولة السنية والدولة الدرزية. نريد أن نعيش معاً كمواطنين مسلمين ومسيحيين مهما حصل في الماضي القريب والبعيد ومهما كان من الدماء والدمار. إن ما حصل لم يكن من عملنا ولا نتيجة لارادتنا. إننا نتبرأ منه ونصر على التعايش معاً في وطن واحد نعيش أمانينا وقيمنا ورسالتنا الحضارية.
              ثانياً: نريد لبناناً عربياً، لا جسماً غريباً في المنطقة يأخذ ولا يعطي، أو يعطي ولا يأخذ بلداً متفاعلاً مع أشقائه، يتحمل معهم مسؤولياته العربية ويشارك في المصير العربي ويتمتع بكامل مزاياه. نريد الخروج من النفاق السياسي والتقزم الوطني بحجة عدم التمحور. نريد التخلص من السلوك وراء شعارات ذات معان متعددة، نريد لبنان العربي الحر المستقل.
              ثالثاً: نريد وطناً متطوراً عصرياً في مستوى أماني المواطنين. فقد مات الذي كان، ولم يكتب لتجربتنا السابقة النجاح، وقد استمرت مراسم الاحتفال بموته ودفنه سنة أو اكثر. لذلك فإننا نريد لبناناً جديداً قائماً على أسس جديدة، وطن العدل وتكافؤ الفرص يتساوى الجميع أمام القانون، لبناناً لا طائفياً، دولة معاصرة. نريد هذا التمسك الكامل بأدياننا وقيمنا وتراثنا، لا نريد المحاكاة والاقتباس المحض لتجارب الآخرين واستيراد نماذج للأنظمة، نريد وطناً ونظاماً نابعاً من أراضينا وتاريخنا، نريد استثمار كل ثروات الوطن وخلق الكفاية الاقتصادية والاجتماعية.
              رابعاً: نريد صيانة المقاومة الفلسطينية محفوظة الجانب ومطمئنة البال غير معرضة للاعتداء، متفرغة لقضية التحرير، بعيدة عن التناقضات اللبنانية والمحاور السياسية، متعاطفة مع الإرادة الوطنية الحقة، محلقة في سماء انتصاراتها العسكرية داخل الأرض المحتلة وانتصاراتها السياسية في العالم. نريد شعلة تنير درب الثورات العادلة في أرجاء الوطن العربي، مثالاً للمناقبية والتنظيم.
              خامساً: نريد أمناً كاملاً، لا سلاحاً ومسلحين. نريد حماية السلطات فقط للمواطنين فلا يحتاج المواطن إلى الدفاع عن النفس. نريد حل الميليشيات وضمها إلى الحرس الوطني وجمع أسلحتها في المخازن واستمرار التدريب العام لساعات المحنة.
              سادساً: نريد عهداً جديداً ورئيساً جديداً صالحاً صادقاً في مستوى الآمال والآلام. نريد رجالاً جدداً، وأفكارا جديدة، وبرامج عمل، وخطة تنمية شاملة، ونظاماً جديداً للمؤسسات.
              سابعاً: لا نقبل بالاعتداء على الوطن، إنسانه وأرضه وجوه وبحره، لا نريد ان نسكت عن الاعتداءات على الجنوب وتبريرها، ولا الإهمال في حقه. نريد مجتمع جد لا مجتمع رخاء وترف. نريد لذلك جيشاً موحداً لا طائفياً مزوداً بكفايات وبأسلحة متطورة في مستوى الأخطار التي تهدد الوطن.
              ثامناً: نريد كل هذا لا بقوة السلاح، بل بقوة الواقع المأساوي الذي نعيشه والذي يدين الماضي نريد كل هذا لا تحدياً لأحد، بل تعاونا مع جميع المخلصين من المواطنين، فالواقع والمستقبل يتحدياننا ويتحديان كل من لا يريد هذا.
              أيها الاخوة المواطنون:
              أمام هذه الارادات الأساسية تتكون خطة تحركنا، تحرك جميع المخلصين للبنان وترتسم أبعاد المواقف المطلوبة في الأشهر المقبلة.
              لذلك فان واجب المواطنين جميعاً وفي المناطق اللبنانية من دون استثناء، ان يحددوا مواقفهم وان يعبروا عن آرائهم وأن يلتقوا بعضهم مع البعض على ضوء هذه الأهداف، وان يتحملوا مسؤولياتهم الكبرى بإخلاص ووعي، وان لا يسمحوا بالانتماءات والانقسامات والمواقف السابقة تستمر في انقسامها وفي تباعدهم وفي القضاء على تكوين الإرادة الوطنية المشتركة وانطلاقها.
              ورجال القوات المسلحة، أولئك النخبة الذين وضعوا حياتهم في خدمة الوطن واقسموا يمين الشرف على حفظه وخدمته، أولئك الذين تكلفهم مواقفهم حياتهم وحياة رفاقهم، عليهم أن يكونوا عند حسن ظن الوطن بهم فينطلقوا أينما كانوا لخلق الإرادة المشتركة وللانطلاق الواعي من المبادئ والأهداف الثابتة وان يتذكروا أن المستقبل إلى حد كبير رهن بإرادتهم وان التاريخ في انتظار مواقفهم.
              إن الأحزاب والقوى السياسيين يتحملون في هذه الظروف القاسية مسؤوليات اكبر، ويتمكنون من أداء رسالتهم التاريخية في سبيل خلق الإرادة الوطنية المشتركة، ويقدرون من خلال تأثيرهم البالغ على الرأي العام ان ينقلوا الوطن من وضعه المأساوي الحاضر إلى مستقبل افضل.
              إن تلاقي الأحزاب الوطنية والقيادات الواعية المخلصة في هذا اليوم العصيب هو ضمانة بقاء لبنان ووحدته وتطويره.
              أما السادة النواب، البقة الباقية من النظام، والحلقة الموصلة للماضي إلى المستقبل، أولئك الذين حفظتم التناقضات ومعادلات الرعب وعدم نجاح التحركات العسكرية، أولئك الذين أرادهم الله أن يحملوا مسؤولية الاستمرار ووضع الأسس الصحيحة لمستقبل الوطن، في معزل عن سلوكهم السياسي السابق، أما النواب الكرام فعليهم ان يقوموا بإقدام وشجاعة وبواقعية واعية فيختارون رئيساً للبلاد يوحي الثقة، ويتجرد عن المصالح الخاصة، ويتفانى في سبيل تنفيذ الإرادة الوطنية المشتركة.
              إن النواب يتمكنون اليوم وبعد اختيار الرئيس ان يقوموا بثورة دستورية وان يغيروا ما تقتضيه مصلحة الوطن من النظام والدستور، وذلك بعدما استحال نجاح التحركات العسكرية، واستحال أيضاً بقاء الوضع كما كان، وبعدما تأكدوا من عدم إمكان ترقيع الوضع السابق.
              إن النواب في هذا الوقت بالذات، يتمكنون من أن يجسدوا البقية الباقية من آمال الشعب، فليختاروا السبل التي تضع الشعب أمام مصيره المنقذ والتي يتطلبها الوطن والتاريخ والأجيال منهم.
              إن النواب يمكنهم أن يضعوا ميثاق شرف لمدة سنتين لإنجاز مهمة البناء، بعيداً عن المصالح الخاصة والانتخابية.
              انهم يقدرون درس المطالب التي وردت في البيان الرئاسي، ومناقشتها وتطويرها، والاتفاقات على المزيد من أسس التطوير.
              أيها الاخوة المواطنون:
              إننا اليوم أمام مرحلة جديدة من العمل الوطني اتضحت بعد عودة الأخ أبو عمار ورفاقه من دمشق وبعد مقابلة للرئيس حافظ الأسد وبعد الإعلان عن المبادئ المتفق عليها.
              لم يبقى أمامنا إلا أن يرتفع صوت مخلص مسيحي يلتقي مع صوت مخلص مسلم يعبران عن الإرادة المشتركة الوطنية ويخلقان حماية شعبية عامة للثورة الدستورية المطلوبة.
              فإلى العمل أيها الأعزاء، والسلام عليكم ورحمة الله.

