إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    سيرة الأمام الصدر (محاضرة 10) جزء 1

    الموضوع : محاضرة ـ الجنوب أمانة يجب أن تحفظ من الله والوطن.
    المكـان : كاتدرائية مار لويس اللاتينية للأباء الكبوشيين في بيروت ـ 19/2/1975.
    المناسبـة : بدعوة من المطران باسيم في سلسلة محاضرات الصوم الكبير.
    المقدمـة : "هذا حدث يحصل للمرة الأولى في تاريخ الكثلكة، يجتمع في الكنيسة مؤمنون لسماع كلمة الله من مرجع ديني غير كاثوليكي… ويقابل ذلك لا بالإعجاب فحسب، بل بالتأمل الطويل. ومن الطبيعي إن يكون موطن الحدث هو لبنان، بلد اللقاء والأخوة والتوحيد".
    هذا ما قاله الرئيس شارل حلو بعد سماعه محاضرة الإمام السيد موسى الصدر بعنوان "القوى التي تسحق والقوى التي تفرق" مساء أمس في كاتدرائية مار لويس اللاتينية للآباء الكبوشيين، وهي أولى سلسلة من محاضرات تلقى لمناسبة الصوم الكبير…
    وجاء لسماع الآتي من هناك…
    من الجنوب، من الأرض التي مشى عليها السيد المسيح… يحكي عن الحرية والظلم والطغيان والعنصرية، وعن الجنوب وإنسانه الذي يظل شاهداً على لبنان يتحدى إسرائيل وكيانها العنصري جاء لسماع الصدر عدد كبير من الراهبات والرهبان والمواطنين. وكان في مقدم الحضور المونسنيور بولس باسيم مطران اللاتين ورئيس المحكمة الروحية اللاتينية الأب إبراهيم عياد والنائب حسين الحسيني والأمير عبد العزيز شهاب والنقيب رياض طه والبروفسور فيليب الخازن والزميل جبران الحايك.
    وبعد لقاء بين الصدر والرئيس حلو والمطران باسيم وعدد من الشخصيات في صالة الإستقبال في الكنيسة، إنتقلوا إلى قاعة الصلاة. وعند دخول الإمام الصدر وإلى جانبه الرئيس حلو، كانت علامات الفرح ممزوجة بعلامات الدهشة ترتسم على وجوه الحاضرين… وساد صمت خاشع عندما إلتفت الصدر إلى الذين وقفوا عند دخوله وحياهم وجلس فجلسوا.
    ـ الــنـــص ـ
    "نحمدك اللهم ونشكرك، ربنا، إله إبراهيم وإسماعيل. إله موسى وعيسى ومحمد، رب المستضعفين وإله الخلق أجمعين...
    الحمد لله الذي يؤمن الخائفين، وينجي الصالحين، ويرفع المستضعفين، ويضع المستكبرين، ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين.
    والحمد لله قاصم الجبارين، مبيد الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الطاغين، صريخ المستصرخين.
    نحمدك اللهم ربنا على أن وفقتنا بعنايتك، وجمعتنا بهدايتك، ووحدت قلوبنا بمحبتك ورحمتك.
    وها نحن نجتمع بين يديك في بيت من بيوت، وفي أوقات الصيام من أجلك.
    قلوبنا تهفو إليك، وعقولنا تستمد النور والهداية منك، معتبرين أنك دعوتنا الى أن نسير جنباً الى جنب في خدمة خلقك، وان نلتقي على كلمةٍ سواء لأجل سعادة خليقتك. فإلى بابك إتجهنا، وفي محرابك صلينا. إجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان، وكانت واحدة آنذاك، يبشر بعضها ببعض، ويصدق أحدها الآخر، فأخرج الله الناس بها من الظلمات الى النور بعد أن أنقذهم بها من الخلافات الكثيرة الساحقة والمفرقة، وعلمهم السلوك في سبيل السلام.
    كانت الأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد: دعوة الى الله وخدمة للإنسان، وهما وجهان لحقيقة واحدة.
    ثم إختلفت عندما اتجهت الى خدمة نفسها أيضاً، ثم تعاظم اهتمامها بنفسها حتى كادت أن تنسى الغاية، فتعاظم الخلاف وأشتد، وازدادت محنة الإنسان وآلامه.
    كانت الأديان واحدة تهفو الى غاية واحدة: حرب على آلهة الأرض والطغاة، ونصرة للمستضعفين والمضطهدين، وهما أيضاً وجهان لحقيقة واحدة. ولما إنتصرت الأديان وأنتصر معها المستضعفون وجدوا أن الطغمة غيروا اللباس وسبقوهم الى المكاسب، وأنهم بدأوا يحكمونهم بإسم الأديان ويحملون سيفها، فكانت المحنة المتعاظمة للمضطهدين، وكانت محنة الأديان والخلافات فيما بينها، ولا خلاف إلا في مصالح المستغلين.
    كانت الأديان واحدة، لأن المبدأ الذي هو الله واحد. والهدف الذي هو الإنسان واحد. والمصير الذي هو الكون واحد. وعندما نسينا الهدف وأبتعدنا عن خدمة الإنسان، نسينا الله وأبتعد عنا، فأصبحنا فرقاً وطرائق قدداً، وألقى بأسنا بيننا فاختلفنا ووزعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا الإنسان فتمزق.
    والآن نعود الى الطريق، نعود الى الإنسان المعذب لكي ننجو من عذاب الله.
    نلتقي لخدمة الإنسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في كل شيء، ولكي نلتقي في الله فتكون الأديان واحدة.
    {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة:48). هذا ما قاله القرآن الكريم.
    وفي هذه الساعة، في الكنيسة، في أيام الصيام، وخلال موعظة دينية، وبدعوة من المسؤولين الملتزمين، أجد نفسي في وسط الطريق الى جانبكم. أجد نفسي واعظاً، قائلاً ومستمعاً. أقول بلساني وأستمع بحناني. يشهد لنا التاريخ، نستمع له فيستمع لنا. يشهد التاريخ للبنان، بلد اللقاء بلد الإنسان، وطن المضطهدين ومأمن الخائفين. وفي هذه الأجواء، وفي هذا الأفق السامي، نتمكن من أن نستمع الى النداءات الأصيلة السماوية، لأننا اقتربنا من الينابيع.
    ها هو السيد له المجد في محبته الغاضبة يصرخ:" لا! لا يجتمع حب الله مع كره إنسان" فيدوي صوته في الضمائر ويرتفع صوت آخر لنبي الرحمة:"ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع".
    ويتفاعل الصوتان عبر الزمن، فإذا بالصدى يرتفع على لسان الحبر الأعظم وبمناسبة الصيام أيضاً، فيقول: "إن المسيح والفقير شخص واحد". بل وفي رسالته الشهيرة "ترقي الشعوب" يغضب لكرامة الإنسان، ويقول كالمسيح في الهيكل، عظيمة كانت التجربة بأن تدفع بالعنف مثل تلك المذلات للكرامة الإنسانية.
    ويقول: "أحط إنسانية هي الأنظمة الغاشمة، تنجم عن استغلال حق الملك والسلطان، عن إمتصاص حقوق العمال وجور المعاهدات".
    هل يختلف هذا الصوت الطاهر عما ورد في الأثر الإسلامي الثابت عن الهدف: "أنا، أي الله عند المنكسرة قلوبهم، أنا كنت عند المريض عندما عدته وعند الفقير عندما ساعدته ومع المحتاج عندما سعيت لقضاء حاجته".
    أما عن الوسيلة، فقد اعتبر كل سعي لإقامة الحق وكل جهد لنصرة المظلوم جهاداً في سبيله، وصلاة في محرابه، وهو الكفيل بالنصر.
    خلال هذه الشهادات نعود الى إنساننا لنبحث عن القوى التي تُسحق، وعن القوى التي تفرق، الإنسان، هذا العطاء الإلهي، هذا المخلوق الذي خلق على صورة خالقه من الصفات، خليفة الله في الأرض، الإنسان هذا، هدف الوجود، وبداية المجتمع، والغاية منه، والمحرك للتاريخ. الإنسان هذا، يعادل ويساوي مجموعة طاقاته لا ما اتفقت عليه الفلسفة والفيزياء في قرننا هذا من إمكانية تحول المادة، كل مادة، الى الطاقة، بل لما تؤكده الأديان والتجارب العلمية {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39). وإن الأعمال تخلد. وأن الإنسان عدا إشعاعاته في مختلف الآفاق لا يساوي شيئاً. لذلك فبقدر ما صنا طاقات الإنسان ونميناها، بقدر ما كرمناه وخلدناه، وإذا كان الإيمان، ببعده السماوي، يعطي الإنسان اللانهائية في الإحساس واللانهائية في الطموح. وإذا كان الإيمان، ببعده السماوي، يحفظ للإنسان الأمل الدائم ،عندما تسقط الأسباب، ويزيل عنه القلق، وينسق بينه وبين بني نوعه من جهة وبينه وبين الموجودات كلها من جهة أخرى. إذا كان الإيمان، بهذا البعد، يعطي الإنسان هذا الجلال وهذا الجمال فإن الإيمان ببعده الآخر يسعى لصيانة الإنسان وحفظه، ويفرض المحافظة عليه، ويؤكد عدم وجود الإيمان دون الالتزام بخدمة الإنسان.
    إن طاقات الإنسان كلها، وطاقات كل إنسان، يجب صيانتها وتنميتها، ومن أجل ذلك نجد مبدأ الإستكمال سار منذ أيام الرسالات الأولى إلى هذه الرسالة الصادرة حيث ورد فيها: "لكي يكون ترقياً أصيلاً ينبغي أن يكون كاملاً، أي أن يقوم كل إنسان والإنسان كله". لذلك، فإننا نجد أيضاً أنّ السرقة من باب المثال حرمت، وها هي اليوم تظهر بصورة الاستثمار والاحتكار، وبحجة التقدم الصناعي، أو عن طريق الحاجات المصطنعة التي تفرض على الإنسان من خلال وسائل الإنتاج عندما يشعر باشتهاء كاذب فيضطر الى المزيد من الاستهلاك. فالحاجات، اليوم، ليست نابعة من ذات الإنسان وإنما اصطُنعت اصطناعاً بواسطة الإعلام التابع لوسائل الإنتاج.
    = يتبع =

    تعليق


    • #77
      سيرة الأمام الصدر (محاضرة 10) جزء 2

      وهكذا نشاهد أيضاً تطوراً عميقاً في مختلف القوى التي تصد طاقات الإنسان فتحطمها أو تفرقها، والقوى هذه تبقى ثابتة في أساسها رغم تفاوت الصور وكثرة التطور.
      لقد حارب الدين مثلاً الكذب والنفاق، وحارب أيضاً الغرور والكبرياء، وعندما نلاحظ الأساس نجد مدى تأثير هذه الصفات على طاقات الفرد والجماعة، فالكذب مثلاً يزيّف الحقائق والطاقات المعدة للمبادلة بين بني الإنسان وتلك الطاقات التي ينمو الإنسان بإعطائها ويأخذ بديلاً منها، تلك الطاقات يزيفها الكذب فتصبح مجهولة منحرفة فتتشوه المبادلات وتتعطل الطاقات.
      أما الغرور والكبرياء فإنهما يجمدان الإنسان، لأن الإنسان يشعر معهما بأنه وصل درجة الاكتفاء فيمتنع المغرور عن الأخذ، وبالتالي عن التكامل، ويمتنع الناس من جهة أخرى عن الأخذ منه والتكامل بواسطته، فلا أخذ ولا عطاء، إنه موت للطاقات، إنه موت لطاقات الإنسان، وكذلك الصفات الرديفة للكذب أساس الغرور.
      الحرية مثلاً، وهي المناخ الملائم لنمو طاقات الإنسان وبروز مواهبه عند توفير الفرص.
      هذه الحرية التي كانت تتعرض دائماً للإعتداء، وكانت تغتصب من قبل الآخرين بحجج متنوعة، هي أم الطاقات.
      وكانت المعارك وكان الصراع المرير لأجل الحرية. إن غياب الحرية يجعل الفرد يخضع للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية، يقدمه الإنسان فيتقزم الفرد ثم تتقزم الجماعة. وعندما يرفض الإنسان هذا التحجيم ويحاول ونحاول معه بمقتضى إيماننا الحد من طغيان هذه القوة المفرقة والساحقة، فإنما يدافع إنساننا وندافع معه عن طاقات الإنسان وكرامته، دون فرق بين الصيغة التي يأخذها هذا التحجيم عبر الزمن الطويل.
      فمن الاستبداد إلى الإستعمار، ومن الإقطاع الى الإرهاب الفكري وادعاء الوصاية على الناس واتهامهم بأنهم لا يفهمون. ومن الإستعمار الجديد الى فرض المواقف على الأفراد والشعوب، فضغط اقتصادي أو ثقافي أو فكري. ومن سياسة الإهمال لإبعاد الفرص عن الناس، بعض الناس، وعن المناطق، بعض المناطق، منها الى التجهيل، وحتى منع الصحة عن الناس وفرص التحرك والتنمية: صور وأشكال لسلب الحريات ولتحطيم الطاقات.
      والمال، هذا الصنم الأكبر، هذا الذي يعتبره السيد المسيح مانعاً لدخول ملكوت السماء أكثر من حجم الإبل عندما تحاول إدخاله في خرم الإبرة. المال هذا فتنة،فهو عندما يوضع بحده وبقدره في موضعه فهو نعمة ورحمة، ولكنه عندما ينمو على حساب الحاجات الأخرى للفرد وللجماعة يصبح هدفاً وقوة ساحقة أو مفرقة لما لتأثيراته العميقة على حياة الناس، فالكبير يبلع الصغير.
      وكذلك جميع الحاجات الإنسانية التي تنمو على حساب حاجات أخرى، تلك التي نسميها بالشهوات، فكل حاجة دافع ومحرك، بل وقود لتحرك الإنسان في الحياة، ولكن عندما تنمو هذه الحاجة على حساب حاجات أخرى تشكل كارثة.
      وهذا هو سبب المسؤولية الكبرى عن الملك والمال والجاه والنفوذ وسائر الإمكانات البشرية. والحقيقة، إن إبعاد الإيمان الذي يجعل الربط بين الله وبين الإنسان في حضور دائم، والحقيقة، إن إبعاد الإيمان الذي يجعل الربط بين الله وبين الإنسان في حضور دائم، إبعاد الإيمان عن كونه قاعدة للحضارة الحديثة جعلها معرضة لهذا الاختلال.
      وعندما نستعرض تاريخ هذه الحضارة نشعر بأن الإنسان فيها، بين كل فترة وأخرى، بدأ ينمو في إتجاه على حساب الاتجاهات الأخرى. فالسياسة والإدارة والسوق والعمران، لأنها لم تكن مبنية على القاعدة الإيمانية، بدأت تنمو بصورة غير منسقة فتحولت الى الإستعمار وإلى الحروب وإلى التفتيش عن الأسواق الجديدة، والى فترة السلام المسلح، وأصبحت حياة الإنسان كلها متأرجحة بين الحروب الساخنة والباردة، وبين فترة تضميد الجراح والسلام المسلح.
      حب الذات، وهو وقود الكمال للإنسان ومحقق طموحه، وعندما ينمي بالفرد عبادة الذات تبدأ المشكلة.
      إن التصادم والتمييز العنصري واحتقار الآخرين، والصراع المرير في خلايا المجتمع، من العائلة الى المجتمع الدولي. إن كل هذا صراع متفاوت الحلقات محور الدوائر واحد، والإتساع متفاوت.
      هذا الصراع الذي أعتبر جزءاً أساسياً من التكوين جاء نتيجة لتحول حب الذات على عبادة الذات. وكذلك عندما ننظر الى الأنانية في الجماعة. فالجماعة تكونت لخدمة الإنسان، وهو الموجود المدني الجماعي بطبعه، وهو الموجود ذو البعدين الشخصي والجماعي، إن الإنسانية هنا موسعة، والمشكلة تظهر في أطر مختلفة: فمن الأنانية الذاتية، الى الأنانية العائلية التي عانى شرورها الإنسان، الى القبلية الطاغية التي أصبحت في فترة نظاماً ذا آثار ونتائج، الى الطائفية التي حولت بأنانيتها السماء الى الأرض، وأفرغت محتوى الدين والمذهب، وقضت على سموها ورفقها وتسامحها، هذه الطائفية التي تاجرت بالقيم الروحية، فأخذت منها أثماناً متفاوتة. إلى الوطنية الأنانية.
      فالوطنية أيضاً، رغم كونها أشرف الأحاسيس، فعندما تتحول الى الوطنية العنصرية، يكاد يحّس المرء بأنه يعبد وطنه من دون الله، عند ذلك يسمح لنفسه بأن يبني مجد وطنه على أنقاض أوطان الآخرين، وأن يصنع حضارته بتدمير حضارة الآخرين، ويرفع مستوى شعبه على حساب إفقار الشعوب الأخرى..
      إلى القومية النازية التي أحرقت العالم أكثر من مرة. هذه الأنانيات الموسعة كانت أحاسيس بناءة فنمت وتحولت إلى نكال ودمار. علماً بأن حب الذات والبر بالأهل وحب العشيرة وحب الوطن والإنتماء القومي نزعات خيرة في حياة الإنسان، إذا بقيت ضمن حدودها الصحيحة.
      والآن، بإمكاننا أن نلقي ضوءاً على العنوان المحتار لهذه المحاضرة:
      إن الإنسان في حاجاته وكفاءاته وضمن المجتمع الذي يحتضنه يحب أن يكون منسجماً مع مجتمعه. فكلما نمت حاجة من حاجاته على حساب الأخرى أصبحت وبالاً.
      وكلما نما الفرد أو حاجاته على حساب بقية الأفراد أصبح ذلك وبالاً. وكلما نمت جماعة أو حاجاتها على حساب جماعات وحاجات أصبحت وبالاً ومصيبة.
      ولبنان بلدنا، البلد الذي يعتبر إنسانه رصيده الأول والأخير، إنسانه الذي كتب مجد لبنان بجهده وبهجرته وبتفكيره وبمبادرته، إنساننا هذا يجب أن يُحفظ في هذا البلد.
      فإذا كان لغير هذا البلد، بعد الإنسان، ثروة، فروتنا في لبنان بعد الإنسان، إنساننا أيضاً، لذلك يتجه جهدنا في لبنان، من المعابد حتى الجامعات والمؤسسات، يتجه نحو صيانته. وصيانته بصيانة إنسانه، كل إنسانه، والإنسان كله، وفي مناطق مختلفة منه.
      وإذا أردنا أن نصون لبنان، إذا أردنا أن نمارس شعورنا الوطني، إذا أردنا أن نمارس إحساسنا الديني من خلال المبادئ التي عُرضت، فعلينا أن نحفظ إنسان لبنان كل إنسانه وطاقاته لا بعضها. لبنان هذا، عندما نشاهد الحرمان، نكتشف أن هذا الحرمان ناتج عن سوء الممارسة، والمسؤولية على الجميع. والعنف، كما سمعنا، في سبيل الإنسان، وبقدر الحاجة، وشريطة عدم الخروج على إنسانية الإنسان، مسموح، بنص الكلمات.
      أيها الحفل الكريم.
      إن المناطق التي نعيشها ويعيشها إنساننا في لبنان، هذه المناطق، كإنسان لبنان أمانة في عنقنا وفي عنق المسؤولين، الجنوب والأماكن الأخرى أمانات يجب أن تحفظ بأمر من الله وبأمر من الوطن. لذلك لا بد من تحمل المسؤولية فوراً بالتفكير والتنفيذ الصحيحين المحررين. فالتفكير الخاطئ خيانتان. والتوظيف الخاطئ خيانتان: خيانة الفساد المباشر وخيانة لتفويت الفرصة على الآخرين وتضييع الأموال والحقوق العامة.
      لبنان هذا، بلد الإنسان والإنسانية، يبرز واقعه الإنساني من خلال المقارنة المعاشة في هذا اليوم مع العدو، عندما نجد أن الأخير يشكل مجتمعاً عنصرياً يمارس السحق والتفرق في جميع أنواعه الثقافي والسياسي والعسكري، حتى أنه يتجرأ على تحريف التاريخ وعلى تهويد المدينة المقدسة وعلى تشويه الآثار التاريخية.
      إذاً: وطننا يُحفظ لا لله ولا لإنسانه فحسب، بل يجب حفظه للإنسانية جمعاء ولإبراز الصورة الحقّة المتحدية أمام الصورة الأخرى.
      وها نحن الآن نجد أنفسنا في فرصة العمر، في فصل جديد بدأناه وبدأه لبنان في هذه الليلة وأمام هذه الظاهرة التي لا مثيل لها في التاريخ ولا في الجغرافية.
      فلنلتق، أيها المؤمنون والمؤمنات، على صعيد الإنسان، كل إنسان: إنساننا في بيروت، وإنساننا في الجنوب، إنساننا في عكار، وإنساننا في ضواحي بيروت، في الكرنتينا وحي السلم.
      هذا الإنسان ليس خارج الفرصة، ولا معزولاً، ولا مصنفاً، فنحافظ على إنسان لبنان لكي نحفظ هذا البلد أمانة التاريخ وأمانة الله.
      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
      ثم وقف الإمام الصدر بهدوء يغض الطرف عن الناس الذين لاحقوه بأنظارهم وهو ينتقل من وراء المنبر إلى مكانه في الصف الأمام، وتمنوا لو أنهم في غير بيت الله ليصفقوا... وقبل أن يجلس إستدار نحو الحاضرين وأنحنى تحية وجلس.
      ووقف راعي الكاتدرائية وراء المنبر وبعد صمت خاضع قال للحاضرين، لنقف مبتهلين إلى الله. ووقف الجميع يسمعونه يردد الإبتهالات من الأعماق.
      ثم أشار المطران باسيل إلى الإمام الصدر والرئيس حلو داعياً إياهما إلى الصالون. ومشى الصدر وحلو ووراءهما سائر الشخصيات، فيما راح الحضور يتزاحمون لمصافحة الإمام الصدر الذي خطب وأبتهل في كنيسة السيد المسيح.

