إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيرة الأمام الصدر (ميثاق حركة امل)

    الموضوع : ميثاق حركة أمل.
    التاريـخ : 28/5/1976.
    المقدمـة : نشرت مجلة "صوت المحرومين" في العدد الأول منها النص الحرفي لميثاق حركة المحرومين الذي أعتمده الإمام الصدر ولا يزال بنصه الحرفي، وكل نص مخالف هو نص غير حقيقي.
    ـ الــنـــص ـ
    إنّ حركة المحرومين في لبنان جذورها تمتد عبر الزمن مع وجود الإنسان منذ أن كان. إنها طموحة نحو حياة أفضل، تدفعه للتصدي لكل ما يفسد عليه حياته أو يجمد مواهبه أو يهدد مستقبله.
    لذلك، فإنها حلقة من حركة الإنسان العامة في التاريخ، قادها الأنبياء والأولياء المصلحون ودفعها المجاهدون وأغناها الشهداء الخالدون.
    وهذا الترابط العميق عبر التاريخ، والمواكبة الشاملة في أنحاء العالم، وهذه التجربة المعاشة للإنسان، كل إنسان، تعزز حركة المحرومين في لبنان وتنير طريقها وتضمن استمرارها ونجاحها.
    وعندما نحاول رسم معالم حركة المحرومين في لبنان، بما للبنان من أبعاد حضارية، وبما لهذه الفترة الزمنية الحافلة بالأحداث، وما لهذه المنطقة التي بدأت تدخل مجدداً في التاريخ من بابه الواسع من تفاعلات.
    وعندما نحاول أن نرسم معالم هذه الحركة نجد الأبعاد التالية:

    1 - إنّ هذه الحركة تنطلق من الإيمان بالله: الإيمان بمعناه الحقيقي لا بمفهومه التجريدي فإنه الأساس لكافة نشاطاتنا الحياتية ولعلاقاتنا وهو الذي يجدد بإستمرار عزيمتنا وثقتنا ويزيد طموحنا ويصون سلوكنا.
    كما وأنها تعتمد على أساس الإيمان بالإنسان، بوجوده، بحريته وبكرامته. والحقيقة أن الإيمان بالإنسان هو البعد الأرضي للإيمان بالله، بعد لا يمكن فصله عن البعد السماوي "والينابيع الأصيلة للأديان تؤكد ذلك بإصرار".
    2 - أما تراثنا العظيم في لبنان وفي الشرق كله، الحافل بالتجارب الإنسانية الناجحة المشرق بالبطولات والتضحيات والزاخر بالحضارات والقيم، فهو الذي يرسم الخطوط التفصيلية للطريق، ويؤكد أصالتنا ويعطي سبباً وضحاً لوجودنا وسنداً قاطعاً لمشاركتنا الحضارية.
    وبنفس الوقت فإن الإستفادة من التجارب في أقطار الأرض مع الإحتفاظ بالأصالة دليل رغبتنا الأكيدة إلى الكمال والتقدم وقناعتنا بوحدة العائلة البشرية وتفاعلها.
    3 - إنّ حركة المحرومين إنطلاقاً من هذه المبادئ تؤمن بالحرية الكاملة للمواطن، وتحارب دون هوادة كافة أنواع الظلم من إستبداد وأقطاع وتسلط وتصنيف المواطنين، وتعتبر أن نظام الطائفية السياسية في لبنان لم يعط ثماره، وهو الآن يمنع التطور السياسي ويجمد المؤسسات الوطنية ويصنف المواطنين ويزعزع الوحدة الوطنية.
    4 - وترفض الحركة الظلم الإقتصادي وأسبابه من إحتكار وإستثمار الإنسان لأخيه الإنسان وتحول المواطن إلى المستهلك والمجتمع إلى تجمع المستهلكين وحصر النشاطات الإقتصادية في أعمال الربى والتحول إلى سوق للإنتاج العالمي، وتعتقد الحركة أن توفير الفرص لجميع المواطنين هو أبسط حقوقهم في الوطن. وأن العدالة الإجتماعية الشاملة هو أولى واجبات الدولة.
    5 - ان حركة المحرومين هي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وسلامة أراضي الوطن وتحارب الإستعمار والإعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان.
    والحركة هذه تعتبر ان التسمك بالمصالح القومية وتحرير الأرض العربية وحرية أبناء هذه الأمة هي من صميم إلتزاماتها الوطنية لا تنفصل عنها.
    وغني عن القول ان صيانة لبنان الجنوبي والدفاع عن تنميته هو جوهر الوطنية وأساسها حيث لا يمكن بقاء الوطن بدون الجنوب ولا تصور المواطنية الحقة بدون الوفاء للجنوب.
    6 - وفلسطين، الأرض المقدسة، التي تعرضت ولم تزل لجميع أنواع الظلم هي في قلب حركتنا وعقلها وأن السعي لتحريرها أولى واجباتها وأن الوقوف إلى جانب شعبها وصيانة مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها.
    سيما وأن الصهيونية تشكل الخطر الفعلي والمستقبلي على لبنان وعلى القيم التي نؤمن بها وعلى الإنسانية جمعاء، وأنها ترى في لبنان بتعايش الطوائف فيه تحدياً دائماً لها ومنافسة قوياً لكيانها.
    7 - إن هذه الحركة لا تصنف المواطنين ولا ترفض التعاون مع الأفراد أو الفئات الشريفة التي ترغب في بناء لبنان أفضل.
    إنها ليست حركة طائفية ولا عملاً خيريا ولا موعظة ونصحاً ولا تهدف إلى تحقيق مكاسب فئوية، إنها حركة المحرومين جميعاً.
    إنها تتبنى الحاجات وتنظر إلى حرمان المواطنين وتدرس الحلول وتتحرك فوراً لأجلها وتناضل إلى جانب المحرومين إلى النهاية.
    لذلك، فإنها تعتقد أنها حركة للبنانيين الشرفاء جميعاً، أولئك الذين يحسون بالحرمان في حاضرهم وأولئك الذين يشعرون بالقلق على مستقبلهم.
    إنها حركة اللبناني نحو الأفضل.....