              بيروت : 16 نيسان 1976

              موسى الصدر

              تعليق


              • #97
                سيرة الأمام الصدر (نداء 10 )

                الموضوع : نداء ـ إن الحرب كانت مبررة بل مقدسة عندما كانت تصد العدوان أو تردع التقسيم أو تحفظ المقاومة.
                المكـان : بيروت ـ 3/5/1976 .
                المناسبـة : تأجلت جلست انتخاب رئيس الجمهورية وانفجر الوضع الأمني فوجه الإمام هذا النداء.
                ـ الــنـــص ـ
                ... واشتعلت المعركة مرة أخرى، والتهمت أرضنا وإنساننا وقيمنا من جديد…
                اشتعلت حرب الحيطان، الحرب القذرة، الحرب الظالمة التي يدفع ثمنها الذين لا يشتركون فيها ولا يرضون عنها.
                اشتعلت، ولكن تختلف هذه الجولة عن الجولات السابقة، بوضوح أسبابها وتحديد وقتها وترقبها قبل الاشتعال. لذلك فهي تصلح أن تكون عينة للحكم على أخلاقية هذه الحرب ومنطقها وعلى المحاربين.
                إن جلسة انتخاب الرئيس تأجلت أسبوعا واحداً بحجة الخوف من الانفجار، والجميع كانوا يعرفون أن الانفجار سيحصل، وها قد حصل بالفعل، وها قد دخل الوطن الجريح أتونه.
                من بدأ؟ ولماذا؟ فلنسأل، وعلى ضوء الجواب نحكم… نحكم لا لكشف المسببين ولا لاتهام المفجر، بل نحكم في الأساس. انهم يحاربون من اجل إنجاح رئيس الجمهورية. أي رئيس؟ هل هو الجديد؟ هل يمثل التغيير؟ هل رئاسته هي ثمرة للحرب؟ هل يعتبر وصوله نتيجة المعركة أو هدفها؟
                إن مجرد العودة إلى مجلس النواب، وهو ركن النظام؟ ذلك المجلس الذي انتخب في أيام الرئيس فرنجية وحكم هو من خلاله، إن مجرد العودة إليه لكي يعدل مادة من الدستور ولينتخب الرئيس، هو دليل قاطع على ان المعركة العسكرية لم تسقط النظام في لبنان، وان لبنان بتركيبه الاجتماعي والبشري لا يتغير بالثورات العسكرية، رغم أن المأساة الدامية، بمجرد حدوثها دليل ساطع على سقوط النظام، وبكلمة إن الحرب لم تسقط النظام بل كشفت عن فساده وضرورة سقوطه.
                إذن، إننا من خلال انتخاب الرئيس الجديد نعيش في ظل النظام القديم، وهذا يعني أن معركة الرئاسة هي معركة سياسية تقليدية تجرى وفق المعادلات السياسية الخاضعة للنظام.
                فلماذا التصعيد العسكري؟ وما هو السبب لإراقة الدماء وزيادة الدمار؟ ومهما حاول البعض تبرير ذلك وتنظيره وإعطاء الأسباب والأهداف، فإنه عاجز عن تجاوز مناقشات تجريدية.
                فليتقوا الله في دماء الناس، وفي سلامة الوطن، وليتأكدوا أن النظام الغاصب الدامي الذي يحول دون رؤية الشعب، سيسقط، وسيرى بوضوح انهم تاجروا بأرواح أبريائه وبسلامة وطنه لمجرد مكسب سياسي ضمن النظام المهتريء.
                إن الحرب كانت مبررة، بل مقدسة، عندما كانت تصد العدوان أو تردع دعاة التقسيم أو تحفظ المقاومة الفلسطينية.
                أما اليوم، وقد برز بوضوح أن الحرب ليست لهذه الغايات، بل لمكاسب ومناورات سياسية، فهي قتل الأبرياء ومزيد من الدمار وتعريض الوطن، من جديد، للتقسيم، في جو دولي ملائم، وهي أيضاً إرهاق للمقاومة وتعريضها للخطر، وتعميق للجراح وتعريض الجنوب للاعتداء، وهي بعد ذلك كله، إبعاد الشقة بين الصف الوطني وبين سورية التي كانت ولم تزل بعده الوطني وسنده الأساسي.
                فإلى أين أنتم ذاهبون يا أيها المصعدون والمحرضون، ويا أيها المحبذون والمبررون للمعركة أما يكفيكم ما أصبتم به الأبرياء، والوطن أم الأبرياء البريئة؟ أما شبعتم من الدم والدمار؟ ماذا سيقول في حقكم التاريخ؟ بماذا تجيبون أمام الله؟ إنكم هنا تحاربون، فهل تعرفون وضع المواطن في الجنوب والشمال والبقاع… بل في أحياء بيروت نفسها والضواحي؟
                هل تعرفون أن مئات الألوف من الناس يعيشون مشردين ودون عمل؟ هل تعلمون أن الخبز العادي في بعض المناطق لا يوجد إلا بصعوبة وبثمن يجاوز الليرات؟ هل تعلمون أن محصول التبغ وهو أساس معيشة ربع مليون مواطن لبناني ضاع؟ وبدأ الحرمان يفتك بأولاد هؤلاء المواطنين وعائلاتهم.
                هل تعلمون الوضع الأمني في البلاد، وأن الجميع دون استثناء يعيشون تحت رحمة الأقدار؟ هل تعرفون حالة الأمهات خلال النهار إلى أن يعود إليهن الأولاد وطوال الليل إلى أن يطلع الفجر؟ هل تعلمون أن شأن لبنان الدولي أصبح في الحضيض وأن أحداً لا يبالي بنا ولا يحسب لنا حساباً إلا شفقة وإغاثة؟
                اتركوا مجلس النواب ينتخب الرئيس. طالبوا الرئيس الجديد بالمطالب التي أخذتم الوعد بها وطالبوا بالتغيير الشامل بعد أن بلغ لبنان القديم أوخم العواقب.
                إجتمعوا واجمعوا حولكم الخبراء والاختصاصيين، واحضروا المعذبين وأرواح الشهداء والوطن الجريح وأسسوا لبناناً جديداً، وضعوا له نظاماً متطور ثابتاً يعيد الوحدة والأمن والاستقرار ويضمد الجراح ويرفع الشأن ويمكن الوطن من أداء رسالته.