      تعليق


      • #78
        سيرة الأمام الصدر (بيان 3 )

        الموضوع : بيان صحفي ـ أودع المسجد كي انتقل مع رفاقي الى مسجد الوطن حيث نؤدي واجبنا في حفظ الوطن وأبنائه.
        المكـان : مسجد الصفا ـ 1/7/1975 .
        المناسبـة : بعد ان قرر الامام فك الاعتصام اعلن هذا البيان.
        ـ الــنـــص ـ
        بسم الله،أيها الاخوة المواطنون،
        لقد اردت باعتصامي في مسجد الصفاء في الكلية العاملية منذ يوم الجمعة في 27 حزيران حتى اليوم، ان اثبت لجميع اللبنانيين وللعالم ان في لبنان سلاحا آخر اكثر فعالية من سلاح الفتك الدمار. هذا هو سلاح القلوب والضمائر والايمان، سلاح الأكثرية المؤمنة بالوطن وبالعيش الكريم فيه.
        وكان تجاوبكم الرائع دليلا قاطعا على صحة هذه الرؤيا وعلى نفاذ هذا السلاح. اما الاعتصام فكان من اجل وقف النزف الدامي ولأجل انهاء الأزمة الوزارية التي وضعت البلاد على ابواب الحرب الأهلية وهددت المنطقة بكاملها وبخاصة عرضت الثورة الفلسطينية للخطر الكبير.
        قلنا ان المطلوب وزارة محايدة تحقق في الفتنة الأخيرة التي اضرت بالوطن ماديا ومعنويا وبشريا،اكثر من أية حرب اخرى، وتشرع في التنمية الشاملة للمناطق المحرومة، ثم بالمصالحة الوطنية العامة وتحقيق الوحدة المنشودة.
        وقد انعم الله على البلاد، فأستجاب دعاء المؤمنين ورحم عبرات الأيتام والثكالى والمعذبين وبارك جهود العاملين المخلصين، فولدت الحكومة الجديدة.
        والحقيقة ان الظروف العصيبة الحاضرة لا تسمح بالبحث والوقوف طويلا لدى تفاصيل الوزارة، ثم ان رئيسها السيد رشيد كرامي واصدقاءنا الكرام فيها هم موضع الآمال.
        ثم قامت الوزارة الجديدة فور تشكيلها خلال الاتصالات المتعددة والبيانات، بتبني المطالب المطروحة والعمل على تنفيذها طالبة مساهمة الجميع بكل قواهم في تهدئة الأوضاع المتدهورة وانقاذ البلاد من التمزق والدمار.
        وزارني سيادة السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية السوري، الذي عبر خلال زيارات ثلاث بأمانة وبتضحية عن اهتمام البلاد العربية الشقيقة بانهاء الأزمة اللبنانية، فطلب مني باسم من يمثل وما يمثل انهاء حالة الاعتصام مؤكدا قناعته بتحقيق المطالب المطروحة. وقد أكد ذلك الأخ ابو عمار ورفاقه عندما شرفوني بزيارتهم فاكدوا من جديد مزيد اهتمامهم واصرارهم على انجاز كل من شانه انهاء الأزمة وحفظ سيادة لبنان ووحدته وكرامة ابنائه.
        لهذه الأسباب، ولكي أتمكن من التفرغ لمعالجة الآلام والمحن المتزايدة في المناطق اللبنانية وفي بيروت وضواحيها، وبخاصة ما يحصل في البقاع العزيزة التي سأنتقل اليها عندما أخرج من المسجد، أترك الاعتصام واودع المسجد كي أنتقل مع رفاقي الى مسجد الوطن حيث نؤدي واجبنا في حفظ الوطن وابنائه، وارفع ابتهالي الى الله ان يحفظ لبنان وأقدم شكري الى اخواني جميعاً الذين شاركوا بشكل أو بآخر في اعتصامي افرادا وجماعات.
        والله ولي التوفيق.

        تعليق


        • #79
          سيرة الأمام الصدر (بيان 4 )

          الموضوع : بيان صحفي ـ أعلن ولادة هذه الحركة الوطنية الشريفة التي أخذت على عاتقها صون كرامة الوطن ومنع الاعتداءات الإسرائيلية.
          التاريـخ : 6/7/1975.
          المناسبـة : بتاريخ 5/7/1975 انفجر لغم مضاد للآليات بمجموعة من الشباب في حقل تدريب في منطقة عين البنيّة بعلبك كانوا يتدربون على الألغام المضادة للدبابات بإشراف مدرب خبير من المقاومة الفلسطينية. وفي اليوم التالي عقد الإمام السيد موسى الصدر هذا المؤتمر الصحفي ليعلن عن ولادة "أفواج المقاومة اللبنانية أمل".
          ـ الــنـــص ـ
          {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم} صدق الله العظيم. (آل عمران:169).
          أيها الاخوة الكرام:
          في غمرة الآلام المبرحة، وبكل اعتزاز أنعي الى المواطنين عموماً و إلى أبناء الجنوب الصامد خصوصاً، نخبة من الشبان اللبنانيين استشهدوا وهم {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
          هذه البطاقة الحمراء من أزهار الفتوة والفداء هم الطلائع من افواج المقاومة اللبنانية "أمل" الذين لبوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر إسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة.
          انهم استجابوا لله وللرسول عندما دعاهم لما يحييهم ولما يحمي الوطن ويصون كرامة الأمة، تلك الدعوة التي وجهتها الى اللبنانيين جميعاً في احتفالات ذكرى سيد الشهداء في عاشوراء السنة الماضية وفي الكلية العاملية، في الأيام التي بلغت الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب ذروتها ومنتهى قسوتها ولم تقم السلطات المسؤولة آنذاك بواجبها الدفاعي عن الوطن وعن المواطنين.
          ان هؤلاء الشباب أرادوا أن يثبتوا أن الوطنية ليست شعارات ولا أرباحاً ومكاسب ولا متاعا للمساومة وللعرض والطلب، بل إن الوطن هو أبعاد وجود الإنسان وأساس كرامته ومجال رسالته تجب حمايته بالأرواح والدماء حتى مع عدم التكافؤ في القوى، ويجب التهيؤ لذلك بسرعة. انهم اتخذوا من موقف الحسين سلوكاً والتحقوا بقافلته ووضعوا أنفسهم قرباناً للحق والعدل، انهم أرادوا أن يثبتوا أن مكان السلاح في الجنوب وليس في بيروت وضواحيها، فشقوا بجهادهم الصامت من دون اعلام طريق التضحيات الوطنية ووضعوا الأمور في نصابها الصحيح.
          انهم أكدوا ضرورة توجيه الأسلحة، كل الأسلحة، إلى صدور العدو وان لا خلاص من الفتنة الداخلية والحرب الأهلية إلا إذا توجه المسلحون الى الجنوب وإلا إذا نقلت المتاريس والحواجز والأسلحة الخفيفة والثقيلة الى الحدود.
          لذلك فقد انتقمت منهم إسرائيل ولهم الشرف بذلك، فأصبحت أذاعتها بعد ساعة فقط من الحادثة تقهقه وتشمت وتحرض وتبلغ عملاءها في كل مكان... وحطمت طائراتها جدار الصوت فوق مكان الحادثة.
          لكن هذه المحاولات لم يكن ولن تكون يوماً سبباً لتراجع المجاهدين الشرفاء ولا لترددهم في الاستمرار على الطريق، وقد كتبوا بدمهم ساعة الاستشهاد على ورقة "كونوا مؤمنين حسينيين" وأصر الجرحى في المستشفيات على العودة فوراً الى المخيم لمتابعة التدريب وأعلن ذوو الشهداء رضاهم عما كتب الله لهم صابرين محتسبين لتقديم مزيد من التضحيات.
          وأعلنت الثورة الفلسطينية اعتبارهم شهداء الثورة. أما السلطة اللبنانية والمواطنين وفي طليعتهم رجال الدين في زحلة وفي البقاع، فقد أدوا واجبهم الإنساني وقاموا بأعمال النقل السريع والإسعافات اللازمة. كما أن القطاعات الواسعة من الشعب اللبناني الكريم على رغم التشويش قدمت مؤاساتها بالفاجعة، وها هم الشباب يصرون على الاستمرار في التدريب وعلى إيجاد مخيمات أخرى في أماكن أخرى بعيدة عن رؤية العدو.
          وها أنا بصفتي الداعي، انحني أمام أرواحهم الطاهرة، واغبطهم على ما شرفهم به الله تعالى، وأناشد الشباب اللبنانيين من كل منطقة وفي كل طائفة، ولا سيما المحرومين منهم، أناشدهم جميعاً أن ينخرطوا في أفواج المقاومة اللبنانية فيلتحق بها المدربون المسلحون الشرفاء، ويستعد الآخرون للتدريب ولتلبية نداء الوطن ساعة الحاجة.
          وأؤكد للبنانيين جميعاً أن الآلام الدامية التي تنتاب جسم وطننا العزيز، إنما هي نتيجة الانحراف عن السلوك الصحيح وأثر غياب الدفاع الرسمي والشعبي عن الجنوب، وان العلاج لها إنما هو بالانتقال الى الحدود وبإشعار المواطن انه يؤدي واجبه الوطني في مكانه الطبيعي.
          وها أنا في هذه اللحظة أعلن ولادة هذه الحركة الوطنية الشريفة التي أخذت على عاتقها تقديم كل ما يملك أعضاؤها في سبيل صون كرامة الوطن ومنع إسرائيل من الاعتداءات السهلة وكان في ودّ الشباب تأخير الإعلان عن هذه الحركة أو عدم الإعلان عنها، رغبة منهم في أن تبقى حركتهم تنمو وتكتمل وتعبرّ عن ذاتها في العمل لكن الحادثة المؤلمة وما رافقها من تشويش واضطراب لدى الرأي العام، فرضا عليهم أن يطلبوا مني شخصياً إبلاغ المواطنين الحقيقة كلها وستقام حفلة تكريمية للشهداء منهم صباح الجمعة المقبل في بيروت.
          وأختم كلمتي مخاطبا البعض بتلاوة هذه الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (آل عمران:157-156). {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران:154).
          ثم ارفع يدي الى السماء قائلاً مع بطلة كربلاء "زينب" بنت علي: "اللهم تقبل منا هذا القربان"، وطالباً منه سبحانه وتعالى أن يربط على قلوب ذويهم وان يجزل أجرهم، انه نعم المولى ونعم الوكيل.
          وبعد الانتهاء من كلمته سئل الإمام عن عدد القتلى والجرحى فقال: "26 شهيداً و 43 جريحاً من أصل 101 كانوا يتدربون على لغم ضد الدبابات وكل تدريبهم كما بلغني خاص بالدفاع أمام هجوم الآليات، وهم يستفيدون من خبرة المقاومة الفلسطينية في هذا الخصوص. وسنذيع الأسماء اليوم. وولادة الحركة كانت منذ أقل من سنة وذلك بعد دخول الإسرائيليين كفرشوبا والطيبة".
          وقيل للإمام الصدر: ان البعض قد فسّر أن هذه التدريبات كانت للمشاركة في الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في لبنان، فأجاب: "أنتم تعرفون أن المسلحين في منطقة البقاع كثيرون، ولكن خلال الأحداث الأخيرة منعتهم بكل ما أملك من القوة من النزول الى بيروت ومن الاشتراك في المعارك على رغم أن كثيراً من أقربائهم أصيبوا في مختلف ضواحي بيروت. والاعتصام الذي قمت به كان أيضاً لوضع حد نهائي لاستعمال المواطنين السلاح بعضهم ضد بعض. وأكثر من ذلك، عندما اعتصمت وتم تشكيل الحكومة والتزمت الحكومة الجديدة بالمطالب، كنت افضل أن ا ستمر في اعتصامي كي أساهم في تكوين ضغط أدبي وشديد على المواطنين المسلحين ليتخلوا عن سلاحهم، لكن انفجار الوضع في بعض مناطق بعلبك ـ الهرمل فرض عليّ إنهاء الاعتصام والانتقال الى هناك وتوفير الدماء البريئة وما زلت أؤكد ذلك منشداً قول المتنبي:
          ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا مضر كوضع السيف في موضع الندى.
          وإننا نقول لا لاستعمال السلاح في وجه المواطنين ونرحب باستعماله مع العدو".
          وقيل للإمام: إن تكاثر السلاح بأيدي المواطنين أدى أخيراً الى الانفجار، وقد يؤدي بعد أعوام الى الانفجار، فما هو الحل لمنع تكرار ما حصل؟
          فأجاب : "أنا قدمت حلاً لهذه المشكلة يقوم على ضم الميليشيات الى مؤسسة حكومية تحتفظ بالأسلحة في مخازنها وتقدمها الى الأفراد ساعة الحاجة، وما زلت مقتنعاً بهذا الحل الذي يشكل جيشاً شعبياً ووطنياً رديفاً للجيش النظامي، يكون قادراً على صدّ الاعتداءات الإسرائيلية.
          ملاحظة: إرتفع عدد الشهداء فيما بعد إلى سبع وعشرون والجرحى إلى خمسين.

          تعليق


          • #80
            سيرة الأمام الصدر (خطاب 9 )

            الموضوع : خطاب ـ "الشياح لن تنزاح".
            المكـان : حسينية الشياح ـ 9/7/1975.
            المناسبـة : كان القصف العنيف بالمدفعية الذي تعرضت له منطقة الشياح السبب الرئيسي في بدء اعتصام الامام الصدر في جامع الصفا. وبعد فك اعتصامه وانهاء حالة التوتر في البقاع قام بزيارة تفقدية إلى الشياح للإطلاع على الاضرار ومؤساة اهل الشهداء والجرحى.
            المقدمـة : قال الإمام السيد موسى الصدر بعد جولة قام بها أمس في منطقة الشياح: "ما أبشع ما شاهدت من قصف ودمار".
            وأضاف: "لقد هاجموا "أمل" لأنهم يريدوننا ان نركع أمام العدو… انقلوا السلاح إلى الجنوب، فجولة اخرى ستقضي على لبنان".
            وكان الإمام الصدر تفقد قبل الظهر، منطقة الشياح التي كانت مسرحا للاشتباكات الأخيرة الدامية، يرافقه عدد من علماء الطائفة الشيعية.
            وقد اطلع عن كثب على الأضرار التي منيت بها المنطقة، وزار عددا من ذوي الضحايا.
            وتوجه ظهراً إلى حسينية الشياح حيث التقى ابناء المنطقة، واستهل اللقاء السيد محمد سلامة فألقى كلمة رحب فيها بالإمام ومرافقيه.ثم تحدث الشيخ محمد حسن قبيسي عن "منطقة الشياح الصامدة الصابرة والمظلومة"، وقال: "إن سماحة الإمام الصدر كان يعيش مع أبنائها بقلبه وعقله، يصل الليل بالنهار ليتابع صمودهم ومقارعتهم للظلم".
            وتحدث الشيخ محمد يعقوب فقال: "كانت الشياح رمز الصمود والتضحية والنضال، وصورة مماثلة في نضالها وصمودها مع كفرشوبا على ارض الحدود".
            وأضاف: "لقد كان تحرك سماحة الإمام الصدر ليؤكد انتماءنا جميعاً إلى هذا الوطن، نتبنى الثورة ونلتزم بها صموداً وتحركاً، وما قافلة شهداء حركة المحرومين أخيراً إلا من اجل التأكيد على أنها قادرة على الدفاع عن هذا الوطن ضد إسرائيل.
            بعيدا عن المزايدات والتشكيك، هدف شعبنا ان يمسك قضيته بيده ليدافع عن أرضه ووجوده وعن الثورة الفلسطينية وليحمي وجودها ويحافظ على لبنان سيدا مستقلا مؤمنا بالقضية ومناضلاً من اجلها في شتى الميادين".
            وخلص إلى القول: "لتتوجه البنادق كلها لتدك عدونا الأساسي إسرائيل، لأنه لا يمكن أن تكون هناك كرامة للوطن ما لم تكن هناك كرامة للمواطن. وستبرز من خلال الصمود على ارض الشياح ضرورة النضال من اجل تحقيق المطالب الإجتماعية. فمشكلة الحرمان هي مشكلة اجتماعية وعاها سماحة الإمام وانطلق ليرسم الإنسان الجديد، على ارض الوطن".
            ـ الــنـــص ـ
            ألقى الإمام الصدر الكلمة الآتية :
            "كنتم تقولون شعاراً مخلصاً وواعياً، تخاطبونني وأنا الفرد، والآن أرجوكم ان توجهوا النداء إلى الجنوب حيث كنت أنا وغيري من الناس من القادة ومن القاعدة ومن المناضلين نحاول ان نضع طاقاتنا وأرواحنا ودماءنا في خدمته فقولوا معي: "بالروح بالدم نفديك يا جنوب". وقولوا معي شعاراً أصدق وأخلص لأنني انا وأنتم والجنوب معنا نسعى في سبيل حماية البؤساء، فقولوا معي وبصوت أرفع: "بالروح بالدم نفديك يا قدس" وهكذا نعطي علاقاتنا أبعادا حقيقية وأبعاداً نضالية حية فنحن لسنا مع الأشخاص ولا مع المؤسسات الا بمقدار ما تقدم خدمة للناس وللأوطان والشعوب.
            من هذا المنطلق كنت معكم في جولة في أرجاء هذه المنطقة الصامدة المنكوبة، فشاهدت البنايات المنهارة وشاهدت المحلات المحطمة وشاهدت بيوت الشهداء والجرحى، وشاهدت آثار المحنة والتعذيب والقصف وشاهدت آثار الأسلحة والقنابل التي قذفتها في الليالي اياد ليس وراءها قلوب ولا رحمة. شاهدت آثار القنابل التي القيت على هذه المنطقة من الآليات التي اشتريت بأموال الناس والضرائب التي يدفعها الناس، وقدمها أشقاؤنا مساعدات، أطلقت القذائف على الأبرياء وعلى بيوت المواطنين الشرفاء.
            شاهدت ذلك وما أبشع ما شاهدت! ولو لم يكن اللجوء في نهاية المطاف إلى الحسينية لكانت المحنة كبيرة، كبيرة جدا، ولكن هذه الجولة وهذه الآلام عندما تنتهي في بيت الحسين الشهيد؛ إلى رمز الشهادة والفداء؛ إلى رمز الخلود والتضحية لتحرير الناس من البغاة، عندما تكون نهاية الجولة هنا؛ تهون المصائب وترخص الأرواح وهدم البنايات والمحلات كلها في سبيل الشهادة في موكب الشهداء لرفع الظلم والاضطهاد والسيطرة على الشعب.
            أبناء هذه المنطقة أضحوا رمزاً للمناطق الأخرى المحيطة ببيروت، في حزام البؤس الذي يشتمل على الشياح والغبيري وبرج حمود والحدث والكرنتينا والمسلخ وبقية الأحياء المحيطة ببيروت وفي داخلها.
            من هنا وهناك، هذه الأحياء تشهد وشهدت بطولات إنسانية تاريخية. فأهل هذه المناطق كانوا يسكنون في البقاع والشمال وعكار والجنوب. جهاد العيش والكفاح في سبيل تأمين لقمة العيش، وعدم توفر الفرص هناك جعلتهم ينزحون. جاؤوا إلى هذه المناطق فأسسوا حياتهم بعصاميتهم ولم تقدم لهم الخدمات العامة المطلوبة من السلطة، عاشوا من دون طرق وكهرباء، ومن دون الوسائل الصحية، ومن لا يصدق فليشاهد حي السلم وغيره من المناطق.
            بنوا بيوتهم وشوارعهم وفرضوا أنفسهم بتعبهم وجهدهم حتى سكنوا هذه المناطق. انطلقوا من جهاد الهجرة إلى جهاد البقاء في هذه المنطقة وتأمين حياة أفضل ونحن نعلم والأرقام تشهد بمدى نمو هؤلاء وتقدمهم في مختلف الدرجات العلمية الجامعية وفوق الجامعية. جاهدوا بالهجرة والبقاء وكانوا يتوقعون من السلطة طلباً واحداً بعدما حرمتهم من كل شيء، على رغم نشاطاتهم ونشاط حركة المحرمين. مرت سنون دون ان يجدوا خدمة ولا تجاوباً وكانوا يتوقعون خدمة واحدة من السلطة: ان تحميهم وان تحافظ على حياتهم من العصابات المسلحة، ثم فوجئوا خلال الأشهر الأخيرة بأن السلطة تتجاهلهم ولا تدافع عنهم بل العكس وقفت إلى جانب أعدائهم تضربهم وتقتلهم وتهدم منازلهم. وهكذا وجدوا أنفسهم أمام جهاد جديد، جهاد البقاء في هذه المنطقة والصمود والدفاع عن أولادهم وحياتهم بأيديهم. عاشوا في هذه الفترة فأثبتوا أنهم لا يخضعون للتصفية لأنهم ليسوا اوساخ لبنان بل انهم شرفاء ومجد لبنان وعزته. أوساخ لبنان التي يجب ان تكنس هي المحتكرون والمستبدون والسلطات الغاصبة، أولئك الذين بنوا قصورهم على متاعب الناس واغتصاب حقوقهم، أولئك أوساخ يجب أن تكنس.
            ما ذنب هؤلاء الذين يعملون ويجاهدون ويبنون أوطانهم وبيوتهم وحياتهم بتعبهم، وفي النهاية يضطرون إلى ان يدافعوا عن أنفسهم؟ قولوا لي بربكم بعدما أعلنت عن منظمة "أمل" للمقاومة والدفاع عن قرى الجنوب، وقلت ان مجموعة من الشباب من المحرومين من هنا وهناك بعدما وجدوا ان إسرائيل استرخصت دماءهم واستهونت أراضيهم فصبروا ربع قرن أو اكثر فلم يجدوا دفاعاً فاضطروا إلى ان يجعلوا من أنفسهم منظمة وأفواجا وحركة. هذا الكلام الحق أحدث دوياً كالرعد في نفوسهم. كيف؟ ذلك انهم يريدوننا ان نركع أمام العدو. كلا، نحن أبناء الحسين الذي قال "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد". إنى لا أرى الموت إلا سعادة ولا حياة مع الظالمين الطغاة المستبدين إلاّ برماً. نحن لا نريد الحياة مع الذل، نريد الحياة العزيزة الكريمة في بيروت وضواحيها وفي الجنوب.
            بكلمة واحدة، يا أبناء الشياح، ومن خلال الشياح المناطق الأخرى المنكوبة، انحني أمامكم وأمام بطولاتكم وصمودكم وارواح شهدائكم واقف محترماً مكرماً داعياً لارواحهم لأنكم وقفتم مدافعين ويشهد كل من شاهد هذا الحي ان الاعتداء كان من خارج الشياح، وكان الدفاع. نحن لا نهجم على احد. المواطنون هم أبناؤنا من كل الأحياء والفئات والطبقات والمذاهب والأديان. وكما قلت في الاعتصام لا نقبل بإطلاق نار على أية مدينة أو قرية في لبنان. وقد هرعت يومها إلى البقاع لمساعدة أبناء دير الأحمر والقاع الذين كانوا يخشون الاعتداء عليهم.
            نحن لا نقبل بالظلم لأننا ذقنا طعم الظلم، ولا نقبل بقتل الآخرين لأن الآخرين قتلونا ونعرف الآلام. نحن نريد لبنان، حماية لبنان ولا نقبل بالظلم ومن الآن على هذه الأسلحة والمتاريس ان تتجه إلى الجنوب. الإحصاءات أثبتت ان الأسلحة في الحوادث كافية لصد الاعتداءات ولتتوجه الأسلحة إلى الجنوب لصيانة الوطن وللحفاظ على الثورة الفلسطينية وللمقاومة في وجه العدو الظالم، فجولة أخرى قادرة على القضاء على لبنان. كيف يمكن ان نمنع السفاحين من ذلك. لا علاج إلا بنقل الأسلحة إلى الجنوب. كل فئة مسلحة إذا كانت صادقة وتريد صيانة الوطن فلتنتقل إلى الجنوب فالخطر هو من إسرائيل وليس من الشياح. والعدو في الأرض المحتلة وليس في النبعة وبرج حمود أبدا. فلننتقل جميعاً إلى الجنوب ولنقل جميعاً: "بالروح بالدم نفديك يا جنوب".
            فليسمع من يريد ان يسمع: "أن الشياح لن تنزاح".

