إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    سيرة الأمام الصدر (نداء 3)

    الموضوع: نداء ـ أيها اللبنانيون إن مشاعل هذه الأمة تحترق في جبهات مصر وسوريا لتنير ظلام ليلنا الداجي .
    المكـان : بيروت ـ 9/10/1973 .
    المناسبـة : أثر إندلاع حرب تشرين بين العرب وإسرائيل .
    ـ الــنـــص ـ
    أيها الأخوة المؤمنون،
    إذا كان رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام قد أكد أننا خلال شهر رمضان في ضيافة الله الكريمة، فإن الجهاد في سبيل نصرة الدين وتطهير المقدسات، وكرامة الإنسان هو أفضل الشروط لهذه الضيافة وأشرف النتائج منها.
    وإذا جعل القرآن الكريم ليلة واحدة من ليالي رمضان المبارك خيراً من ألف شهر، فإن المطلوب منا أن نجعل من ليلة البدء بتحرير بلادنا بداية النهاية للمؤامرات التي بدأت قبل ألف شهر في المؤتمر الصهيوني بمدينة بازل، واستمرت واستفحلت حتى حولت أرضنا الطيبة الى منطقة انفجار وقلق ودمار.
    إن أبطالاً مجاهدين بدأوا يسقون التلال والقنال بدمائهم وبذلك نفّذوا أمراً مقدّساً، فأنعشوا هذه الأمة التي طال صومها وحرمانها حتى كادت تفقد كرامتها وحياتها.
    إنهم سطروا ويسطرون صفحة أخرى في كتاب رمضان الذي وشحه أوائلنا يوم بدر الكبرى ويوم فتح مكة. ثم جاء الأواسط ليرسم صفحة مشرقة انحسرت فيها أمواج الزحف التترى في فلسطين بالذات.
    أيها اللبنانيون: إن مشاعل هذه الأمة في جبهات مصر وسوريا تحترق لتنير ظلام ليلنا الداجي، وإن أبطالها يموتون لتحيا أمتهم، ويكتوون بالنار والدم لكي يطلع الفجر علينا.
    فالمستقبل السعيد، وعزة الأمة وشرف الأخوّة، والمسؤولية الإلهية تدعونا للقيام والعمل.
    فإلى سبيل الله أيها الأخوة الكرام، لكي نقف مع الحق والعدل، مع الله في نصرة المجاهدين في سبيله.
    ولنضع دماءنا وأموالنا وطاقاتنا بتصرفهم، ولنكن عند حسن ظن ربنا الذي جعلنا خير أمة، وأمننا على رسالات أنبيائه وعلى الأرض المقدسة.
    ولنؤكد للعالم أن دم المسيح يجري في عروقنا، وأنّ صوت محمد يدوي في مسامعنا.
    إن الإستعداد التام لمواجهة الأخطار المنتظرة على لبنان، هو المسؤولية المباشرة العاجلة على المواطنين عامة وعلى أبناء الجنوب الأعزاء بصورة خاصة.
    ولكي ندعم تلك الشموع المضيئة في الجبهات علينا أن نتبرع بالمال ونصرف من الحقوق الشرعية، وأن نتبرع بالدم، فقد قال الرسول: "من جهز غازياً فقد غزى".
    وأن نضع حداً لمظاهر اللهو والترف، ونقدم نفقاتها الى المجهود الحربي فنحول مجتمعنا الى مجتمع جد منيع.
    وأن نرسل بعثات طبية كاملة الى الجبهة، وأن يعمل كل منا بإخلاص وصمت، ولنكن كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس.
    وليبارك الله لنا هذا الشهر الكريم، شهر الصبر والصلاة، شهر الإبتهال وتقرير المصير، شهر البطولات والتحرير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    موسى الصدر

    تعليق


    • #62
      سيرة الأمام الصدر (محاضرة 6)

      الموضوع : محاضرة ـ معنى الصيام .
      المكـان : كلية بيروت الجامعية جينيور كولدج ـ 24/10/1973 .
      المناسبـة : شهر رمضان المبارك .
      المقدمـة : رسم الإمام موسى الصدر المعاني البعيدة لحرب العاشر من رمضان الحالي، في المحاضرة التي ألقاها صباح أمس في كلية بيروت الجامعية بدعوة من "الحكومة الطلابية في الكلية". وقد قدمه رئيس الكلية الدكتور "ألبرت" بكلمة ترحيب أشاد فيها بمكانة الإمام الصدر الدينية والعلمية والفلسفية والخلقية، ونوّه بفضله على المجتمع العربي.
      وكان موضوع المحاضرة يدور حول "معنى الصيام" .
      ـ الــنـــص ـ
      قال الإمام الصدر: "أتحدث بصورة موجزة عن الصيام، وعن رمضان، لأتمكن من التحدث جزئياً أيضاً حول رمضان هذه السنة والذي نعتبره رمضاناً حقيقياً".
      وقال سماحته: "الصيام يعني الإمساك أو الامتناع عن حاجات مادية أعتاد الإنسان على إشباع رغباته منها بشكل منتظم. والامتناع عن الرغبات والحاجات من طبيعته تحرير الإنسان، وخلق نوع من الإنفكاك والإنعتاق من الحاجات الطبيعية المستمرة".
      وأضاف: "وفي شهر رمضان يتمرن الإنسان على التمرد أو لنقل "الرفض".
      وبذلك يمكنه أن يقول لكل حاجاته وفي كل زمان، إذا إقتضى الأمر، لا... فيتمرد على الحاجات.
      وعن رمضان هذه السنة قال الإمام الصدر: "شهر رمضان كان الأحداث المصيرية التي مرت في حياة الأمة العربية. وفيه وقعت أهم الأحداث التي حصلت في تاريخ الإسلام. فواقعة بدر وفتح مكة وحنين وكثير من المعارك حدثت في شهر رمضان".
      وعن الأسئلة الكثيرة التي كانت تراود أفكار طلاب وطالبات الكلية الذين حضروا المحاضرة والتي جاءت تدور حول العبر من حرب تشرين وأبعادها على مسيرة الأمة العربية والموقف من قرار مجلس الأمن بوقف القتال، أجاب الإمام الصدر فقال: "نحن نفكر أن المعركة التي دارت رحاها في هذا الشهر هي بداية تحول تاريخ أمتنا. لأن هذه الجدية والواقعية أعادت العافية إلى أمتنا نحن نرجو ونأمل أن تكون هذه المعركة بداية الطريق لتصحيح أوضاع هذه الأمة بصورة عامة".
      وتساءل الإمام: "لماذا؟" ثم أجاب: "لأن أمتنا إذا كانت طامحة حتماً غير راضية. فإلى متى يتقرر المصير خارج هذه الأمة؟ وإلى متى الآخرون يقررون مصيرنا ويتحدثون بأسمنا، من صديق أو عدو؟
      نظرة صغيرة في هذه المعركة من يقرر المعركة؟ أنها الدولة التي تصنع السلاح والدولة التي تربح من الأحداث والدولة التي تنفق على أن تكون الحرب أو يعلن وقف إطلاق النار.
      شاهدنا وزير خارجية دولة، ذهب إلى رئيس دولة أخرى وإتفقا على وقف إطلاق النار.
      إلى متى يجب أن نمشي نحن على خطى مكتوبة؟ فيوماً ما يجب علينا أن نخرج من هذه القيود المفروضة، والسلوك المطلوب منا مشيه. وهذا الأمر لا يتم إلا بتصحيح أوضاعنا كأمة وكأفراد، لا يمكن ذلك إلا بالجدية في العمل".
      وأضاف سماحته: "إذا أحببنا الحياة، علينا أن نخوض الموت. إذا كنا نريد النتائج، علينا أن نتحمل الوسائل والأسباب ولا يمكن الوصول من دون جدية إلى النتائج وهي تبدأ بالنفس".
      وأنهى سماحة الإمام محاضرته قائلاً: معركة خضناها. نرجو أن تكون مع الذين عبروا القنال والذين عبروا هضاب الجولان.
      نكون معهم لنعبر أيضاً قنال التخلف، قنال الجمود، قنال النفس لننتقل إلى مرحلة الجدية والمسؤولية. عندها أمتنا تتحصن وتقوي وتصبح أمة مستقلة تقرر مصيرها هي لا أن تنفذ ما يقرره لها الآخرون".

      تعليق


      • #63
        سيرة الأمام الصدر (حوار 10 )

        الموضوع : حوار صحفي ـ الحكم الإيراني ونضال الشيعة وعلماء الدين…
        المكـان : بيروت ـ 27/1/1974
        المقدمـة : كتب رياض أبو ملحم مدير التحرير.
        عندما حملت بعض التساؤلات إلى سماحة الإمام السيد موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، حول السياسة التوسعية التي ينتهجها الحكم الإيراني إزاء الوطن العربي حاليا، وحول نشاطات بعض أجهزته في لبنان أجابني قائلاً "هناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا المجال، لكن الذين إتهموني بأني تخليت عن منصبي الديني لاشتغل في السياسة بسبب أراء أبديتها بشأن أوضاع الجنوب، سيتهموني غداً بأنني بدأت أشتغل في السياسة الخارجية! (…)"
        قلت لسماحته: لقد سبق في حديث سابق معك أن أثرت هذه النقطة، ويومها قلت لي على ما أذكر "إن السياسة لا تهمك وأن ما تقوم به ليس عملا سياسيا بالمعنى المحدد للكلمة، إنما تتحرك ضمن مسؤولياتك الدينية بالدرجة الأولى وضمن مسؤولياتك الوطنية".
        وأضفت موضحا وجهة نظري: ثم أن الشعب الإيراني ينتمي إلى نفس الطائفة الدينية التي تمثلها في لبنان، وهذا الشعب عرف بنضاله العنيد ضد حكم الشاه، وبين المناضلين فريق كبير من رجال الدين والعمل الوطني، ولا أقول العمل السياسي الصرف. وعلى أي حال فأنا لا أقصد إحراجك، ولكن أعتقد ان بإمكانك إلقاء أضواء مهمة على بعض القضايا التي أثارت تساؤلات في الآونة الأخيرة.
        قال معقبا: أنا على إستعداد للإجابة، بشرط أن تتذكر دائما أنني رجل دين ولست رجل سياسة وان حديثنا ينبغي أن يظل ضمن هذا الإطار.
        ونزولا عند رغبة سماحته فقد اضطررت إلى إحداث بعض التعديل على عدد من أسئلتي ثم حديثنا على الشكل التالي:
        ـ الــنـــص ـ
        س ـ لقد قرأنا أن بعض الصحف الإيرانية شنت هجوما شديدا عليك بسبب موقفك من الخليج، فما هو واقع الأمر؟
        ج ـ لقد بدأت الحكاية عندما نشر الأستاذ جلال كشك في مجلة الحوادث (العدد الصادر يوم عيد الفطر) مقابلة معي حول قضايا الدين والمذهب والعلاقات العربية الإيرانية . وفي تلك الأثناء تحدثنا عن موقف الشيعة في دول الخليج، وولائهم ومواقفهم، حيث أنني كنت قد زرتهم في السنة الماضية. وورد في جوابي يومها "أن الشيعة هناك، شأنهم في ذلك شأن الشيعة في كل مكان متمسكون بأوطانهم، مؤمنون بعروبتهم، يدافعون عن بلادهم ويسعون لبنائها وعزتها ".
        ويبدو أن هذه العبارة أثرت في بعض المسؤولين عن المخابرات الإيرانية في لبنان فشوهوا مفهوم الجملة وشنوا هجوما مركزا من خلال الصحف الإيرانية بصيغة واحدة مما يؤكد وحدة المصدر، وأن الخبر قد أعطي للصحف من قبل المخابرات فاتهموني بالعصبية العربية وبمحاربة المصالح الإيرانية في الخليج .
        وعندما بعث الأمين العام للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كتابا واحتجاجا وإيضاحا إلى الحكومة الإيرانية بصدد الحديث لم يمكنوا الصحف من نشره… ولم يكتفوا بذلك بل زوروا رسالة لي نشروها وهي تزعم أنني أشيد بحكمة القيادة الإيرانية الحالية بصدد قضية الشرق الأوسط وبسلامة سياستها في الخليج، رغم أنني لن أقول ذلك، ولم أقله.
        وقد حاولنا عبثا تصحيح الأمر، لكنني تذكرت مواقف أخرى كثيرة من جملتها أن سفراء الدول العربية وبعض الدول الاسلامية، حضروا إبان حرب تشرين الأخيرة إلى أحد مساجد طهران حيث التقى جمع من الإيرانيين الذين يعيشون قضايا العرب بجميع أحاسيسهم وبكل استعداداتهم وهذا (شأن عامة الشعب الإيراني) وتحدث خلال الاجتماع، الذي طال عدة ساعات، بعض كبار العلماء فأيدوا موقف العرب من الحرب التي خاضوها لاسترداد حقوقهم المغتصبة ودعوا للمناضلين، وأعربوا عن مساندتهم للمجاهدين. وبدت هذه الجلسة التاريخية الفريدة في نوعها وكأنها استفتاء عام حول تأييد القضية العربية من قبل الشعب الإيراني.
        وفي اليوم التالي فوجئ الجميع، وبينهم ثمانية عشر سفيرا عربيا، بأن الصحف الإيرانية كتبت أن الاجتماع انعقد من أجل الدعاء لسلامة الشاه حيث نجا من مؤامرة تستهدف حياته‍.
        تذكرت ذلك وعرفت أن تصحيح الخبر مستحيل، وها أنا ذا أغتنم الفرصة وأعلن من على صفحات "المحرر" تكذيب الخبر وعدم صحته إطلاقا.
        س ـ طالما أن الحديث يتعلق بالخليج العربي بالدرجة الأولى، ( وقد سافرت إليه قبل مدة ولك علاقات واسعة مع أبنائه)، كيف ترى توجيه النضال الديني في هذه المنطقة لمواجهة مشاكلها السياسية والأخطار المحدقة بها من جانب الحكم الإيراني؟
        ج ـ الحقيقة إن ثروات الخليج العربي وموقعه الجغرافي وتأثيره الكبير على الشرق الأوسط وعلى المعادلات القائمة فيه، هذه العوامل تثير مطامع الدول القوية داخل المنطقة وخارجها. إن هذه المطامع، التي تبدو اقتصادية، سرعان ما تكتسب صورا مختلفة، سياسية وعسكرية، ثم أن ضعف هذه المنطقة يساعد المطامع ويزيد في التناقضات المحلية، لذلك فإن أي حركة إصلاحية خيرة، دينية كانت أم غيرها، يجب أن تهدف إلى تقوية أواصر الأخوة بين أبناء الخليج تمهيداً لإيجاد نوع من الوحدة بين دوله، جميع دوله. كما أن رفع مستوى المواطن وتوعيته بمصالح بلاده وإثارة القيم الأصيلة في المنطقة وإبراز تأثيرها على الأمة بأجمعها، شرط أساسي لنجاح سلامة هذه المنطقة العزيزة التي لا يجوز الاستهتار بها، ذلك إنها أمانة الله وقوة الأمة وسعادة المعذبين، إنها قاعدة رفع شأن أمتنا بين الشعوب .
        وقد لاحظت من خلال الاحتفالات الدينية هناك وعياً في تواضع، وقوة في بساطة، وتقدماً منسجما مع واقع البلاد، وهذا مما يدعوني إلى الأمل والثقة.
        س ـ في تاريخ الشيعة مواقف بطولية ضد الظلم والطغيان مما أدى بعضها إلى مآس والى ساحات استشهاد، فهل تعتقد أن الشيعة بإمكانها أن تقوم بنفس الدور في هذا الزمن؟
        ج ـ ولماذا لا؟ إن التعاليم المذهبية والتراث التاريخي وأهمية الجهاد والاجتهاد من جهة، والعدالة والولاية من جهة أخرى، تدفع أبناء هذه الطائفة إلى مثل تلك المواقف. ولا شك أن فترة الاضطهاد الطويل قد أرهقت الكثيرين منهم مما جعلهم يعيشون فترة هدوء سيما وأن وجود الآمال بصيانة حقوقهم وتحسين أوضاعهم وصيانة كرامتهم ساعد في ذلك. ولكنني أعتقد أن محنة فلسطين وانعكاساتها على العالم الإسلامي بصورة عامة، وعلى الشيعة بصورة خاصة، بالإضافة إلى بعض ملابسات أخرى إقليمية أو محلية، قد تكون منعطفا في مواقف هذه الطائفة إلى سلوك سنجدهم من خلاله في طليعة المناضلين لأجل الحق والعدل والكرامة بإذن الله .
        ثم أنني متأكد، من خلال مطالعاتي، أنه في لبنان وفي العالم العربي لا تجد معارك وطنية ضد الاستعمار أو الطغيان إلا وتجد الشيعة في طليعة المناضلين. فمعركة تحرر العراق من الاستعمار البريطاني قادها كبار مراجع الشيعة الدينية، كالسيد اليزدي والشيخ الشيرازي. كما خاض المقدس محمد الصدر في العراق بنفسه معارك التحرير. كما أن معركة الديمقراطية في إيران والقضاء على الاستبداد جرت بقيادة علماء الدين. والجدير بالذكر أن المرجع الأعلى الأخوند الخرساني موجود الآن في النجف الأشرف بسبب ذلك. ولا يمكن أن ننسى مواقف المقدس عبد الحسين شرف الدين في محاربة الاستعمار الفرنسي.
        س ـ كتبت بعض الصحف أن إيران قدمت مساعدات للعرب خلال حرب تشرين، فهل هناك معلومات تؤكد ذلك أو تنفيه، وما هو المطلوب من إيران بصفتها دولة إسلامية؟
        لقد قرأت في الصحف عن مساعدات طبية واجتماعية قدمت من قبل الحكومة الإيرانية إلى كل من الأردن وسوريا ومصر، لكن هذه المساعدات ليست هي المطلوبة من إيران لأنها بلد مسلم، ولأنها معرضة للاعتداءات والمطامع الإسرائيلية في المستقبل كما تؤكد ذلك الوثائق، ولأنها بكافة شعبها تهتم بقداسة فلسطين وبمقام القدس، ولأن شعبها مهيأ للعمل على نصرة العرب بكافة طاقاته وإمكاناته، إن هذه الموجبات تفرض على حكام إيران أن يقطعوا البترول عن إسرائيل على الأقل، وأن لا يستمروا في علاقاتهم الاقتصادية معها، بل إن المطلوب منهم أن يشاركوا العرب في مواجهة إسرائيل، بالسلاح وبالنفوذ السياسي والإعلامي، لأن المعركة التي تخوضها الأمة العربية اليوم هي معركة مصيرية لا بد أن تنعكس نتائجها على إيران .
        س ـ هل قمت بأي محاولة لحمل الحكم الإيراني على اتباع سياسة مؤيدة للعرب؟
        ج ـ نعم، لقد بذلت جهدا كبيرا في هذا السبيل، ولكن لسوء الحظ منعت دوائر المخابرات الإيرانية إيصال هذه الجهود إلى أية نتيجة. ولعلك تعرف شيئا عن تأثير هذه الدوائر على مختلف الأجهزة الرسمية في إيران، فهي التي تحول دون إبراز مواقف الشعب الإيراني وعلاقاته الأخوية مع العرب واندفاعه في سبيل نصرتهم، حتى إلى حد بذل المال والنفس.
        س ـ هل تعتقد، مع ذلك، أن الحكم الإيراني يمكن أن يتخذ موقفا إيجابيا اتجاه القضايا العربية العادلة؟
        ج ـ إنني متأكد من أن الشعب الإيراني يحس بهذه القضايا كالعرب إن لم يكن أكثر، ولكن هذه الأحاسيس حتى الآن لم تؤثر في موقف الحكام، ولا يعني ذلك أن السعي لأجل اجتذاب إيران أكثر فأكثر لا يفيد، وان كان الأمل ضعيف، مع استمرار الحكم الحالي وسيطرة الأجهزة النافذة.
        س ـ وماذا عن موقف علماء الدين في إيران تجاه الحكم القائم؟
        ج ـ إن علماء الدين في إيران يمتنعون، منذ وقت طويل جدا، عن مسايرة الحكام وتأييدهم معتمدين على مبدأ "إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك، فبئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء، فنعم العلماء ونعم الملوك".
        انهم يحاربون قدر الإمكان تجاوز الحكام وطغيانهم واستبدادهم ولهم في الشعب نفوذ كبير. وفي الفترة الأخيرة خاض أكثر علماء الدين في إيران، وفي طليعتهم الإمام الخميني، معارك عنيفة من أجل تصحيح الاتجاه السياسي والاجتماعي في إيران، وقد دخل العديد منهم السجون، كما أن السيد الخميني مبعد الآن ويعيش في العراق بالنجف الأشرف.
        س ـ يتردد كثيرا أن إيران تقدم مساعدات كبيرة للمؤسسات الشيعية في لبنان فهل هذا صحيح؟
        ج ـ في حدود معلوماتي، إن هذه المساعدات لم تكن حتى الآن موجودة عدا مساهمات بسيطة جداً في بناء مسجد أو مسجدين منذ عشر سنوات أو أكثر.