                تعليق


                • #98
                  سيرة الأمام الصدر (ندار 11)

                  الموضوع : نداء ـ إن انتخاب رئيس الجمهورية يمكن أن يكون الخيط الأبيض من فجر الأمل وبداية النهاية من ليلتنا الظالمة المظلمة.
                  المكـان : بيروت ـ 10/5/1976.
                  المناسبـة : بعد أن تم انتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية في جلسة 8/5/1976 وجه الإمام الصدر هذا النداء إلى اللبنانيين.
                  المقدمـة : أذيع النداء من الإذاعة والتلفزيون مساء 10/5/1976 .
                  ـ الــنـــص ـ
                  أيها الاخوة المواطنون:
                  فصل جديد في حياة الوطن والمواطن بدأ مع انتخاب رئيس الجمهورية، يمكنه أن يكون الخيط الأبيض من فجر الأمل، وبداية النهاية من ليلتنا الظالمة المظلمة.
                  لقد قمنا وقام المخلصون للبنان خلال الأشهر الأربعة عشر بمحاولات مضنية لم يكتب لها النجاح وبقي لهم ولنا أجور الصابرين.
                  لا تنفع النصائح والمناشدات حتى من القمة الروحية التي انعقدت للمرة الأولى في لبنان، بل في العالم كله. ولم تنجح محاولات المصالحة الوطنية والحوار الوطني ولجان التنسيق، ولا السعي لإقامة وزارة الوحدة الوطنية. ولم تتمكن التحركات العسكرية من تغيير النظام ولا حتى من الاستمرار الذي جعلها تتلطخ وتنحرف حتى كادت أن تكون إجهاضاً للثورات الشعبية في لبنان وفي المنطقة أجمع. ولم يكن في إمكان لبنان في وضعه السابق أن يبقى، وهو الذي حمل وأفرز كل هذه المأساة والتي انتهت بفاجعة. لكن الدماء الطاهرة التي أريقت على أرض الوطن أكدت على أن وحدة لبنان راسخة وأن أرض لبنان مصونة وأن المقاومة أصبحت مرتبطة ببقاء هذا الوطن.
                  كما أن المحنة أنهت أسطورة الحماية الأجنبية وأبرزت عروبة لبنان، وان في ذلك وحدة الضمان لصيغة تعايشه، ناهيك بان استمرار القتال في حزام بيروت البائس وفي كل المناطق المحرومة أوضح صلابتها ودفاعها المستميت، وعدم إمكان استضعافها وتجاهلها، وأوضح أيضاً شرف هؤلاء المحرومين ورفضهم للطائفية وتمسكهم بالوحدة الوطنية.
                  والآن، بعد بروز هذه المعادلة الجديدة وترسخ عناصرها. والآن، بعدما انتخب رئيس الجمهورية بصورة تكاد تكون معجزة. والآن، بعدما تم الاتفاق التام بين المقاومة وسوريا، وظهر بطلان المزايدات والتهجم الظالم على المقاومة بأنها هي محنة لبنان، وعلى سوريا بأنها تحاول تصفية المقاومة أو تحجيمها.
                  والآن بعدما سقط الحكم الفردي بفاجعة، واصبح النظام البرلماني والحكم الجماعي هما المنقذ الوحيد بعد المحنة الدامية الطويلة. والآن، بعدما اكتشفنا أخيراً، وبعد جميع الشعوب، أن الإيمان والعدالة وتكافؤ الفرص هي دعائم بقاء الوطن، وان الازدهار الشكلي والانحراف الخلقي ونظام الامتيازات ضربات قاضية على حياته.
                  الآن، هل يمكننا أن نجعل هذه المناسبة حجر الأساس في بناء لبنان الغد وإعادة الحياة له ولنا؟
                  سؤال كبير، بل مسؤولية كبرى على عاتقنا جميعاً، على عاتق الرئيس المنتخب وعلى عاتق المواطنين أفرادا وأحزابا وقادة.
                  إنه سؤال لا نجيب عنه بالقول أو بالتحليل أو بالتفاؤل والتشاؤم، بل نجيب بعقولنا وبقلوبنا وبأفعالنا فلم يبق لنا خيار آخر.
                  إن الليل قد أحاط بنا من كل جانب، وزمجرة المؤامرات تصم الآذان وتقض المضاجع، وأصبح الوطن مسرحاً لصراع كل القوى عربية ودولية، واصبح المواطنون عناصر الاختبار في مختبرات لعبة الأمم. وأمامنا هذا الخيط الرفيع من الأمل المشرق من بعيد، فلنتجه كلنا إليه، ولنترك مصالحنا ومشاعرنا وشعاراتنا، ولنتسام فوق الجروح لنضمد جروح الوطن أولا، لنعود بعد تجاوز المحنة إلى المحاسبة والمحاكمة، ولنتطلع الى المستقبل بأعبائه الثقال.
                  إن الأكثرية من الشعب يجب عليها أن تخرج إلى الساحة وتضع حداً للظلم والقتل على الهوية ومحاصرة الأحياء والقتل الجماعي. يجب أن يتوقف التصعيد وتصفية الحسابات تحت طائلة الخيانة العظمى.
                  يجب أن نهب جميعاً لتوحيد الصفوف، صفوف المواطنين، صفوف الأحزاب، صفوف المقاومة، صفوفنا جميعاً مع سورية الشقيقة، صفوف الأشقاء، ولو ضمن ساحتنا. فإننا لا نطيق المزيد من الصراع والشقاق. يجب ألا نسمح إطلاقا باستعمال العنف وتنفيذ الرغبة في الغلبة، أيا كان مصدرها ومن أي جهة صدرت.
                  يجب أن نعتمد المباديء لا الأشخاص، نتمسك بالمطالب والبرامج والأهداف لا بالعناصر والأفراد، وبالخط العام لا بالسياسات، يجب أن نسعى جميعاً لفتح الطرق بعدما ضيق الحصار الخناق على الأبرياء، ولإعادة المهجرين إلى منازلهم بعد طول انتظارهم المرير، ولتموين المناطق بعدما هددت بالقحط والإذلال والتسول، ولتنظيف الأحياء بعدما هددت الأوساخ بالأوبئة.
                  يجب أن نبتعد عن دغدغة المشاعر التي تفرق أصحابها كل يوم اكثر واكثر، وان نقول للناس الحقيقة المرة بوضوح. علينا أن نتقي الله ونتحمل أمانة الوطن ونتقبل مسؤولياتنا الجسام لكي نصبح مؤهلين لان نكون لبنانيين، ولأن ندخل في عائلة الشعوب التي تعيش نهاية القرن العشرين، ولأن نكون آباء وأمهات للأجيال المقبلة.