            تعليق


            • #81
              سيرة الأمام الصدر (مؤتمر صحفي 4 ) جزء 1

              الموضوع : مؤتمر صحفي ـ سأبقى المعول الذي يهدم الحواجز والسيف الذي يقلع الصلف والقلم الذي لا يغرف إلا من حبر الحقيقة.
              المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـ 11/9/1975.
              المقدمـة: عقد ظهر أمس سماحة الإمام الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مؤتمرا صحفياً حضره النقيب رياض طه والنائب حسين الحسيني وهيئة مكتب المجلس الشيعي وممثلون عن حركة المحرومين وهيئة نصرة الجنوب.
              وقد أذاع الإمام الصدر في المؤتمر بيانا من 14 صفحة فولسكاب طرح فيه وجهة نظره بكيفية التغيير المطلوب للوضع اللبناني كما أوضح بعض النقاط التي أثيرت حول حركة المحرومين ومنظمة المقاومة اللبنانية منظمة "أمل".
              ورد الإمام الصدر على عدد من الأسئلة بعد انتهائه من تلاوة البيان فأوضح أن رؤساء الطوائف اللبنانية أكدوا له صباح اليوم وفي اتصالات أجراها معهم انهم يؤيدون التدابير التي اتخذها مجلس الوزراء الأخير.
              وفيما يلي نص البيان:
              ـ الــنـــص ـ
              "يا مفزعي عند غربتي، ويا غوثي عند كربتي، إليك فزعت، وبك استغثت، وبك لذت، لا ألوذ بسواك، ولا أطلب الفرج إلا منك، فأغثني وفرج عني".
              بهذه الكلمات، وهي من أدعية رمضان المبارك، أيها الإخوة، أظن الوطن يبتهل اليوم، وقد صعدها كتمتمات محروم حزين، يتطلع الى عطف السماء بعدما عانى من كفر الأرض..
              على أن الحرمان يا سادة، لم يعد وقفاً على الناس بل ضرب بقسوته القيم والمثل والمبادئ وسائر الخلقيات. فالوطن أصبح اليوم، بوجوده وبإنسانه وبسمعته وبتراثه، محروما يشكو أبنائه الذين أعطاهم كل شيء فحرموه من كل شيء.
              والدين، وهو الدعامة المتينة لتحرير الإنسان ولمجده ولوحدة أبنائه، يرى اليوم محبوساً في كهوف الطائفية وقد فرّ منه الإنسان ليعيش فيه الوحش، فكان الدين المحروم الأكبر.
              ومد الظالمون أيديهم الى الحرية فعبثوا بحرمتها وصيروها فوضى.. فكان هنا حرمان آخر.. والى المحبة فمسخوها بالاستسلام، فكان حرمان جديد.
              حتى المعرفة تحوّل مفهومها الى مهارة في استعمال السلاح وفي دقة تصويب على رأس عابر سبيل.
              والكرامة رؤيت ترتجف تحت الشمس تبكي الحرمان.
              والاستقلال نفسه.. كان المحروم الأعظم، فلم يعد يرى وجه النعمة التي كان بها يحلم..
              لذلك كان من واجبي وأنا في أحد مراكز المسؤولية أن أرفع للمحرومين تقريرا لا يخلو من اقتراحات وإيضاحات.. ومناشدات..
              أيها اللبنانيون المحرومون:
              إن الكابوس المرعب الذي غشينا أخيراً، فشلّ الدفاغ عن التصرف، والجسم عن الحركة، لا يوازي في ثقله إلا الخفّة في معالجته، وإلا اللامبالاة في تقدير خطره وخطورته والتصدي له.. وإلا فما معنى أن تنظر الأكثرية الساحقة الى المتحدثين عن الجولات الآتية، بعيون أفرغت حتى من جماد الزجاج..
              يحلل أحدهم الأحداث، وتظنه سيدلّ على الدواء، وسرعان ما ينقع الدراسة في قارورة الهوى والكيف والمصلحة، كأن الوطن ليس إلا حقل تجاربه الشخصية، وكأن المواطنين ليسوا إلا أرانب اختباراته الإيديولوجية أو السياسية، أو أن رؤوسهم ليست سوى أهداف للتمرن على أحدث أنواع المبيدات الهمجية.
              وتمر الأيام، وتبقى الأزمة دون علاج، لتطل بأبشع صورها، وأقوى استفحالها، في أحداث زحلة المذهلة، وطرابلس الأكثر إذهالا..
              ذاك جانب من اللوحة، فماذا في الطرف الآخر؟؟
              مواطنون ينتظرون بفارغ الصبر، أن يأخذوا دورهم ليقدموا الغالي قبل الرخيص في سبيل وطن حر معافى مصون الكرامة والأرض.
              وأشقاء عرب، وفلسطينيون خصوصاً، يعرفون مدى قيمة لبنان وأهميته على مصائرهم، في منحيي السلبية والإيجاب.
              وعالم متحضر، يدرك عظمة البنية اللبنانية وتمايزها الحضاري، وضرورتها للعالم المتحضر نفسه...
              أما المسلمون في المشارق والمغارب، فيرون الآية الكريمة:
              {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} (المائدة:82).
              فيذهلهم ما تحمل اطواؤها من أبعاد حضارية، وصدق الله العظيم، وليحفظ الله لبنان مصداقاً وتجسيداً. أما المسيحيون في العالم، فيعرفون كم هي رائعة رسالة مسيحيي لبنان وسامية، أليسوا هم عناصر الاستيعاب والنقل والتفاعل؟ أليس بسببهم سمّي بنافذة الحضارة المشرقية المغربية؟ ألم يرحلوا الى الغرب بأعمق ما في روحانية الشرق، ويقفلوا إلى الشرق بأجدى ما في تجارب الغرب؟
              مسيحيو العالم يعرفون أنّ مسيحيي الشرق هم الأمناء على قدسهم العربية، والأكثر اهتماماً بها وبمعانيها وبصيانة أبعادها وطابعها.
              وقد رأيت في رحلتي الأخيرة ما زاد إيماني بهذه الحقائق. فقد أكد لي الرئيس بومدين مدى اهتمامه بلبنان، ومدى استعداده للقيام بدور فعال لصيانة هذه الحاجة الحضارية، ولو استدعى ذلك حضوره، لإبداء الرأي والإسهام في العمل.
              كما شاهدت بعيني نوايا الرئيس معمر القذافي ورأيت في وجدانه الصافي المرارة والألم والحزن على لبنان، وسمعت بأذني منه، كم هو الآخر مستعد بدوره وبرغم كل الأقاويل والتحرضات القيام بالدور الفعّال إن طلب الأمر...
              وغني عن البيان التذكير بأفعال الرئيس الأسد خلال الأحداث.. وبتصريحات القادة العرب في مصر والمملكة السعودية والعراق والكويت وسائر أقطار المغرب العربي ومشرقه.
              كما أتاحت لي رحلتي، أن أقيم حواراً طويلاً مع رئيس وزراء فرنسا السيد شيراك، وقد ألمسني مدى حضور بلاده للقيام بأية مهمة يطلبها لبنان منه حتى تحفظ وحدته وحتى يخرج من عثرته.
              وفي يقيني أن موقف أكثرية أفراد الأسرة الدولية لا يختلف عن موقف فرنسا النبيل.
              أما مواقف قداسة البابا، فكم مرة ترجمتها صلواته العميقة، من أجل لبنان، وكم مرة عبرت عنها نداءاته الحارة المتقابلة بصلوات ومناشدات كبار علماء المسلمين.
              هذه الفرص النادرة، وهذه الطاقات المتوافرة المتوجة بعناية الله العظيم الذي وعدنا بنصره، إن نصرنا عبده الإنسان، المواطن المحروم.
              هذه كلها، أليست جبهة ثابتة الدعائم، ضاربة الجذور، واصلة الماضي بالمستقبل مقربة الأرض من عرش السماء؟
              ألا تكفي هذه الجبهة البنّاءة لتقف بوجه جبهة الهدم؟
              وماذا عن جبهة الهدم؟ مجموعة من المشكلات المتراكمة السائبة، تعاطفت مع قوى الطغيان والاحتكار والجهل والأنانيات، واتفقت ـ أرادت أو لم ترد ـ مع إسرائيل ومن وراءها، واستثمرت الصراع السياسي الداخلي المزمن والذي يعصف كل ست سنوات أو أربع، كما قدّرت احتمال هبوب العواصف الحارة بالمنطقة في الأشهر القليلة المقبلة.. وعلى هذا رتبت الحسابات..
              أبادر فوراً للتأكيد أن هذه الجبهة الأخيرة منهارة.. مهما تشير دلائل الشر ومهما توفر لها من قوة ونمو.. لأن يد الله ستبقى فوق يدها.. فالله يدافع عن الذين آمنوا..
              فلنقدم بتفاؤل وثقة، ولتتحرك العقول والأيدي، ولنمشِ حتى على الشوك، ولنصبر حتى على الإتهام، ولنقدّم للمسيرة هذه المنطلقات، وانا من ورائها لسائرون ما دام في الصدر نسمة:
              أولاً: التغييــر :
              هذا المنطلق الضخم أبدأ به لأنه صار مطلباً وطنياً عاماً بعد أن أفصح عن ضرورته أكثر قادة الرأي، حتى أن رئيس البلاد قال كلمة لبنان فيه، ساعة أكد، بأن الدستور ليس وحياً منزلاً لا يمكن تغييره. وتراني أشدد على ضرورته لأنه مطلب حياتي، فالحياة لا تقوى على البقاء في الإستمرار إلا إذا خرجت بين الحين والحين، من صورها الرثة المهترئة، وجددت نفسها بصورة فتية ومعافاة.
              هذا في العمق العام، أما في الإطار الخاص، أليس من المحزن أن يضرب الجمود هذا اللبناني المعروف بتجلياته في ميادين الزمن؟ ألا ينقلب الحزن الى فاجعة عندما يصير الجمود خطرا على الوجود ويبقى يتقدس اسم الجمود؟
              وقبل أن أقدم دراسات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التي تصدر بعد التشاور مع مختلف المؤسسات الشقيقة ومع الخبراء ومع التجارب العالمية.
              وقبل أن أترجم حاجات المحرومين في هذا التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الذي نتطلب، لا بد من إضافة الجذر الأساسي لمبدأ التغيير، هذا الجذر، هو رفضنا التغيير بالعنف، لا لأن الوطن الصغير حرام عليه العنف، والبنية اللبنانية معقدة التركيب فحسب، بل لعدم جواز مسك النار بالأصابع ما دامت الوسائل الديمقراطية متوفرة مبدئياً وتنظيم استعمالها ممكناً ومرجواً.
              وكما أننا لا نقبل العنف وسيلة للتغيير، فمن باب أولى أننا لا نقبل بالعنف لمنعه، وإلاّ لوقعنا في ديكتاتورية خير منها الثورة..
              وكما أن الوسائل الديمقراطية كفيلة بالتطور الهادئ الهادف، فإن هذه الوسائل تبقى عديمة الجدوى إذا لم يتغير قانون الإنتخاب بآخر يتيح التمثيل الأفضل لتطلعات الرأي العام في لبنان.
              والحديث عن التغيير في الأنظمة لا ينفصل عن السعي في البناء الخُلُقي للمواطن، بل أن التغيير في العلاقات يبنى على هذا. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والإقتناع بضرورة تغيير الفرد بعد التدهور الخلقي، وبعد قوة الجذب المادي، وبعد تفاهة المناقب في رؤية المواطن، وأخيراً بعد التشنج الطائفي المذهل الذي اعترانا، أقول إن الاقتناع بضرورة التغيير أصبح ظاهراً لا يحتاج إلى دليل.
              ثانياً: إعادة الطموح للساحة اللبنانية :
              من المعلوم أن مساحة لبنان في الزمان أكبر كثيراً من مساحته في المكان، وأبعاده في عقل العالم وقلبه تتجاوز مئات المرات أبعاده الحسية، وما كان لهذا أن يكون لولا الطموح، فقد عرف هذا الوطن وخلال كل الحقب، بمواقف وأدوار ومواجهات وتطلعات فوق حدود الظن.. سواء بالهجرات والاغتراب، أو بالبحوث والرسالات الحضارية في شتى حقول النشاطات الذهنية.
              وأخذت هذه العملقة تتقلص، حتى دخلت في مرحلة تقزم مرضي عضال. ولا ندري من نصح الوطن، بحجة عدم التمحور، بإهمال القضايا العربية والتقوقع في إطار الهدنة الرسمية وخصوصاً بإسقاط المسألة الفلسطينية من دفتر الحساب اللبناني بالرغم من أن لبنان كان أول من حسب حساب الوجود الإسرائيلي، وتحسب له، وأدرك خطره عليه وعلى المنطقة والعالم، ولبنان كان أكبر من دفع الثمن باهظاً، دفعه وهو غير مشكور..
              لا نعرف ما هو الضرر من تحمّل كافة المسؤوليات، ما دام هو لبنان يحملها بالفعل.. ثم لماذا يخشى من تبني أنبل رسالة وأشرف وأعدل قضية عاشتها العصور؟
              ولا نعرف لماذا لا يتحمل لبنان دوره المحاور في العلاقات العربية الأوروبية الحضارية، وفي الحوار الإسلامي المسيحي، الذي تتعاظم نتائجه وحاجة العالم إليه يوما بعد يوم؟
              إن مسك المواقف الكبيرة هو قدر لبنان البطولي، فلماذا اكتفى لبنان بالبطولات الزائفة في اقتتال الزواريب الضيقة؟
              =يتبع =