        تعليق


        • #64
          سيرة الأمام الصدر (خطاب 5 )

          الموضوع : خطاب ـ جعلنا الاحتفال في ياطر ليكون فصلا جديدا في تاريخ مطالبتنا بحقوق المحرومين والمعذبين في لبنان.
          المكـان : حسينية ياطر ـ 2/2/1974
          المناسبـة : الاحتفال بذكرى عاشوراء
          المقدمـة : كتب إسماعيل صبراوي:
          في بلدة ياطر الحدودية من قضاء بنت جبيل، رأس الاحتفال السيد موسى الصدر الذي استقبل لدى وصوله (كما كتب مراسل "النهار" إسماعيل صبراوي) بتظاهرة شعبية صاخبة هتفت فيها الجموع:"ثوار وراءك يا إمام" و "الثورة الثورة يا إمام".
          وفي الحسينية ألقى خطبة استخلص فيها عبرا من الذكرى. ودعا سماحته أبناء الجنوب إلى التحدث بلغة جديدة غير لغة المطالبة لأنها لا تسمع مهما حاولت رفع صيحتها.
          ـ الــنـــص ـ
          قال سماحته: "المطلوب عدم الاكتفاء بهذه الاحتفالات لئلا تتحول الى طقوس ومراسم شكلية متحجرة يختفي وراءها المذنبون ويطهر الطغاة ذمتهم أمام الشعب بحجة حضورهم المأتم، ولئلا يصبح البكاء والمشاركة في المأتم بديلا عن العمل وتنفيسا للغضب الثائر والاحتجاج البناء.
          ولكي لا تصبح الحركة الحسينية مؤسسة وطقوسا، علينا أن نحاول إدراك أبعادها والتحرك على ضوء تعاليمها. إن الحسين يحدد سبب حركته بكلمتين: "إن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه".
          وها أنا أسأل: لو كان الحسين بيننا وكان يرى أن الحق لا يعمل به، بل إنهم يتمادون في عدم العمل بالحق والاستهتار به، فماذا كان يعمل؟.
          وقال سماحته: "إن إقامة إحتفال كبير كهذا في ياطر وعلى بعد بضعة أمتار من الحدود مع إسرائيل تعني أننا نريد إقامة فصل جديد في تاريخ الذكرى وفي تاريخ المنطقة. فيجب أن تبقى حيّة متحركة مؤثرة في حياتنا كما كانت المعركة. فنحولها إلى دوافع للوقوف القوي الثابت بجانب حقنا مهما بلغت التضحيات. فقد رسمها سيد الشهداء بدم قلبه وتضحية أهله. ولا يجوز أن تبقى الذكرى فارغة من محتواها الحقيقي كطقس جامد". وأضاف سماحته مستطردا: "أما المنطقة هذه التي نشاهد بيوتها المهدومة وآثار القصف الإسرائيلي والاعتداءات المتكررة عليها فيجب أن تتحدث وتعبر بلغة جديدة غير لغة المطالبة ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه.
          قلنا فصلا جديدا في تاريخ المطالبة بحقوق المعذبين والمحرومين في لبنان. ونعيد إلى الذاكرة أن الطائفة الشيعية منذ أشهر تطالب بالحقوق في حقل الوظائف والمناطق، وقد وضعت وثيقة استقالة الوزراء وحجب ثقة النواب عن الحكومة ضمانا لتنفيذ مطالبها.
          في هذا الوقت بالذات تصدر تشكيلات وتوزع مشاريع تتجاهل في قسوة متناهية حقوق المحرومين وعمران المناطق المتخلّفة، فهل يبقى للمطالبة من مفهوم؟".
          ثم قال: "أيها الإخوة، إن الأساس لبقاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن. أما في لبنان فمفهوم كرامة الإنسان وحريته باقٍ كواحة. فالاستئثار والطغيان وتجاهل حقوق الآخرين تزعزع كيان البلد وتعرض مستقبله للخطر. أما نحن عندما نطالب بالحقوق وبالعدالة، فإننا نصون وطننا، ونحفظ مستقبله وحرية مواطنيه وكرامتهم. فلتعلموا أن المسؤولين هم الذين يهددون بسلوكهم أمن هذا الوطن وكيانه واستقراره وتعايش أبنائه. وليعلموا أننا لا نسمح لهم بذلك لكي يبقى لبنان.
          نحن حفظة لبنان كما نحن مستعدون للدفاع وحمل السلاح. أنا الشيخ المريض مستعد أن أحمل البندقية وأقف معكم على الحدود، أنا على استعداد لكل ما يطلب منا. لماذا لا يعطون السلاح للجنوبي للدفاع عن بلده ويعطون لغيره ليقيم العصابات والاعتداء على الناس؟ لماذا تصرف الملايين على غير الجنوب؟ لقد صرف في 4 سنوات 984 مليون ليرة ولم يصرف شيء للجنوب وبعلبك والهرمل. أكذوبة الليطاني تدغدغ سمعنا، لا فلس واحد لليطاني، كله كذب بكذب على رغم إعطائهم جدولاً زمنياً للتنفيذ.
          قالوا إن التبغ يخسر في لبنان مع العلم أنه يربح في كل العالم. لقد ربحت الريجي هذه السنة 58 مليون ليرة".
          وزاد: "مبارح اكتشفنا أنو راح تتوزع 18 مليون ليرة على الطرقات في لبنان ولا قرش واحد للجنوب. ليش؟ هل الناس في الجنوب حمير؟".
          الى أن قال: "إن احتفالنا في هذه الأرض الطيبة في مكان وجدنا على مدخله بيوتا هدمها العدو معناه إننا نعيش مشكلات هذه الأرض. إننا نقيم حفلة استشهاد الحسين على مرأى من العدو الغاصب وعلى بعد أمتار منه.
          فلنصرخ في وجه حكامنا إذا سمعوا: فليعطوا السلاح للجنوبي، وليعلموا أن في هذا البلد ابنا مدللا وابن جارية ومنطقة مدللة ومنطقة محرومة. نريد العدل للجميع والدفاع عن الجميع لأننا على ما يبدو من منطقة صنفت من الفئة الثالثة كما صنف مواطنونا..".

          تعليق


          • #65
            سيرة الأمام الصدر (محاضرة 7 )