                  تعليق


                  • #99
                    سيرة الأمام الصدر (خطاب 12) جزء 1

                    الموضوع : خطاب ـ يا أبا عمار خذ علماً بذلك، أن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين وإلا على أيدي المجاهدين.
                    المكـان : بيروت، قاعة الأونيسكو ـ 23/5/1976.
                    المناسبـة : مهرجان "يوم الشهيد" الذي أقامته حركة المحرومين تكريماً لشهدائها.
                    ـ الــنـــص ـ
                    قدمه معرّف المهرجان الشيخ محمد يعقوب بالنص التالي:
                    سيد في الإلتزام.. سيد في الإحترام.. سيد بالوفاء.. سيد بالصفاء. لفته رشح نبوة وفيض رسالة وسلوكية رسولية. رأيه الجمع لا المنع، والتوحيد لا التبديد، والتقريب لا التجميد. لقاءه مع المقاومة في شخص عرفات من منطلق جبل عرفات لا من منطلق الباحثين عن الاعطيات. دوره الالفة لا الخلفة. سلوك نبوي ينبثق لكي يعبر عن آلام المحرومين آلام المعذبين. همه الخدمة لا النعمة. هكذا دائماً شعاره. هكذا دائماً تطلعه. وهكذا دائماً مساره مع رسول السماء محمد القائل "المنظلم شريك للظالم". ومن هذا المنطلق كانت حركة المحرومين لتدك عروش الطغاة ولتلغي الفوارق ولتحقق العدالة الإجتماعية ولترسم معالم الطريق. وهكذا كان موسى الصدر، وموسى الصدر فرع من عليّ (بهذا الكلمات قدم الشيخ محمد يعقوب الإمام القائد إلى الجماهير المحتشدة في الاونيسكو ). ثم اعتلى سماحته المنبر وقال:
                    دولة الرئيس...
                    الأخ المجاهد الساهر أبو عمار...
                    أيها السادة العلماء...
                    أيها المقاتلون الأبطال...
                    أيها الأخوة والأخوات...
                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                    أيتها الأرواح الطاهرة... يا شهداءنا البررة... نقف أمامكم خاشعين، نستمع إليكم وأنتم تستبشرون بالذين لم يلحقوا بكم، مقدرين فضلكم الدائم أولاً وأخيراً.
                    لقد فجرتم بعطائكم السخي، أولاً، طاقات الأمة المجمدة والمهدورة. وأشعلتم في النفوس جذوة الإيمان والالتزام، وأنرتم بدمائكم شموع الهداية الى المستقبل العزيز. وها أنتم اليوم، يوم أردنا تكريمكم، تقدّمون أيضاً لنا بسخاء، عطاءاً جديداً، تطلون علينا من أفقنا الحزين الدامي، مستبشرين، تمسحون عن العيون الدمع وعن الجباه الغبار وعن القلوب اليأس...
                    جزاكم الله عنا خيراً، والحقكم بركب الشهداء الأولين الصادقين الذين وضعوا أساس المجد العادل لأمتنا.
                    إننا نعاهدكم، في يومكم هذا، أن نستمر في الدرب الذي سلكتم، وبالجهد الذي تعلمناه منكم، وبالصدق الذي يحدثنا به عملكم.
                    كما نعاهدكم اليوم أن نلتزم التزاما كامل بألا نسكت ولا نسكن عن النضال، طالما نجد في الوطن محروماً أو منطقة محرومة، وأن نتبع في نضالنا مسلككم الصادق، وألا نضع في الحساب مصالحنا الذاتية، وألا نؤخذ في الله بلومة لائم ولا بإغراء مرحب وألا نستوحش في طريق الهدى لقلة أهله.
                    أيها الأعزاء... ها قد بدأت الحرب تضع أوزارها، ويحدثون عن المصالحة الوطنية وعن الجلوس حول الطاولة المستديرة، وعن اجتماع القيادات الشابة التي أفرزتها الأحداث، وعن مصالحة المقاتلين، وعن...
                    إن دماءكم الغالية التي لا تقدّر بالدنيا وما فيها، رسمت لنا اليوم الموقف الحق الذي التزمنا بقوله دون الاهتمام بالمعاناة القاسية التي تحملناها خلال الأشهر الأربعة عشر المنقضية، فلا دم لنا أغلى من دمائكم، ولا معاناة أقسى من معاناة أمهاتكم وآبائكم وأزواجكم وأطفالكم.
                    إن المصالحة الوطنية هذه، محاولة شريفة وضرورية لمنع الإقتتال الأهلي ولإيقاف النزيف الذي بدأ ينذر بالعاصفة الكبرى.
                    إن حربنا الأهلية، يجب أن تنتهي، لأنها لا ولن تخدم أحداً، إلا العدو... إن استمرارها يهدد الوطن ووحدته، بل والمقاومة الفلسطينية، بأخطار لا يمكن تحديد أبعادها.
                    أما خلاصة هذه الحرب، فلقد سبق أن عرضناها، وهي الآتية:
                    1 ـ الحرمان، أرضية الإنفجار، وجوهر التخلف اللبناني، اتسعت رقعته وتعمقت، وتحول الكثيرون من المواطنين من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، بل من المرفهين عدا تجار السياسة والسلاح، تحولوا الى محرومين، وانقطعت سبل المعيشة المتواضعة عن الأكثرية الساحقة من الناس. الحرمان زاد على رغم أن جميع ضحايا الحرب الأهلية تقريباً كانوا من المحرومين، وبذلك دفعوا ثمناً باهظاً يفوق ما تكلّف الثورات الإجتماعية في العالم.
                    2 ـ الجنوب وجبهته ومواطنوه، أصبحوا تحت رحمة الأقدار، والاعتداء أمسى أكثر بكثير من بدايات الأزمة، فقد انقطعت السلطة اللبنانية عن المنطقة نهائياً وتفرغت عن السلاح الدفاعي، وها نحن نسمع كل يوم تصريحاً ونرى جنوداً ونلاحظ ذرائع وأعذاراً متجددة للهجوم تجعل هذه المنطقة موضع مساومات وضغوط ومناورات.
                    3 ـ السيادة الوطنية انحسرت نهائيا، ولم يبقَ شبر واحد من الأرض بما فيه مقر السلطات الثلاث الأصلية إلاّ تحكمه فئات مسلحة.
                    ويزيد من الآلام الإحساس بسقوط السيادة، وإن المطالبة باستردادها غابت عن الساحة اللهم إلا لأجل التحديات والمناورات السياسية.
                    4 ـ سقطت المؤسسات الرسمية كلها، وتمزق الجيش، ووقف رفاق السلاح مع الآليات والأسلحة المتنوعة وجهاً لوجه بعضهم أمام بعض، وأُحرقت المستندات والوثائق والخرائط أو نهبت.
                    5 ـ القتال أخذ الطابع الطائفي، في شكل صارخ، والصحف العالمية التي كانت طوال المعركة ترفض الطرح العنصري، بدأت تتحدث عنها في شكل مثير وتنشر الصور الاستفزازية وتحرض المسيحيين والمسلمين معا.
                    6 ـ تمزقت أوصال الوطن ترابا وشعباً وقيماً وإعلاماً وقانوناً وتحول لبنان الواحد لا الى بلدين فحسب، بل الى بلاد عدة، وأصبح شعبه أشلاء وتجمعات متعددة.
                    7 ـ المطالب الإصلاحية السياسية والإجتماعية والإنمائية، تبخرت وأصبحت شعارات وتحركاً في فراغ، فلا حكم حتى يبحث في إصلاحه، ولا مال في الخزانة وفي قدرة المواطن لكي ينفق في المشاريع الإنمائية وفي تحقيق العدالة الإجتماعية. أما الدراسات والخرائط، فإنها احترقت مع كبار المهندسين بأبشع صورة، ولا ندري كم يحتاج إليه الوطن الجريح من سنوات حتى يعود الى نقطة الصفر وحد البداية.
                    8 ـ أما السبيل المختار لتحقيق التقدم الإجتماعي والمطالب الإصلاحية، وهو النضال الديمقراطي، فقد قضي عليه تحت وطأة السلاح المشهور وتعود المسلحين استعماله المرتجل وفي الضباب المسيطر على المواقف من جراء الأحقاد والأحكام السابقة والاتهامات التي تمطر من كل جانب.
                    9 ـ والمقاومة الفلسطينية، أمانة الوطن ورسالته، أصبحت مكشوفة جريحة مرهقة، معرضة للاعتداءات والمؤامرات، تتحمل أعباء المقاتلين والمهجرين، وتستدرج في المفاوضات والمصالحات والتفتيش عن الحلول لمشاكل الوطن.
                    10 ـ وسوريا الشقيقة، بعد التضحيات الكبرى، أصبحت معرّضة لموجة معادية في الشارع وفي الصحف وفي الأندية، وحتى في الكثير من الأوساط العربية، موجة تحاول إبرازها خصما للإرادة الوطنية، منتدبة، منحازة، مختلفة مع حلفائها، حامية للظالمين والمتجاوزين المعتدين...
                    لذلك، فالمطلوب أن تنتهي هذه المعركة. وانتهاؤها يتطلب اجتماع المقاتلين وأطراف الصراع، كما يتطلب الاتفاق على أسس جديدة ترمم صورة لبنان الغد، لبنان العدالة والتحدي، لبنان الواحد المتطور، لبنان العربي الرسالي، لبنان الإنسان والحضارة، لبنان الحرية والقيم. والمطلوب أيضاً أن تجرى هذه المحاولة على يد الرئيس المنتخب الذي بدأت بوادر عهده، في أيامه الأولى، تخصب الأماني وتنعش الآمال في النفوس الحزينة. إننا نرحب ونبارك هذه المساعي وقد بذلنا وسنبذل كل جهد لإنجاحها، وما الحديث في هذا اللقاء الكريم إلا جهداً متواضعاً منا بهذا الاتجاه، مباركاً ومستلهماً من أرواح شهدائنا الأبرار.
                    =يتبع =