              تعليق


              • #82
                سيرة الأمام الصدر (مؤتمر صحفي 4 )جزء 2

                ثالثاً: المصالحــة
                ولعلها الأَوْلَى لجهة التوقيت.
                إجراء مصالحة وطنية شاملة (وكانت هذه إحدى مسبّبات الاعتصام الأساسية)
                أجل مصالحة ضم سائر الفئات اللبنانية، دون استثناء، من شخصيات وأحزاب وطوائف ومناطق، في لقاء مصارحة كاملة، عن لبنان الشكل والمحتوى والصورة والإطار.
                والمصالحة ليست مصافحة أيدٍ، بل مصافحة قلوب، واللقاء ليس لقاء أجساد، بل لقاء ارادات لصنع الأسس الجديدة للمجتمع الأمثل.
                إن البعد خلق التجاهل، ثم عمق الأثر حتى أورث البغض، ولا تبنى الأوطان سوى بالمحبة.. والمواطن اليوم بأشد الحاجة إليها حتى كاد ألا يكون لولاها...
                ولا شك في أن المصالحة لا تعني طمس ما حصل.. بل العكس هو الصحيح. فالمصالحة ستلد المصارحة، وعندما تتشكل هيئة تحقيق شامل، تحدد المسؤوليات فالدماء التي أهرقت، والملكيات التي خربت، لا يجوز هدرها، حتى تعود الثقة ويشعر المواطن أنه لا يعيش في غابة.
                أيها الإخوة.. إنني أدرك جيداً كم هو صعب، في جونا المشحون بالحذر والقلق وفي خضم الآلام والويلات، والى جانب الدماء والدمار والثأر، أن يتولى شخص أو مجموعة أمر مصالحة اللبنانيين مع أنفسهم ومع تاريخهم أولاً، وفيما بينهم فئات ومناطق ثانياً.
                إنني أدرك ذلك وأتوقع صعوباته ومخاطره، غير أني، بعد التأمل الطويل والمشاورات الواسعة مقتنع تمام الاقتناع بعدم توفر وسيلة حقيقية أخرى للخروج من محنتنا وللمبادرة الى إصلاح أوضاعنا. إن الظروف المحلية والعالمية قاسية جداً، وإن المخاطر والمؤامرات، التي وجدت في المأساة ونتائجها ثغرات واسعة، بالمرصاد. فالحد الأدنى أن يلتهي لبنان والمقاومة الفلسطينية عما يجري في المنطقة وعن التاريخ والمصير اللذين يرسمان لها.
                ولذلك تراني أعد العدّة كاملة، بالتعاون مع الحكومة التي أعلن رئيسها مرات عن ضرورة الإسراع في إجراء المصالحة وبالتعاون مع ضمائر المواطنين وعقولهم، ومع القادة الذين يرون رأينا، ومع الأشقاء والأصدقاء الذين آلمهم اقتتال إخوانهم في لبنان. أعدّ العدة للمباشرة في إجراء مصالحة وطنية شاملة تنقذ الوطن وتحفظ البقية من الأرواح والكرامات. وفي ذهني صيغة لها تدارستها مع فرقاء عدة وسنبدأ قريباً بإذن الله بوضعها موضع التنفيذ. راجياً من الله الكريم أن يسدد الخطى ويلهم الجميع ويربط على قلوبهم لكي نتخطى الصعوبات وننجح في تنفيذ مرحلتها الفورية العملية والجوهرية والجذرية.
                وهنا نشعر بالحاجة الملحة الى الإعلام المؤثر المتطور، نشعر أكثر من أي وقت آخر إليه، مع التأكيد على أن كثيراً من الحوادث الدامية لم تكن تحدث أو لم تكن تتطور لو كان الإعلام يقوم بدوره المطلوب. أقول ذلك شهادة من عاش الأحداث عن قرب وبكل وجوده وإحساسه.
                إن الإعلام، أيها السادة، يتجاوز في تأثيره كل حد، ولا تقف أمامه أية مشكلة ولا يجوز بقاؤه خارج المسرح في يومنا العصيب هذا. رابعاً: التنسيق مع الفلسطينيين
                وذلك يتم عن طريق توحيد المواقف بين اللبنانيين والفلسطينيين، شعباً وجيشاً، وتنسيق النشاطات الديبلوماسية والإعلامية وفي وسائل الدفاع ورعاية مشتركة لتصحيح أوضاع المخيمات، وفي صيانة حقوق العمال وأصحاب المهن الحرة من الشعب الفلسطيني دون طلب المستحيل منهم، وهو مراعاة قانون المعاملة بالمثل. ثم تعميم الانفتاح واللقاءات وتعميق الحوار بين القطاعات اللبنانية والفلسطينية المتشابهة.
                خامساً: معالجة الحرمان
                وذلك باجتراح خطة، ليس فيها شيء من المعجزة أو الأعجوبة، لتعميم العدالة وتهيئة الفرص المتكافئة في السياسة والاجتماع والعمران والتربية والثقافة.
                وقد أصبح واضحاً أن رفع مستوى المحرومين لا يتم على حساب المكتفين، بل إن التنمية يمكن إنجازها عن طريق قروض وطنية وعربية متوفرة تعود الى مصادرها من ردود المشاريع نفسها.
                إن المشروع بالعدل يقوم على أساس كل ملك.. وقد فرغ من تأكيد هذه الحقيقة الإنسان السومري منذ ستة آلاف سنة، ويستغرب أن تكون هذه الحقيقة مهملة في أواخر القرن العشرين.
                سادساً: الجنــوب
                وهو قلب لبنان الفعلي، فلماذا يترك المواطن فيه بين ثلاثة خيارات: القتل أو الإذلال أو الرحيل؟..
                إن الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة بقيت حتى الآن دون رد، وهي في تزايد، وترسم مستقبلاً مظلماً أمام المواطن الجنوبي.
                فبأي واحد ننصح المواطن الجنوبي من هذه الخيارات الثلاثة؟. أجل بقي خيار آخر في النسيان: أننصحه بالتعامل مع العدو؟
                أليس البقاء في هذا الضيم: إن الجنوب أرض بلا شعب، هو تسهيل، إن لم أقل تواطؤً مع الإحتلال الإسرائيلي؟
                إن الحديث عن الجنوب طويل وذو شجون. وقد عشت المحنة منذ بدايتها في صمت تارة ومع الصرخات أخرى وسأبقى حاملاً همومه قدر المستطاع، حتى نحمل الجميع على تبنيه في وضعه الداخلي وفي وجوده على الحدود وفي إنسانه الكريم المحروم، فننقذه وننقذ به لبنان.
                إن الواجب الوطني يتطلب أن يجعل كل مواطن موضع المواطن الجنوبي ويعيش مأساته: الإعتداءات، جمود الحياة، الدمار، الظلم، ثم اللامبالاة والصمت الإعلامي.
                فبأسم الذين يعيشون في جحيم الإعتداءات الإسرائيلية، وبإسم الأبرياء الذين يموتون في بيروت وضواحيها، وفي البقاع والشمال ويسحقون تحت وطأة الأحداث دون ذنب، وبإسم الوطن الذي يحمل في ضلوعه جرحين، جرح الإقتتال في الداخل وجرح الإستسلام في الحدود.
                بإسم هؤلاء جميعاً أناشدكم جميعاً، أيها اللبنانيون الشرفاء، أن نتعاون جميعاً فنضع الحرب والسلام في مكانهما المناسب فننقذ الحدود وننقذ الوطن.
                أيها الأعزاء..
                كان بودي أن أقف هنا... وأكتفي، مختتماً لقائي بكم، أنتم رجال الكلمة الطيبة كشجرة طيبة، بالتوجه إليكم لتبقى أقلامكم في مستوى الحرف الذي ابتدعه يوماً لبنان وأرسله الى كل العالم، فتساهموا في حمل المحبة والبناء لتقليم أظافر الإثارة والبغض والنعرات المقيتة حتى يحفظ الله لبنان ويرعاه ويرعاكم.
                ولكن آثرت أن أبقى في الكلام قليلاً لجلاء بعض الأمور التي استجدت بغيابي وغلفوها بالتعتيم والأقتام..
                ولو كان كلامي عن نفسي يحمل على محمل الفخر، لاستغفرت الله كثيراً عن هذا الزهو، لكن نفسي وقد شاء قدري، ألا تكون ملكاً لي، وإنما أضحت ذرة متواضعة من رصيد هذا الوطن الغالي، ولهثة رجاء، أو خفقة أمل على شفاه المتعبين، وفي قلوب المعذبين والمحرومين، لذلك سمحت لها بالاسترسال قليلاً لإزالة بعض الأوهام.
                1 - حول حركة المحرومين :
                إن حركة المحرومين التي أثرتها، هي حركة جماهيرية اعتبر الطيبون أنفسهم ممثلين لها دون استثناء. وفيما عدا حالات استثنائية تحمل الأصدقاء بعض المسؤوليات بناءاً لتكليف مني، فإن كل النشاطات التي حصلت حتى الآن كانت مبادرات فردية على مسؤولية أصحابها.
                وها نشعر جميعاً بالحاجة الملحة الى الوعي والإنضباط؛ لذلك أعلن أن كل من تكلم عنها أو معها أو فيها، أو من خلالها فالحركة تشكره، ولكنها لا تتقيد منه بشيء. إن هذه الحركة لم يوضع تنظيمها بعد، ونحن سائرون إليه بإذن الله كأقوى ما يكون التنظيم وأوعى.
                2 - حول المقاومة اللبنانية:
                وإن المقاومة اللبنانية ناديت بها منذ عشر سنوات، وأعلنت عنها منذ سنة وسبعة أشهر في يوم عاشوراء، يوم الفداء العظيم، وطلبت من سكان الجنوب أن يتسلحوا ويتدربوا، وبعدها بأربعين يوماً ناشدت أهالي بعلبك أن يفعلوا أيضاً، وأن يقفوا الى جانب أهل الجنوب يساعدوهم في هذا وذاك. ولما امتنع المسؤولون عن سماع الشكوى رغم كل النداءات والتوجهات والضغوط وتركوا الجنوب سائباً وابن الجنوب مرتعشاً أمام الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة والمتزايدة، ورأيت فعلاً أن المواطن الجنوبي مهدد بالموت أو النزوح أو المهانة التي لا تقل ذلاً عن الخيانة، شجعت شباناً مؤمنين بالله وبالوطن على التدريب، وقد علم بذلك السلطات وكبار رجال القوى المسلحة في لبنان بوسائلهم الخاصة.
                ولم يكن من غرضي الإعلان عن هذه المقاومة اللبنانية، سوى المواقف العملية، على غرار ما حصل في الطيبة وكفركلا، إلا أن الفاجعة وقدمت نفسها فرضت علي الإعلان.
                أما بعد، فماذا يضير بعضهم أن يكون للبنان فدائيوه أيضاً ممن يموتون في سبيل الدفاع عنه؟ أليس الدفاع عن شتلة التبغ في تلال عاملة، هو الدفاع عن الدالية والتفاحة في أعالي المتن والشوف وحول سيدة لبنان في جونية؟
                ومع أني لا أحب التحدي ولا هو من طبعي.. فإنني أطرح سؤال التحدي بصيغة إخبارية تحمل التأكيدات التالية:
                ‌أ ـ لم ير واحد من هؤلاء الشبان المؤمنين في أية معركة داخلية، أنهم فدائيو حدود الأرض اللبنانية المقدسة فقط.
                ‌ب ـ لم تغلق باب هذه المقاومة اللبنانية عن أحد من المسيحيين الشرفاء بل أعتبرهم إن دخلوا سيكونون كغيرهم صلابة في الدفاع عن أرض الوطن، إن لم يكونوا أشد.. وليجربوا..
                ‌ج ـ لن أستنكف لحظة عن إلحاقهم برمتهم في أفواج المؤسسة الكبرى الرسمية عندما تتأسس وتتحمل هذه المسؤوليات. وقد عرضنا الأمر منذ البداية.
                ‌د ـ وليس أدل على حقيقة مرامي وأهداف هؤلاء الشباب من الموقف الإنساني والعاطفي الذي وقفه الشباب في زحلة وضواحيها حيالهم يوم الكارثة، فقد سارعوا أفواجاً ووقفوا في صفوف طويلة ليقدموا لهم من دمائهم، وما كان هذا ليحدث لو لم يكونوا عارفين بأن دماءهم لن تسيل إلا في سبيل لبنان. الا فليتعظ بذلك ملفقو الأخبار وسماسرة السياسات الرخيصة والساعون الى قلب القيم رأساً على عقب.
                = يتبع =
                التعديل الأخير تم بواسطة صدر; الساعة 23-12-2002, 12:45 AM.

                تعليق


                • #83
                  سيرة الأمام الصدر (مؤتمر صحفي 4 ) جزء 3

                  3 - الاعتصام :
                  لا بد من التذكير باديء بدء، كيف كان يكيل لي بعضهم المديح قبل الاعتصام بالقناطير.. ذلك المديح الذي أعترف أني لا أستحق.. وكيف دخلوا بالدهشة بعد الاعتصام ثم لم يخرجوا منها بعد..
                  والذي أحب أن أؤكده هنا، إيماني المطلق بأن درب الحقيقة الكبرى لا يمر إلا من كربلاء، كما أن درب المحبة العظيمة لا يمر إلا عن طريق الجلجلة.. وأنّ الفرح الصحيح بالوجود، ليس تشنجاً فردياً بالمديح، ولكن معياره الأمثل الاستعداد المستمر للموت في أية لحظة، في سبيل فرح الآخرين بالوجود... فالحياة التي نعيشها لا نستحقها إذا عشناها لأنفسنا، وكم ستكون عندئذ صغيرة وحقيرة، بل محدودة.
                  ولقد عودنا تراثنا العظيم على اندفاعات مطلقة، وبزخم لا معقول في سبيل ما نعتقد أنه الحق.
                  فاختياري لبذل النفس وحدي، ووضعي كل أمانة الله بين يدي طاعته، واعتصامي الى أن يفعل الله ما يشاء، لم يكن تصعيداً للأحداث، بل كان إيقافاً للنزف بعد أن وسعت خرقه الميول والأهواء والأنانيات، وبعد أن أدارت ظهرها له التفاهة واللامبالاة. ويشاء ربك ألا يطول أمد هذا الصيام والاعتصام.. وفيما كنت أفكر بإنهائه وقد استجابت لعدالته، حتى النفوس التي بها مرض، حاول بعضهم أن يستغله لجر مغنم، فقطعته فوراً، وخرجت من المسجد الصغير الى الوطن، مسجد الله الكبير، وقد راعني ما جرى في القاع وما كان يجري في دير الأحمر، وزحلة، لأقف الموقف الذي يعرفه جميع أهالي القاع ودير الأحمر وزحلة، والذي أخذت فصوله تنجلي بوضوح لكل منصف، كما ستنجلي يوماً حقيقة الأوضاع التي سادت في الشياح وفي النبعة، ويومها ستسودّ وجوه وتبيض وجوه، ويندم المشكك والمفترى.
                  4 - التهجمــات :
                  وهذه لن أرد عليها، ولن أشغل وقت الناس بدقيقة منها.. فقد أدبني القرآن والتراث، أن من واجبي المحبة، حتى ولو قوبلت بالبغض، وأعرف جيداً أن بعض الملوك الخلفاء كانوا يستحلون دماء الأئمة، مع أن الأئمة لم يترددوا لحظة في تقديمها لصيانة دماء الأمة بمعنى أن العداوة بين الخير والشر قديمة، وقد ترجمتها كل أخشاب مسارح العالم.
                  ولن أرد لسبب آخر، فطالما أنّ التهجم علي شخصياً لا يمس سلامة المسيرة بشيء فلا داعي للتشنج بل سيبقى وقتي في بذل الجديد والمزيد من الخدمات، فذلك حسبي وحسبي الله ونعم الوكيل.
                  5 - حول الموقف والسلوك :
                  يقول علي إمامنا الأعظم: "ما رأيت أمراً إلاّ رأيت الله قبله وبعده وفيه ومعه" فكان لا يقول، ولا يعمل ولا يأمر ولا ينهي ولا يقوم ولا يتحرك إلا والله أمامه، فكيف يمكن أن يتغير موقف فرع صغير من شجرته الطيبة، موقفي، وأنا أتجه الى الله سبحانه الذي لا يتغير.
                  ماذا أقول؟ فلنسأل الساحات والقاعات، ولنتذكر المحن والأزمات ولنستنطق القلوب والعواطف والعقول والمواقف.
                  إنني كنت أدرك جيداً أنّ الوقوف بوجه الطغيان يكلف، وأن التطلع الى رفع مستوى الجماهير ورفع وعيهم يكلف، وأن التصدي للامتيازات وللأصنام من كل فئة يكلف، وأن المحاربة والتشكيك والاتهام لي ولأصدقائي، سوف تتصاعد وتتحول الى موجة مسعورة منتشرة.
                  ومع ذلك فإني أدرك أيضاً، أن هذه رسالتي وأمانتي ومعنى حياتي، لذلك فسأستمر في دفع الرصيد. دفعت شبابي وراحتي وصحتي ورعاية أولادي وما ملكت يدي وما كادت أن تملك، وسوف لا أحمل شيئاً من رصيدي الى القبر، وسأبدده في خدمة الوطن، أناس الوطن، كرامة الوطن.
                  إن سعادة الناس ـ لا شكرهم ـ هي شبابي وراحتي وصحتي ورعاية أولادي، وإن قلوب الصفوة المناضلة الخافقة معي لأكبر ثروة لي، عندما أرى أنها وضعت في سبيل القلوب المعذبة والنفوس المحرومة، وإن رضى الله سبحانه وتعالى لا رضى الناس أنشودتي وغناي.
                  وسأبقى المعول الذي يهدم الحواجز المصطنعة بين المواطنين، والسيف الذي يقلع الصلف من وجوه الطغاة، والكابوس من ظهر المظلومين. سأبقى القلم الذي لا يغرف إلاّ من حبر الحقيقة مهما كانت مرة.
                  سأرفض تقزيم لبنان وتشتيت أبنائه وتحويله الى سلعة. وسوف أستمر في سلوك الطريق الأصيل الذي تعلمناه من مبادئنا وتراثنا والذي يعتمد على الدقة وحسن الظن والتسامح والأمانة.. وخصوصاً عدم التضليل.
                  سأشكل مع القوى الخيرة في لبنان جبهة البناء، مع الخبراء صانعي المعرفة، أولئك الذين وقفوا معي لتتفاعل طاقات القاعدة مع صائب رؤيتهم وثاقب فكرهم، مع القوى التي أبعدها التشنج ومع الطاقات العظيمة التي نبذها الحكام.
                  سنشكل جميعاً جبهة البناء لغد أفضل. جبهة الصيانة لحاضر الوطن ولماضيه، جبهة تريد الحياة وإن أرادوا موتها، تريد كرامة الوطن وإن أُريد تشويهها وتحطيمها. تصون الدين وإن تصدت لها الطائفية. سنشعل بإذن الله شمعة تحترق لكي تشترك في تمزيق الظلام المخيم على الوطن.
                  الأسئلة والأجوبة :
                  وردا على سؤال عن رأيه بتغيير قائد الجيش وبإنزال الجيش للحفاظ على الأمن قال الإمام الصدر:
                  "الحقيقة أن الجيش في الأساس وضع لكي يدافع عن ارض الوطن وعندما كنا نمنع وننصح الحكم بأن يمنع الجيش من الدخول في المعارك الداخلية فإن ذلك كان رحمة بالجيش واحتراما له حتى يبقى مترفعا عن الخوض في المسائل الداخلية وان يصبح من دون فئة".
                  وأضاف: "ألا أن الأحداث تطورت وتكونت جبهات حرب في بعض المناطق وكان من الطبيعي أن هذا الرصيد وهو الجيش لا يبقى أو يستمر معزولا سيّما إذا لاحظنا أن المعارك الدائرة في الشمال ربما تؤدي إلى تدخل خارجي كما هو متوقع ذلك انه إذا اتسعت رقعة الاشتباكات فلا شك سيوجد العذر للتدخل الخارجي وخصوصا من جانب إسرائيل".
                  وقال: "نزول الجيش حاليا هو النزول الطبيعي والسليم. فالأحداث التي مرت في صيدا والمعارك المؤلمة هناك خلقت بعض الحساسيات بالنسبة إلى الجيش مع قيادته السابقة. وعندما تغيرت القيادة وعندما أصبحت السلطة السياسية هي التي تسير الجيش وتحدد مسؤولياته وتنظم مدى تدخله في مختلف المعارك فإننا يجب أن ننظر إلى هذا القرار نظرة إيجابية وأرجو أن تكون هذه الخطوة بداية الانفراج الكلي في لبنان وهذا رأي كافة رؤساء الطوائف. وقد تحدثت صباح اليوم إلى صاحب السماحة مفتى الجمهورية الشيخ حسن خالد وإلى غبطة البطريرك خريش وسماحة شيخ عقل الدروز محمد أبو شقرا وغبطة البطريرك حكيم وغيرهم، وجميعهم كانوا بنفس الرأي والموقف ومتفائلين من هذه الخطوة. وإنني أناشد الأخوان في طرابلس بان يكونوا فوق مستوى الأحداث لأن استمرار القتال لا ينفعهم ولا ينفع لبنان وطرابلس كانت دائماً السباقة في القضايا الوطنية".
                  لا يوجد إيراني واحد مع "أمل" :
                  وقيل للإمام الصدر أن إحدى المجلات ذكرت أن هناك 160 إيرانيا يتدربون في مخيمات "منظمة أمل" فأجاب:
                  "أقول من موقف المسؤول أن مخيمات "أمل" لا يوجد فيها إيراني واحد يتدرب. أقول ذلك وأتحدى الأوساط التي نشرت الخبر أن تذكر اسما واحداً".
                  اعتبارات حول الجيش:
                  وسئل الإمام الصدر: هل تعتقد ان استبدال شخص بشخص في قيادة الجيش يحل الوضع السائد فيه؟
                  قال:"الحقيقة انه ليس هناك تغيير شخص بشخص بل هناك عدة اعتبارات يجب اخذها.
                  والاعتبار الأول هو الفرق بين معارك صيدا ومعارك الشمال. ففي صيدا كانت القضية تظاهرة صيادي الأسماك بينما في الشمال كانت اقتتالاً عنيفا وجبهة طويلة بحيث يخشى ان يكون هذا التحرك بداية لإعتداء خارجي.
                  الاعتبار الثاني تغيير القيادة.
                  الاعتبار الثالث: شخص الرئيس رشيد كرامي كوزير دفاع وهو الضمانة.
                  الاعتبار الرابع: الأجواء التي حصلت بعد تدخل الجيش في معارك صيدا وما خسر من الاحترام لدى فئات من الشعب هنا وهناك وكان هذا الاختبار اختباراً قاسيا.
                  ولا شك في أن الظروف الآن تغيرت ونحن مع قرار مجلس الوزراء وهذا لا يعني أن ننام على حرير ونترك الأمور بل يجب أن نكون بالمرصاد على أن هذه المؤسسة تخوض معركة مصيرية في هذه المرحلة إن على صعيد الحكومة أم على صعيد الجيش، فإذا فشل الجيش بمهمته فبماذا تستعين الحكومة؟ وإذا انحاز فانه يخسر رصيده نهائيا وعندها سنطالب بتصفيته لا سمح الله".
                  وقال الإمام الصدر أيضا: "أناشد إخواننا في طرابلس وفي كل مكان أن يطوقوا الأحداث ويتعالوا ويكونوا فوق الأحداث لأن استمرار القتال لا ينفعهم ولا ينفع الوطن".
                  وقال ردا على سؤال عن رأيه بما يشاع عن خلافات داخل السلطة؟: "هناك مشكلات قائمة والوطن معرض للأخطار ولا بد من التفتيش عن الحل والتعاون ونحن اليوم أمام تجربة جديدة وعلينا بذل جهد لإنجاحها وبالفعل أحداث طرابلس تؤكد أن المشكلة وصلت إلى الأبعاد والمناطق والقطاعات وليس هناك من حل بديل (يقصد المصالحة الوطنية) وكذلك فالخشية قائمة من انتقال الحوادث وكل يوم يمر عليها يأخذ طابعا اعنف. حتى أن الإنسان يشعر في هذه الأيام انه يعيش أيام قبل التاريخ".
                  وقال أيضا ردا على سؤال: "طبعا لو كان هناك أي بديل داخلي كان من الأفضل أن يبقى الجيش للدفاع عن الحدود".