    تعليق


    • سيرة الأمام الصدر (نداء 12 ) جزء 1

      الموضوع : نداء ـ إذا فشلت مرحلة التعريب فسنجد أنفسنا أمام تدويل القضية وسيصبح الوطن مسرحاً لصراع العمالقة.
      المكـان : بيروت ـ 13/6/1976
      المناسبـة : فشل كل مساعي التهدئة واستمرار تدهور الوضع الأمني ولاحت في الأفق بوادر التدخل الدولي في لبنان.
      المقدمـة : بثت الإذاعة اللبنانية هذا النداء مساء 13/6/1976
      ـ الــنـــص ـ
      أيها اللبنانيون:
      إن أزمتنا الدامية التي فاقت في أبعادها وفي آلامها كل حد، تدخل الآن مرحلة جديدة يمكننا أن نسميها مرحلة ما قبل الطوفان.
      إن مرحلة التعريب التي دخلته‏ محنتنا إذا فشلت، لا سمح الله، فسوف نجد أنفسنا أمام تدويل القضية.
      وسواء كان معنى التدويل دخول دولة كبرى، أو حضور متطوعين أجانب، أو حتى تدخل الأمم المتحدة في حل مشكلتنا، فإننا سنجد ارض الوطن مسرحاً لصراع العمالقة كما سنجعل المنطقة كلها ساحة حرب بين القوى الأعظم.
      إن الأمم المتحدة لا تحل قوة تنفيذية تتمكن من فرض السلام في لبنان، إذا لم نستعن بقوة أو اكثر من الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وعند ذلك، سوف نشاهد بلدنا ارض الصراع للكبار، وهذا ما بدأ يظهر في تصريحات المسؤولين في تلك الدول. كما وان مستلزمات هذا الصراع، من تحالفات ومطامع وتطورات، تهدد بأهوال لا تقارن أبدا بآلامنا التي قاسيناها في الأشهر الأربعة عشر الماضية.
      واكثر من ذلك، فان طبيعة الحرب الباردة الجارية في منطقتنا العربية ووجود البترول، والأموال والإمكانات الكبيرة، التي تدغدغ مطامع الدول الكبرى، ثم سيطرة الصهيونية على كثير من دوائرها، إن هذه العوامل تجدد بتحول الحرب الباردة إلى الحرب الكونية الثالثة، التي لا تبقي ولا تذر حتى ولو كانت في إطار محدود وفي منطقتنا العربية، أو إلى التحالف بين الكبار وتقسيم المنافع فيما بينهم، وبالتالي الى حرمان امتنا من ثرواتها، وهي الفرصة الإلهية التي توفرت لها من اجل انتقالها إلى مرحلة التقدم الحضاري، وبناء مجتمعات متطورة تليق بتاريخها.
      إن المرحلة القادمة، أيها الاخوة، تكاد تهدد بالكوارث التي نترحم معها على الأيام العصيبة التي عشناها حتى الآن، وقد سمعتم التهديدات الواضحة الصادرة عن لسان العدو صباح هذا اليوم.
      لذلك، فإنني أضع هذه الصورة القاتمة أمام اللبنانيين جميعاً وأمام المقاومة الفلسطينية وأمام الأشقاء العرب وبخاصة سوريا الشقيقة، أضع هذه الصور أمامهم جميعاً، لكي يتحملوا مسؤولياتهم ويتداركوا الأمر قبل فوات الأوان، ولكي يغتنموا هذه الفرصة الوحيدة التي وجدوها أمامهم بإرادتهم أو بدونها.
      أيها اللبنانيون،
      إن الصراع الذي كان دائرا بيننا قد انتهى، لأن الدوافع له مهما كانت من محاولات المحافظة على الامتيازات أو التقسيم، أو ضرب المقاومة الفلسطينية، أو غيرها، قد سقطت. ولان البحث حول مستقبل لبنان، والخلاف على تفاصيل النظام انتقل من وراء المتاريس إلى أطراف الطاولة المستديرة المزمع إنشاؤها. ولقد أعلنت الأطراف المتنازعة، التي عزلت يوماً ما بعضها البعض، وكانت لا تقبل بالاجتماع تحت سقف واحد، ولا بالتحدث والحوار من قريب أو بعيد، إن هذه الأطراف أعلنت استعدادها للاجتماع والحوار من اجل وضع الأسس المطلوبة، للمجتمع الجديد، ولذلك فإن المطلوب منها جميعها، أن تبذل أقصى جهدها لنجاح قوة السلام العربية، لكي يبقى لبنان الذي يتحدثون عن شكله ونظامه وتطويره.
      إن الصف الوطني الذي اجتمع لأول مرة في دار الفتوى الاسلامية، ورفض الحكومة العسكرية وأسقطها، عليه أن يحافظ على وحدته، وان يعيد الثقة في ما بينه، ويجمد الخلافات التي حصلت بين عناصره خلال الفترة الأخيرة، وان يبتعد عن التهم المتبادلة والتشكيك، وبالتالي عليه أن يتخذ موقفاً موحداً من قضية التعريب، وان يصرف كل طاقاته لإنجاحها ولصيانتها وتسديدها.
      أما "القوى اللبنانية" المتمثلة في جبهة الكفور، فإنها هي التي كانت البادئة بطلب التعريب فيما مضى، مرات، وعلى لسان كثير من زعمائها. أما موقفها السلبي الآن، قبل الاطلاع على تفاصيل خطة السلام العربية، وقبل وصول الأمين العام الأستاذ محمود رياض المرتقب، فيبدو انه يعود لأسباب بروتوكولية، حيث اتخذ القرار من دون حضور وزير خارجية لبنان.
      والواقع أن تصريحات محمود رياض صباح السبت الماضي في دمشق، والذي يؤكد فيها التزام القرار بالسيادة اللبنانية، وبمراعاة القواعد ونظام الجامعة، وانه قادم للتحدث مع المسؤولين في لبنان، ثم إيضاحات الرئيس كرامي حول محاولات الإبلاغ بالإضافة، إلى الثقة المتوفرة بشخص الأمين العام، ونجاحه بعد مواقفه في سوريا على القرار وقد اعتمدتها الأطراف اللبنانية وبخاصة جبهة الكفور، إن هذه العناصر تتطلب التريث في الرفض من القوى المذكورة، وعدم الاستعجال باتخاذ الموقف، وانتظار وصول الأستاذ محمود رياض.
      إنني كمواطن معذب، قد يتمكن النطق بلسان المعذبين في الوطن، أناشدهم أن يتجنبوا إفشال هذه المحاولة. كما اوجه ندائي إلى الرئيس المنتخب الأستاذ الياس سركيس أن يتابع مساعيه المشكورة في هذا لاتجاه، وابعث مناشدتي إلى رجل الله والوطنية البطريرك خريش ألا يوفر نصيحة في هذا السبيل.
      كل هذا، بالإضافة إلى أن المواطنين جميعاً يتذكرون قبل أيام قليلة، أخبار اللقاءات بين رجال هذه الجبهة وبين بعض قادة "الأحزاب الوطنية والتقدمية"، ولذلك فإن من حقهم أن يطالبوهم بوحدة الموقف في هذه المرحلة المصيرية لكي يبقى لبنان الذي يريدون وضع صيغة افضل لمستقبله.
      = يتبع =