            الموضوع : محاضرة ـ الجنوب قطعة من لبنان.
            المكان : دير المخلص الشوف ـ 3/3/1974.
            المقدمة : تحولت أمس محاضرة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الإمام السيد الصدر في بيت الشباب في دير مخلص، إلى شبه مهرجان أمه حضور من معظم القرى الجنوبية، خصوصا الخيام والغازية وقرى قضاء الزهراني.
            وقبل أن يبدأ الصدر محاضرته التي كان موضوعها "الجنوب قطعة من لبنان"، قدمه رئيس مدرسة دير المخلص ورئيس حركة تجمع الشباب الداعية الى المحاضرة، بكلمة جاء فيها "أن الإمام الصدر ليس إمام المسلمين لكنه إمام قلوب وحبيب الى كل مؤمن بالله وبالإنسان الى أي دين أو طائفة أنتمي ويلجأ إليه في الملمات المسلمون وغير المسلمين (…) انه ليس ذلك المتدين الذي يفهم الدين تزمتاً وانقطاعاً عن الناس ونسكا في الخلوات لكنه متدين اجتماعي يؤمن بالعمل مع الإنسان بأن كل دين لا ينتهي بخدمة الإنسان ليس دينا سماويا".
            ـ الــنـــص ـ
            وبدأ الإمام الصدر حديثه بتحليل منطقي وفلسفي لعلاقة الجزء بالكل وعلاقتهما المادية والمعنوية انطلاقاً من عنوان المحاضرة، فقال: "إن الجزء لا يصح أن يكون منفصلاً عن الكل، فالجزء يعطي الكل ومن واجب الكل أن يعطي الجزء مثلما يأخذ منه". وكان يعني بذلك ما يعطيه الجنوب من موارد زراعية لكل لبنان فيساهم مساهمة فعالة في إنعاش دخله القومي بينما لبنان لا يعطي الجنوب شيئاً.
            الجزء والكل:
            وتساءل: "هل الجنوب قطعة من لبنان وجزء منه أم لا"؟
            وقال : "يشرفني أن تكون المحاسبة في قلب الجنوب وفي دير المخلص وفي بيت للشباب حيث محاسبتي مخلصة متحركة وبالتالي بناءة. محاسبتي ليست لخلق اليأس فلا يأس مع الحركة وليست لتحقيق أهداف خاصة فلا هدف خاص من خلال الدين. فاسمحوا لي ببعض القسوة في الحساب. الجنوب أعطى لبنان كثيراً. لقد أعطى جنوبنا لبنان المجد في التاريخ، مجدا فينيقياً، فكان تصدير الحرف وتحضير الأطراف الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، تحضيراً للإغريق وأوروبا وللمناطق الجنوبية من البحر المتوسط. فقدم لبنان، من جنوبه هدايا حضارية وثقافية فمثال ذلك بطليموس مؤسس الرياضيات ومؤلف كتاب هو أكثر انتشارا في العالم بعد الكتب المقدسة والمسيح بارك لبنان عبر جنوبه، فحضر الى صور وتحدث عن شواطئها ومر على قانا الجليل وجميع الذين يقرأون الإنجيل في العالم، وهم مئات الملايين يقرأون عرس قانا الجليل في الجنوب قدم للبنان مجداً مسيحياً وعالمياً"وساهم الجنوب من خلال التبغ بما يتجاوز 245 مليون ليرة سنوياً في الدخل القومي، وهذا غير الأرباح التي تجنيها شركة الريجي، فضلاً عن القيمة السياحية التي للجنوب (...).
            بيت بلا سقف :
            وتساءل لماذا تهمل الدولة مطالب الجنوب ومشاكله ولا تعتني بأوضاعه بصورة جدية وتتركه لقمة سائغة للعدو الصهيوني الذي يهدد أطفاله وأرضه: "ماذا يقدم لبنان للجنوب هل يدافع عنه"؟ وقال: "أول واجبات الدولة الدفاع. الإنسان كان في الغابة يحمل بيد أدوات للصيد والزرع وباليد الأخرى وسيلة للدفاع. كانت طاقاته تتوزع بين الإنتاج والدفاع. ثم طوى صفحة الغربة والمغامرة والحياة البدائية وانتقل الى عالم الحضارة. إن الشروط الأولى للمواطنية أن يتأمن الدفاع عن المواطن. هل هناك دفاع للجنوبي؟ قولوا ما شئتم، أيها الناس، فأنا اليوم بالذات وقبل ساعات كنت في أقصى الجنوب وقطعت صور الى بنت جبيل والى شقرا ثم العديسة ودير ميماس والنبطية وصيدا، فلا دفاع عن الجنوب ولا جيش في الجنوب ولا مركز للدفاع عدا دوريات بسيطة. لا تقولوا إن الجيش مختف ومتمرس، فأنا اعرف تلك المناطق ولا اعرف سبباً لعدم وجود دفاع. كنت أتحدث في مسجد العديسة وكانت المخافر الإسرائيلية على بعد أمتار وشعرت أن حديثي يسمع، ولكن ما رضيت لنفسي أن أشعر بـأني أعيش في بيت بلا سقف وما أمتنعت عن القول. لقد قلت ما أريد وكأني في حصن حصين وما رضيت لنفسي أن أقول أني أخشى من غضب العدو والهجوم فتحسست بما أريد. ولكن هل هذا عطاء الحكومة والدولة وعطاء لبنان للجنوب؟ المواطن لا يشعر بأنه محمي أو عزيز في وطنه. يتعرض ليله ونهاره للاعتداء الإسرائيلي وللإذلال والاحتقار. لا تقولوا أن الحق على الجنوبي لأنه أراد أن يكون كذلك، فهذا عذر اقبح من ذنب. الجنوبي لا دخل له ولا مسؤولية عليه وليس له أي تأثير.
            لا نقول أن لبنان يمكنه في الوقت الحاضر الوقوف مدافعاً مدة طويلة، ففي العام 1947 عندما جاء التقسيم وتأسست الدولة الإسرائيلية شاهد كل مواطن الإسرائيليين يعمرون المستعمرات المحصنة وما يسمونه كيبوتز على حدود لبنان، فهل هناك مجال للشك في أن هذه المستعمرات هي لغايات دفاعية أو حربية؟ ماذا عملنا منذ عام 1948 حتى اليوم؟ نحن تفرجنا على عملهم وتفرجت السلطة معنا على ما يعملون وقضينا وقتا طويلا من دون أن نتسلح، لم نتسلح على رغم أن المنطقة من الناحية الجغرافية مستعدة للدفاع بسهولة. إن قوة قليلة جداً تتمكن من الوقوف في وجه قوة كبيرة. ناهيك بالدفاع عن الوطن. فأين الدفاع عن المواطن؟ لا جيش أمام السلطة الإسرائيلية، فهمنا. ولكن لا أمن أمام السارق والمجرم أيضاً وفرض الآراء الخاصة على الناس. الأمن يستعمل في التنكيل بالناس.
            التنمية والعمران:
            وانتقل الى النقطة الثانية من حديثه المتعلق بالتنمية والعمران في الجنوب، فتسائل: "هل أعطى لبنان العمران والتنمية للجنوب، خصوصاً انه منطقة مستعدة لذلك"؟ وعرض بإسهاب وضع مزارعي التبغ ومدى تجاهل الدولة لمطالبهم وإهمالها تحسين أوضاعهم الحياتية، خصوصاً أن المزارع الجنوبي يعرض حياته يومياً للخطر الإسرائيلي. وحمّل شركة الريجي مسؤولية احتكار التبغ واستغلال المزارع وعدم إتاحة المجال أمامه لتحسين إنتاجه. وذكر أن الجنوب يعطي لبنان 75 في المئة من إنتاج الحمضيات وعزا ارتفاع هذه النسبة الى عدم وجود شركة تحتكر إنتاج الحمضيات، الأمر الذي جعله يحسن إنتاجه ويفرضه فرضاً في الأسواق العالمية وينافس الحمضيات الإسرائيلية في كل مكان.
            وقال: "إن تعمير الجنوب هو حلم للجنوبي لم يتحقق بعد، وعدم تعمير الجنوب دفع الجنوبي الى النزوح والسكن في الأحياء الفقيرة من العاصمة. وانحى باللائمة على القيمين على مشروع الليطاني الذي انفق حتى تاريخه أكثر من 400 مليون ليرة على أمور إدارية من دون أن تعد دراسات للمساهمة في تنمية الجنوب. وأشار الى عدم بناء مدارس رسمية في القرى الجنوبية مع أن الأهالي قدموا أراضى الى وزارة التربية لهذه الغاية".
            ومن الناحية السياحية ابرز حرمان الجنوب علماً أن أهم المراكز الأثرية موجودة فيه. وذكر أن الدولة صرفت 210 ملايين في لبنان من دون أن تعطي الجنوب أي قرش.
            مشاركة ذات وجهين:
            وتطرق الى موقف لبنان في حرب تشرين فقال: "إن لبنان ساهم مع إخوانه العرب ويساهم في معاركهم ضد إسرائيل ومشاركته لها وجهان : الوجه الأول الصوت والدمار كله للجنوبي، والوجه الآخر هو تهريب الأموال الثراء على حساب الشعوب الفقيرة وعقد المؤتمرات الصحفية.
            وضرب الصدر مثلاً آخراً فقال: لقد اقرت وزارة التربية اللبنانية بناء 86 مدرسة حكومية في منطقة الجنوب، لا تصدقوا أيها الأخوان إذا قلت لكم أن نصف مدرسة بنيت في القليعة.
            ولكن بعد بذل جهودنا القصارى تأمن لنا عدة مدارس، وهلل الناس وكبروا من أجل صرف مبلغ 25 مليون ليرة لمنطقة الجنوب علماً أنه خصص للمناطق جميعها مبلغ 948 مليون ليرة. فأين هو العطاء للجنوب؟ وأين منافع الثروة للجنوب والمرافيء في صيدا وصور وغيرها، من خلال ذلك نقول إنه صرف مبلغ 210 ملايين ليرة لتنفيذ المشاريع.
            ثم خاطب الصدر المسؤولين قائلاً: "نريد خيراً لكم ونشفق عليكم. أسلوبكم هذا حفر للقبور. فنحن صوتنا صوت الضمير. نريد خيراً لهذا البلد وسيادته، فمن لا يسمع علينا أن نسمعه بالقوة".
            وخلص الى القول: "هذه هي الصورة المحزنة التي لا تخرج الإنسان عن صبره وهدوئه، ونرجو في سعينا كسب رضا الله وخدمة الناس. أيها السادة لو وقفنا صامتين وإكتفينا بالنصيحة فسوف يتحول الظلم والحيف وعدم التساوي إلى عُقد وتتحول العقد إلى بواعث للإنفجار وهذا ليس لمصلحة لبنان. ولكن إذا حاولنا أن نُسمع المسؤولين بقوة وشدة فنكون قد أنقذنا لبنان من المحن لأن المنطقة على أبواب تطورات أساسية. فإذا لم نعالج الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ونضع لها مخططات مستقبلية. وإذا لم نكن أقوياء فسيأخذون منا الوطن. ولا يمكننا أن نصبر ولا نبالي بما يجري، فإذا لم نتمكن بالنصيحة واللسان فعلينا أن نغير باليد وبالقوة، وعندئذ نصلي ونعبد الله على خدمة الإنسانية.
            ولم توجه بعد المحاضرة أسئلة لأنها تحولت الى ما يشبه المهرجان.
            وبعد ذلك زار الإمام الصدر دير المخلص وتفقد أقسامه والتقى عدداً من الكهنة والراهبات.

            تعليق


            • #66
              سيرة الأمام الصدر (محاضرة 8)

              الموضوع : محاضرة ـ سأبقى جزءاً من ضمير هذا الوطن .
              المكان : كلية الطب في جامعة القديس يوسف ـ 15/3/1973.
              المقدمة : أثار سماحة الإمام موسى الصدر في محاضرته أمس أمام الطلاب في كلية الطب بالجامعة اليسوعية سلسلة من القضايا الجنوبية الخطيرة وكشف النقاب عن خطة أميركية إسرائيلية لإقامة دولة فلسطينية في جنوب لبنان. تحدى الدولة أن تنفذ مشروع الليطاني وقال أن حالة الطوارىء في الجنوب ما هي إلا وسيلة للتنكيل بالمواطنين هناك. وقال أنه لم يدع إلى ثورة مسلحة بل يحذر المسؤولين وينصحهم ويصعد الضغط عليهم تجاه استمرار استهتارهم.
              ـ الــنـــص ـ
              تساءل الإمام الصدر: ما هي القضايا التي يشكو منها الجنوبي، وقال إنها ست:
              1ـ الدفاع والأمن:
              الوطن في جنوبه غير محمي: الدوريات موجودة وهي مختصرة في النهار حتى الساعة الرابعة. بعدها لا تجد اثرا للسلطة. فالمنطقة تصبح متروكة للعدو وأطماعه. يقال الكثير عن إمكانات الدفاع، والصحيح إنه ليس هناك في العالم دولة حديثة أو قديمة تقول لا أتمكن من الدفاع عن الوطن. الحقيقة أن هناك وسائل أخرى للدفاع: كعقد التحالفات، التجنيد وغيرها (…) لا بد منها لحماية الوطن. المبدأ القانوني، الإنساني يفرض الدفاع عن الوطن.
              ويروي الإمام ما قاله أحد رؤساء الجمهوريات في مقابلة خاصة: بعثة عسكرية فرنسية درست أوضاع لبنان ووضعت تقريراً يفيد أن الوضع الجغرافي في الجنوب وفي الحدود المتاخمة تساعد للدفاع عدة أيام إذا كانت هناك حرب وكانت لدينا بعض الأسلحة الخفيفة والصواريخ. اؤكد لكم أن عدم قدرة الدفاع عن الوطن هي أسطورة أتت عن تكرار ذلك القول ولا أساس لها من الصحة.
              الدفاع عن المواطن - الامن:
              الأمن مفقود في الجنوب. لا أحد يأمن على حياته خلال الليل. عندما اترك بيتي الى الجنوب، اقبل أولادي قبلة الوداع لأني لا اعلم إذا كنت سأعود سالماً. في النهار عندما يحضر الأمن في المنطقة يستعمل، وهذه حقيقة لإرغام الناس على اتباع خط سياسي معين وللتنكيل بالناس لعقائدهم وآرائهم (…)
              2 ـ التخطيط:
              لا تخطيط في الجنوب: عندما تأسس مجلس الجنوب سن 1970، لم نجد مخططا واحدا للجنوب في كل دوائر الدولة. لم يكن هناك ورقة عمل عن الجنوب فاضطر المجلس الناشىء الى استعارة بعض الدراسات للقيام ببناء الطرق والمدارس.
              المهاجرون الصناعيون مستعدون لمساعدتنا لكن الشروط الضرورية غير متوفرة.
              3 ـ الشؤون الحياتية اليومية:
              الماء والكهرباء نرى وسائل نقلهما في كل قرى الجنوب تقريباً. لكن ما بين الوسيلة والمضمون فرق كبير. الماء مقننة توزع مرة واحدة على القرية في الأسبوع. في بنت جبيل تأتي المياه يوم الخميس فقط وباقي الأيام تستعمل مياه البرك والخزانات غير النظيفة، في حوالي مئة قرية جنوبية هذه البرك هي الحياة. من هذه البرك تشرب الحيوانات، تغسل المرأة أواني البيت فيها، ثم يشربون منها، أيها اللبنانيون ما رأيكم بهذا؟
              4 - مصلحة الليطاني:
              كلفت حتى اليوم 400 مليون ليرة لبنانية (المصلحة تأسست سنة 1954)، كان هدف المشروع ري الجنوب فاصبح بيع الكهرباء طيب قبلنا بذلك. يبيعون سنوياً 20 مليون ليرة لبنانية كهرباء، 8 ملايين تذهب للموظفين، 10 ملايين وفاء دين، مليونان فقط لإنماء الجنوب. أما الدراسات الحالية كما يقال ستنتهي في آخر هذا الشهر وتقوم بها منظمة الأغذية والزراعة الدولية بمساهمة 17 مهندساً فماذا يحدث حالياً؟ ادوار صوما حذر من تنفيذ المشروع ويشك فيه ويتحدى المسؤولين أن ينفذوا الجدول الزمني الذي وضعوه لأنه مغاير للواقع. مصلحة الليطاني على لسان نائب رئيس مجلس إدارتها سليم مقصود تقول في دراسة الى المسؤولين: نحن قدمنا الدراسة ولكن المصلحة لن تتمكن مطلقاً من تنفيذ المشروع (…)
              5 ـ التبغ : قضية القضايا.
              التبغ... قضية القضايا. طلبت الشركة سنة 66 من الدولة السماح لها باستيراد آلات للتعبئة والتصنيع. جواب الدولة جاء بأسرع من الصاروخ. سنة 72 وحتى اليوم لم يتحقق المشروع.
              6 ـ أطماع إسرائيل العدوانية:
              حالياً هناك خطة خطرة تجري في إطار مفاوضات السلام. إسرائيل تحاول تهجير أهل الجنوب كون القصف الإسرائيلي كما يقول المراقبون العسكريون ليس على الحقول والبيوت فقط بل على كل شيء كأنها تناور على أرض الجنوب بالذخيرة الحية. الخطة التي هي من وضع أميركي يهودي تفيد بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي أخرى بجعلها كحزام أمني حول إسرائيل تشمل قطاع غزة، الضفة الغربية، هضاب من الجولان، بعض سهول الحولة وجنوب لبنان. هذه الخطة خيانة للبنان وللقضية الفلسطينية. ستكون هذه الدولة مهزوزة وحزام أمن، وحزاما لتصريف منتوجات إسرائيل لبلدان الداخل. وأي مواطن عربي شريف لا يمكن أن يقبل بهذا.
              7 ـ الفلسطينيون في الجنوب وقيامهم بالعمليات الفدائية:
              إن ذلك للوهلة الأولى حجة وعذر في يد إسرائيل. لكن عندما تتجمد العمليات الفدائية وقد تأكدت شخصياً من ذلك يستمر القصف الإسرائيلي. حاليا العمليات مجمدة والقصف الإسرائيلي مستمر. فأين الدولة؟ قضية الفلسطينيين هي مجال متاجرات ومزايدات وإهمال ولكنها تستطيع أن تكون ورقة رابحة في يد السلطة اللبنانية إذا ما حزمت أمرها على إثبات وجودها. يحملون المقاومة وأبناء الجنوب سبب هجمات إسرائيل: هذا ظلم كبير علينا أيها الشباب.
              8 ـ السجن الكبير:
              بعد أن طلب الإمام من الشباب الجامعي الضغط الشريف الطاهر، على المسؤولين الذين طال استهتارهم قال: "لماذا لا تتحركون من اجل المسجونين في سجن الجنوب الكبير؟ نعم الجنوب سجن خلافا للإعلام الكاذب الذي يشوه الحقيقة" وأضاف: "لا يكفي أن تتحركوا من أجل مطالب طلابية بل تحركوا من أجل الجنوب. الأمور بسيطة وليست معقدة كما يرى البعض: القضية بحاجة الى عقل وقلب، أما غير موجودين وأما مغطى كل منهما بالأزلام والحواشي والكلمات العذبة".
              الأسئلة:
              في رده على الأسئلة قال إنه: "لم يدع الى الثورة المسلحة بل حذر المسؤولين بأن استمرار الاستهتار يؤدي الى الثورة والعنف وان دوره كرجل دين ينحصر في النصيحة وتصعيد الضغط بالوسائل التالية: الإضراب، العصيان المدني، قطع الطرق".
              ورداً على سؤال آخر قال: "حالة الطوارىء في الجنوب ليست لأسباب دفاعية، بل وسيلة في يد السلطات للتنكيل بالمواطنين وأنا ارفض ذلك". وحول زيارته لسوريا قال: "أنا لا أمارس ما ليس من صلاحياتي. أعرف ما هو تأثير سوريا على الجنوب فذهبت وقابلت المسؤولين وأخذت صورة عن الوضع الحالي ومشروع فصل القوات في الجولان وذلك بصفتي كمسؤول ديني. أما ما يقال أني طلبت مساعدة من سوريا فأن أستعين بدولة أخرى لأدافع عن بلدي، فهذا ما لا أقبله لان لبنان باستطاعته الدفاع عن جنوبه".
              وحول البوليس الدولي قال: "يجب أن نفرق بين البوليس الدولي المراقب والمقاتل. في مصر وسوريا هناك بوليس دولي مراقب فقط. فهل نستطيع في لبنان أن نأتي ببوليس دولي مدافع عنا بالتأكيد هذا من المستحيلات".
              وفي رد على سؤال عما إذا يلتقي مع الأحزاب العقائدية التي ترى الجنوب بين مطرقة الإقطاع السياسي وأطماع إسرائيل قال: "ومن قال أنني لم التق معها فأنا التقي مع كل الذين يعملون على إنصاف المحرومين والمسروقين". وأوضح قائلاً: "حملتي تختلف عن حملات الأحزاب السياسية والهيئات التقدمية. أنا كرجل دين حملاتي تتحدد من خلال رسالتي وهي الدفاع عن الإنسان المحروم المعذب وليس الحكم على أحد، لا تطلبوا مني مواقف سياسية بل إنسانية، سأكون ضمير هذا الشعب اصرخ في وجه المسؤولين اقض مضاجعهم ما دام هناك محروم أو قطعة محرومة أو أرض مهملة".