                    تعليق


                    • سيرة الأمام الصدر (خطاب 12 )جزء 2

                      أيها الأخوة ...
                      إن المطالب الإصلاحية، من سياسية واجتماعية وإنمائية، تلك المطالب التي طرحت من قبل مختلف الأطراف، هل كانت وراء الحرب الأهلية؟
                      إن حرمان الأكثرية الساحقة في لبنان، كان ولا شك، أرضاً خصبة للمعركة وقوداً لها وسبباً لاستمرارها..
                      هذا صحيح... ولكن لم يكن الحرمان هذا سبباً للحرب، ولا المطالب تلك هدفاً لها... وإلا فلماذا كانت كل فئة تتهم الأخرى بالبدء بها، وكانت تتبرأ من مسؤوليتها، وكانت تتحدث عن مؤامرة؟….
                      هل المحرومون في الوطن بادروا بالحرب الطبقية الإجتماعية؟ وهل هم الذين زادوا في حرمانهم وقاموا بتفويت ما كان لهم من الفرص المتواضعة للحياة؟...
                      وهل الشرفاء، الذين عانوا الظلم دهراً، يمارسون هذا النوع من الحرب الظالمة؟..
                      وهل النوعية الغالبة في صفوف المقاتلين ـ وهم المثقفون ـ كان طموحهم يصل الى تحقيق لقمة العيش فقط؟..
                      كلا...: نقولها بصدق واطمئنان.
                      إن الحرب في البداية، قامت من أجل الإحتفاظ بالوجود السياسي. وكانت في عمقها تعبيراً عن القناعات شبه العنصرية.
                      ولقد وضعت الحرب، الأكثرية المحرومة، أمام الإختيار الصعب:
                      ـ فإما القول بالامتيازات السياسية وما وراءها من استمرار الحرمان الإجتماعي والسياسي ومن عزل لبنان عن العرب، ومن إبعاده عن مسؤولياته القومية وخاصة تجاه إسرائيل، وبالتالي المشاركة في تحجيم المقاومة الفلسطينية وتدجينها.
                      ـ وإما التقسيم، وما وراء التقسيم من خلق دويلات طائفية ومن احتلال الجنوب والقضاء على الثورة الفلسطينية.
                      وكان موقف الأكثرية رفض الخيارين والقبول بالحرب القاسية، دون استعداد مسبق، وتقديم التضحيات الكبرى، وبالنتيجة تفشيل المخطط الرهيب.
                      ولقد تحمل المحرومون أوزار المعركة بشرف وشجاعة، ودافعوا عن مناطقهم المحرومة، وعن المقاومة الفلسطينية، وقدموا الضحايا، وجبلوا تراب الوطن بدمائهم، وأثبتوا أنهم المواطنون حقاً، وأنهم يستحقون هذا الوطن، أكثر من الذين يريدون الوطن لامتيازاتهم ولمصالحهم الذاتية، ومن الذين دفعوا بهم الى الطوفان، ومن الذين يتحدثون ولا يقاتلون ومن الذين يتهربون من تحمل المسؤوليات ساعة محنة الوطن.
                      فالحرب إذن لم تبدأ لتحقيق الأهداف الإجتماعية، وسوف لا تنتهي بتحقيقها، وإن كان تحقيق تلك الأهداف يعالج أرضية الأزمة، ويخرج عن الساحة أولئك الذين دخلوا المعركة لقاء أجرة أو لأجل استلام قطعة من السلاح، وقد امتلأت سجلات بعض التنظيمات السياسية خلال سنة 1975 بأسمائهم مع شديد الأسف...
                      إن الحرب اللبنانية كانت استمراراً لمحاولات تقزيم المواطن اللبناني وانتزاع بعده القومي وفصله عنه واقعه التاريخي الحضاري.
                      وكان الرد القاسي من الطليعة المؤمنة التي كانت متعطشة الى تحقيق طموحه الوطني وأداء دوره القومي وتحمل رسالته الحضارية. وسيستمر الدفاع المستميت هذا طالما تستمر المحاولات تلك، ولا يقف عند تحقيق مطالب أو برامج إصلاحية سياسية أو اجتماعية...
                      لقد كان الإنسان في هذه البقعة من الأرض، عبر تاريخه، يحمل رسالة، يجوب الآفاق، ويساهم في رفع مستوى الإنسان في كل مكان، وبوجه خاص كان انساننا اللبناني مشاركاً بقوة في تحمل مسؤولياته القومية من المحيط الى الخليج.
                      كان انساننا كبيراً رغم صغر أرضه وعملاقاً يوجه طموحه إلى أمته والى العالم وبذلك كان يساهم في إسعاد العالم ويسعد نفسه.
                      وجاء رجال صغار حكموا فترة من الزمن، وحاولوا أن يجعلوا الوطن الكبير على شاكلتهم، وأن يحددوا المواطن العملاق بمستوى تقزيمهم. فامتنعوا عن الاهتمامات العربية، بحجة عدم التمحور، وعن المشاركة في محاربة الكيان المغتصب، بل وفي الدفاع أمام اعتداءاته المتكررة بدعوى اتفاقية الهدنة. كما أهملوا النصف الآخر والأكبر من لبنان، في مهاجره وتخلوا عن جميع مسؤولياتهم الوطنية والقومية والإنسانية.
                      وهكذا حاولوا أن يسجنوا العملاق وان يضعوه في القمقم، فأبلوه بمشكلاته المحلية، وبمنافساته القاسية، فأجروا الزوبعة في فنجان.
                      لقد أسسوا على طريقتهم جيشاً، ثم منعوه عن الحرب. وبعد فترة قالوا له لا تدافع عن أرض الوطن، فكان يعتبر الاعتداء موجهاً الى غير صدر المواطن، إلى بني قومه إلى الثورة الفلسطينية حتى إذا انكشفت الحقيقة وتبين ان العدو يتذرع بذلك ويعتدي على الأراضي الجنوبية في لبنان وعلى المواطن اللبناني بالذات محاولاً تهجير المواطن تمهيداً للاحتلال. فمنعوا الجيش عن الدفاع وعندما سأل عن مهمته. قالوا: "جمّل الثكنات، نظم السجلات، فخم المكاتب،وبعد ماذا؟ فرق المظاهرات واقتل معروف سعد، واشهد على تسلل العدو الى قلب عاصمتك واسكت حتى لو قتل القادة الفلسطينيون الثلاثة أمام سمعك وبصرك".
                      وهكذا انشأوا المؤسسات دون أساس، وكونوا الدولة دون أن تشترك في دورها العالمي، واشتركوا في جامعة الدول العربية واشترطوا في قراراتها الإجماع، فشلوه عن العمل. وتخلفوا عن كل مهمة عربية، وبنوا وزارة التربية لكي تجمد التربية الوطنية وتنشط التشرذم التربوي، ومنعوا الخارجية عن الاهتمام بشؤون اللبنانيين المنتشرين في العالم إلاّ في إطار التقزم الطائفي. واحتكروا المراكز للأنسباء لكي تتهرب الأدمغة والكفاءات، وشلّوا المشاريع العمرانية الحياتية التي كانت الأيادي اللبنانية تنجز أضعافها خارج الوطن.
                      وهكذا حولوا الطموح الذي كان نعمة للعالم، الى نقمة للوطن. والدم الذي يتحول الى الخلود في الحدود، ليراق إجراما في الأزقة. والسلاح الذي كان حياة وأمنا للوطن، جعلوه دماراً وموتاً للمواطنين. والذكاء الذي كان نصرا ومجدا وإنقاذا، أصبح خزيا وتمزقا ومؤامرة..
                      وكان انهيار الدولة وسقوط الجيش وألقي بأسنا بيننا وتدهور الوطن، دون أن تحدث مأساتنا ألماً وقلقاً في ضمير أحد.
                      قال تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ } صدق الله العظيم (الأنعام:65). وفي التفسير المأثور أن العذاب من فوقكم يعني حكم الطغاة، ومن تحت أرجلكم يعني تسلط الغوغاء على الشعب. والمحنة الكبرى أن يُبتلى ويعذَّب الشعب بالآلام الثلاثة.
                      أيها الأخوة ...