                  تعليق


                  • #84
                    سيرة الأمام الصدر (حوار 11 ) جزء 1

                    الموضوع : حوار صحفي ـ ان سلوكي ليس يساريا ولا يمينيا بل الصراط المستقيم.
                    المكـان : بيروت ـ 29/9/1975.
                    المقدمـة : كتب سمير شاهين وفاطمة ناعورة السردوك:
                    خلال الجولات الأولى الثلاث لعب الإمام موسى الصدر دوراً بارزاً، لكن هذا الدور لقي انتقاد اليمين واليسار معاً.. اليمين أتهمه بإنشاء "ميلشيا" وبأنه وراء دخول الشيعة ساحة القتال بل التقدم إلى المواقع الأمامية بينما أتهمه اليسار عامة وبعض الفئات الشعبية بلعب دور الوسيط في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون فريقاً ضد الكتائبيين، وأخذوا عليه اعتصامه وقالوا: كان عليه أن يقود المعركة ضد قصف الشياح ويفضح من قصف الشياح ويفجر الموقف ضدهم.
                    وسافر الإمام الصدر إلى الخارج بعد ذلك وعاد ليجد معركة مفتوحة ضده من الرئيس صبري حماده الذي يأخذ عليه اشتغاله بالسياسة، وما لبث أن إنفجر الموقف من جديد فعاد ليعلب دور التهدئة وليأخذ موقفاً إلى جانب الحكومة وجانب استعانتها بالجيش رغم الموقف اليساري المعارض لذلك.
                    لا أحد يشك بأن ظهور الإمام الصدر كان من نوع الحدث الكبير الذي أثر على مجرى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، وكان طبيعي مع الحجم الكبير لهذا الظهور أن ترتفع حول دعوته وحول أفكاره تصرفاته الكثير من الأسئلة والاستفهامات. فرأينا الرجوع إليه في حديث صريح يوضح فيه كل مواقفه ومواقعه على الساحة اللبنانية خاصة من الثورة ومن الأحداث ومن اليمين واليسار الخ فكانت هذه المراجعة الصريحة الشاملة الشخصية وأفكار ومواقف الإمام.
                    ـ الــنـــص ـ
                    س ـ الكثير يتساءلون عن أسباب اهتمامك بالمحرومين وعن الدوافع التي حدت بك لإيقاظهم وإنشاء أول حركة لهم في لبنان ـ حركة المحرومين؟
                    ج ـ الحقيقة أنني ما أوجدت حركة المحرومين. فالمحرومون والحركة العفوية الصادرة عن المحروم ضد الحرمان والوسائل المتنوعة التي يستعملها المحروم للوصول إلى حقه. تلك الوسائل التي تترواح بين العنف وبين المناشدة. أقول: أن هذه الأفواج من المحرومين ومن المساعي الصادرة عنهم موجودة دائماً في لبنان خاصة ولكنها لم تكن بارزة بل كانت مغطاة بمظاهر الازدهار والترف في المدن وفي المدن وفي المناطق الاصطياف. ولما بدأت بالسعي لخدمتهم والمساهمة في دفع الحرمان عنهم بمقتضى واجبي الديني الذي يرفض الفصل بين الأيمان بالله وبين السعي لخدمة المحروم. وبمقتضى مسؤوليتي الوطنية التي تنحدر من سقوط الوطن في معاثر الحرمان وبمقتضى مسؤوليتي العملية في المجلس الشيعي أقول: لما بدأت بمقتضى هذه المسؤوليات في السعي لخدمة المحرومين. وبدأت اصعد السعي من المناشدة إلى المظاهرات الصاخبة عبر لقاءات ومحاضرات ودراسات عند ذلك وجد المحرومون في لبنان شخصا آخر يتحرك يفهمون لغته ويجدون الثقة فيه ويقدرون نيته وإمكاناته. عند ذلك حصل التفاف وتحولت حركتهم إلى ظاهرة اجتماعية سميت بحركة المحرومين.
                    س ـ التاريخ يقول لكي يصل المحروم إلى حقه لابد من التغيير في البنية السياسية والاقتصادية للنظام وقد سبق لسماحتك أن دعوت المحرومين لاحتلال القصور وقلت: إن السلاح زينة الرجال، فهل معنى ذلك انك تؤمن بالتغيير عن طريق الثورة ؟
                    ج ـ إن الكلمات والمواقف يجب أن توضع في مواضعها وبإمكاني أن ألخصها في النقاط التالية:
                    1- لابد من القضاء على الحرمان وهذا واجب وحق وضرورة.
                    2- إن الثورة وسيلة وليست غاية.
                    3- بطبيعة موقفي الاجتماعي وللمحافظة على الأمانة التي هي حاجات الناس ومصالحهم لابد من وضع اليد على الجرح والإصرار على دفع الحرمان وتحقيق المطالب التي نادينا بها في مذكراتنا، فإذا لم يتمكن النظام الحالي من تحقيقها فقد أدان نفسه وحكم على نفسه بالسقوط.
                    4- كان شعار احتلال القصور في سنة 1970عندما نزح عشرات الألوف من أبناء الجنوب باتجاه العاصمة وهم مواطنون مشاركون في خيرات الوطن وليسوا لاجئين، ثم أنهم نزحوا لغياب الحماية الرسمية لا لتقصير منهم في واجباتهم الوطنية، لذلك فمن حقهم مشاركة الناس في إمكاناتهم الحياتية، ومن جهة أخرى فأنني وضعت موضوع الاحتلال في الدرجات المتأخرة حيث طالبت الحكومة بمعالجة شؤونهم وإلا فسنقوم بمظاهرة يأتي احتلال القصور في الدرجة الثالثة مع العلم أن السلطة حينئذ مسؤولة عن دفع ثمن وبدل الإيجارات سيما وكان عندي معلومات تؤكد وجود ستين ألف شقة شاغرة في بيروت والجبل فهل يعقل بعد ذلك إعطاء ـ خيم لهؤلاء واعتبارهم لاجئين.
                    5- السلاح زينة الرجال حديث وارد عن الرسول في تفسير الآية : خذوا زينتكم عند كل مسجد، فقد ورد أنه قال: أن الزينة المطلوب أخذها في حالات الصلاة والسجود هي السلاح، والمفهوم من الآية أن اقتناء السلاح في حالات الدفاع مشروع بل واجب فهل يمكن بعد ذلك التردد في وجوب التسلح للدفاع عن الوطن وعن المواطن أمام إسرائيل بحجج واهية طالما الصلاة والتواجد في المسجد لا يمنعان حمل السلاح.
                    6- وفي لبنان اعتقد أن الظروف المحلية المعقدة والأخطار المتربصة بلبنان وبالمقاومة تحول دون إمكانية استعمال العنف للتغيير سيما وان التغيير أصبح مطلباً وطنياً عاماً فلا بد من تصحيح وسائل التعبير أي قانون الانتخابات، ثم التغيير، ولا يمكن أن نمنع التغيير بقوة السلاح كما يقال، فالتاريخ لا يهدأ والزمن لا يقف.
                    7- وتراني أضع الأمور في نصابها سيما إذا أضفنا الاعتصام لرفض العنف في وجه المواطنين إلى اللوحة لكي تكتمل الصورة، وقد ورد في القرآن الكريم وفي وصف رفاق محمد (ص) أنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم.
                    س ـ يفسرون اعتصامك أبان أحداث بيوت الأخيرة من أجل وقف القتال إزاء دعوتك السابقة إلى حمل السلاح بأنه بمثابة انتقال من السلبية إلى الإيجابية ومن المعارضة إلى الموالاة؟
                    ج ـ الحقيقة كما ذكرت في النقاط السبع السابقة. العنف هو في وجه العدو ولأجل التغيير في الظروف العادية مع اليأس من نجاح الوسائل الديمقراطية، أما السلام ورفض العنف فهو مع المواطنين، ولا ننسى أن استعمال السلاح في وجه المواطنين في لبنان أوصل الموطن والمواطنين إلى دركات لم يكن يتصور أحدنا الوصول إليها فهو أمر في منتهى الخطورة مهما كان السبب..
                    س ـ سمعنا بعد أحداث بيروت أن بعض كبار الأغنياء من أركان النظام يتهمون سماحتك بدور تحريضي من خلال دعوتك لاحتلال القصور وذلك أثناء تحليلهم مظاهر النقمة الاجتماعية التي فجرتها تلك الأحداث؟
                    ج ـ اعتقد أنهم يتجاهلون منطق التاريخ أو يجهلون القوانين الاجتماعية الثابتة وأكثر من ذلك أنهم لا يقرأون القرآن بل على قلوب أقفالها لأنه يقول: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:195). ويقول : {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (البقرة:272). والحديث يؤكد: "كاد الفقر أن يكون كفرا" ويقول: "عجبت لمن بات جوعانا كيف لا يصبح شاهراً سيفه"، أذن فالمسؤولية على الخلق أو على الخالق الذي خلق الناس غير مستعدين لتحمل الظلم بوجه دائم ثم أننا لا ننسى أن إضراب سنة 1970 في أيار قد أنقذ البلاد من الفتنة العمياء التي كانت تتدبر للبلاد، والفاصل بين ذلك اليوم الذي طرح فيه شعار التهديد باحتلال القصور، وبين الأحداث خمس سنوات.
                    س ـ لقد ولدت الأحداث نقمة مزدوجة على الشيعة في لبنان؟ نقم عليهم الموارنة بحجة أنهم كانوا ينتظرون من الشيعة أن يكونوا ظهيرهم أو أن على الحياد فإذا بالشيعة في مقدمة من حمل السلاح، ونقم عليهم اليمين اللبناني بحجة انتشار أفكار اليسار في صفوفهم؟
                    ج ـ إن الشيعة في حدود موقفي عنصر معتدل متسامح ووطني ولكن ما هو المطلوب منهم؟ أن يعيشوا في بلد يتفاوت مستوى الحياة بين مناطقه المتقاربة بعضها من بعض إلى حد عشرين ضعفاً؟ أو أن يعيش المثقف منهم بعد أن تحمل أهله أقسى درجات الشقاء حتى اكمل دراسته فأبعد عن الفرص وأبعدت عنه لأوهام سخيفة طائفية؟ ومع ذلك فماذا عمل الشيعي؟ تركوا منطقته الأصلية، الجنوب معرضة للإعتداءات الإسرائيلية المتكررة دون دفاع ودون السماح له بالموت الشريف في سبيل وطنه، ثم بدأوا يستهترون بحقوقه ويفرضون عليه مواقف، ويغتصبون ثمن تبغه وينقلون موازنات منطقته ويجمدون حياته، وبعد أن نزح إلى بيروت سلبوا منه الأمان، إنني أنتظر بفارغ الصبر إلى يوم ينكشف واقع ما جرى في الشياح وتل الزعتر. والمعروف أن 60 بالمئة من سكان تل الزعتر هم من الشيعة والباقون فلسطينيون وكذلك النبعة... ما هو المطلوب من الشيعي بعد أن حرم من كل شيء؟ ولو كان غيره مكانه لفعل أضعاف ما فعل وقد فعل غيره بالفعل أكثر.. فلنرجع إلى الساحة اللبنانية شمالها وشرقها وإلى العاصمة لكي نعود ونعترف للشيعة بالاعتدال والوطنية والتسامح.
                    س ـ البعض يرمي مسؤولية الحرمان المسيطر في المناطق الشيعية على الزعماء والنواب الشيعية؟
                    ج ـ لا أنكر ذلك، ولكني أعرف أننا نعيش في بلد ديمقراطي والدولة مسؤولة ببعض أجهزتها عن العمران والإنماء وبالبعض الأخر عن العدالة وتوفير الفرص سيما إذا عرفنا أن السلطة المركزية هي التي تفرض بشكل غير مباشر بعض النواب على تلك المناطق.
                    س ـ عودة إلى الأحداث أيضاً، لقد تعرضت سماحتك وخلالها لنقمة مسيحية بصدد منظمة "أمل" وإلى اتهام بأنه لا يجوز لرجل الدين أن تكون له "ميلشيا" وإلى اتهام شيعي أيضاً بالتهاون إزاء قصف الشياح وعدم تفجيرك الموقف والكشف عمن قصف الشياح؟
                    ج ـ اعتقد أن كل موقف أصيل غير تابع يتعرض للحملات من أصحاب المواقف الأخرى إذا كان مؤثراً في الوضع العام. لو كنت أملك القبضة لأوقفت الحرب الأهلية أو على الأقل لمنعت تسللها إلى الشياح، لكن ماذا تراني اعمل مع تركة يبلغ عمرها قرون من الحرمان والفقر والغياب؟ كما أقدر أن أقول مع وضع لا تتوفر فيه أية إمكانية للردع وللدفاع… ماذا يمكن أن يعمل؟ التحرك في الفضاء الهندسي والسباحة في أفق الآمال سهل جداً…
                    أقول لو كنت أملك القبضة الحديدية ذلك لأنني أنظر إلى الأحداث اللبنانية الأخيرة أنها تنفيذ لمؤامرة دولية غايتها في الحد الأدنى الذي حصل هو الهاء لبنان والمقاومة الفلسطينية عن المصير الذي يخطط لهما وفي فترة زمنية هي أخطر وأهم الفترات منذ سنة 1948 حتى الآن. أما أقصاه فهو تحجيم المقاومة وتحطيم لبنان واستدراج سورية وتغيير المقاييس وموازين القوة في المنطقة. لذلك فإن السعي لتفجير الوضع حتى ولو كان رداً عاطفياً على الاعتداءات غير مسموح فجوابي على الفئة الأولى هو أن إمكانات التفجير متوفرة ولكنها غير مسموحة وان إمكانات الانتصار دون التفجير أي وضع الأمور في نصابها وإيقاف النزيف بالقوة دون التوسع أن هذه الإمكانات غير متوفرة، أما الآخرون الذين انتقدوا تأسيس منظمة "أمل" فقد ذكرت الجواب لهم في المؤتمر الصحفي "الأيام ستكشف أن هذه المنظمة المتواضعة هي بالفعل فدائيو لبنان وأبطال الحدود ليسوا "ميلشيات" للشوارع والدليل على ذلك أن المعسكر المتواضع لهذه المنظمة تعرض مرتين للاعتداءات الإسرائيلية بينما سائر المعسكرات المكشوفة المنتشرة لا تصاب بأذى، ثم أنني في مؤتمري الصحفي طلبت متحدياً كل متشدق إذا وجد شاباً منهم في أية معركة لبنانية وان مجال التدريب مفتوح لكل مواطن دون تمييز، أما الجواب القاطع فهو متروك للزمن واحب أن أشير إلى نقطة واحدة وهي أنني في المعارك التي جرت في المناطق الشيعية في ضواحي بيروت ما استقدمت مسلحاً واحداً من العشائر الشيعية رغم أن قضية الثأر تأخذ بعدا كبير عندهم.
                    س ـ في مؤتمرك الصحفي الأخير دعوت للمصالحة الوطنية،كيف تطلب المصالحة بين السياسيين وأنت تعرف مدى مسؤوليتهم جميعاً في الذي يجري وفيما وصلنا إليه؟
                    =يتبع =