              تعليق


              • #67
                سيرة الأمام الصدر (خطاب 6)

                الموضوع : خطاب ـ أنا بعد ما أكلت كف.. ما ضُرِبتُ بالرصاص.. ما جُرحَتْ جبهتي.. لكنني أنتظر..
                المكـان : المسجد العمري الكبير في صيدا القديمة ـ 4/4/1974.
                المناسبـة : ذكرى المولد النبوي الشريف.
                المقدمـة : الوفود من صيدا ومختلف القرى الجنوبية بدأت تتقاطر منذ الصباح الباكر تلبية للدعوة التي وجهها نائب صيدا السابق السيد معروف سعد، وتوجه الصيداويون باكرا الى مدخل صيدا الشمالي لاستقبال الإمام الصدر على رغم هطول المطر.
                ولوحظ غياب قوى الأمن في مكان الاستقبال وفي المدينة وأقتصر الوجود الرسمي على دراجتين من فصيلة صيدا سارتا أمام الموكب. وتولى شباب "التنظيم الناصري" تأمين السير على الطرق والمحافظة على النظام.
                وفي التاسعة والربع وصل الإمام الصدر على جسر الأولي، فاستقبلته الجماهير بالهتافات وزخات الرصاص من رشاشات وأسلحة ثقيلة وبتفجير الديناميت.
                واخترق الموكب الشوارع الرئيسية من صيدا وسط حشود على الجانبين ومر في شارع رياض الصلح ثم اتجه نحو الجامع العمري الكبير حيث كانت الحشود مصطفة للاستقبال.
                أمام المسجد كانت مجموعات كبيرة من المسلحين بالأسلحة الخفيفة والثقيلة تقف على السطوح وعلى مفارق الطرق لتأمين الحماية والترحيب بالإمام الصدر. وعندما وصلت طليعة الموكب راحت أصوات الانفجارات والهواوين والرصاص تهز المدينة.
                ومر الإمام وسط غابة من الأسلحة، فيما تعالت زغاريد النسوة والهتافات المؤيدة له ولخطواته. ودخل الصدر المسجد لكن أصوات الانفجارات لم تتوقف وزادت حماسة المواطنين وغليانهم عندما علموا أن الكهرباء قطعت عن المسجد لمنع إذاعة الخطب بواسطة مكبرات الصوت. وبدأ الإحتفال الديني وامتزجت التواشيح الدينية بأصوات الرصاص والقنابل والديناميت التي لم تتوقف بل زادت قوة عندما بدأ الصدر إلقاء كلمته.ـ الــنـــص ـ
                وعندما اعتلى الإمام المنصة فوجئ بإنقطاع التيار الكهربائي، فخاطب المحتشدين بصوت عال قائلا: "ما في كهرباء... لقد قطعوا الكهرباء حتى لا تسمعوا... ليس عندي معامل للكهرباء... حاولوا أن تسمعوا باقترابكم مني قدر الإمكان".
                وقد بدأ الإمام الصدر خطابه بالتأكيد على وحدة المسلمين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية. ثم أشار سماحته الى أن أول كلمة انطلقت من فم النبي (ص) "قولوا لا اله إلا الله تفلحوا".
                وطلب الإمام من الحضور الترديد معه: "لا اله إلا الله في السماء وفي الأرض".
                وتابع قائلا: "نحن لا نبحث عن غايات خاصة بل هم يريدون أن نسكت. فنحن لو اكتفينا بالصلاة وتجاهلنا مشاكل الناس لما كان عندهم أعز منا. لكانوا حطونا على الرأس. يعتبروننا ديكورا على الحيطان. لوحات فنية، إنما هذه الأمور ليست من سيرة رسول الله. ونحن من أتباع رسول الله.
                أنا بعد ما أكلت كف... لكنني انتظر. بعد ما ضربت بالرصاص... لكنني انتظر. بعد ما جرحت جبهتي... لكنني انتظر".
                زينة الرجال:
                وهنا سمع الإمام أصوات الانفجارات والرصاص، فخاطب المصلين قائلا: "قال الله في كتابه العزيز: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وزينة الرجال هي السلاح ونحن مع هذه الزينة ومع حمل السلاح ".
                وتطلع إلى محراب الجامع الذي كان يقف عليه وقال: "المكان الذي أقف عليه سموه المحراب وما دخل الحرب في المسجد؟ إن ذلك يعني الحرب ضد الشيطان.
                والشيطان له جنود وأنصار. كل طاغية شيطان. كل ظالم شيطان. كل مستبد شيطان. كل متأفف شيطان. كل ساكت عن حق شيطان أخرس. ونحن سنحارب الطغاة المستبدين… أن نسكت عن الظلم وعن المعذبين في الجنوب من الضربات الإسرائيلية، أن نسكت عن المؤامرات، عن ابتلاع أموال الناس، عن الغلاء، عن الرشوة… ما في أعز منا على قلوب المسؤولين. ولكن نحن من أتباع خط النبي محمد، خط محاربة الظلم، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. وأنا لست شيطانا".
                والتفت إلى علماء الدين وخاطبهم بقوله: "إخواني علماء الدين، في الساعة التي تجدون أنفسكم مغضوبا عليكم من الحكام أعرفوا أنكم تسيرون على الطريق الصحيح. درب محمد الذي كان لا يفرق بين عبادة الله وبين خدمة الإنسان آلهة الأرض وطغاة الأرض أيا كانوا، ارفضوا عبادتهم وقفوا إلى جانب الإنسان، إلى جانب الشعب، إلى جانب المعذبين في الأرض... في الجنوب.
                يريدون منا الخنوع، أنا مش قادر أكون خانعا. يريدون منا الإستسلام، مش قادر أستسلم. يريدون مسح جوخ، مشى قادر أمسح الجوخ، لذلك أتفجر واحكي وأطلب الخير للبنان، لبنان المستقبل، يحاربونني... لماذا؟ أنا لم أطلب تقسيم لبنان، لم أطلب إيقاع الضرر في لبنان... "عمر تنعمر لبنان"... هم يغنون ونحن نقول لهم إعملوا.
                ضريبة الجنوب :
                صرفوا 400 مليون ليرة للشأن الإداري في مشروع الليطاني.أحدهم في بيروت سألني كم يدفع الجنوب ضريبة، 140 الف ليرة فقط؟ أجبته أن ضريبة الدخل في الجنوب تعني أنه لا دخل قي الجنوب. الضريبة نحن ندفعها من الضرائب غير المباشرة على السكر والقمح والرز والتبغ. الجنوب يدفعها والبقاع يدفعها والشمال يدفعها وعكار تدفعها. الجنوب يدفع ضريبة الدم والدمار. المواطن الجنوبي يبقى طوال الليل في حالة حذر وترقب خوفا من إسرائيل. وهل هناك ضريبة أقوى من ضريبة الخوف؟ نحن نريد ربط الجنوب بكل لبنان. نريد ربط البقاع بكل لبنان. نريد ربط عكار والشمال بكل لبنان. هكذا نفهم معنى ذكرى المولد النبوي.
                لنا في رسول الله أسوة حسنة وعلينا أن نتبع هذا الخط، خط لبنان المستقبل، كي يشعر المواطن بالمسؤولية، بأنه عزيز الكرامة، بأنه لن يسكت على ظلم.
                رأس الحربة :
                إن سلامة الجندي وصيانة لبنان وعزة العرب لا تتحقق الى بكرامة الإنسان، وصيانة حقوقه، وسيطرة العدالة الاجتماعية في علاقات الناس بعضهم ببعض، وأن هذا العيد الذي يقبل بعد معركة رمضان المبارك يبدو أكثر توجيها وإشراقا ودعوة لنا لسلوك الخط المحمدي. والوقوف مع المحرومين وفي الدفاع عن حقوق المعذبين لرفع مستوى جنوب لبنان ليصبح رأس حربة موجها ضد العدو.
                نحن نريد الجنوب، ونحن في قلب الجنوب في صيدا، نريده أن يكون منطقة منيعة، صخرة تتحطم عليها أحلام إسرائيل وتكون نواة تحرير فلسطين وطليعة المحاربين ضد إسرائيل. الجنوب رأس حربة ضد إسرائيل وقاعدة لتحرير الأرض المقدسة. لا نريد جنوبا هزيلا مثل اليوم أو في شكل دويلات. نريد جنوبا متمسكا بلبنان، مرتبطا بهذه الأمة، موحدا مع العرب، رأس حربة لهم، لا جنوبا هزيلا مفصولا بل نريده جنوبا مانعا. سنحاول أن نتبع سيرة رسول الله في الجنوب".
                وعند إنتهاء الإمام الصدر من إلقاء كلمته ظن الحضور أن الاحتفال انتهى وحاولوا مغادرة المسجد، لكن الإمام دعاهم إلى البقاء والاستماع إلى كلمة للشيخ فهيم أبو عبيه ممثل بعثة الأزهر في لبنان الذي ألقى كلمة جاء فيها: "ما عمامة السيد موسى الصدر السوداء وعمامتي البيضاء إلا مثل سواد العين وبياضها ممتزج بعضهما ببعض مكمل بعضهما لبعض. كلنا اتباع محمد لا تفرقة بين مذهب ومذهب، نحن مع السيد الصدر في قوله إن المسلم لا يمكن أن يكون ديكورا يروق للعين ولا يمكنه أن يبادل الآخرة الدنيا بحطام الدنيا ولا يمكنه أن يحرر الإنسان من القيود ومن مآسيه وتعرية الظالمين مما يستترون به".
                وكان سبق الشيخ فهيم قاضي حاصبيا الشيخ أحمد الزين الذي هاجم التفرقة بين المذاهب في الدين الإسلامي وأستشهد بوجود حفيدين من أحفاد رسول الله في الجامع، السيد موسى الصدر وابن نقيب الأشراف الشيخ محمد سليم جلال الدين قاضي صيدا الشرعي "والاثنان من أحفاد رسول الله، ليؤكدا معنا الوحدة الإسلامية والإيمانية التي ترفض التقسيم الطائفي والمذهبي في الإسلام".
                أما الشيخ سليم سوسان رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية في صيدا، فقد تكلم في بدء الإحتفال عن السيرة النبوية وتطرق الى قطع الكهرباء عن المسجد بقوله: "نحن نحتفل بعيد المولد النبوي بالكهرباء ومن دونها لأننا نستنير بنور محمد ونهتدي به ونستضيء بإشراقاته لا بنور الدولة، وأصواتنا أصوات الحق لن تصل الى خارج المسجد فحسب، بل أنها تصل الى السماء".

                تعليق


                • #68
                  سيرة الأمام الصدر (نداء 4 )

                  الموضوع : نداء ـ إن الأعياد في حاضرنا تدخل على الوطن بصور الفرح والهدايا وصور القصف والجوع والإذلال.
                  المكـان : بيروت ـ 23/12/1974.
                  المناسبـة : بمناسبة عيد الأضحى المبارك وتلاقيه مع عيد الميلاد المجيد.
                  ـ الــنـــص ـ
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  أيها الإخوة اللبنانيون ...
                  لقد أراد الله مع الأضحى المبارك أن يولد الإنسان من جديد وأن تتجدد حياة المجتمع ذلك من خلال الحج الذي هو الانتقال الى الله والتخلي عن كافة العلاقات الذاتية لم استطاع إليه سبيلا ومن خلال مواكبة الآخرين بمعايشتهم العيد وبالأفئدة التي تهوي إليه.
                  الاحتفال بالميلاد المجيد في مفهومه السامي الأصيل وفي واقعه الخارق من خلال ولادة المسيح كلمة الله،هذه إرادة الله.
                  هذه إرادة الله.. فهل لنا في هذه السنة وأمام تلاقي معاني الميلاد أن نعد لوطننا لبنان، وطن الإيمان والإنسان، أن نعد له ميلادا جديدا يكون فيه الإنسان المواطن، في أي منطقة عاش ومن أي فئة كان محفوظ الجانب موفور الفرصة مصون الحقوق مؤمن العيش الكريم يتخلى عن العلاقات الذاتية لخدمة الوطن ويحج إلى الله بخدمة المواطن ويعيش لله ولحب خلقه وإطاعته.
                  أيها الأعزاء،
                  إنّ تلاقي هذه المواسم في مجرى الزمن السائر دون توقف يحملنا معه إلى الينابيع المتدفقة التي صنعت التاريخ وخلقت الحضارات والقيم.
                  إلى ذلك اليوم الشامخ الذي وقف العالم في دهشة ينظر إلى إبراهيم يأخذ معه ابنه الوحيد إلى المذبح معلنا بذلك استعداده لتقديم كل شيء في سبيل الله ولخدمة الإنسان، واضعا نفسه والإنسانية جمعاء في موضعها الحقيقي، مؤكدا أن الفرد ليس آلها ومحور الكون يدور في فلكه الآخرون، بل أن كماله يعادل وجوده للآخرين وأن أنانيته هي حواجز نموه وعظمته وأنها تفرقه وتسجنه وتصغره.
                  إلى تلك الأيام التي تمادى الإنسان اليهودي، حامل الملكوت في ذاتيته، وبالغ في ديانته، فسيطر الظلم والظلام واستشرى النفاق والشقاق وتدهور مستوى الإنسان حتى بلغ حد الحشرات والبهائم.
                  فكان مولد الرحمة والمحبة والتضحيات بولادة المسيح وكان التسامي والاتساع الوجودي للإنسان وكان النور والصدق وكان التحسس بالآخرين والسعي لخدمتهم حتى الخصوم غير الظالمين.
                  إنّ تلاقي هذه المواسم يحملنا إلى تلك الأيام ويرسم أمامنا بوضوح أكثر تلك الينابيع النابعة من أرضنا لبناء حضارة الكون ثم يجعلنا بالمقارنة نحارب حاضرنا في عملية نقد ذاتي، لننقل فورا إلى صناعة المستقبل الأفضل.
                  والأعياد، في حاضرنا تدخل على الوطن بصورة متفاوتة جدا: فهنا البسمات والأضواء والهدايا والسهرات والدفء والأنس، كلها أو بعضها، وهناك الآلام والقنابل والقصف والأرق والقلق والجوع والرد والإذلال، كلها أو بعضها.
                  والمستقبل الذي يولد من هذا اليوم، إذا لم نعالجه، مظلم جداً وهل نطلب من هؤلاء وأولئك مشاعر وقناعات ومواقف موحدة؟
                  إنّ الميلاد هنا يغمر القلوب والأجسام والشوارع بالأفراح والبركات ونشيد السلام يملأ النفوس محبة ومسؤولية وفي أرض السلام تتفجر الأحقاد وتدبّر الحروب ضد الجنوب من وطننا الغالي وضد الأمة بأجمعها ويقترب خليفة للمسيح مع صيامه نحو الموت.
                  أيها الأخوة المواطنون:
                  يعز علي ان أنغص هناء كم وأن أخدش فرحتكم في هذه الفرصة النادرة التي تتلاحق فيها الأعياد.
                  ولكن الضمير والمسؤولية، ولكن الآهات والاحتجاجات، ولكن القلق على الوطن، ولكن صرخة الحق التي تمتد عبر الزمن حينما أطلقها المسيح من الهيكل في القدس وحينما كررها محمد على الأصنام في الكعبة وحينما عبر عنها علي باعتبار الإنسان اللامبالي بهيمة مربوطة همها علفها، هذه الصرخة تقلقني وتنزع عني فرحتي وتجعل المستقبل يدوي والأجيال الصاعدة تناشد والأمانة الغالية، أمانة الوطن، تثقل كواهلنا جميعا. فإلى الوحدة والى الإنصاف والى تصحيح الحاضر وصناعة المستقبل أيها المعايدون الأوفياء.