                      إن المحنة في لبنان لا تعالج إلاّ إذا أعطينا للمواطن مجال طموحه، وللوطن بعده القومي، وللإنسان دوره الرسالي.
                      إن لبنان، دولة مواجهة، فلا يمكن إلا أن يكون منيعاً يدافع عن شعبه وأرضه، بعد أن عرف الجميع مطامع العدو في الجنوب. ولا يمكن لمجتمعه إلا أن يكون مجتمع جد وحرب لا مجتمع رخاء واستهلاك.
                      إن لبنان دولة تحد، لأنه أمام إسرائيل، ونتيجة لموقعه الجغرافي، ولا بد أن نعيد الى اللبناني أفقه الواسع لكي ينتج ويساهم في صناعة تاريخه.
                      إن المؤسسات اللبنانية لا بد وأن تتحرك وتتحمل مسؤولياتها القومية والعالمية، وهذا يتطلب اعتماد الكفاءات، بمعزل عن الانتماءات الطائفية والسياسية.
                      إن لبنان، بواقعه البشري، مدعو لأداء دور حضاري في العالم، من خلال مستوى التعايش، ومن خلال دوره في الحوار العربي الأوروبي، وهذا الدور لا يمكن تأديته إلا بوجود العدل وتكافؤ الفرص بين الشعب والرؤية الواسعة لدى الحكام.
                      على المسؤولين أن يعرفوا واقع الشعب والأرض والتاريخ، ويضعوا النظام الجديد على أساس هذا الواقع، وإلا فالكوارث تتجدد والمستقبل يظلم...
                      إن لبنان بلد المؤمنين. وقد كانت الدماء المؤمنة التي أريقت على الساحة اللبنانية وعلى ارض الوطن كفيلة بالتصدي لأكبر مؤامرة عرفتها هذه المنطقة. تلك المؤامرة التي كانت ذات أبعاد محلية وعالمية. وقد تمكنت الدماء الطاهرة والأرواح التي عند ربها ترزق، تمكنت الدماء الطاهرة هذه بأبعادها الخالدة وبارتباطها بقلب العالم وبعقله، وبارتباطها بالرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، إن هذه الدماء المتواضعة بقوة الله وبقوة الإيمان تمكنت وستتمكن من التصدي للمؤامرة... وستتمكن من حماية الثورة.. تصونها وتنميها وتحتضنها وتحملها على أكتافها وتعود معها إلى القدس بلد الإيمان وبلد الأديان.
                      إن الضحايا في لبنان، والدماء المراقة على أرض لبنان هي دماء المؤمنين ودماء المجاهدين وقد تمكنت من التصدي للعدوان ومنع تصفية المقاومة ومنع التقسيم وخلق دويلات واسرائيليات جديدة. وستبقى هذه الدماء هي الضمانة الأولى والأخيرة للمقاومة الفلسطينية الحق التي هي تعبير عن إرادة الله المتجسدة في الآية الكريمة:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} (البقرة:61).
                      نحن ما شاهدنا الذل والمسكنة يلحقان بالصهيونية إلا على يد رجال أولي بأس شديد هؤلاء هم الذين نفذوا إرادة الله فلا يمكن صيانتهم بواسطة أعداء الله أو المستنكرين لله أو المنكرين لله.
                      إن صيانتك يا أبا عمار، ويا أيها الثوار، ويا أيها الأبطال، إنما هي بدماء قلوبنا المؤمنة، وبصيانة أيدينا المؤمنة، وبحفظ ألسنتنا المؤمنة، وبصيانة طموحاتنا المؤمنة في التاريخ. نحن الذين سنحفظ المقاومة الفلسطينية وسنصونها. نحن الذين سنحفظ بجهدنا المتواضع، ولكنه المبارك بالامتثال بالخلود وبالله جل جلاله وبالسماء التي تتجاوز سعتها الأرض والسماء. نحن بقوة إيماننا ودمائنا وأفكارنا، لا لأننا نملك الكثير الكثير بل لأن وجودنا مرتبط بالقوة الأزلية الأبدية، وبعقل الكون وقلبه، وفي ذلك رصيد لا ينتهي وبحر لا ينضب.
                      نحن نصون الثورة الفلسطينية دون سوانا. والآخرون وضعوا جهدهم في تصرفكم وقوتهم في قيادتكم فليقدموا لكم وللحق وللخير ما يكوّن لهم شرفا ومجدا. انهم يضعون جهدهم بتصرف الثورة ليكسبوا شرفا ومجدا. انهم كانوا قبل ذلك يشرذمون ويحاولون شرذمة الثورة الفلسطينية، وما ان برزت هذه الثورة وارتسمت على افق الدهر من دماء المجاهدين في فلسطين وفي غير فلسطين اسطرا خالدة تشرف كل من ينظر إليها، وكل من يتطلع نحوها، وكل من يساهم في كتابتها.
                      فإذا بهم يهبون لاحتضانها حتى يكتسبوا منها البراءة وحتى ينتقلوا من خلالها إلى العالم الحر وإلى ضمير الأحرار في العالم. أنهم اؤلئك الذين التزموا بالمقاومة لا التزام ايمان ولا التزام جهاد ولا التزام رسالة ولا التزام قناعة وأنت اخبر الناس بهم. ومع ذلك فإننا نرحب بجدهم ونتمنى الخير لهم ونحتضن مساعيهم لأنهم أبناء هذه الأمة.
                      ولكن السند الحقيقي للثورة هو عمامتي ومحرابي ومنبري. ولكن السند الحقيقي للمقاومة الفلسطينية هو تلك الارواح الطاهرة التي هبت مخلصة راضية مطمئنة ولم يعرفها أحد، سقطت وراء المتاريس ولم يسمحوا للصحف أن تنشر أسماء أصحابها وصورهم أو يذكروا بطولاتهم. إنما كان لهم العزاء شهادتك أنت يا أبا عمار وشهادة المقاومة الفلسطينية ومشاركة "مجاهد ضامن" جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتف.
                      انهم يا قائد المجاهدين، حفدة أصحاب المسيح وحواريوه الذين تنكروا للمكاسب المادية اليهودية ووقفوا، رغم قلة عددهم، في وجه الإمبراطورية البيزنطية انهم ورثة الذين وقفوا مع محمد ايام غربته وقالوا للعصبية الجاهلية وللنظامين الإمبراطوريين (الفرس والرومان) قالوا لهم لا، رغم فقرهم وبساطتهم وكونهم مغمورين.
                      = يتبع =
                      التعديل الأخير تم بواسطة صدر; الساعة 30-12-2002, 02:01 AM.