                    تعليق


                    • #85
                      سيرة الأمام الصدر (حوار 11 ) جزء 2

                      ج ـ كلمة المصالحة الوطنية أنا استعملتها في مبادئ الاعتصام، وفي كلا الموقفين كان معللاً ومفصلا، المطلوب من المصالحة أمران: الأمر الأول السريع: إطفاء النار لان الأفكار تحت وطأة الرصاص والحوار في جو متشنج من الصعب أن يصل إلى نتيجة وأن يعطي الغاية المرجوة، والأمر الأساسي هو معالجة المشكلة، الآن المشكلة الأساسية التي وراء الأحداث هي عدم اتفاق اللبنانيين على القضايا الأساسية ابتداء من قضية العدالة وتوفير الفرص المتكافئة مروراً بالوضع الاقتصادي وموقف لبنان العربي والعلاقات اللبنانية الفلسطينية وغير ذلك من الأمور، الحقيقية أن تجنب الخوض في هذه القضايا هو الذي خلق هذا الجو المليء بالحرمان والمفهوم من المصالحة أن اللبنانيين بعدما عانوا مرارة عدم الاتفاق دفعوا الثمن الغالي الذي تدفعه الأوطان في الحرب أذن فليلتقوا بأفكارهم ويتفقوا على الحد الأدنى وهذا الحد الأدنى هو الميثاق الاجتماعي والسياسي بشكل عام فتحصل المصالحة.
                      في اجتماع المجلس الشيعي قرر مبدأ إنشاء أمانة عامة للمصالحة الوطنية.
                      س ـ يقول المثل: "من جرب المجرب يكون عقله مخرب" ولبنان منذ 50 سنة لا يزال يعاني من الظلم السياسي نفسه أباء وأبناء فكيف بإمكان هؤلاء التخريب والإصلاح في الوقت نفسه؟
                      ج ـ أحد أمراض لبنان الأساسية هي الطائفية، الطائفية تحمي الإقطاع وتعطي للزعماء السياسيين طابع القداسة. والزعماء السياسيون أو ما يسمى بالعائلات السياسية يحمل بعضهم العقلية الملكية بمعنى أن الوطن لهم ويأتي في درجة الأهمية بعدهم، هؤلاء الذين كانوا يعتبرون أنفسهم الأساس، كانوا ناجحين جداً في حفظ مصالحهم ولم يكن المطلوب لديهم حفظ الوطن… أما الآن فبعد أن برز تناقض بين مصالح الوطن وبين مصالحهم أو بتعبير أخر بعد أن برز لتناقض بين بقاء الوطن وبين مصالحهم وانكشفت هذه الحقيقة لا مجال إلا أن نضع نظاما جديدا عن طريق الحوار بين المواطنين يحمي الوطن يحدد حياته ويلبي حاجاته المتزايدة.
                      س ـ فئات كثيرة في الأحزاب اليسارية وسائر القوى التي وقفت ضد الكتائب في الأحداث الأخيرة كانت تفترض منك الوقوف معها في خندق واحد ضد الكتائب، وقد انتقدتك هذه الفئات لأنك حاولت لعب دور الوسط؟
                      ج ـ الحقيقة أن موقفنا في رفض العنف واستعمال السلاح والأساليب الإرهابية كان واضحا في أثناء الحوادث وبعدها بل كان السبب الأول من أسباب الاعتصام.. نعم لم لكن متشنجا لأحول الخلاف الأساسي في المواقف إلى حرد طفولي بالإضافة إلى أنني كما قلت كنت ولم أزل أنظر إلى الأحدث وكأنها تنفيذ المؤامرة العدو فالمواقف المتشنجة لا الصارمة تؤدي إلى تصعيد الأزمة وتقربها للانفجار.
                      س ـ في بداية حركة المحرومين كدت تلتقي مع اليسار ثم بعد ذلك حصل تكويع، ما هي الأسباب وراء هذا التكويع إذا صح التعبير أو الافتراق مع الملاحظة وجود تشابه بين حركتكم أفكار ومطالب اليسار؟
                      ج ـ لا أحاول دائماً وبخاصة في هذه الظروف أن أبدي تأثراً عاطفياً انفعالياً حول ما قيل أو يقال، لكن الحقيقة أنني لست يساريا ولم اكن يوماً يسارياً، كما أنني ابعد الناس عن اليمين وحاولت أن أجد تعبيراً اصيلاً لسلوكي فوجدت كلمة الصراط المستقيم خلال حركة المحرومين انطلقت من مبدأ الأيمان بالله في المفهوم الصحيح الذي لا ينفصل خدمة المعذبين أذن التقيت مع اليسار في خدمة المحرومين من منطلقين متفاوتين، وهذا هو المثل على نقاط اللقاء والتفاوت ولكني اعتقد أن اللقاء مع اليسار لم يزل له موجباته ولا يمكنني أن فهم سبب تهجم البعض منهم علي، أرجو أن لا يلتقي هذا البعض مع الإقطاع مع اليمين المتحجر الذي يشن في هذه الأيام حملات مسعورة ضدي. في وثيقة حركة المحرومين أكدت أنني لا أصنف الناس، ولا أرفض التعاون مع الأشخاص أو الفئات التي تؤمن برفض الحرمان وأنواع الظلم عن الناس وبالتالي تسعى لبناء غد أفضل.
                      س ـ في الساحة اللبنانية السياسية نلمس غياب الأحزاب بمفاهيمها العلمانية، ولما كان المحرومون موجودين في كل الطوائف فلماذا لا تتحول حركتهم إلى حزب سياسي؟
                      ج ـ الحقيقة أن الحزب عليه أن يقدم صورة بديلة عن المجتمع الحالي والمجتمع بحاجة إلى قواعد اقتصادية سياسية وحتى أيديولوجية وهنا تأتي المشكلة حيث أن تبني قواعد فلسفية وسياسية واقتصادية يجعل الخلاف بين المواطنين واسعاً وبالتالي التفاف الجماهير حولها ضيقاً ولعل السبب يعود إلى معتقدات المجتمع اللبناني وإلى تحفظاته التي تبلغ درجة "السرساب"، بالتالي فأن البحث عن تلك القواعد يبدو تجريدياً وكأنها بعيدة عن الواقع الحالي فتصبح موضع حوار الصالونات… من هنا يأتي تخوفي من تشكيل حزب بالإضافة إلى عدم اختصاصي في شؤون السياسة، آمل أن تصبح الحركة المناخ السياسي وتضع للنشاط السياسي قواعد متينة مرتبطة بواقع حاجات الناس وبالتالي تمهد لتشكيل أحزاب وطنية مختلفة.
                      س ـ يقال كذلك أن الغرض الحقيقي من إنشاء حركة المحرومين هو امتصاص النقمة وسحب البساط من اليسار؟
                      ج ـ لقد ورد في هذا الحوار بالذات جوابان عن هذا السؤال. فالأول: إن حركة المحرومين كانت قبلي وستكون بعدي ولكني التحقت بها في فترة من الزمن بناء على تحسسي بالواجب الديني والوطني وبناء على الالتزام بقسم.. والجواب الثاني ما نقلت حول اتهام بعض الفئات بأني منذ سنة 1970 وفي يوم الإضراب بالذات محرضاً داعياً إلى الانفجار، إذاً كلا الاتهامين يسقط أحدهما الأخر وفي الحقيقة أن هناك تفاوتاً في المواقف، ففي بعضها تبدو حركة المحرومين أكثر تطرفاً من اليسار كما هو الحال في قضية الجنوب والدفاع عنه وحمل السلاح لأجله والبقاء في القرى الأمامية مهما تكاثرت الأخطار وفي بعض الاخر تبدو الحركة معتدلة ولعل في مواقف ثالثة تبدو وكأنها محافظة، أنها معنى الأصالة، وبإمكاني أن أضيف أنني لا أحمل طموحاً سياسياً لكي أفتش عن الجماهير ولعلك تستغرب مني هذا الأمر ولكني أؤكد بأني أكره العمل السياسي ولكنني وقعت فيه بمقتضى وجوب الوقوف مع المحرومين وبمقتضى الظروف اللبنانية الخاصة التي تربط بين هذا الهدف وبين العمل السياسي.
                      س ـ يقال أيضاً أن حركة المحرومين هي من تخطيط اليمين الذكي لأجل حماية النظام؟
                      ج ـ ماذا يربطني بالنظام؟ أملاكي الكثيرة؟ أو رصيدي الواسع؟ أو نفوذي السياسي المبارك من قبل السلطة؟ أم ما أتمتع به كرئيس طائفة هو علم على السيارة لا أستعمله وحرس في المطار لدى الدخول والخروج من لبنان لا أستفيد منه؟ وفي مقابل ذلك تراني معك، الآن وقد مر علي ثلاثة وعشرين ساعة دون نوم، ناهيك عن توتر دائم في بيتي لأجل غيابي وتقصيري في رعاية أولادي؟!
                      س ـ هل لديك استعداد للتعاون مع اليسار في الانتخابات النيابية القادمة؟
                      ج ـ اعتقد أن هذا ممكن في حالة عزمي على التدخل في أمر الانتخابات، الأمر الذي لم أقرره حتى الآن ويخضع لاكتمال تنظيم حركة المحرومين والظروف الوطنية ثم أن الأمر يعود بعد ذلك إلى أساس التلاقي في المرحلة الانتخابية وفي مقدار التفاهم والتقييم الصحيح للقوي وبكلمة لا يمكنني أن أرفض هذا التعاون منذ الآن.
                      س ـ وإذا قامت عليك قيامة اليمين من أجل ذلك؟
                      ج ـ أقول له لقد سبقت وتحالفت مرات ومرات مع اليسار، ثم هل أنت أقرب إلي من اليسار فكيف يطلب أن أتحالف معك دون اليسار؟
                      س ـ هل ستخوض حركة المحرومين الانتخابات النيابية بمرشحين معينين؟
                      ج ـ المهم في حركة المحرومين هو النتائج أي تقديم الخدمات وتحقيق المطالب فإذا لزم التدخل في الانتخابات من أجل تحقيق هذا الهدف فليكن وإلا فان السياسة يجب تبقى وسيلة وليست غاية.
                      س ـ إذا خاضت حركة المحرومين المعركة الانتخابية ألا تخشى انقلاب الزعامات التقليدية السياسية على سماحتك؟
                      ج ـ إن عداء السياسيين التقليديين وتجنبه لا يعد هدفاً استراتيجياً لي وللحركة كما أن ودهم شرط عدم دعمهم في استمرار الظلم أمر قريب إلى نفسي فأني أرغب أن أصادق الناس عدا الظالمين الذين منعنا الله حبهم وأكد وجوب محاربتهم وعدم الركون إليهم!
                      س ـ هذه الزعامات وسواها تأخذ عليك العمل في السياسة وقد جاهرت بهذا المأخذ أخيراً؟
                      ج ـ وما الذي يمنعني من الدخول في السياسة… الست مواطناً؟ ـ نعم أنني كرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يجب أن أشعر بأمانة حقوق هذه الطائفة دون أن استعمل مركزي أو قوتي في خدمة شخص أو فئة أو ضد أي واحد منهما طالما أن الشخص أو الفئة لن تصبح جزء من مصلحة الطائفة أو من حرمانها وعند ذلك فالواجب التأييد أو المحاربة.
                      س ـ لقد أيدتم خلال الاجتماع الذي حصل عند المفتي الشيخ حسن خالد في عرمون قرار الحكومة بإنزال الجيش في الشمال، بينما عارضته الأحزاب التقدمية فهل معنى ذلك بداية خلاف بين الذين اجتمعوا في عرمون والأحزاب؟
                      ج ـ سمعت أن الأحزاب والقوى الوطنية بعد حادثة "بيت ملات" أعادت النظر في موقفها وعلى افتراض استمرارهم في الموقف فنحن مقتنعون تمام الاقتناع بأن الخطوة كانت سليمة لأسباب عديدة:
                      1 - عندما نشاهد تصعيد المعارك وتوسعها وتكاثر أبعادها مما يرسم إمامنا صورة للمعارك الواسعة في المستقبل قد تؤدي إلى تدخل أجنبي، لذلك فإن وقوف الجيش مانعاً للتصعيد هو وقوفه في مكانه الطبيعي أي لدرء الخطر الخارجي.
                      2- إن تغيير القيادة وقرار قانون الجيش وشخص رشيد كرامي في الظروف التي أحاطت بهذه التطورات، كل ذلك مدعاة للاطمئنان.
                      3- إن الشروط والحدود التي وضعت للقرار وهي وقوف الجيش في منطقة عازلة وعدم استعمال السلاح وعدم دخوله المدن وعدم مبادرته بالأمر إلا بناء على الطلب السياسي، هذه الشروط أيضاً تدعو الارتياح.
                      4- إن الوطن يحترق وأن الأخطار ملموسة فهل يمكن تجميد أي رصيد لخدمة هذا الوطن ساعة عسره؟
                      أما المواقف والتفاوت فيها فليس أمرا جديدا في حياتنا العامة المهم قناعة الإنسان بسلامة خطوته وبرضى الله عنها.
                      س ـ كثر الحديث أخيراً عن قبرصة أو تقسيم لبنان فما هو تقييمك لهذه النغمة؟
                      ج ـ في رأيي أن هذا الشعار أسطورة لأن فصل لبنان المسيحي عن لبنان المسلم كان ولم يزل يبدو مستحيلا ذلك لأن التمازج السكاني في بيروت وجبل لبنان وانتقال عشرات الألوف من أبناء المناطق الحدودية إلى جبل لبنان، ثم كثرة الدروز في هذه المنطقة بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية وطرق المواصلات ومختلف المشاريع العمرانية والحياتية، هذه الأمور تجعل من المستحيل تنفيذ هذه الخطوة؛ ثم إنّ المخاض العسير الذي يرافق تقسيم لبنان لا ينفصل عن عوامل سياسية دولية تجعل الأمر بحكم تحطيم لبنان وليس تقسيم لبنان، وفي رأيي أن هذا الشعار هو من قبيل التهويل يكفر به رافعوه قبل رافضيه ولذلك فلا أظن أن فئة تعمل على هذا الأساس إلا أولئك الذين يريدون تحطيم لبنان.
                      س ـ الجولة الرابعة كانت زحلة والجولة الخامسة كانت من نصيب طرابلس وعكار فهل تنتظر جولات أخرى أو هل للعوامل الخارجية دورها إشعال النيران؟
                      ج ـ دون شك العوامل الخارجية كما ذكرت ليست بعيدة عن الأحداث اللبنانية ولكن السؤال الأساسي هو حول الوضع الداخلي وسرعة الغضب التي وصل إليها الوطن نظرا للعوامل الاجتماعية والسياسية وغيرها.
                      س ـ يعتقد البعض بصعوبة إعادة اللحمة بين الطوائف اللبنانية بعد هدوء الحال، بسبب مظاهر العنف والوحشية التي رافقت الاقتتال، فهل أنت من هذا الرأي؟
                      ج ـ إذا المشكلة في جذورها انحلت فإن لبنان يستعيد عافيته بسرعة بالغة، ولابدّ من إعادة أحداث 1958 إلى الذاكرة رغم التفاوت بين الحادثتين، ولكنها كنموذج شاهدنا أن تلك الأزمة بعد أن انتهت كيف احتضن اللبناني أخاه في لهفة وشوق بعد أن رفعت المتاريس. وعلى حال فلا خيار للبنانيين إلا أن يتعايشوا معاً وهذا المبدأ الماروني هو الوحيد الذي أؤمن به: أنهما أي المسلم والمسيحي في لبنان يعيشان زواجاً مارونياً.

                      تعليق


                      • #86
                        سيرة الأمام الصدر (خطاب 10 )

                        الموضوع : خطبة ـ ماذا عملنا بأنفسنا وبوطننا وبأمجادنا وسمعتنا وبمستقبل أولادنا.
                        المكـان : جامع صور ـ 12/12/1975.
                        المناسبـة : صلاة عيد الأضحى المبارك.
                        ـ الــنـــص ـ
                        أيها اللبنانيون...
                        من أعماق طوفان الفتنة الهوجاء التي تعصف بالأبصار والبصائر، من لبنان، حيث بدأت ألسنة اللهب تحول بقية الإنسان فيه الى الفحم والرماد أو الى الشرارة، وتقلع أمواج الدماء البريئة جذور الإيمان والقيم من النفوس ومن البلاد، إرتفعت ستائر الدخان والأحقاد حتى غطت جبين الثمر ووجه السماء، فإذا بمهبط الرسالات معرج العقول، منطلق الإنسانية وملتقى القيم الحضارية غابة من دون أفياء، تتحرك فيها وحوش كاسرة لتقضي على الأخضر واليابس ثم تنظر إليها أعين الآخرين مندهشة محرقة تحس أن الوحش يتسرب إليها أو يهربون من الساحة مفضلين اللامبالاة كما القطيع يقدم بعضه الى المذبح والبقية ترتع.
                        في هذا الليل المدلهم يرسل الأضحى والميلاد، ثم الغدير، خيوطا من نور الأمل، أمام عيون بلادي تتلمس جروحها البالغة بأصابعها الممتدة الرقيقة.
                        نوافذ كالفجر يطل من خلالها التاريخ والسماء، وينفتح أمامنا أفق آخر يختطف من ساعاتنا السوداء لحظات قصيرة.
                        الأضحى يتقدم ويبشر بالميلاد المجيد، يعقبه الغدير، يبارك السعي ويخلق الأمل ويضمن النجاح، وكل يقدّم وقائع وفلسفة ومثالا.
                        ها هو إبراهيم أبو الأنبياء، وسيد الموحدين، وقد بلغ به الكبر واشتعل الرأس شيبا، يمشي منحنيا يأخذ يد ولده الوحيد لكي يقدّمه قربانا لأمر الله، يقدّمه برضاه ووعيه لنجاة أمته، على رغم جروحه العميقة منهم ومن أصنامهم، وعلى رغم ظلم ذوي القربى، يمشي ويتقدم ويتخطى كل سمو، فيصل الى الخلود يوم المتقين ويواكبه المليارات من البشر يحمل كل منهم في عنقه وفي نفسه دينه.
                        كل منهم يقصد أرضه حتى يعيش المناخ الإبراهيمي، ويلتحق بموكبه ولأجل ذلك نراهم يأتونه رجالا وعلى كل ضامر يأتونه من كل فج عميق، تاركين وراءهم بلادهم وراحتهم وأهلهم وملابسهم وعاداتهم وأموالهم.
                        إنها قافلة الموحدين، أولئك الذين لا يعبدون مع الله إلها آخر فيتمردون على آلهة الأرض ولا يرتضون عبادة الذات.
                        إنهم بناة الحضارة وخدام الإنسانية وحملة العلم والرسالة، يرفعون عجلة التاريخ نحو الأمام ويملؤون العالم نورا وخيرا وسعادة.
                        إبراهيم يمشي، يواكبه أولئك العارفون الذين يملؤون وادي منى، ويرافقهم جميع الذين يعيشون التحرك بقلوبهم وإرادتهم منذ أيامه حتى أبد الدهر ونهاية التاريخ.
                        القافلة الإبراهيمية تسير حاملة كل ما تملك من مال أو جهد أو روح، واضعة إياها في خدمة الإنسان، كل إنسان، إنها القافلة الكبرى في التاريخ ترحل من أرض الإثبات والتفرق والخلافات الى سماء التضحيات، الى عبادة الله، الى خدمة الناس، رحلة دائمة لا تنقطع حول قلب هو أول بيت وضع للناس.
                        ويأتي ـ هذه السنة ـ الميلاد المجيد على الأثر بذكراه المدهشة حياة تعدم في نشأتها أحلام الطغاة ومطامع المستأثرين وتخلد في نهايتها انتصار المؤمنين والمستضعفين، ولادة لأجل الفداء ووجود للعناء في الآخرين، شعاع الخلود في عالم الزوال، سلام يرفض الإستسلام لسدنة الهيكل وحماة الظالمين ويقترن بالحرب الأبدية لخدمة المظلومين.
                        كلمة الله تتجسد وتجسد في ولادتها الرفض، لزمت المجتمع في عقائده وعاداته ومفاهيمه وتحمّل في استمرارها مقاييس جديدة تتغلب على التغلب وتحبب المنبوذين وتبارك في نهايتها المذنبين والخاطئين وتفتح باب العودة للبائسين والمنحرفين.
                        ومع كل ميلاد، تشرق في قلوب المليارات من البشر نجمة البشارة والأمل بمجد الله، وتبعث السعادة على الأرض والمسرة الى القلوب.
                        ثم نشاهد في الأفق، الغدير يجر أذيال المجد، يحمل رسالة التفاني في خدمة الأمة، مستنكرا أن يقال لأحد أمير المؤمنين وهو لا يشاركهم في مكاره الدهر، قائلا: "لئن أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلد شعيرة لما فعلت".
                        والآن أيها اللبنانيون،يا أبناء هذه القافلة الإنسانية الخالدة..
                        يا طليعة الموكب الذي درست من تاريخها وفي مواقفها وفي تعايشها أسس السير حتى أصبحت هذه القواعد، وحدها تميز حضارتهم وسبب وجودهم ورسالة وطنهم.
                        والآن، يا أيها اللبنانيون.. الى أين نذهب؟ إلى أبشع النهايات.. لماذا؟ نجيب حتما أولا وثانيا وثالثا.. وعاشرا، الحقيقة أن الغضب يجيب عنا.. فلنرجع لكي نسأل من جديد الى أين نذهب؟
                        إن التجربة الحاضرة تجيب عنا في وضوح.
                        لقد قطعنا قسما من الطريق، وأصبح في إمكاننا أن نعرف النهاية بالمقارنة مع هذا القسم الذي قطعناه لقد تراجعنا في وضوح. سلكنا خلال هذه الفترة مسافة بعيدة في اتجاه معاكس مئة في المئة.
                        ماذا عملنا بأنفسنا وبوطننا وبأمجادنا التاريخية وسمعتنا أمام العالم؟
                        ماذا عملنا بمستقبل أولادنا؟
                        بل ماذا عملنا بحاضر أولادنا وهم يشهدون جرائمنا البشعة؟ ماذا يقول أولادنا غدا عندما يذكرون الأحداث ويقرأون التاريخ؟ ماذا نقول للعالم، لرفاقنا في الخارج، لأصدقائنا، كيف ينظر إلينا العالم، وكيف يعاملنا غدا في مجالات الدبلوماسية والثقافة والإقتصاد؟ بل كيف نشترك في المؤتمرات ونتعاون في سبيل الإنسان؟ مَن الرابح حتى الآن؟
                        هل الذين حكمنا عليهم ونفذنا أحكامنا الجائرة من دون محاكمة كانوا يستحقون هذه المجازاة؟
                        وفوق كل هذا، هل يليق بنا وبوطننا هذا السلوك؟
                        لقد كنا رجال الكلمة، حملة الحرف، بناة الحضارات، معمري البلاد، بلد الجامعات، وطن التعايش، مختبر الثقافات، بوابة الشرق، مدخل الغرب، محور القارات الثلاث، كنا نقف مع كل حق في العالم، كنا نرفض التصنيف بين الناس، كنا نرفض الانحياز وسياسة المحاور.
                        أين وصلنا؟
                        مهما قلنا في الجواب لا يرضي ضمائرنا فكيف بالآخرين؟!
                        هل كان خطف واحد من أهلنا يبيح خطف عشرة أو أكثر من أبرياء لا ذنب لهم إلا هوياتهم التي فرضتها عليهم مصادفات الخلق وقوانين البلاد؟
                        لقد جرى ما جرى وسكتنا. لم نستنكر. أخفينا المجرمين.. حتى أولئك الذين أباحوا حرمة المقدسات.. وعدنا بتسليمهم فأخلفنا.. وتصاعدت ردود الفعل، وعظمت الجرائم وبقي السكوت وعدم الاستنكار والإخفاء والتمييع.
                        كل الذي جرى ويجري نستمر في العناد. نتصرف كأن شيئا لم يكن.. نحافظ على عاداتنا، على عقليتنا، على أسلوب حكمنا. نتهم الآخرين ونحمل مسؤولية الأحداث كل شيء وكل شخص وكل دولة.. ونتبرأ نحن من مسؤولياتنا.. بعض الدول العربية هي المسؤولة!!! الشعب مسؤول!!! الدول الكبرى هي التي تتصارع على أرضنا!!! الفلسطينيون هم السبب! اليسار الدولي يفتك بنا!! أما نحن فإننا أطهر من الطاهر!!
                        وبعد كل الذي جرى ويجري، نعتبر أي تعديل في المجتمع تخريبا وأي تصحيح للأوضاع هو انتصار لفئة وهزيمة لفئة، حتى لو كان لمصلحة الوطن!!
                        وبعد كل الذي جرى ويجري نرفض النصيحة ونستمر في الغباوة والعناد ونستمر في الأساليب البالية لكل عمل، عدا القتل الذي نطوره ونعتمد آخر الأساليب الحديثة.
                        أيها اللبنانيون...
                        إن الصديق، أي صديق في العالم لا يتمكن من إنقاذنا إلا بمساعدتنا. كما لا تتمكن أية قوة في العالم أن تطعننا إلا بمساعدتنا.
                        إذا، فلنتوجه الى أنفسنا أولا من أجل الخروج من الأزمة، ثانيا وهذا هو الأهم إن القادة قد ثبت عجزهم من إنقاذنا إلا بمساعدة الشعب لهم. والواقع الأليم أثبت ذلك ويؤكد كل يوم، فتعالوا ننتقل خلال أيامنا المباركة الى مواقعنا في الموكب الإنساني الخالد بإصلاح أنفسنا وباستلهام المناسبات. تعالوا نرحم البلد وأطفاله، نرحم الأبرياء والمستقبل، نضمن مصير الخائفين ونمسح جروح المصابين ونتطلع الى.. الأفق البعيد.