                  تعليق


                  • #69
                    سيرة الأمام الصدر (خطاب 7)

                    الموضوع : خطاب كونوا فدائيين إذا التقيتم العدو الإسرائيلي، إستعملوا أظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً.
                    المكـان :
                    حسينية بلدة كونين قضاء بنت جبيل ـ 26/1/1975.
                    المناسبـة : ذكرى السيد محمد باقر إبراهيم.
                    المقدمـة : حضر الإحتفال حوالي 2500 شخصاً من كونين والبلدات المجاورة. وقد تحدث، فيه كل من إبراهيم شرارة والشيخ محمد مهدي شمس الدين. وحسن شرارة والسيد على الحكيم. وألقى محمد نجيب فضل الله قصيدة في المناسبة.
                    ولدى وصول الإمام السيد موسى الصدر إلى الحسينية إستقبل بالحفاوة والهتاف فأرتجل كلمة جاء فيها:
                    ـ الــنـــص ـ
                    "لم يكن الحسين مسجوناً في السنة 61 من الهجرة منقطعاً عن المستقبل، بل كان حلقة مميزة من الصراع المرير بين الحق والباطل، وستستمر هذه الحلقة إلى الأبد كلما وجد الحق والباطل. فهو ليس شهيد العبرات والتمثيليات كأثر تاريخي مر (...) لو كان الحسين موجوداً اليوم في هذه الأمة، فما تراه يكون موقفه تجاه ما يجري في الداخل والخارج، تجاه الإعتداءات الإسرائيلية والتخاذل؟ الجواب إن الحسين يعيش في قلوبنا، وقد التزمنا بـ" ليتنا كنا معك لنفوز فوزاً عظيماً".
                    وأضاف الصدر: "لو كان الحسين هنا لحمل سيفه وتحرك ووقف في وجه مطلقي النار على الناس، ومحاربي الإنسان في قوته (...) نحن لا يمكن أن نسكت. سلوكنا الحسيني يفرض علينا الدفاع عن أرضنا وحمل مسؤولية شعبنا".
                    وهاجم الإمام الصدر المسؤولين من دون أن يسميهم فقال: "بدأوا يحاربوننا في لقمة العيش، فمنعوا عنا التنمية والمشاريع الإجتماعية، وخلقوا بيننا الخلافات وعودونا تدريجيا الذل... إذا قارنا الوضع الداخلي منذ 1948 بالوضع اليوم، نجد أنه آن أوان الإعتداء، فهل يكفي أن نقول إننا لن ننزح؟ الحاكم إذا إنحرف وأستسلم علينا أن نعلمه درسا ونضعه أمام مسؤولياته مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات… كونوا فدائيين إذا إلتقيتم العدو الإسرائيلي. إستعملوا أظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعاً. أنظروا إلى البوذيين كيف ينتحرون في فدائهم...".
                    وتوجه إلى المجتمعين سائلاً: "هل فصل الإسلام بين نهج البلاغة والسيف؟ يقولون إذا دافعنا عن أرضنا ستحتلها إسرائيل. أرضنا محتلة ما دام العدو يدخلها ساعة يشاء… العالم الخارجي يقول أن جنوب لبنان أرض سائبة… أما لماذا هي سائبة؟ فأقول إن بقية اللبنانيين يريدوننا أن نكون متراساً لهم ليعيشوا ترفهم وملذاتهم. لا يتصور الشرفاء أن العدو يدخل ويخرج بمثل هذه البساطة المتناهية... تذكروا الفلسطينيين وشيوع الفساد فيهم، وبمجرد أن بدأوا التجربة الفدائية منذ ست سنوات تقريبا تغير كل شيء. ولا بد أن يكون بينكم من هم أمثال شهداء الطيبة الذين قاتلوا العدو الإسرائيلي في بيوتهم، عندئذ نقول : "السلام عليكم يا ورثة الحسين".

                    تعليق


                    • #70
                      سيرة الأمام الصدر (محاضرة 9)

                      الموضوع : محاضرة ـ الجنوب ، حاضره ومستقبله. إذا التقيتم العدو فأقتلوه حتى لو قتلتم بدوركم.
                      المكـان : ثانوية برج البراجنة ـ 4/2/1975.
                      المناسبـة : أقام "الشباب المؤمن" في ثانوية برج البراجنة "أسبوع الجنوب" فدُعي الإمام السيد موسى الصدر لإلقاء محاضرة حول الجنوب حاضره ومستقبله .
                      ـ الــنـــص ـ
                      بدأ الصدر كلامه مهنئاً "الشباب المؤمن" الذي إختار إطار الدين للقيام بدوره الوطني والاجتماعي، "بعدما كان الدين، خلال عصور الانحطاط، معرضاً للمؤامرات وموضوعاً للتشويه ووسيلة لمباركة سلطة الحاكمين ودعم طغيان الظالمين، وبعدما كان الدين سجين الكنائس والمساجد معزولاً عن الحياة .
                      وطلب من "الشباب المؤمن" إحترام الأطراف التي تعمل من أجل هدف شريف ومن أجل الحق الإنساني، وحذرهم من الإكتفاء بإقامة أسبوع للجنوب، بعدما عمت هذه الظاهرة مختلف المؤسسات التعليمية ودعاهم الى "المرابطة" في الجنوب والتطوع الفعلي لتطويره وخدمته. وقال لهم: "ليمض كل واحد منكم يوماً من الشهر في الجنوب، يحرث الأرض في النهار ويحرسها في الليل، يبني في النهار، ويفكر في الليل، هكذا تعيشون بنفسكم محنة الجنوب وتساعدون الجنوبيين في زرع تبغهم وقطاف الزيتون وبناء ما تهدم من بيوت".
                      ثم تساءل: "ماذا في الجنوب اليوم؟" وقال:"إن أمر الجنوب متروك لمشيئة العدو، أراد أن يهدم فهدم، أراد أن يتوقف فتوقف منتظراً شكرنا".
                      وتحدث الإمام عن أهداف إسرائيل من وراء إعتداءاتها فقال: لقد إحتدمت الأجواء وأرتفعت درجة الحرارة مع محنة كفرشوبا. ماذا كان فيها؟ إعتداء إسرائيلي، قصف، وقتل ثم نزوح..
                      تفريغ البلدة وتعرية المقاومة وبالتالي تنفيذ مخططات ثلاثة هي:
                      1 ـ تحاول إسرائيل إن تبعد المواطنين عن القرى الأمامية وبالتالي تجعل المقاومة في بعض المناطق بعيدة عن الشعب اللبناني لتمكينها من تصفيتهم، سواء عن طريق الاحتلال أو بالغزو وهذا يعني إضعاف المقاومة.
                      2 ـ تأمين حدود آمنة طالما إن الظروف الدولية لا تسمح بالإحتلال الدائم.
                      3 ـ خلق مشكلة إجتماعية وطنية معقدة للشعب اللبناني للتصاعد وتتفجر، فالنازحون سيحولون البلد إلى جحيم وأنفجارات وإقتصادية وأجتماعية وأمنية.
                      وعن الحل عن طريق مجلس الدفاع العربي قال سماحته:
                      "إن مشكلة مجلس الدفاع العربي المشترك إنه لا يحل قضية عن لبنان، أو لا يعقل إن يفرض على لبنان حلاً. فنظام جامعة الدول العربية يتطلب الاتفاق على القرارات أي بمعنى إن لكل دولة عربية حق الفيتو. فإذا إتفقت جميعها ما عدا دولة واحدة فإن أي قرار لا ينفذ، ولهذا لا يعقل أن يتخذ المجلس أي تدبير دون إرادة لبنان، ولبنان يقول بأن آراء أبنائه مختلفة ومواقف فئاته متضاربة وأنه غير مستعد للدفاع أن ماليا أو عسكريا أو محليا".
                      وقال الإمام الصدر: "إن لبنان بين نارين ولا علاج له إلا بالدفاع لماذا؟ لأن الإنسان الحي من أبرز علائمه الحية الدفاع". وتساءل: " لماذا لدى الحيوانات قرون وأسنان ولدى بعضها أظافر والبعد الآخر سموم.. كلها وسائل دفاع. نريد أن نخاطب أولئك الذين يتحججون بأعذار مصطنعة إن دخول الكموندوس الإسرائيلي إلى قرى مجدل زون وبليدا والطيبة مثلاً يجب أن يقابل بالردّ وطالما لا يوجد هذا الردّ فإن الشعب لا يثق بالسلطة. والدول العربية لا تساعد ولا تعتبر طلبنا للمساعدة جدياً".
                      وطالب الإمام بأن: "يتخلى لبنان أولاً عن الصورة التي يعطيها عن نفسه بأنه شعب مختلف وأن الآراء فيه متفاوتة وأن يعلن السؤولون اللبنانيون ثانيا عن إستعدادهم للدفاع ثم نبحث بعدها طريقة الدفاع".
                      وقال: "إن الخطر الكبير على لبنان يأتي من عدم الدفاع الذي يصور للعالم أن الجنوب أرض سائبة لا مانع من أن تحتلها إسرائيل". وأضاف إن هذا الكلام ينتشر بكثرة في أوساط الأمم المتحدة.
                      وقال: "لا يعقل أن نختلف أمام قضية دقيقة. عيب علينا فقد جمدنا بلدنا. إن واجب كل إنسان أن يدافع عن الأرض وعن الوطن وعن الكرامات وعدم الدفاع ذنب ومعصية. من واجب كل فرد لبناني أن يتدرب ويستعد ويرابط في القرى الحدودية.
                      وشدد على وجوب تصدي الجيش للدوريات الإسرائيلية على الحدود الأمامية حتى تعود ثقة الشعب بالسلطة، خصوصاً ثقة الدول العربية التي تساعد حتى الآن لأنها لا تجد إرادة جدية في الدفاع، وأضاف: "إذا إتخذت القرارات بالتصدي للعدو، فإن أول طلقة حقيقية وأول بيان صادق يصدران عن الجيش سيؤديان إلى التفاف شعبي وفلسطيني وعربي لمساندة الجيش".
                      وقال:"إن ظروفنا أفضل من ظروف المقاومة الفلسطينية لأننا لم نفقد أرضنا بعد، أما هم فإن مأساتهم عظيمة، لذلك أدعو المواطنين، شباباً وشيوخاً، تجاراً وفلاحين إلى التدرب على السلاح والمرابطة في الجنوب، فإذا التقيتم العدو أقتلوه حتى لو قُتلتم بدوركم، فإن قدرنا هو شرفنا وأستشهادنا، وليس قدرنا الذل وتحمل الإعتداءات".
                      وخاطب سماحته الطلاب: "أيها الذين يقولون للإمام الحسين يا ليتنا كنا معكم لنفوز فوزاً عظيماً ها أنتم الآن تتمكنون أن تكونوا مع الحسين. أقول لكم من فرصتكم وفرصة التاريخ أنكم في زمن تتمكنون فيه أن تكونوا مع الإمام الحسين".
                      و ختم الإمام مشدداً على الحملات الإعلامية، والديبلوماسية لتوعية الناس حول حقيقة الوضع في الجنوب وأعتداءات إسرائيل على الأهلين الآمنين، قال الإمام الصدر: "إن القضية ليست قضية حزن مترف على الجنوب والمتمثل بالتظاهرات والصراخ، بل علينا أن نسلك طريق المقاومة الفلسطينية، طريق الدفاع والكرامة.
                      فنحن أمام أمرين: إمَّا الخنوع والتشكيك والإستسلام، والقيل والقال. وإمَّا سلوك الخط القويم، الطريق الواضح المتمثل بالدفاع والمقاومة والإستشهاد".

                      تعليق


                      • #71
                        سيرة الأمام الصدر (كلمة 7 )

                        الموضوع :كلمة تأبين ـ إن موت معروف سعد أثبت وحدة اللبنانيين لأنه كان لجميعهم فكان الجميع له.
                        المكـان : القصر البلدي في صيدا ـ 13/3/1975.
                        المناسبـة : ذكرى مرور أسبوع على إستشهاد النائب السابق معروف سعد.
                        المقدمـة: كتب نبيل رياشي.
                        إحتفلت صيدا أمس بمرور أسبوع على إستشهاد معروف سعد وسط ألم وتململ غابت عنها الدموع. تقاطرت الوفود من قرى الجنوب وكل لبنان وفوقها الطائرات الإسرائيلية لم تتوان عن التحليق.
                        بدأ الإحتفال عند الساعة الثالثة وقد ألقيت على التوالي الكلمات التالية:
                        ـ نزيه البزري.
                        ـ جورج حاوي عن الحزب الشيوعي.
                        ـ عاصم قانصو عن حزب البعث.
                        ـ عبد المجيد الرافعي.
                        ـ إميل البيطار عن الحزب الديمقراطي.
                        ـ وفيق الطيبي عن نقابة الصحافة.
                        ـ كلوفيس مقصود.
                        ـ أبو صالح عن المقاومة.
                        ـ ثم كلمة الإمام السيد موسى الصدر.
                        ـ الــنـــص ـ
                        أيها الأخ الشهيد، ها نحن نحتفل بمرور أسبوع على شهادتك. وها نحن نجدك سبقتنا على الدرب الطويل، درب خدمة الإنسان، نراك تصعد في معارج السماء وتدخل في مدارج الخلود.. نحتفل لا لكي نبكيك، لأنك في هذا اليوم لست غائباً ولأننا في هذا اليوم ما فقدناك بل أنت حاضر فيجمعنا سابقٌ لمسيرتنا ونحن جانبك ومن ورائك، سائرون.
                        أيها الشهيد، هذا يومك، يوم الصدق، يوم الخلود، يوم إنتصار المحرومين وليس يوم غيابك ولا خسارة المحرومين لك. إن هذا اليوم هو يوم الصدق ويوم الخلود والإنتصار. فلقد كان بين الناس، بين الجماهير، بين الشعب وبين الإنسان من جهة، والطغمة من الظالمين، بين المستغلين، بين المحتكرين بين آلهة الأرض، من جهة آخرى.
                        صراع مرير بدأ منذ الأزل وسيبقى الى الأبد. هذا الصراع كان قائما بين الأكثرية الساحقة أو قل بين الأكثرية المسحوقة من جهة، وبين الأقلية الظالمة الطامعة المتزودة بالمال، بالتضليل من جهة أخرى. في هذا اليوم تنقلب المعركة وتنقلب المقاييس لأنه يوم شهادتك، يوم صدقك ويوم إنتصارك.
                        إن معروف سعد قتل ولكنه خسر جسماً محدوداً وعمراً محدوداً وطاقة محدودة، لكنه ربح وربحنا معه خلوداً ولا نهاية، ورسالة أبدية، إنه خسر القليل وخسرنا معه القليل لكنه ربح الكثير وسنربح الكثير. وإن المعركة كانت قائمة منذ الأزل بين المُسْتَضْعَفِين المُسْتَضْعِفين وكانت تعتمد في الدرجة الأولى على جهل الناس وعدم وعيهم، وتشتتهم وأختلافهم وتفرقهم وعلى القوالب المصطنعة والفئات المصطنعة والطوائف المصطنعة، وكانت الأقلية تتحكم في مصير الأكثرية المسحوقة بواسطة التضليل والأكاذيب والتشتيت لشمل الناس، بواسطة تخويف الناس من الطائفيات والطوائف، من الحساسيات الإنقسامات.