                      تعليق


                      • سيرة الأمام الصدر (خطاب 12 ) جزء 3

                        إن هذه الأرواح، هي الفوج المعاصر لأصحاب جدك الحسين، يوم كربلاء وقفوا لنصرته ولحماية أهدافه في وجه عشرات الألوف من المقاتلين، وفي وجه الحكم الأموي العنصري الظالم، وقفوا رغم قلة عددهم وتمكنوا من خلق الاهتزاز في دولة بني أمية.
                        انهم ناضلوا بصمت وجهاد واخلاص حتى بدأت الأوساط تشكك في تضحياتهم وتتنكر لعطاءاتهم.
                        ولكن لا يهمنا ذلك إنما نريد أن نقول لك انك لو وقفت في الساحة يوماً ما وتكاثرت عليك الأعداء وتآمر عليك الشرق والغرب، فستجدنا وراءك والى يمنيك والى شمالك، نحملك ونضعك وثورتك في قلوبنا ونحمي اقدامك الجريحة وآياديك المرهقة وجباهك المتربة. نحن سنقف إلى جانبك لا بحولنا وقوتنا بل بحول الله وقوته. سنقف.. ننصرك بالقلب وبالعقل وفي يدنا سيف محمد وسيف علي وفي يدنا درة المسيح والى جانبنا جمار كربلاء.. نحن حماة المقاومة ومانعوا التقسيم.
                        وفي هذه اللحظة من هو إلى جانب الثوار في عيون السيمان، حيث حاول الانفصاليون أن يكرسوا تقسيمهم وان يركزوا المدافع لإذلال منطقة البقاع منطقة الأسود بعلبك ـ الهرمل. وسنكون، كالشمس، على رؤوس الأشهاد، جنبا إلى جنب في راية معقودة، مسلحة بقوة الإيمان وبقوة التقوى وبشرف المناقبية. سنبقى ندافع عن قرانا وسنتقدم للطعن في ظهر العدو الصهيوني في أية ساحة ساعة أردت أنت يا أبا عمار أو أرادت المقاومة الفلسطينية. وجذوة الإيمان هذه، لا يمكن أن تسقط أمام المحاولات الانحرافية الانحيازية التي تجري على الساحة اللبنانية.
                        وهكذا يقف شبابنا اليوم إلى جانبكم في وجه إسرائيل ومن ورائها، وهم يعرفون ان دولا كبرى ومؤسسات عظمى وعقولا كبيرة وأموالا كثيرة وراء إسرائيل.
                        ومع شديد الأسف، نلاحظ في الأفق محاولات منحرفة ومساعي ترمي إلى تحريف المسيرة الدامية، وإلى حرمان الجماهير المناضلة من مكاسب تضحياتها.
                        إن البعض يحاول اليوم، بإصرار أن يصب الجهود الكبيرة التي بذلت، لتحقيق مكاسب سياسة، فردية أو حزبية، وان يعمل وكأن المطلوب هو علمنة الدولة وخلق إدارات محلية، وبالتالي إلى إقامة نظام غير متناسب مع مجتمعنا المؤمن ومع واقع امتنا وتاريخنا وموقعنا.
                        إن هذه المحاولات، بالإضافة إلى أنها لا تحل المشكلة الأساسية، هي خطرة للغاية، لأنها تشكل طغيان بعض رفاق السلاح على الجميع، وحرمان الجماهير المؤمنة من مكاسب نضالها.
                        ان هذه المحاولات تؤدي إلى تشتيت الصف الوطني الذي وضع أساسه في اجتماع دار الفتوى الاسلامية يوم إسقاط الحكومة العسكرية.
                        إن الذين يفرقون الصف الوطني في هذا اليوم العصيب هم الذين يريدون احتكار قوة المقاومة الفلسطينية لانفسهم محاولين استغلال هذه الشعلة المقدسة للدخول في ضمير الشعب بل وفي ضمير الأمة. انهم يريدون حرمان الجماهير المؤمنة من حليفها ومن طاقاته.
                        والمستفيد الوحيد من تفرق الصف الوطني، هو الفئات الانفصالية، بل المستفيد الأكبر هو العدو الإسرائيلي، ولذلك فأننا نقول لهم:
                        لا نريد أن نقسم الصف الوطني، وليس اليوم وقت هذا الانقسام. ونحن نتقبل كل جهد في خدمة المقاومة، وكل سعي إلى جانب الحق والعدل ولكنهم يجب أن يعلموا أن في المفترق عندما أرادوا أن ينادوا بالإدارة المحلية فلا فرق بينهم وبين الذين نادوا بحكومة الظل في المنطقة الأخرى. انهم يشاركون بفعلهم هذا في تقسيم لبنان والتقسيم حاربنا ضده وسنحارب ضدهم لأنهم اصبحوا الوجه الآخر للانفصاليين.
                        ـ نحن دعاة إلغاء الطائفية السياسية وفصل الأديان والمذاهب عن توجيه السياسة العامة والمؤسسات المختلفة بالصورة المفرقة التي تمارس الآن. نحن نشكو منها، ونتألم منها، ونحاربها بكل قوة.
                        ـ والدعوة إلى العلمنة بالصيغة التي يطرحونها أي عندما يحاولون أن ينادوا بالعلمنة الكاملة أي إبعاد ملكوت الله والقيم التي تلازم الإيمان به عن مختلف شؤون الحياة: الأحوال الشخصية وحياتنا العامة والخاصة وعن العلاقات السليمة الروحية التي تجري بين الإنسان وبين أهله وأبنائه، فهناك نقول لهم لا! إنها الحاد وانحراف اجتماعي. فلا فرق بينكم وبين الملحدين ولا فرق بينكم وبين الإسرائيليين ولا فرق بينكم وبين الانفصاليين إن دعاة العلمنة بهذه الصورة يخدمون العدو الإسرائيلي بهدفهم وبتفريقهم الصف الوطني لأن هذا هدف إسرائيل نفسها.
                        نحن دعاة حق وإيمان حتى على صعيد فصل الدين عن الدولة. نحن نقول بفصل الطائفية عن الدولة ولا نقول بفصل القيم والمناقب المشتركة بين الإسلام والمسيحية عن الدولة. لا نقبل أن تؤسس المؤسسات الرسمية والأنظمة والقوانين إلا على أسس المناقب والخير والحق والإيمان بالله.
                        نحن لهم بالمرصاد مهما حاولوا أن يكتسبوا الأعلام، أو أن يذروا الغبار في عيون الناس أو أن ينشروا الضباب في الشارع. فنحن الذين نحمل في تراثنا موقف المسيح الذي وقف وحده مع عدد لا يتجاوز أصابع اليد من الأنصار، وقف في وجه الإمبراطورية حتى تعرض للسلب والتشريد والموت. نحن حملة رسالة الحسين الذي وقف هو وسبعين شخصا فقط (نحن عددنا اكثر من سبعين) وقف الحسين وهز عرش بني امية، بل لأنهم طغاة ولأنهم ظالمون.
                        إذاً، لا نبالي فيما يقال في الصحف، أو يقال في الأندية أو ما يكتب هنا وهناك.
                        نحن معكم حتى الموت بقوة الله. ونحن مع الله حتى الموت بقوتكم يا أيها الثوار الفلسطينيون.
                        لتأخذ علما بذلك يا أخي أيها الثائر الأول، يا أبا عمار. خذ علما بذلك أن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على يد المؤمنين وإلا على يد المجاهدين ونسأل الله أن نكون إلى جانبك يوم تدخل المسجد الأقصى مع مجاهدين أولى بأس شديد كما دخله أجدادنا أول مرة وكما عاهدتك بعد الصلاة أن نصّلي مع جماهير المسلمين في المسجد الأقصى.
                        أيها الإخوة الأعزاء.
                        إن محنة لبنان هي في محاولات عزله المستمرة عن العالم العربي، وهو امتداده الحقيقي القومي، وفي مساعي تقزيمه وفصله عن العالم الكبير الذي وفر له جهد أبنائه المهاجرين. إن لبنان الخائف القلق لا يعيش، لأنه خلاف حقيقته. إن لبنان شجاع ومقدام، وإن اللبناني مبادر وشجاع حتى حدود التهور.
                        كان لبنان كبيراً، وكان اللبناني كبيراً، يساهم في حل مشاكل العرب ويهتم بهموم العالم. ومن يعرف لبنان المهاجر، يعرف بطولة هذا الشعب عندما ينطلق من قمقمه الذي فرضت عليه في هذا الوطن.
                        فإذا لم يكن لبنان المستقبل؛ لبنان القومي، لبنان المواجهة، لبنان المدافع، لبنان المعني بالقضية الفلسطينية، لبنان الحامي للقضايا العربية؛ إذا لم يكن هكذا لبنان؛ على الصعيد العسكري وعلى الصعيد الحضاري العالمي؛ فلا يمكن للعدالة أن تؤمن سلامة هذا الوطن. عندما نعيد هؤلاء العمالقة إلى ساحتهم الصغيرة، علينا أن نعطي للبناني بعده القومي وبعده العالمي، لكي يتمكن من إصلاح شؤون العالم أو المساهمة فيها حتى لا نبالغ، ومن اصلاح شؤون نفسه.
                        وإن علاج المحنة في إعادة دوره القومي إليه في مواجهة إسرائيل، وفي المشاركة الفعالة في المجال العربي، وفي تمكين اللبنانيين الأبطال، عن طريق صيانتهم وصيانة حرياتهم، من أداء رسالاتهم العالمية.
                        ومحنة لبنان في ليلها المظلم الذي عشناه تحمل أيضاً في طياتها إشراقة ودرساً مفيداً للعرب وللمقاومة الفلسطينية بشكل خاص. علينا أن نقول للفلسطينيين وعلينا أن نقول للعرف أجمعين، وعلينا أن نقول لأنفسنا أيضاً انه عندما نتخلى عن واجبنا في محاربة إسرائيل وفي قضية التحرير، فسوف نعود إلى المشكلة التي واجهناها في لبنان سوف نختلف ونحكم ونتمزق ويلقى بأسنا بيننا شديداً.
                        فعلينا أن نكون حركة دائمة لا مؤسسة دائمة، علينا في كل يوم ان نقدم مجاهدا شهيدا وقضية وتضحية. وعملا نضاليا جديداً في سبيل القضية الكبرى. علينا أن ننصرف عن النضال وإلا فسوف نتمزق وننهار وألا نبقى القضية معلقة مجمدة لأنها قضية التاريخ. ولسوف يهيء الله أناسا آخرين غيرنا.
                        إن مسؤولية تحرير الأرض المقدسة هي واجبنا. وفي التخلي عنها لا سمح الله تكون نهايتنا.
                        إننا ونحن نتمسك ونمثل هذه الأرواح الطاهرة من الشهداء، ونمثل هذا الالتزام، ونمثل هذه الأهداف؛ سنبقى حاملي راية العودة والتحرير والتحرر. كما سنبقى حاملي لواء العودة إلى القدس، سنبقى حاملي لواء الدفاع عن المحروم كل محروم حتى يكون لنا الشرف في أن نكون ثأر الله وابن ثآره وان نعود بإرادة الله فنحقق الآية الكريمة: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}.
                        وإنكم يا إخواني الثوار، مثل موج البحر، إذا وقفتم انتهيتم ـ فإلى النضال وإلى الأمام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                        تعليق