                        تعليق


                        • #87
                          سيرة ألأمام الصدر ( بيان 5 )

                          الموضوع : بيان صحفي ـ العدو الإسرائيلي يبتهج لأن الميلاد المجيد يمر على الشرق وهو يشهد احتضار رسالته .
                          المكـان : بيروت، دار الإفتاء الجعفري ـ بئر حسن ـ 17/12/1975.
                          المناسبـة : مناسبة أعياد الأضحى والميلاد ورأس السنة ووقوع مجازر السبت الأسود وحارة الغوارنة وسبنيه.
                          ـ الــنـــص ـ
                          ارجوا أن لا يكون حديثي هذا النداء الأخير… فالوضع في لبنان يتدهور، والوحدة الوطنية تهتز في ابشع الصور والعالم يتألم… أما العدو الإسرائيلي فيبتهج لأن الميلاد المجيد يمر على الشرق وهو يشهد احتضار رسالته في مولده وفي وطنه، ولان رسالة السلام التي أرسلها الميلاد إلى الأرض تسقط، والمسيرة التي بعثها تحولت إلى آلام، ولأن الحروب الثلاث التي وقعت بين إسرائيل والعرب لم تصل في خسائرها وضحاياها العربية إلى ما وصلت إليه هذه الفتنة العمياء التي ستمتد في الزمان والمكان إلي البعيد البعيد .
                          انقل هذه الصورة القاتمة إلي المواطنين والعالم، وهي نتيجة حتمية للأحداث التي حصلت في الأيام العشرة الأخيرة لا لكي ادعوا إلي اليأس، فالمؤمن لا ييأس، إنما لأحدد المسؤولية للعالم والتاريخ ولأشجع الجميع على مزيد من العمل والتحرك…
                          إنني لا أنكر جدلاً بعض الأحداث المؤلمة التي وقعت صباح السبت الأسود الدامي في 6/12/1975 ولا إطلاق النار من حارة الغوارنة وسبنيه، ولا انفي مشاركة بعض المتطرفين، عن قصد أو عن جرح مع عدم تقدير الظروف الزمنية والمكانية للأحداث، وكأن هذه المشاركة هي جزء من الخطة الجهنمية التي تمارس للقضاء على الوطن!!!
                          ولكن أقول أن مقتل خمسة أشخاص على أيدي مجهولين، لا يتطلب قتل مئة وخمسين بريئاً، وان حوادث إطلاق نار فردية هنا وهناك، كما يحصل في كل مكان، لا تقتضي حملة تترية على حي بكامله، ولا توجب إذلال الرجال المواطنين على الطريقة الصهيونية، ولا إرهاب الأطفال والنساء وتوجيه الشماته واللؤم إليهم. كما لا تتطلب حرق اكثر من 95 في المئة من منازل الحارة (28 بناية من اصل 29 بناية ) على طريقة دير ياسين، ثم متابعة الإرهاب وتهديد الاقليات الأخرى في المنطقة وتتويج كل ذلك بافتعال حادث مفجع آخر قبل مرور أسبوع على الحادث الأول .
                          واني اكشف الآن عن مكالمة هاتفية سرية اطلعت عليها وجرت بين ضابط في قوى الأمن الداخلي وآخرين في موضوع تحضير اعتداء على قرية رويسات جديدة المتن ينفذ في الأيام القريبة القادمة.
                          إن هذه الأحداث المريبة تأتي بعد جهد طويل اشتركت فيه فئات لبنانية وفلسطينية وعربية مختلفة لأجل تلطيف الأجواء ورأب الصدع في الميلاد وردم الهوة، وذلك الجهد الذي أدى إلى زيارة رئيس حزب الكتائب بيار الجميل وأركان الحزب إلى دمشق كخطوة تمهيدية للمصالحة العامة والبدء في بناء لبنان الجديد .
                          أقول إن الأحداث هذه تجعلني بصراحة كلية اتهم مرتكبي هذه المجازر البربرية بالخيانة العظمى، خيانة قتل الألوف التي مات بعضها، وسيموت الآخرون خلال تنفيذ المؤامرة من اجل الدفاع عن الوطن ـ لعلي أكون واحداً من المدافعين بل ارجوا ذلك ـ خيانة القضاء على الرسالة المسيحية في العالم العربي بعد جهد بذلناه اكثر من قرن، خيانة اتهام الديانتين العالميتين المسيحية والإسلامية بعدم إمكان التعايش، خيانة السعي الى خلق إسرائيل ثانية في الشرق، خيانة مخالفة أوامر وتمنيات بل توسلات قداسة البابا وغبطة البطريرك خريش وجميع القادة الروحيين في العالم، خيانة النتائج الخطيرة التي تترتب على هذه الأحداث.
                          اني اتهم وأتساءل من المسؤول؟ هل حزب الكتائب وحزب الأحرار وجبهة حراس الأرز هم المسؤولون… انهم ينفون ذلك، إذا فليتبرأوا منها ويكشفوا عن واقع احزابهم المتصدعة وعن المرتكبين. فليسمّوا المجرمين ويحجزوا المخالفين للقرارات السياسية.
                          ولا يمكنني إلا أن أشرك في الاتهام بعض المسؤولين والمتطرفين من الفئة الأخرى الذين يسهلون هم الآخرون مهمة، أولئك ويقدمون الذريعة لهم… أطالبهم بالكشف عن المخالفين الذين يستدرجون البلاد والعباد الى هذه الفتنة.
                          وأتساءل ثانية لماذا لا يسعى حزبا الكتائب والأحرار وحلفاؤهما فوراً وبعد وقوع الكارثة إلى معالجتها وإعادة المهجرين الى أحيائهم أو الى المؤسسات العامة المجاورة ريثما تتم إعادة البناء؟
                          وفي انتظار الجواب والإيضاح أوجه السؤال إلى الآخرين:
                          عندما حدثت محنة القاع في البقاع، مع ترك البحث في أسبابها وملابساتها ومفتعليها، قطعت الاعتصام قبل وصوله الى الغاية المرجوة، وسافرت ليلا تحت الأخطار الى القاع ودخلت الكنيسة واجتمعت بالناس واستنكرت الحادث واعدت المياه الى البلدة وآسيتهم وخلقت ما أمكن من الاطمئنان في النفوس حتى انهم ظلوا في بلدتهم ولم ينزحوا عنها. وفي كل حادث، كبيراً أم صغيراً بذلت مع رفاقي كل الجهد لوضع حد للمتطرفين وللمشاعر المتهيجة، متحملين مسؤولياتنا، فاتهمت عندها بالمسايرة وعدم رعاية مصالح الطائفة. ولا أزال أرفض إطلاقاً انتقاماً من أبرياء، ولا أنزلق في مهاوي التشنج حتى لو أدى ذلك إلى عزلي عن طائفتي وإلى تمكين المزايدين من طرح الشعارات وتوجيه الاتهامات .
                          قلت ولا أزال أقول للناس في البقاع والجنوب وفي كل لبنان، إن الفتنة الطائفية ليست معركتكم ولا هي تنسجم مع تاريخكم ومناقبكم، بل إن معركتكم هي معركة منع التقسيم أو دفع الخطر عن الجنوب المهدد أو عن المقاومة الفلسطينية.
                          واليوم، وبعد الذي جرى وبعدما لاحت في الأفق بوادر التقسيم ماذا يطلب مني؟ وهل اقبل الذل لأهلي وأبنائي والخطر على وطني وأمتي؟ كلا لا يكون ذلك وأنا ابن الحسين الذي قال: فوالله لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما".
                          وهنا أوجه ندائي إلى البطريرك خريش الذي اعرفه جيدا واعرف سمو افكاره وسلامة سلوكه وتحمله الدور التاريخي الملقى على عاتقه، والى جميع رجال الدين المسيحيين في البلاد وجميع رجالات البلاد خصوصاً المسيحيين وبالذات الزعماء الموارنة وقادة حزبي الكتائب والأحرار عندما يتبرأون من هذه الجرائم وأبعادها، لكي أقول لهم جميعا: إلى متى نسكت ونناقش في المسائل القريبة والبعيدة ونحلل الأحداث في وجود أناس موتورين أو غير منضبطين هنا وهناك؟ هبوا جميعاً لإنقاذ الوطن ومنع فتنة التقسيم التي بدأت تنفذ على رغمنا جميعاً. وأمام أعيننا. أسسوا جبهة عريضة لإنقاذ الوطن وحفظ أمانة الأجيال، لقطع دابر الفتنة وتطمين الناس.
                          إلى متى نخضع للعناد، للجمود، للذرائع الواهية، لعدم إطاعة المنسبين إلينا، لسلوك الجهلاء المضللين والموتورين؟
                          إني اوجه ندائي الى كل لبناني، الى كل أم وأب، الى الصحافة اللبنانية، الى العرب جميعاً، إلى المؤمنين بالله في أقطار الأرض، الى الملتزمين بكرامة الإنسان، الى محبي السلام والمدافعين عنه، أقول لهم لا تتأخروا لحظة واحدة لأن العواصف سوف تهب ولا تبقي ولا تذر وتشتعل الفتنة التي لا توفر احداً. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
                          إن إعادة الناس الى حارة الغوارنة وسبنية وكل مكان يجب أن تبدأ حالاً حتى لو اقتضت وضع خيم لسكانهم في أحيائهم في انتظار إعادة بناء منازلهم من جديد.
                          إن تطمين هؤلاء وإبعاد التهديد عن الاقليات في كل مكان واجب فوري؛ ينبغي حالاً الكشف عن المجرمين وتسليمهم طوعاً ومن دون مطالبة القضاء، المجرمين الذين قتلوا الأبرياء وهدموا المنازل وحرقوا المصاحف وبقية المقدسات.
                          إن واجب الدولة لا ينتهي عند المحافظة على شارع المصارف والمرافق العامة ذلك أن الإنسان في الوطن هو الأساس.

                          تعليق


                          • #88
                            سيرة الأمام الصدر (خطاب 11 )

                            الموضوع : خطاب ـ الاقليات في منطقتنا هم أمانة الله في أيدينا وعلينا حمايتهم. وسنمنع التقسيم حتى بقوة السلاح.
                            المكـان : نادي الإمام الصدر ـ صور ـ 21/12/1975.
                            المناسبـة : احتفال بذكرى الغدير واثر أحداث (السبت الأسود) الذي قتل فيه اكثر من مئة شخص شيعي برئ وكذلك أحداث تدمير "حارة الغوارنة" وسبنيه ورويسات الجديدة وعين بياقوت والزلقا.
                            ـ الــنـــص ـ
                            لا اعتقد ان في تاريخ لبنان، منذ وجوده، أزمة أو محنة تعادل هذه المحنة القائمة. وفي لبنان لا اعتقد ان محنة احد أو أي مجموعة تساوي محنتنا. لكن هذه الظروف العصيبة والاخطار لا تثني عزمنا ولا تبعد عنا الامل والسعي والجهد ما دمنا في لواء الغدير نلجأ الى هذا المنبر العَلوّي.
                            ان علينا ان نتحمل امانتنا. وما هي امانتنا اليوم ونحن نشاهد ان وطننا معرض لأخطار ثلاثة.
                            الخطر الاول، خطر التقسيم وقد برزت ملامحه عندما أعتدت أيد أثيمة مجرمة على حارة الغوارنة، وعندما أعتدت على سبنيه. وأنتم تعرفون ان الحارة في رأس المتن، وأنهم طردوا ابناءها وابناء المناطق المجاورة لها مثل رويسات الجديدة، عين بياقوت، الزلقا. فهذه المناطق، امتدادا الى الفنار والدكوانة وتل الزعتر والنبعة وبرج حمود، ستجرد عند التقسيم من أبنائنا المقيمين فيها...
                            اذن ملامح التقسيم برزت... من المسؤول؟ لا يهمني من يكون قدر ما يهمني ان اقول إن المؤامرة بدأت تنفذ. وأنني ملتزم، بمقتضى ايماني بوطني وايماني بديني ومذهبي، ان امنع التقسيم بقوة السلاح وان لا اسكت عن ذلك حتى لو استدعى حياتي وحياة غيري.
                            ان التقسيم خطر كبير على امتي ووطني، وهو بمثابة اقامة إسرائيل اخرى في قلب هذا الوطن وفي وسط هذه الامة، بعد ان ادينت "اسرائيل" في كيانها، واعتبرت الصهيونية نوعا من انواع العنصرية المرفوضة، وبدأت تنهار وتعيش بداية نهايتها، وهي الآن تحاول ان تخلق عنصرية صليبية في هذه المنطقة لتكون لها امتدادات لا لسبعة عشر مليون يهودي، بل لأكثر من ذلك من البشر. ولكن خسئوا، فهذه المؤامرة لا يمكن ان تتحقق الا على اشلائنا، ولن ندعها تتحقق ايا كان الثمن.
                            هذا هو الخطر الاول، وهو يقارن بخطر الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب، الذي يجب علينا وجوباً شرعيا وتاريخيا ووطنيا ان ندافع عنه بكل ما نملك من قوة، وهذا هو الخطر الثاني.
                            ان إسرائيل شر مطلق وخطر على العرب، مسلمين ومسيحيين، وعلى الحرية والكرامة. نحن نعرف ان الصهيونية تصنف البشر قسمين: انساناً يهودياً، والآخرون "غوييم" (فئة ثانية). وكل رسالات الانبياء تحارب هذه الفكرة. هذا الشر المطلق من يتصدى له؟ من يقف في وجهه؟ الدول العربية؟ انها مشغولة بصيانة اراضيها. اذن فهذه مهمة الثورة الفلسطينية مباشرة. فالشعار الذي حملته هو مكافحة إسرائيل. وهذا المنطق يجعل من الثورة الفلسطينية خيرا مطلقا، ودعمها واجب مطلق، ونحن مسؤولون عن حمايتها مهما كان الثمن.
                            أما الخطر الثالث، فهو تصفية الثورة الفلسطينية.
                            هذه الأخطار الثلاثة علينا ان نقف في وجهها. اما بقية الامور، المطالب الاجتماعية، المطالب الاصلاحية، المطالب السياسية، يجب النضال لأجلها، ولكن في هذه الاوقات علينا الا نعرض وطننا لأحد الأخطار الثلاثة.
                            ان بوادر التقسيم ظهرت في الافق، وعلينا ان نتصدى لها. هذا خطر على كل العرب، على كل اللبنانيين، على المسيحيين في العالم العربي قبل المسلمين.
                            وهنا يأتي معنى الولاية، وباعتباري شيعيا، فيجب ان اكون في الصف الاول. انا تابع لعلي لا افكر ان اكتسب المكاسب لنفسي، أو ان ادافع عن الاشياء لأجلي، لا. معنى الولاية انني اكون في طليعة هذه الامة، اكافح واناضل حتى آخر الشوط. نقلع الشوك بأيدينا.. هذا معنى الولاية.
                            ولكن حذار. هناك اناس عندما تتعرض قرى في بعض المناطق, يحاولون في شكل عفوي ان يتعرضوا للأبرياء من المسيحيين. هذا مرفوض في منطقنا ومفهومنا ورسالتنا. انه مخالف لسلوك علي، فعليّ كان يحمي الناس الذي يعيشون في ظله. نحن في هذه المنطقة، الكلمة لنا. ومن في هذه المنطقة من الناس، خصوصاً الاقليات، هم امانة الله في ايدينا، وعلينا حمايتهم، لأننا نعيش من دون سلطة رسمية. انها سائبة. ان من يعتدي على بريء، يعتدى على الله ورسله. لسنا للإنتقام أيها المجروحون، وانا واحد منكم، عندي الفا قتيل من ابنائي، في استطاعتي ان اثأر لك واحد منهم، ولكن ما معنى ذلك؟ ان اضيف جريمة إلى الجرائم وانتقم من الأبرياء. ونحن لسنا مجرمين.
                            يا أبناء علي، انكم امام ظروف استثنائية، امام معركة شديدة، امام فترة حاسمة من تاريخكم، ما واجهها آباؤكم ولا اجدادكم ولا أي عناصر أخرى في تاريخكم.. شاء الله ان تعيشوا هذه الفترة، فكونوا عند حسن ظن امامكم ونبيكم وربكم. وتحملوا الامانة بكل اخلاص وصدق. تهيأوا، تجهزوا، رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل. يقول ذلك الامام عليه السلام. استعدوا. لا تقولوا اعطونا السلاح. إذا ملكنا شيئا فهو لكم، ولكن من دون انتظار من ذلك ومن الآخرين، ودون انتظار المساعدات من هنا وهناك. اعتمدوا على انفسكم في البداية، تهيأوا، تدربوا، تسلحوا..
                            بكل صراحة، لا يبقى شيء خافياً على احد، بلادنا في خطر، وطننا في خطر، كرامتنا في خطر. فكل شيء في خطر. والأساس بقاء الوطن بقاء الامة. الاساس وحدة لبنان الأساس عدم تصفية المقاومة، لا تنخدعوا بالشعارات وكونوا يدا واحدة وقلباً واحداً.
                            ولكن حذار.. هناك اناس عندما تتعرض قرى في بعض المناطق، يحاولون، في شكل عفوي، ان يتعرضوا الابرياء من المسيحيين. هذا مرفوض في منطقنا ومفهومنا ورسالتنا. انه مخالف لسلوك عليّ، فعليّ كان يحمي الناس الذين يعيشون في ظله.
                            نحن في هذه المنطقة، الكلمة لنا. ومَن في هذه المنطقة من الناس، خصوصا الاقليات، هم امانة الله في ايدينا، وعلينا حمايتهم، لاننا نعيش دون سلطة رسمية. انها سائبة. انّ مَن يعتدي على بريء، يعتدي على الله ورسله.
                            لسنا للانتقام ايها المجروحون، وانا واحد منكم، عندي الفا قتيل من ابنائي، في استطاعتي ان اثار لكل واحد منهم. ولكن ما معنى ذلك، ان اضيف جريمة الى الجرائم، وانتقم من الابرياء. ونحن لسنا مجرمين