                        إن موت معروف سعد أثبت وحدة اللبنانيين لأنه كان لجميعهم فكانوا جميعاً له. إن موت معروف سعد ميز الصدق من الكذب، وغداً سوف لا يتمكن المتاجرون من أن يقودوا الجماهير. غداً لن يتمكن الخائفون من أن يسلبوا الناس، ولن يتمكن الكاذبون أن يذلوا الناس، ولن يتمكن الخائنون من تضليل الناس لأنهم يعرفون أن في الرفض والسكوت أمام الجماهير موت ودمار رصاصة هلاك. عن ذلك الصفوف تتميز والمتاجرون يهربون، والمزايدون يسكتون وتبقى صفوف الحق نزيهة بريئة طاهرة سليمة مصفاة ليس فيها إلا العنصر الوفي الذي يشهد للموت، للذهاب وراء سعد للنهاية.
                        إنه يوم الخلود، يوم معروف سعد لأنه تحول الى قلب كل مناضل، إلى إرادة كل محروم، إلى عزيمة كل مظلوم وتصميم كل مضطهد. إنه سيسلك هذا الطريق وسيسلكون معه فرحين بما أعطاهم الله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم.
                        إنه يبشرنا ويدعونا لمتابعة طريقه والسلوك في دربه. إن في هذا اليوم إنتصار للمحرومين لأنهم قدموا ضحية جديدة حولوها إلى ما يبشر الناس، إلى السلوك الدائم، حولوها إلى تحقيق المطالب فهنيئاً له ذلك. إن هذا اليوم هو يوم أعلن معروف سعد بدمه أنه يفدي لبنان ويفدي المحرومين والحق أينما كان. ويفدي المقاومة الفلسطينية وكل عربي في أقطار الأرض.
                        اليوم نحن نكرم معروف سعد ونهنيء روحه الطاهرة ونؤكد له أننا في هذا السبيل نسلك سبيله ونسعى إلى الخلود، ونرفض الخلاف الطائفي. فالطائفية في لبنان مصطنعة، الطائفيون في لبنان من كل الطوائف متحالفون والمضطهدون متحالفون، فذا الأسلوب يستعملونه كل يوم ليعيدوا المحرومين عن المطالبة.
                        يجب أن نخلص وقد خلصنا بالفعل، والفتنة التي أشعلوها بطابع طائفي كان نضال سعد محواً لها. فليستمر نضال المحرومين والمضطهدين للنهاية دون خوف وتردد من الإنقسام كلنا نؤمن بلبنان وطناً سيداً عزيزاً كريماً ولكننا نريده للإنسان وليس للمحتكرين.
                        الإنسان هو سيد لبنان. رأسمال لبنان إنسانه لا أمواله. رأسماله كفاءاته البشرية لا مطامع الإحتكاريين. إنسانه الشريف لا إنسانه الذي يسرق حقوق الناس وأموال الناس وحقائقهم وأفكارهم نريد لبنان وطناً للإنسان شريفاً كريماً. نريد المؤسسات اللبنانية ونقول على رأسها نريد الجيش أن يكون لكل لبنان، أن يكون لحماية الوطن ويبقى في جنوب لبنان ويتصدى للكوماندوس الإسرائيلي في مجدل زون، نريد الجيش اللبناني الذي يتعرض للدوريات الإسرائيلية التي تمر يومياً على الأراضي اللبنانية فتفتش السيارات وتسأل عن الهويات وتحاسب الناس على سلوكهم وإنتماءاتهم. نريد الجيش الذي يهدم المخافر الإسرائيلية التي بنيت على أرض لبنان، ويدمر الطرق الإسرائيلية التي شقت على أرض لبنان. لا نريد جيشاً لتفريق المظاهرات ولتسلم التبغ في الثكنات وليحمي فئة ضد فئة ويطلق الرصاص على صدر معروف سعد. نحن لا نتهم الأفراد إنما السياسيين الذين لا يريدون قوة الجيش. نريد قوة جيش. لقد طالبنا منذ سنة 1970 بتسليح الجيش وإقرار التجنيد الإجباري. أولئك الذين يريدون إضعاف الجيش يقولون"لا نريد السلاح وقوتنا في ضعف الجيش وأبعدوا الجيش عن المعارك".
                        أنا أصدقكم القول، يا رجالنا وأبناءنا وضباطنا، أيها الذين وضعتم أرواحكم في كفكم تقاتلون وتقتلون. إنني أقول، أولئك الذين أبعدوا عناصر الخير عن الجيش وأشركوا الجيش في المسائل الداخلية، أولئك لا يريدون خيراً للجيش.
                        جيشنا لكي يدافع عنا "ولكن إسمحو لي الكلام مرة ولكن إذا أنا لم أقله واضعاً روحي في كفي فلن يقوله أحد".
                        أنا أقول لقد رأيتم يوم تشييع معروف، لم تنطلق رصاصة في التشييع بالرغم من وجود آلاف المسلحين. هؤلاء المحرومون الملتزمون بالقانون أكثر من أي إنسان آخر، لماذا لم يطلقوا النار؟ لأن الثقة متوفرة، فهل بإمكانكم أن تتهموا كل من كان بالتشييع بالكفر بلبنان؟ أنتم أيها المحتكرون أول الكافرين بلبنان. تريدونه لبطونكم ولشهواتكم ولأموالكم في سويسرا. أنا المحروم وإبني المحروم، المحرون والصيادون في صيدا وصور وطرابلس، أولئك الذين يريدون الوطن لأنهم لا يملكون غير لبنان مكاناً، أنتم لكم سويسرا وباريس، قصورها لكم، نحن لا نملك غير هذه الأرض الطاهرة التي تتنجس.
                        أستحلفكم بالله ، بالمسيح، بمحمد، من هو عدو الجيش؟ أولئك الذين يسخرون الجيش لمصالحهم أو الذين يدفعون الجيش إلى الحدود؟ من هو خصم الجيش؟ أولئك الذين إضطروا بأن يطلبوا من الجيش أن لا يخرج من الثكنات إلا إذا إرتدى لباسا مدنيا، "أبق البحصة؟" ثلاثة أيام الضباط لم يلبسوا ثياب العسكر. لماذا تخافون؟ لماذا خلقتم الخصومة بين الناس وبين الجيش؟ سعد كان صديق الجيش وينسق عمله مع الجيش. لماذا قتلتموه؟ حتى لا تبقى صداقة بين الجيش والشعب، حتى تقزموا الجيش وتهتكوا الجيش، ويضطر للبقاء في الثكنات يدافع عن نفسه ولا تذهب إلى الجنوب، أنا أريد من الجيش أن يحمي مسجدي في بليدا، وشعبي في مجدل زون. أريد الجيش قوياً مسلحاً قادراً على حماية الحدود.
                        وروجوا شائعة الإغتيال عني، أهلاً بالإغتيال، أهلاً بالموت في سبيل الناس، أهلاً بالموت لا فرق عندي.
                        الشاحنة خرجت من الفياضية إلى الرميلة ترافقها مصفحتان طلب منها حراسة الشاحنة طول الطريق, فلماذا تركت المصفحتان الشاحنة في الرميلة وفيها جنود عزل؟ الناس كانت محزونة تبكي وصيدا بالكاد إنتهت من دفن شهدائها. مرور هذه الشاحنة تعريض للجيش ولهؤلاء الشباب عزلاً للخطر. أنا شاهدت التلفزيون يحرض الجيش على الناس, يحرضهم: دمروا، أقتلوا (تصفيق وصياح وأصوات "الله أكبر الله أكبر". الصدر: نحن إكراماً لسعد لا نصفق، نحن محزونون ولسنا بمهرجان) عرض الجرحى في التلفزيون هو إستعداء الجيش واللبنانيين ضد صيدا. إن إيجاد الهوة بين الجيش والشعب هو لإضعافه، لقد قلنا من أطلق النار على الشاحنة هو عميل للسلطة ولكن أكثر من ثكنتين قالوا رجال الصدر أطلقوا النار على الشاحنة.
                        قالوا ذلك لماذا؟ لإن الأحزاب عملت على تهدئة الجو والمقاومة كذلك، فمن يبقى إذاً؟ الصدر أكيد لماذا؟ لأنهم وجدوا فيه إنساناً فقيراً. إنهم يعرفون بأن 75 بالمئة من الجيش أخواني ومحبيني. أنا إتهمت السياسيين ولم أتهم الجيش، "مفتكرين أنهم بيقدموا خدمة للبنان إذا صوروا الصدر خطراً".
                        "اللي قوص رجلهم ومش رجلنا".
                        وهكذا نجد أن هناك محاولة لإضعاف الجيش مادياً، لم يوافقوا على شراء السلاح له ويريدون إضعافه معنويا بتخصيصه للمحتكرين، لكنهم بهذا يحطمون الجيش ويضربون معنوياته يصنفون الناس مؤمناً وملحداً، يميناً ويساراً ولا يستحون؟
                        مظاهرة الصيادين ضمت حوالي 200 شخص، فلماذا فقدان الأعصاب وإطلاق النار؟ أمس في بيروت المظاهرات فاقت المئة ألف، رافقها الجيش وقوى الأمن، فلماذا لم يحصل ما حصل، في صيدا؟ لأنهم كانوا في خدمة المحتكرين.
                        إسمع أيها الجيش، قادتك يريدون أن يقسموك. أخوك وصديقك من صدقك لا من صدقك. ليس هكذا يدار الوطن ويساس الجيش. ليس هكذا يساس الوطن، أي وطن؟ الوطن الذي كان يصنع الأوطان والذي كان فرده مستشاراً للعالم. ليس هكذا يساس الوطن، أي وطن؟ الوطن الذي كان يصنع الأوطان والذي كان فرده مستشاراً للعالم. هالقد صار ضعيف لبنان؟ لا لبنان طليعة. أنتم ضعاف، أيها المسؤولون أياديكم مهزوزة ما بتقدروا تديروا الوطن. تصنفون الناس وتسيسونهم ولا تخجلون. الله، محمد والمسيح وأصحاب الدين "قابلين". الآن أنتم صرتم أكثر إسلاماً من محمد وأكثر مسيحية من المسيح وأكثر إيماناً من الله؟ كلا الله يريد كل الخير للإنسان. الإنسان صناعة الله وكرامة من الله.
                        إذ ليس هناك من عدو للبنان. كيف تفسرون إنضباط يوم التشييع. الإنضباط دليل الثقة ودليل الحب ليش ما بتعملوا طريقة حتى يحبوكم. قوصوا سعد حتى يخلقوا خصومة. اليوم يوم الصدق، يوم الخلود، يوم بداية تحقيق مطالب المحرومين.
                        في مقياس المنطق يعلمون حسابات على أساس قديش وقديش عندك مسلحين ووسائل. ثم ينتصر طرف من الأطراف. هذه الحسابات حسابات سطحية، الحساب العميق أن تدخل في الميدان قضية الشهادة، الجزائريون إنتصروا على الفرنسيين لأنهم كانوا مؤمنين ولا يبالون بالموت. إنها الشهادة، الفلسطينيون صاروا فدائيين وبدأوا بالتضحية بالغالي والرخيص، بحياتهم وبوجودهم وإنقلبت المقاييس وتغيرت الأجواء نفس الشيء في فيتنام.
                        اليوم، أيها الأخوة، يوم الصدق ويوم الخلود، يوم بداية تحقيق مطالب المحرومين، لأنهم أدخلوا إلى الميدان مبدأ الشهادة، معروف سعد أثبت أية قوة للمحرومين وأشهد أمام الله في الدفاع عن الإنسان وعليه رحمة الله وله منا إلتزام بالسير على الطريق وللناس نبشرهم بالخلود وبداية إنتصار المحرومين.
                        والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                        تعليق


                        • #72
                          سيرة الأمام الصدر (كلمة 8)