                        • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                          بالفعل اخي صدر ومع كل الذي تم طرحه في سيرته المباركة ما اعطيناه قدره وهذه حالنا نحن المسلمون لا نعرف قدر علمائنا الا بعد غيابهم عنا والسؤال الذي يطرح نفسه اين مدعين حب السيد الصدر من كل مبادئه ؟
                          وللأسف سيأتيك الرد بأن الاكثرية تسير على خطاه ما لم يؤثر على معاشها ووضعها ولكن اذا ما محصوا بالبلاء قل الديانون ...
                          واني لأفتخر ان يكون هكذا علماء من بلدي ولكن يأخذني الاسى وأسأل ماذا فعلنا لنكافىء هذا الامام الذي قضى حياته في سبيل الله .. والمؤكد لم تكن يوما المكافأة بالقول بل بالسواعد السمراء التي حملت البندقية وسارت على اسم الله , تحمل نصب اعينها , مقولته المباركة التعامل مع اسرائيل حرام .......فيا سيدي قر عينا فها هم شباب المقاومة الاسلامية حققوا الحلم .. وأخضرت البساتين وعادت الاطفال تركض في شوارع القرية .. وتم دحر الصهيونية , الحلم الذي طالما راودك وتعبت من اجله .. بالقوة والايمان حققنا الانتصار وكنا نتمنى ان ترى النصر بعينيك الخضروتان بلون حقول بلادي .. وقامتك الممشوقة بعلو قمم جبال بلادي .. تمنين ان تشد بيدك المعطاء على ايدي المجاهدين وتمسح عرقهم بعد الجهد الطويل وتلملم جراحات الشهداء وتنادي يا لثارات الحسين!!! قضيتك حفظها المجاهدون لأنهم عرفوا الطريق الاقصر الى الله ... يكمن وراء الخنادق لا على طاولات المفاوضات .. ترى من الذي غيبك و من المستفيدمن غيبتك ؟ ..ولعل حضورك الفعال كان يضرهم لانك اردتها حربا على العدو وارادوها تطبيعا وسلما ..فأبشر ابا صدر فلقد تحققت الوصية بحفظالمقاومة ..فأنت ما غبت ولن تغيب
                          لان للأنسان حضوره الخاص بما يخلده من عطاء وما اكثر الاحياء بيننا وهم بالحقيقة اموات ولكن لا يشعرون .....
                          دعائنا لك بالفرج العاجل .......
                          والسلام من دار السلام ..........

                          تعليق


                          • السلام عليكم

                            اختي دار السلام شكرا" للمشاركة ولكن لا ننسى دور مقاومة المحرومين ( امل ) لا ننسى الشهداء والأيطال الذين بذلوا انفسهم من اجل هذة القضية امثال احمد وحسن قصير وبلال وهشام فحص وغيرهم وغيرهم ... انا لا انكر دور المقاومة الأسلامية ولكن نعطي لكل ذي حقه نحن بدانا مسيرة الجهاد (حركة امل ) وهم تابعوا ولكن هذا لا يعني بأننا دورنا انتهى ولكن تابعنا من خلال التنمية والمشاريع والطرقات وغيرها ستقولين لي بأن هذا من اموال الشعب هذا رايك ولكن يوجد اعمال يستفيد منها الشعب . قادة المقاومة الأسلامية من اين انطلقوا ؟ من مدرسة الأمام الصدر من دربه وفكره ونهجه كلهم تربو ا وترعرعوا تحت عبأة الأمام الصدر وهم اختروا هذا الدرب وبعد ذلك تركوه لأسباب تخصهم وهذا شأنهم ولكن فليعرف الجميع بأن حركة امل هي المدرسة الأولى والأخيرة في لبنان هي الأم التي ارضعت الفكر المقاوم وهي من علمت حمل السلاح .
                            انا احترم رايك وهذا راي واتمنى بأن لا تأخذيه بحسسية وكل واحد عنده رايه وانا احترم جميع الآراء واتقبل الجميع بكل رحابة صدر .
                            تحيـــــــــــــــــــــــــــــاتي شكرا للمتابعة .
                            التعديل الأخير تم بواسطة صدر; الساعة 30-12-2002, 03:50 PM.

                            تعليق


                            • شكرا لك أخي العزيز صدر على الموضوع القيّم ،،،،،


                              تحياتي ،،،،

                              تعليق


                              • السلام عليكم

                                اختي عاشقة المصطفلى شكرا" للمشاركة انشاء تتابعون الموضوع حتى النهاية مع اننا مهما قدمنا للامام الصدر نبقى مقصرين .
                                تحيــــــــــــــــــــتاتي .

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X