                            تعليق


                            • #89
                              سيرة الأمام الصدر (رسالة 1 ) جزء 1

                              الموضوع : رسالة إلى اللبنانيين ـ لا مكان في لبنان لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنفيه.
                              المكـان : بيروت ـ 31/12/1976.
                              المناسبـة : وجّه الإمام السيد موسى الصدر هذه الرسالة إلى اللبنانيين بمناسبة أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة مع ذكرى العاشر من محرم لسنة 1397هـ.
                              ـ الــنـــص ـ
                              بسم الله الرحمن الرحيم
                              أيها اللبنانيون..
                              يأتي يوم عاشوراء ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) فيكمل بمعانية السامية، معاني الأعياد الكريمة التي اقترنت هذه السنة لتضع أمام المواطن اللبناني الذي يعيش في بلد الله والإنسان بعد محنة دامية كانت ابعد ما تكون عن الله والإنسان، لتضع صورة واضحة للإنسان الذي أراد الله في لبنان وفي العالم.
                              إن الحسين قائد البقية من الإنسان الإلهي الذي تربى في مدرسة دين الله، يدرك أن الطغيان والفساد يلتهمان الجميع وان الخوف والطمع يمنعان توجيه أي نصيحة واعتراض وأن مخالفة الله والضمير يتقلصان في المجتمع حتى اصبح الإيمان والخلق يتهددان بالفناء.
                              ولاحظ الحسين (ع) أن تضحية كبرى تعادل جسامة المحنة وحدها تتمكن من تفجير ينابيع الخير في ضمير الأمة فلم يتردد ساعة واحدة ووضع روحه في كفه وحمل معه كل من له وكل ما له وقذف بجميع ذلك إلى مثل هذا اليوم، في نيران الظلم والظلام المستعرة فاحترق بها ولكنه أطفأها فأضاء بهذه الشموع الطاهرة ليل المجتمع الطويل وأطل الفجر.
                              لقد وجد الحسين "أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه" وأن الحاكم يتمادى في اغتصاب حقوق الناس ويستعمل في تنفيذ ذلك سيفهم وأبناءهم. وأنه يستعبد الإنسان ويجره إلى تأمين المصالح الذاتية وأنه يشتري الألسن ويسخر الأفكار ويشوه الحقائق ويجتذب القلوب، ثم يتصرف في هذه المزرعة دون منازع ولا رادع، يسفك ويهتك ويدمر ويرحل ويحول الإنسان الحر الشريف إلى الآلة الطيعة، وها هو يورث سلطانه ويخلد ملكه ويفرض البيعة لأبنائه.
                              وأخطر ما في الأمر أنه يستعين بالدين الإلهي وبمؤسساته وبشعائره وبأحكامه فيصبغ تصرفاته ومخالفاته بالشريعة والشرعية ويعتبر إطاعة أمره فريضة ومخالفة أهوائه مروقا ويسل سيف الدين لقتل المؤمنين الأحرار بع أن يجعل منهم بحكم القضاة وأحاديث الرواة ومواعظ الدعاة، خوارج مرتدين، فإذا بالإنسان الذي طالما تطلع إلى السماء وناضل في ترسيخ قواعد الدين، ووضع آماله الكبرى في الحرية والكرامة والأمان والعيش الطاهر أمانة بيد قادته، إذ به يفاجأ بأن أعداء حريته وكرامته ومغتصبي حقوقه وأمانيه، هم الذين يحكمونه ويؤمونه ويقررون مصيره.
                              أما الناس أولئك الذين رباهم محمد على ألاّ يقاروا على كظة ظالم ولا على سغب مظلوم وألاً يسكتوا على الانحراف مهما كان صغيراً، أولئك الذين ملأت احتجاجاتهم مجالس الحكام وأندية المجتمع، ها هم أسرى السيف أو الرغيف أو التحريف وها بعضهم يقلون للحسين: "إن قلوبنا معك وسيوفنا عليك. بعد أن طلب المتحكم في مدينة الرسول منه مبايعة يزيد".
                              وخرج من المدينة على إرادة الحكام والاستسلام مهاجراً إلى الله الحق، ثم ترك مكة في موسم الحج بالذات إمعاناً في الاحتجاج وإتماماً للتحدي معلناً على رؤوس الأشهاد رفضه لكل ما يجري في العالم الإسلامي ولكل من يجري وراء الطواغيت والمنحرفين مؤكداً أن الحج والمؤسسات الدينية كلها هي لحماية الإنسان وكرامته ولتحريره ومعراجه ولتربيته وسموه وألاّ فالرحلة الحقيقية إلى الله هي إلى المكان الذي تتوفر فيه القيم الروحية ولو كان عبر الصحراء إلى مقام الشهادة في سبيل الله.
                              خرج الحسين (ع) من مكة إلى الصحراء قائلاً: خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف. وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاء وأجربه سغباء. ثم ينهي خطبته الشهيرة بقوله: إني لا أرى الموت ألاً سعادة والحياة مع الظالمين إلاً برما، إلاّ ومن كان منكم باذلاً مهجته متشوقاً إلى لقاء الله، فليرحل معنا.
                              ثم ذهب فلاقى مصرعه ومصارع أهله وأصحابه جميعاً. وملأ مسامع العالم خبر استشهاده وطنين شعاراته وبريق بطولاته جرائم أعدائه وبدأت الاحتجاجات والندوات والتوبات والثورات تغطي أرجاء العالم الإسلامي فهزّت عروش الظالمين وأسقطت كيان المنحرفين وامتدت الشعلة الإنسانية الطاهرة التي أوقدها الله بدمائهم إلى أفق الدهر والتاريخ.
                              وفي هذه السنة، وفي كل سنة تقترن بداية السنة الهجرية هجرة محمد، مع ذكرى الهجرة الحسينية اقتران البداية بالاستمرار وانسجام الجذور والأسس بالبناء.
                              وشاء ربك أن يستقبل لبنان بعد نهاية محنته الدامية مع ذكريات الهجرة وعاشوراء، ذكرى الميلاد المجيد وميلاد العام الجديد، وذكرى ولادة الإيمان والسلام والفداء، لكي يبشر اللبنانيين وينشر في عقولهم وقلوبهم وعلى أرضهم الفجر الجديد للمستقبل الذي يليق بتضحياتهم وآلامهم مستقبلاً مشرقاً بالإيمان والآباء. حافلاً بالعدل والسلام، راسخاً بالمحبة والتضحيات رافضاً للأحقاد والعقد، شامخاً بالتحرر والمبادرات وفياً لأرواح أبطاله سعيداً بمواهب أبنائه حاملاً شعلة الحق والفكر والجمال.
                              وكخلود الميلاد وشموخ عاشوراء يرتبط خلود الوطن وشموخه بالقيم الإنسانية فقط، التي لا انتصار يخلق بدونها ولا مجد للبطولات مع عدم الالتزام بها. كما يأبى الكون أن يحفظ أو أن يرفع موقفاً ينطلق من سوى الإنسان وخدمته وخيره بل ينبذه في زوايا النسيان ويحتقره دون اهتمام.
                              أيها المواطنون الأعزاء:
                              إن المسؤولية التي تنتظرنا وينتظرها الوطن والعالم منا، كبيرة جداً وتتطلب الكبار لحملها وإتقانها وإيصالها للأجيال.
                              إن العالم قلق علينا لأننا أثبتنا أن الوطن الصغير كما تمكن من حمل مشعل الثقافة والحضارة ردحا طويلاً من الدهر، كذلك يمكنه أن يصبح مصدر الشرور والأخطار وان يقض المضاجع. وأدرك العالم أن هذا المواطن الذي كان يراه يدخل وحده في عالم المجهول فينسجم ويتجاوب ويبني كذلك تمكن أن يشهد قلة منحرفة تتنكر وترفض وتحطم.
                              فماذا يختار وماذا نختار أيها الاخوة؟ يا أيها المحتفلون بميلاد السيد ويا أيها المكرمون للشهيد؟
                              أمام هذا الخيار الواضح الذي لا نتردد فيه لحظة واستمراراً لتاريخنا الحضاري البناء ومع أجواء الذكريات التي نقدسها، علينا:
                              إن نخرج من أجواء الحرب فوراً، فإنها لم تكن بالمدافع فقط بل كانت حرباً بالعقول والنفوس والألسن أيضاً.
                              لقد أبدعت العقول مع الأسف في ابتكار الخطط الجهنمية وفي استعمال الوسائل المحرضة والمحطة وفي تنظير الانحرافات والمظالم وتبريرها حتى لم يبقى إمام بعضنا عمل غير مبرر مهما كان بعيداً عن المبادئ الإنسانية وعن التقاليد اللبنانية.
                              وتشنجت النفوس فكرهت كمالا يمكن إن تكره، وقد كنا في تاريخنا مؤسسي الرحمة مع الأعداء والحماية للاجئين والحفظ للأطفال والنساء والجرحى وان ألسنة العالم لا تزال تنقل كيف كنا نبعث الأطباء في الحرب لجرحى الأعداء قبل أن توجد مؤسسات الصليب الأحمر في العالم وتؤكد أن الأشجار والأبرياء والحيوانات حتى كانت تتطلب التفاني منا.
                              أما الألسنة والأقلام فقد خاضت حرباً تجاوزت في شراستها الأسلحة الفتاكة، فاختلفت وشوهت وحببت وكرهت وضخمت وصغرت وحطمت وتجاوزت حدود أفكار غوبلز.
                              إن هذه الحرب اللبنانية يمكن اعتبارها الحرب الإعلامية أولاً، ونتجت عن هذا التشنج الإعلامي الذي صرفت له الملايين بل مئات الملايين والذي تجندت له الأفكار والمواهب، نتجت عن هذا حرب العقول والنفوس وأدى كل ذلك إلى حرب الأيدي والسلاح وإلى المآسي والكارثة.
                              لذلك فإن الدمار النفسي في الوطن فاق الدمار المادي وتجاوز الضحايا والجرحى مما يجعل أمام القادة والمفكرين مهاماً جديدة وجسيمة تفوق مهامها بعد الحروب الصغرى الكونية.
                              وبنفس القوة والإبداع وعلى قدر الابتكارات المدهشة، علينا أن نعالج حالة الحرب، وان نخرج منها بملء إرادتنا وبكامل حريتنا.
                              إن قوات الأمن العربية المعززة لا تتمكن من إن تدخل في هذه الساحات الكبرى في حربنا ولا يعالجها إلاّ عزمنا النابع من الهام الفادي وفداء الحسين وإلاّ أرادتنا الصلبة لبناء مستقبلنا ومستقبل أولادنا.
                              علينا أن نعيد النظر في المعلومات التي أعطيت لها قبيل الحرب وخلالها وبالتالي نعيد تقييمنا في العلاقات العامة والخاصة وفي اختيار الحليف والخصم وفي انتخاب القادة والرفاق.
                              علينا أن نتجدد كالسنة الجديدة هجرية وميلادية وقد نتجدد معاً فتجدد بعقولنا ونفوسنا ومعلوماتنا وأحاديثنا المجلسية والصحفية والعامة.
                              إننا إذا أردنا أن نقرر مصيرنا بأنفسنا وان نملك الزمام من جديد علينا ان نتجه بكل ما لوجودنا من أبعاد إلى البناء، إلى الإمام، إلى الخلود، وإلاّ فان العالم يعتبرنا ولداً عاقاً يقاطعنا ويتغاضى عما يحل بنا من كوارث ويضع محجراً على حدوده لدخولنا.
                              = يتبع =

                              تعليق


                              • #90
                                سيرة الأمام الصدر (رسالة 1 ) جزء 2

                                فيا أيها اللبنانيون الطيبون ...
                                عالجوا المحنة قبل أن تستعصي على العلاج، وأبدأوا فوراً ودون تأخير بالخروج من أجواء الحرب في عقولنا وفي نفوسنا، في حلقاتنا ولقاءاتنا الخاصة والعامة ولنبادر إلى منع بقايا التهديد والخطف والنسف والتحريض والتبجح والتحدي وبيع المسروقات علناً. ولنستعجل دون الطلب بإطلاق سراح المعتقلين ليعودوا إلى بيوتهم وإلى ذويهم الذين طالما انتظارهم وتعبت عيونهم متجهة نحو الأبواب.
                                ولنتجنب تبرير كل انجراف بإسناده إلى عناصر غير منظبطة أو بحجة المقابلة بالمثل وبمختلف الحجج والأعذار والفلسفات التي تبتكرها عقولنا النوابغ.
                                ويا بناة الأوطان والتاريخ، اشجبوا علناً كل انحراف حصل أو يحصل وقاطعوا كل ظالم أثناء المحنة وبعدها ولا تحاولوا الحكم عليه من منطق ارتباط مرتكبيه معكم، فبالعدل والعدل وحده تبنى الأوطان، العدل في السلوك وفي الحكم والقول، وبالعدل يصنع التاريخ.
                                أيها الاخوة المواطنون، إن مبادرتنا العامة الشاملة في إنهاء الحرب وأجوائها تخرجنا من الحاجة إلى القيمين ولو كانوا اخوة لنا، وتوفر علينا المشاق والأخطار وتجعلهم يتفرغون لمسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تنتظرهم. إن إسراعنا في بناء مؤسساتنا الوطنية هو واجب وطني وقومي في آن معاً. ومن دون مشاركتنا في طرد الحرب وآثارها، نعرض وطننا وامتنا لأخطار كبرى أتهيب من ذكرها فكيف إذا حاولنا تمديد أجواء الحرب بشكل أو آخر؟
                                أعود، أمام ثقل المسؤولية وصعوبة تحملها، والحرب قد تعمقت أعود وأذكركم بالميلاد المجيد للفادي ومعانيه وأبعادها ونحن نحتفل به ونكرمه، وأضع أمام عينكم استشهاد الحسين وأعماقه ونحن نعيش احتفالاته ومعانيه. هلمّوا أيها الاخوة لنعمل آحاداً وجماعات، نبادر إلى تصفية ذيول الحرب في خلق المصالحات وخرق الأجواء الصعبة في إيجاد الحوار في البحث المحب، في تقرير المصير والتفكير به.
                                أيها اللبنانيون: تعالوا نتحدى العالم، الصديق الذي راهن بألم على نهايتها والعدو الذي تآمر على وطننا وعلى وحدته أو على سيادته أو على حريته أو على انفتاحه أو على طموحه أو على ازدهاره أو على كل ذلك معاً. نتحداهم جميعاً ونقول لهم بالفعل لا بالادعاء إننا هنا باقون، صامدون، مستمرون، نحفظ وطننا: وحدته وسيادته وحريته وانفتاحه وازدهاره.
                                يا أيها العالم الذي ساهمنا في تثقيفه وفي تحضيره وفي بنائه، وفي الدفاع عن المظلومين في أي بقعة منه، والذي سارعنا في تبني قضاياه، والذي فتحنا عقولنا وقلوبنا وبيوتنا ومؤسساتنا وصحفنا له، إننا هنا لا نزال رغم إساءاتك وتجاهلك وحزنك المترف علينا ومحاسبتك الاقتصادية والسياسية في إسعافنا ومساعدتنا، إننا موجودون موحدون مستعدون للبقاء في نفس الموقع المعطاء وسنضمد جروحنا لنتفرغ لتضميد جروحك وسنبعد الظلم عن داخلنا لكي نحارب الظلم لديك وسنقضي عل التخلف والعنصرية والتمييز لكي نقف لخدمة المتعطشين إلى التقدم والمساواة والحرية.
                                ويا أيها العالم الذي انزعجت من انتشار وجودنا وعمق تأثير أبنائنا فمن تبنينا لقضية فلسطين ولنضال شعبها العادل، ومن إلقائنا لكلمة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن حمايتنا لثورتها ولثوارها ولمكاتبهم ولمخيماتهم، إننا رغم معاناتنا التي تجاوزت كل حد، باقون في ذات الموقع وسوف نتعاون معهم في إعادة التقييم لمرحلة ثورتهم المقبلة وفي وضع استراتيجية جديدة لها وفي حماية قضيتهم العادلة إلى يوم العودة.
                                إن القدس التي هي عاصمة بلدهم هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا، إنها قدسنا وقضيتنا، وجهادهم في سبيل تحريرها جهادنا ومسئوليتنا.
                                إن وطننا أقوى شكيمة وأوسع أفقا من أن يتأثر بالجروح المفتعلة، وأن الصعوبات التي تعترضنا هي أقل من أن تسلب رسالتنا الحضارية ومسئوليتنا التاريخية.
                                ويا أيها الذي أردت القضاء على تعايشنا المثالي لكي لا يشكل بوجودنا سنداً حياً قريبا لإدانتك، يا إسرائيل إعلمي أننا قبلنا أمانة الله وأمانة الإنسان التي هي وحدتنا الوطنية الشاملة للمسيحيين والمسلمين، قبلناها وحدنا بين بلاد الله كلها وكنا نعرف صعوبتها ومسؤولياتها، وبذلك أصبحنا موضع آمال العالم ومثالاً متجسدا لمستقبله وواحة نموذجية لحضارته المستقبلية، كما كسبنا بذلك رضا ربنا، ودافعنا عن دينه أمام الاتهامات الموجهة إلى رسالاته، وسوف نبقى متمسكين بتعايشنا، أمناء على الأمانة الغالية ندافع عنها بكل ما نملك من قوة فكرية وعاطفية ودفاعية. ولا نسمح للفكر الصهيوني والنازي أو الفاشي أو العنصري إن ينمو في وطننا، كما لا نسمح للفكر العنصري الجديد المتلبس بغطاء بعض الأحزاب ان ينتشر بين أبنائنا.
                                ويا دعاة الإلحاد ومتهمي الإيمان، ويا أيها الطامعون في ارض وطني الرافعون شعارات سياسية وعقائدية، فتشوا عن قاعدة لكم أخرى، فلبنان أرض الله والإنسان ولا مكان فيه لمنكري الله ولمتنكريه ولا لمحتقري الإنسان ومصنفيه.
                                ويا أيها التاريخ، لقد حمينا في مواقع متعددة ومتناقضة أحياناً: بدمائنا وبسخاء، حمينا وطننا ووحدته وسيادته، وطردنا الفكرة التي كانت تعتبرها تجار الوطن أو المجتمع المركنتلي ولذلك فان سجلنا لديك قد اكتمل وإننا كتبنا على صفحاتك الخلود بدماء شهدائنا الأبرار وان المسلكية الذرة التي استعملها البعض ودفع إليها البعض لا يمكن ان تشوه انتفاضتنا النابعة من القناعات السامية وسنحاول بكل دقة وثبات إعادة بناء النفسية لدى أبنائنا في ضوء الإيمان بالله والالتزام الكامل بالقيم.
                                أيها المواطنون: إن هذه المخاطبة للعالم وللتاريخ في هذه الساعات المصيرية تصدر عن قلبي ولساني وإنني أحس بأنهما يعبران عما في ضمائركم وسرائركم. فقد لاحظت ولاحظ العالم ما ورد على لسان رئيس البلاد في جلسة قسمه واستلامه. ورد ذلك على لسانه وردود المدافع كانت تصم الآذان ثم تجددت هذه المرتكزات في الدعاء المخلص الذي ابتهل به سماحة مفتي الجمهورية بمناسبة رأس السنة الهجرية وفصلها بلغة واضحة ومنطق سليم صاحب الغبطة البطريرك خريش في كلمته الميلادية الرائعة.
                                ولذلك فإنني لا اعتبر نفسي في مضامين هذه المناشدة شاعراً أو حالماً ولا واعظاً إنها بصمات عقولكم وقلوبكم وايديكم على جبين هذه الجبال والشواطئ وإنها خطوط سلوككم القديم الحديث عبر البحار إلى القارات الخمس وإنها مفهوم احتفالاتكم المستمرة بهذه الذكريات المجيدة.
                                أيها الاخوة الأعزاء: مع هذه الدمعات اعزي الأمهات والآباء وذوي الشهداء ومع هذه الخفقات ابتهل إلى الله القدير أن يحتضنهم في عليائه وهو اقرب إليهم من أهلهم وبهذه الخطرات الفكرية العاطفية ارسم تفاؤلي في الصفحة الأولى من السنة الجديدة وإلى الأمام وإلى الترفع وإلى التعمق والسلام.
                                موسى الصدر

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X