                          الموضوع : كلمة ـ أرجو أن أكون خادماً في كيان لبنان وبقائه.
                          المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـ 31/3/1975.
                          المناسبـة : ألقيت هذه الكلمة في الشخصيات والفاعليات والوفود الشعبية والتي أمت مقر المجلس لتهنئة الإمام الصدر بمبايعته رئيساً للمجلس حتى يبلغ سن الخامسة والستين.
                          ـ الــنـــص ـ
                          هذا اللقاء العفوي الذي يضم ويجمع الشمل مناسبة طيبة لإيضاح حقائق ولوضع النقاط على الحروف، خصوصاً أن هذا اللقاء هو أول لقاء يتم بعد إجتماع يوم السبت حيث حملت المسؤولية.
                          ومن الطبيعي أن أقول وأن أحاول وأن أجمع كل قواي الفكرية والعاطفية وألخص كل هدفي وكل حركتي وكل تجربتي وكل أفكاري بكلمة واحدة، لكنني لكي أمهد لهذه الكلمة علي أن أذكر تعليقا صغيراً على كلمة الاخوة الذين تكلموا فأقول:
                          تحدثوا عني كعظيم إلى جانب لبنان العظيم، لكنني أرجو أن أكون خادماً في كيانه وبقائه، هذا البلد الذي كان عندما لم نكن الذي سيكون عندما لا نكون، فلكل منا حجمه لا يمكن أن يتجاوزه ونرجو أن نكون في هذا السبيل. أعاذهم الله من الغلو وأعاذني من الغرور، الإمام المنتظر وذو الفقار (هكذا وصف أحد الخطباء الإمام الصدر) نحن نتمنى أن نكون ذرة من أعمالهم ولبنة من سيرتهم وسلوكهم.
                          ثم قال: "أيها الاخوة الأعزاء، حضوركم وفداً كبيراً من الحدث من مختلف الطوائف الشقيقة الكريمة، وحضور المطران جورج خضر أخاً ومرشداً وواعظاً ومعلماً، وحضور الشيخ بيار الجميل في الجلسة وحضور أخ كريم عالم آخر الأب يواكيم مبارك، وفي هذا اليوم السعيد يوم عيد الفصح، وبالأمس كانت أعياد المولد والهجرة والبشارة، هذه الأعياد كلها إطارات تجعلني أقول الكلمة إيضاحا للحقيقة ووضعا للنقاط على الحروف.
                          أمام المأساة أيها الاخوة، أمام الشعور بالمحرومين، أمام مأساة شعب وتخلف منطقة، أمام الحرمان أما م الجوع، أمام التشرد، أمام القلق، أمام، أمام الغلاء، أمام الفساد والتشتيت، الإنسان يقف حزيناً كئيباً لا يمكن أن يكون إنسانا ويقبل بهذه الأمور، ويجد نفسه أمام سلوكين:
                          السلوك الأول: أن يكتفي الإنسان بالاحتجاج، بالنصيحة، بالمناشدة وهذا النوع أنا أسميه "الحزن المترف" واعتقد أن هذا غير كاف وإنه يخالف سلوك الأنبياء والمصلحين جميعا.
                          السلوك الثاني: يحاول الإنسان أن يصحح الخطأ بقلبه، فإذا لم يصحح فبلسانه وإذا لم يصحح فبيده. وسلوك الأنبياء جميعاً حتى السيد المسيح، وهو الرحمة، المسيح عنوان المحبة، المسيح رمز الرفق، حتى المسيح هذا، عندما يصل إلى الهيكل يجد أن المحتكرين والمستأثرين والمرابين السارقين يدخلون الهيكل ويستغلون بيت الله الذي هو للفقراء والضعفاء، غضب واستعمل العنف وطردهم وقال لهم : "هذا بيت أبى وانتم جعلتموه مغارة للصوص".
                          وأضاف الإمام: حتى البابا، خليفة المسيح، ونحن نعرف أن دولة الفاتيكان لا دبابات عندها ولا مدافع لتستعمل العنف، ومع ذلك نقلت نصا من رسالة للبابا بولس السادس في محاضرتين في الكنيسة الكبوشية يقول فيه : "العنف الذي يستعمل في سبيل تصحيح اللاأخلاقية هذا هو نعم العنف ".
                          الخط الأول هو دعوة الحكومة إلى التصحيح ودعوة المؤسسات إلى العمل والاكتفاء بالوعظ. أنا لا أؤمن بهذا الخط. والخط الثاني هو المناشدة والدعوة إلى التصحيح، ولكن إذا لم يصححوا "بدي أدفش وإضغط"، وهذا الخط لم أستنبطه بل سبقني إليه سيادة المطران جورج خضر الذي سمعته يقول بلسان أحد القديسين (لا أذكر اسمه) في إحدى حلقات الندوة اللبنانية إذ قال: "اليد التي تلطخ بدماء الظالمين والطغاة هي كاليد التي تمسح التعب والغبار عن وجه المعذبين".
                          وتابع الإمام: "نسأل الله ألا نصل إلى ذلك. إن درجة التلطخ بالدم لا أؤمن بها، والدفش والضغط والشدة والصرخة لن تكون على يدنا فقط بل على يد الشعب اللبناني كله".
                          وهنا دخل مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، فعلق الإمام الصدر قائلاً: "والله سبحانه وتعالى يحبنا نحن وفي هذا الحوار دخل سماحة المفتي".
                          ومضى قائلا: "البلد بألف خير. متين والهزات التي يتعرض لها شكلية. المهم هنا أن هناك أكثر من نصف أبنائه معذبون ومحرومون وهذا النصف من عيال الله، وما دام الله قد أعطاني لسانا لأخدم خلقه وأعطاني نفوذا لأساعد أبناء الله، وأنا أقول لسنوات إن هؤلاء المساكين تجب مساعدتهم وناشدنا أكثر من مرة ولكن لم تنفع المناشدة، وهناك أناس يقولون: لقد أديت وما عليك بعدما نصحت، ولكني اعتقد ان هذا غير كافٍ... اعتقد إن الشعب بعدما أستنفد النصيحة سيلجأ إلى الضغط وسيمارسه كل الناس. هذا هو خلاصة كل شيء، أما تحويل المشاكل والأزمات إلى أزمات طائفية، فإننا نؤكد إن الطائفية بعيدة عن الشعب ما دام في لبنان رجال مؤمنون مخلصون".
                          وقال أيضا: "إخواني، لنلتق... أمس قلت في عيد الهجرة وعيد المولد وعيد البشارة وعيد الفصح، إن اللبنانيين جميعهم مشتركون في العيد، لكن أكثر من نصف لبنان لا يعيد، ليس لأنهم من مسلمين ومسيحيين لا يؤمنون، بل لأنهم لا يملكون الأسس الأولى للعيد".
                          واستشهد الصدر بقول الإمام علي بن أبى طالب: "والله ما خلقت كالبهيمة المربوطة همها علفها" وقال: "هذا هو الخط ويشهد الله أننا نؤمن بهذا البلد ونسعى لحفظه وكرامته ونموت في سبيل الدفاع عنه. ويشهد الله أننا نؤمن بإنسان هذا البلد وبكفاياته وبمبادراته، ولكن لماذا تحتجز فرص العمل لقلة؟ أمنوا الحياة والفرص للجميع تؤمنون البقاء والإستمرار للبنان ولإنسان لبنان".

                          تعليق


                          • #73
                            سيرة الأمام الصدر (نداء 5 )

                            الموضوع : نداء ـ اللبنانيون قوموا أحفظوا وطنكم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية.
                            المكـان : بيروت ـ 14/4/1975.
                            المناسبـة : وقعت مجزرة عين الرمانة بتاريخ 13/4/1975 وكان الشرارة الأولى لإندلاع الحرب الحرب الداخلية في لبنان فوجه سماحة الإمام الصدر هذا النداء.
                            ـ الــنـــص ـ
                            أيها الاخوة والأخوات.
                            أمام المجزرة الرهيبة التي وقعت ظهر الأحد، يوم اقدس ذكرى للشرفاء الذين نذروا أنفسهم لأقدس قضية، نقف مستنكرين متألمين.
                            لكننا لا نسمح لعاطفتنا الجريحة بأن تستحوذ علينا ولا لاستنكارنا المتألم أو يوجه سلوكنا في يوم الوطن العصيب.
                            لا، لن نسمح لجروحنا الدامية بأن تجعل قضيتنا الوطنية تصطدم وتتناقض مع أقدس نضال تخوضه ـمتنا فيتعثران ويتحطمان ويقهقه العدو المتربص ويرى أن نياته الشيطانية تنفذ بأيدينا.
                            إن لبنان الذي حمل القضية الفلسطينية وثورتها في قلبه وعقله ووضعها في ضلوعه وفي ناصيته ورفع شعارها وتحمل في سبيلها، إن لبنان هذا، يجب ألا يراه العدو مصابا بهما. والقضية الفلسطينية التي كانت ولم تزل امتداداً للقضية اللبنانية، بل كانت دائماً في قلبها وتفكيرها وفي سلوكها وقيمها، إن هذه القضية لا يمكن أن يراها العدو ترمى بأيد لبنانية.
                            لا، لن نُمكن العدو الذي فشل في ميدان التحدي الحضاري، أن يرى لبنان الذي تخطى الأحداث الدامية والصعوبات المحطمة من دون أن يصاب في وحدته وصلابته وكرامته، يجب ألا يرى العدو لبنان اليوم جريحاً منهمكاً داميا.
                            ولم نمكن العدو الذي هزم في ساحات القتال السياسية والاقتصادية، من أن يرى القضية الفلسطينية التي تجاوزت الآلام والمحن وتحدت العالم المعادي أو المضلل بعدما تحداها العالم المعادي أو المضلل، ففرضت نفسها عليه ودخلت مجتمعه الدولي من الباب الواسع وبقيت على رغم هول المصاب وكثرة الشهداء وعلى رغم الضباب والمؤامرات كبيرة القلب مفتوحة العقل هادئة الأعصاب واسعة الرؤيا مرفوعة الجبين، يجب ألا نمكن العدو من أن يراها اليوم جريحة منهمكة دامية.
                            إننا في لبنان سنثبت للصديق قبل العدو وللعرب أجمع قبل العالم كله، إن القضية اللبنانية والقضية الفلسطينية وجهان لحقيقة واحدة وإن الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية تنطلقان من مبدأ واحد وتسيران في طريق واحد نحو هدف واحد وتتصديان لعدو واحد.
                            وإن لبنان في أدائه هذه الأمانة المقدسة يتحمل قضيته هو وأنه لمنسجم في ذلك مع نفسه ومع تاريخه ومع رسالته.
                            وإن الثورة الفلسطينية تعرف ذلك وتقدره وتحمل لبنان أن يتكلم مع العالم وتضع ثقلها، أمانتها، قادتها، وأسرارها في لبنان وبين يديه.
                            وفي هذه الأيام العصيبة التي فشلت فيها المخططات الزائفة التي انتظرها العدو بل الأعداء، انتظروها طويلاً بل استغنوا بها عن مؤامراتهم ومغامراتهم.
                            في هذه الأيام يقوم كل لبناني بمسؤولياته ويمسك قضيته بيده ويحفظها في ضميره ولا يترك مجالاً لتلاعب الأيدي الآثمة والعناصر الشريرة.
                            في هذه الأيام وأمام أعين العالم كله يسجل المسيحي اللبناني من جديد موقف الفادي فيحمي الحق والوطن والقدس بدمه وفكره وبحياته وأحاسيسه.
                            في هذه الأيام وأمام شهادة التاريخ سيجدد المسلم اللبناني سلوك الرسول الكريم "الذي له فيه أسوة حسنة" فيقدس المجاهدين الذين فضلهم الله على القاعدين ويقف مع المحرومين الذين في خدمتهم إيمانه بالله وأمانة الله لديه.
                            إن جبال لبنان ستبقى حصوناً منيعة للحق والعدل، وإن سهوله ستستمرّ مهاداً للشرفاء، وإن بحاره ستشهد مرور مواكب الحضارات الإنسانية.
                            فيا أيها اللبنانيون قوموا وأحفظوا وطنكم وفي قلبه مكان الثورة الفلسطينية.
                            ويا أيها الثوار الفلسطينيون قوموا واحفظوا قضيتكم التي جعلت لها من قلب لبنان عرشها.
                            إستيقظوا، إجتمعوا، تلاحموا، إنبذوا الدخلاء والمتاجرين والدساسين والمفتنين، أعزلوهم، أكشفوهم، كونوا في مستوى تاريخكم المجيد، كونوا عند حسن ظن ربكم وتاريخكم وأمتكم والعالم المترقب.

                            والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            تعليق


                            • #74
                              سيرة الأمام الصدر (مقال 1 )

                              الموضوع : مقال ـ وطلع الفجر من الجنوب.
                              المكـان : بيروت ـ 27/5/1975.
                              المناسبـة : بمناسبة إندلاع الحرب الداخلية في لبنان التي بدأت قبل شهر، وقيام إسرائيل بأعتداء على مركز للجيش اللبناني في عيتا الشعب إستشهد فيه ثلاثة جنود من الجيش اللبناني.
                              ـ الــنـــص ـ
                              هناك في عيتا الشعب، في القرية الجنوبية الصامدة، في الليل المظلم المدلهم بالظلم والظلام. هناك حيث تمطر الأجواء رعباً وإذلالاً وموتاً وأطماعاً.
                              هناك شموع ثلاثة أضيئت بدماء ثلاثة شبان في عمر الورود، احمد بليبل من الهرمل، فائز سلامة من البسطة، وعادل بجاني من الأشرفية، انتقلوا من أحضان الأمهات إلى مواجهة الموت المحتوم، على رغم كل الأعراف. هناك هذه الشموع مع رفاق لها كالنجوم إحترقت فأضاءت الليل وطلع الفجر.
                              لقد طلع الفجر، فليرفع المؤذن آذانه ولتدق الأجراس إعلاماً لصلاة الصباح وليستعد المواطنون جميعاً للصلاة، صلاة الندامة، صلاة الإبتهال، صلاة العودة إلى بناء الوطن وتضميد جروحه، صلاة الرحمة والمحبة.
                              إن الفجر طلع من الجنوب هذه المرة، فلتسكت أصوات المشاغبين المفتنين ولتخرس لعلعة الرصاص في بيروت ولنستعذ بالله رب الفلق (الفجر) من شرّ ما خلق ومن شرّ غاسق إذا وقب ومن شرّ النفاثات في العقد (الإشاعات) ومن شر حاسد إذا حسد (المكاسب الشخصية).
                              هناك، في القرى المحرومة، في الخيام المتواضعة ومن دون إستعداد، تطلق الرصاصة في صدر المعتدي الطامع الذي يمشي على أرض وطني مختالاً محتقراً للجميع، هازئاً بهم يقتل ويدمر ويذبح الأطفال ويحرق الحرث والنسل.
                              هناك يكتب التاريخ بأشرف دم وأصدق نية وأخلد كلمة.
                              هناك تتجسد الوحدة الوطنية الحقيقية لا المنافع والأسلوب والمغانم التي تتوزع بين النافذين وأصحاب الإمتيازات.
                              هناك، كل هذا، فلنذهب إليه ولنقف مع فلذات أكبادنا، مع الرياحين البشرية التي تغرق في الدماء. ولنوفّر لهم الحد الأدنى من وسائل الدفاع ولنبعث إليهم ببعض ما إستهلكناه في بيروت لهواً أو إرهاباً أو تصدياً.
                              ولنترك العاصمة الظالمة التي تطلق النار في صدور الأبرياء وترد الصاع الذي يأتي من الأشقاء، صاعين ولا تسكت مدفعيتنا أبداً عندما تتعرض لإطلاق النار حتى في ساعات إيقافها.
                              هذه العاصمة المكتظة بالمتاريس، بالرشاشات، بقنابل الهاون، بالصواريخ وبالمتفجرات، والتي ترتفع فيها أصوات الأمهات الثكالى وأنين المعذبين والتي تشهد، غير مبالية، كل هذه المظالم والرعب والدمار والجروح التي تصيب صدر الوطن تطعنه في أعز ما عنده، في وحدة أبنائه وفي تمايزه الحضاري.
                              هذه العاصمة التي يقتل القناصة فيها الأبرياء والتي لا تسكت جبهاتها (!) أبداً حتى لو كان التفجير إرهاباً لقتل القطط. فيهرب المواطن إلى الجبال وتتعطل المدارس والمؤسسات وتتجمد النشاطات ويلجأ غير المسلحين إلى بيوتهم المهددة لكي تسقط على رؤوسهم.
                              هذه العاصمة التي تشعر فيها المقاومة الفلسطينية، تلك الحركة المجاهدة التي لم تشهد منطقتنا أشرف منها والتي قدم لها لبنان خلال ربع قرن الكثير الكثير، أقول، تشعر المقاومة فيها بقلق فتحاول الدفاع عن نفسها بالسلاح، هذه العاصمة التي يوجه المواطن فيها سلاحه ضد المقاومة لما شحنوا صدره بالتخوف والخطر على وطنه. هذه العاصمة التي تصطدم السلطة فيها مع المواطن فتتهدد بالإنقسام وبفقدان الثقة، والتي تمتليء قلوب أبنائها غيظاً وأنتقاماً بعض من بعض وحي على حي.
                              أما هناك في القرى المتواضعة وفي المناطق التي حرمت من خيرات الوطن. هناك يقف المواطن والجندي والفدائي في خندق واحد، كل يحمي الآخر وينتقم للآخر ويدافع عن الآخر. هناك يعتدي العدو وحده ويجد الجبهة الواحدة ضده ويشعر بالحقد الواحد في نفوس الجميع وبالرد عليه على رغم عدم تكافؤ السلاح. هناك، حيث البطولات، حيث الإستشهاد حيث يحفظ شرف الوطن وحيث الخلود.
                              أواه رحماك ربي‍‍‍‍‌‍! هل هذا لبناننا الحبيب الذي نعتز به والذي ورثناه مجداً وإنسانية وبطولة؟! هل هذا معنى تجنبنا للحرب وتمسكنا باتفاق الهدنة؟!
                              أقمنا حدوداً مسالمة مع العدو فتحولت عاصمتنا إلى بلدة محاربة، محاربة ضد من؟! هل هذا وطننا الذي نريد أن نتركه لأبنائنا وللمستقبل وللخلود؟!
                              هناك في عيتا الشعب، في رميش، وفي كفرشوبا، طلع الفجر. فلنرحل من ليل العاصمة الأليم إلى هناك وننقل المدافع والهواوين والصواريخ والمتاريس إلى هناك ولنحول جرائمنا هنا إلى بطولات هناك، وتشتتنا إلى إنفاق وأطفالنا إلى رجال ولنرفع شعار الوطنية بالسلوك لا بالأقلام والصرخات.
                              فلننقل الحرب إلى وجه العدو ولنبعث المسلحين إلى الأعداء الطامعين، أولئك الذين أعدنا الأمل إليهم بعد اليأس وخلقنا الأعياد لهم بعد الحزن والكآبة.
                              ولنستعمل البطولات والخبرات والوسائل المدمرة والإعلام وحرب الأعصاب في وجوههم.
                              ولنتق الله.... في وطننا وفي كرامته وفي دماء شبابنا الأزهار الأطهار، وفي أرضه المقدسة، وفي أمانة الله والتاريخ المستقر في أعناقنا أمانة الثورة الفلسطينية.
                              سبحانك اللهم. ربنا عليك توكلنا وفي رضاك رغبنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

                              تعليق


                              • #75
                                سيرة الأمام الصدر ( خطاب 8 )

                                الموضوع : خطاب ـ أمانة الله والوطن وأمانة الأمة والتاريخ في أعناقنا جميعاً.
                                المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية ـ 15/6/1975.
                                المناسبـة : عقد مصالحة عشيرتي "زغيب والحاج حسن".
                                ـ الــنـــص ـ
                                بسم الله الرحمن الرحيم
                                و الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
                                قال تعالي في كتابه الكريم
                                {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} صدق الله العظيم (المائدة:15-16).
                                إذاً فالهدف من الرسالات الإلهية أولاً إشاعة السلام في الأرض ثم خروج الإنسان من الظلمات الى النور.
                                وإذا لاحظنا إن معنى الخروج من الظلمات الى النور هو بالخروج من ظلمات الجهل والفقر والمرض والتخلف والأوساخ والكسل والظلم والتجاوز وكافة أنواع الظلم، الخروج منها إلى نور العلم والرفاه والصحة والتقدم والنظام والجهد والعدل والمساواة وكافة أنواع النور. إذا لاحظنا كل ذلك نعرف أن الأساس لكل سعي وتقدم في حقول الدين والاجتماع والعلوم، إنما هو تحضير الأرضية إنما هو في توفير السلام.
                                فلا خير مع التفوق والخلافات على صعيد المجتمعات كما وإن الخير في الفرد أي خير كان، علماً أو سمواً، روحياً أو تربية بحاجة الى وجود السلام في النفس. لذلك فان الحديث الشريف يؤكد عدم قبول دعاء من يحمل في قلبه حقداً على أخيه ووصية الأمام أمير المؤمنين تؤكد أن الإصلاح بين الناس هو أفضل من كافة الصلوات والصيام.
                                لذلك فنحن نعتبر أننا في إجتماع أفضل العبادات، وإن دعاءنا ودعوتنا موضع إستجابة الخالق وقبول الخلق، سيما وأن الصلح في هذا اليوم لا يساعد الظلم ولا يقوي الظالم وهذا الشرط الأساس حيث أن الركون للظالم والسلام معه دعم للظلم وبالتالي تحضير للخلاف وللحرب والعكس هو الصحيح حيث إن محاربة الظلم والظالم تساعد على إشاعة السلام، والحديث الشريف يقول: المتظلم أحد الظالمين.
                                إننا نغتنم فرصة هذه المصالحة التي نعتبرها مفتاحاً لإقامة المصالحات بين العائلات المختلفة في البلاد، نغتنمها لكي نتحدث مع الإخوان، الأبطال، حول الوضع العام وحول البحث عن الحل ولا نشك أن الله أكرم الأكرمين سيهدينا إليه، وبخاصة أن الإجتماع هو للعبادة بل لأفضل العبادات.
                                في البلاد أزمة كبرى لعلها أخطر ما واجه الوطن منذ الإستقلال. إنها أزمة المصير للبنان، بل إنها أزمة ذات تأثير مصيري على المنطقة وبخاصة على القضية الفلسطينية وعلى الشقيقة سوريا.
                                لقد قتل المئات وجرح الألوف، وخطف العشرات وهدمت الأحياء وتجمدت الحياة ومن منطقتكم بالذات قتل عشرات الأبرياء.
                                تعرضت سمعة الوطن للخطر. هذا على الصعيد المادي أما الأزمة المعنوية الكبرى فإنها تكمن في تعريض تعايش أبناء الوطن الواحد، هذه الميزة الحضارية اللبنانية، للخطر.
                                وتكمن الأزمة المعنوية أن الإنسان يعجز عن شرح المشكلة للعالم، وعن إيضاح أبعادها التي لا تشرف إطلاقاً.
                                ثم إن المستقبل القريب وشبح الأزمة الإجتماعية التي نتجت عن تعطيل الأعمال والعمال والمصانع والحياة العامة تقض المضاجع.
                                لبنان، هذا الوطن العزيز، الذي أعطى أبناؤه اعز الأشياء قوبل من قبل بعضهم بأسوأ الجزاء.
                                تبدو في الأفق ملامح مؤامرة كبرى من أبطالها إسرائيل والإمبريالية العالمية الحليفة لها، إنها ارتعدت من الإمكانات الهائلة التي أنعم الله بها على العرب والتي يكفي إستخدامها بضع سنوات لكي تتغير المعادلات، لا في المنطقة فحسب بل في العالم أيضاً.
                                إن إسرائيل أصبحت في يأس من المستقبل، لذلك فإنها تحاول مع حليفاتها إيقاع الضربة القاضية على العرب. قد يكون المكان الذي إختارته لمثل هذه الضربة هو لبنان لا سمح الله والجميع يتذكرون تصريحات المسؤولين في إسرائيل، ولم ننسى الكلمة التي نقلت عن لسان وزير الخارجية الأميركي أو كبير مستشاريه.
                                إذاً: قد تكون الأزمة المؤلمة التي عصفت بوطننا هي بداية محنة، كارثة مأساة.
                                رحماك ربي ماذا يعدون لهذا البلد العزيز ولشعبه الكادح؟ ولماذا وصلنا الى هذه الهاوية؟ كان الفرد اللبناني ولم يزل يؤسس ويعمر وينمي الأوطان في العالم، ماذا حصل حتى أصبح خائفاً على وطنه؟ ما الذي جعل مجتمع العمالقة هشاً متقزماً ؟.
                                لا نبحث في الأسباب، نطوي صفحة الماضي ولا نشمت... لأنفسنا، ولا نقول، إن الظلم الإجتماعي، إن الحرمان للأكثرية، إن تجاهل وضع المناطق المحرومة، إن الإلتهاء بالنفس والتمسك الجاهل بالمصالح الذاتية والامتيازات، لا نقول إن غياب العدالة الإجتماعية يجعل الجميع في بركان الظلم ولا نقول إن الكفر بنعمة الله ألقى الوطن في التهلكة وإن المترفين أمروا أو أمروا لتعرض البلاد للدمار لا سمح الله.
                                لا! ليس الآن وقت المحاسبة. اليوم مسؤوليتنا التاريخية الكبرى أمام الوطن، أمام التاريخ وأمام الأجيال أن نعض على الجراح وأن نشمر عن سواعدنا وأن نحفظ وطننا كل حسب قدرته.
                                اليوم علينا أن ننسى كل شيء إلا حفظ الوطن الذي أعطانا كل شيء، ولكن حرمنا من كل شيء بعض أبنائه العاقين. نحن لا يمكن أن ننتقم من الوطن، كلا لأننا لا نريد أن ننتقم من أنفسنا، من أبنائنا، من أجدادنا، من جذورنا، ماذا نعمل؟ نظرة دقيقة إلى أنفسنا منذ توقف المأساة الدامية تعود إلينا بالجواب، أننا والمواطنين جميعاً نعد الساعات ثم الأيام ثم الأسابيع بانتظار تشكيل الوزارة.
                                هنا نقف لحظات ونتأمل. هل تنتهي مسؤوليتنا الوطنية عند إنتظار تشكيل الوزارة؟ هل الوزارة تحل المشكلة وتنقذ الوطن؟.
                                لا نريد التقليل من أهمية الوزارة التي هي من أهم الوزارات اللبنانية منذ الاستقلال ولا التقليل من كفاءات رئيسها الصديق.
                                ولكن أريد أن أقول: إن لبنان الوطن، عمرانه، تاريخه، أمجاده، تجارته، زراعته، هجرته، جامعاته، مستشفياته، مدارسه، كل هذا من صنع المواطن اللبناني أولاً.
                                إن الحكومات المتتالية، والقادة السياسيين مع كل تقدير واحترام لها ولهم، ساهموا في بناء لبنان بنسبة تتضاءل أمام مساهمات المواطنين مرات ومرات.
                                لا أقصد أيها الأعزاء، وضع منطقتكم التي لا وجود للحكومات تقريباً فيها، بل أؤكد أن عمران المناطق العامرة أيضاً في أكثرها من جهد المواطن.
                                إن لبنان هو الوحيد لعله في العالم تفوق فيه خدمات المواطنين، جهد المؤسسات الرسمية، حتى في المجالات الدولية، ولذلك فإن لبنان يكمن مع أبنائه المغتربين دولة كبرى وهو بدونهم بلد عادي من حيث الحجم والنشاط والنفوذ الدولي.
                                إننا أيها الاخوة الحاضرون ويا أيها اللبنانيون جميعاً، علينا الى جانب سعينا المتواصل لتسهيل مهمة دولة الرئيس المكلف.. ذلك لكي تعود البلاد الى أجوائها السياسية الطبيعية وعدم إلهاء الضباط الكرام عن مهمتهم المقدسة وهي الدفاع عن أرض الوطن وكرامة المواطن في كل مكان وفي الجنوب بصورة خاصة، عدم التهائهم بالشؤون السياسية والإدارية ومسائل التنمية، ففي ذلك إذا إستمر لا سمح الله أخطار كبيرة عددتها يوم اللقاء في دار الفتوى الإسلامية وسمعناها مفصلاً من جميع الشخصيات اللبنانية.
                                إن واجبنا الى جانب ذلك أن نتحمل مسؤولياتنا بصورة مباشرة فندخل في الساحة في هذه الظروف الاستثنائية.
                                هل يجوز أن نتفرج متفائلين أو متشائمين على المحنة المصيرية وهي تهدد وطننا، تلعب وتوجهها أيادي سوء نعرفها أو نجهلها تقرب منا لكي تقزمنا إذا أرادت أو إذا أرادوا ..؟
                                لا.. أبدا.
                                بعد الآن، سوف لا نسكت عندما نرى قناصاً أو مدفعاً بالقرب منا يشعل الفتنة ويفجر الأزمة يحاكم الوطن بكل ما فيه فيحكم وينفذ الحكم.
                                سوف نصر على فتح المحلات، على التجول في الشوارع، على التنقل بين الأحياء ولا نحاول الإحتفاظ بحياتنا كما حصل سابقاً، فنترك الشوارع مقفرة والمحلات مسدودة والرعب مسيطراً على البلاد.
                                إن ممارسة الحياة العادية في هذه الظروف واجب وطني بل دفاع عن الوطن وجهاد لخدمة المواطن.
                                سوف نكثف اللقاءات العامة التي بدأ بعض المواطنين بها مشكورين، نكثفها لكي تشمل رجال الدين، المثقفين، العمال، الطلاب، العائلات، المؤسسات الثقافية والاجتماعية، البلديات، رجال الأعمال، المناطق المختلفة، ممثلي الأحياء حتى نخرس أصوات المدافع في نغمات المحبة والتعاون والترحيب.
                                سوف نقوم بمظاهرات في المناطق النائية حيث الحرمان من كل شيء إلا من الوطنية والتآخي، مظاهرات سلمية من المناطق اللبنانية الى العاصمة، ومن الأحياء الشرقية في العاصمة إلى الأحياء الغربية وبالعكس.
                                سوف يحضر رجال الدين، الطلاب، المثقفون، والعمال وغيرهم في طليعة هذه المواكب التي تعيد جريان الحياة إلى شرايين الوطن.
                                سوف تنطلق مظاهرات الأطفال، الأمهات، فتيات، كشافة فتجوب شوارع المدن والعاصمة وتنشر الرحمة والمودة في ربوع الوطن.
                                سوف نتذكر ونعلن أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
                                سوف نعيد الأزمة السياسية والخلافات السياسية إلى أحجامها الطبيعية ولا نسمح لها بأن تكبر فتندرج جميع مرافق الحياة وتخلق الإنفصام في جسم الوطن.
                                سوف تتحرك الأقلام اللبنانية جميعها لمنع طغيان الخلافات السياسية على كل شيء.
                                سوف نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ونعلن الحقائق إذا اقتضى الأمر ولتكشف الأيادي الآثمة إذا إستمرت في غيها.
                                سوف نوفع وثائق تؤكد فيها الأسس الثابتة التي آمنا بها لكي نعلن عن وحدة الأكثرية الساحقة في البلاد واتفاقها.
                                سوف نقول في هذه الوثائق: إن لبنان وطن الجميع ولا نرضى بالإعتداء عليه ولا بهدمه ولا بجموده، نصونه، ونصون إستقلاله ووحدته وسيادته وحريته بدمائنا وبأرواحنا ولا نقبل بتصنيف المواطنين.
                                ونقول إن الثورة الفلسطينية هي الطريق الى الأرض المقدسة وهي الشعلة المقدسة التي أوقدها الله تعالى لحماية خلقه ولكرامة هذه الأمة وللقضاء على أعدائه وأعداء الإنسان.
                                وإنها أمانة الله في عنقنا، نحميها ونصونها، وننميها ونصرف في سبيلها الغالي من الأرواح والرخيص من جهودنا المتواضعة.
                                سوف نقول، إن الوطن لا يمكن بقاؤه مع حرمان القسم الأكبر من أبنائه وإن حركة المحرومين يجب أن تلبي فيعود الحق إلى نصابه والعمران الى المناطق النائية والى ضواحي بيروت وينصف كافة المواطنين دونما تمييز لكي يساهموا عن قناعة في حفظ البلاد وفي إبعاد الأخطار عنها من أية جهة جاءت.
                                وسوف نقول إن المخيمات الفلسطينية شأنها شأن الأحياء المحرومة يجب تصحيح أوضاعها الحياتية تزويدها بجميع ضرورات المعيشة.
                                وإن العمال الفلسطينيين يجب أن يتمتعوا بكافة حقوق العمال سيما وأنهم يدفعون الآن، مساهماتهم في صندوق الضمان وغيره.
                                وإن المهنيين كالأطباء والمهندسين والمحامين يجب أن ينالوا الحقوق الكاملة طالماً إن مبدأ المعاملة بالمثل لا يمكن تطبيقه عليهم.
                                وبكلمة نقول إن وحدة الشعب اللبناني بمناطقه وطوائفه المتعددة يجب أن تترجم بالعدالة الإجتماعية وبتكافؤ الفرص بين الجميع.
                                وإن الشعب الفلسطيني مع الشعب اللبناني في معركة واحدة أمام عدو واحد وأمام مسؤولية تاريخية واحدة هي مسئولية بناء الحضارة الإنسانية المؤمنة العادلة، لذلك فإن هذه الوحدة يجب تطبيقها في الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
                                ونقول أخيراً إن الجنوب المهدد، اليوم، أمانة الله والوطن وأمانة الأمة والتاريخ في أعناقنا جميعاً، لبنانيين جميعاً فلسطينيين جميعاً. فالبنادق والمسلحون والجهود والأفكار والمنطلقات والمتاريس والقيادات العسكرية والسياسية، يجب أن تتجه جميعها في خدمته وفي وجه العدو.
                                أناشدكم بالله أيها الخبراء في الحرب، لو إستعملت الأسلحة والقذائف التي كانت العاصمة مسرحاً لها، لو إستعملت في سبيل الدفاع عن الجنوب، هل كان بوسع العدو الإستمرار في الاعتداءات المستمرة، وهل كنا نختلف وننهي بعضنا ببعض بعيداً عن الأعداء؟
                                بل هل كنا موضع شماتة في العالم ومسرح فرح وأنس وأطمئنان للعدو الغاصب..؟.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X