      تعليق


      • سيرة الأمام الصدر (نداء 12 )جزء 2

        أيها الاخوة المواطنون،
        لقد أصبحنا أمثولة القسوة والإجرام واللامبالاة بمصالحنا الوطنية في العالم، ونكاد نصبح لعنة لأجيال وسبة العصر. فلنلتق على موقف واضح في هذه اللحظة، يكون البداية لنهاية المحنة، ونمكن الأشقاء من مساعدتنا.
        كفى الاستفزاز والتجريح وقطع كل الجسور وتوريط الجميع في المواقف المتشنجة. كفى الإعلام المتطرف والبيانات المتحدية والحملات الإذاعية المؤلمة. فماذا أبقينا لإسرائيل. ساعة الحاجة لتعبئة مجتمعنا في وجهها ؟
        أما المقاومة الفلسطينية، وهي الخبيرة العليمة بما يراد لها، وبأنها هدف المؤامرة الدولية الأول، فإنها أولى القوى بالسعي الحثيث في سبيل إنجاح هذه المحاولة، لا سيما وأنها كانت الداعية، لاجتماع وزراء خارجية العرب.
        إن الثورة الفلسطينية التي تحمل أمانة مائة ألف شهيد وجريح فلسطيني، وجهود الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني في العالم، والمساعي والآلام التي تحملها عشرات الملايين من العرب ومن الأحرار في العالم، هذه الأمانة التي رفعت القضية الفلسطينية إلى ارفع قضايا العالم، تلك الأمانة التي أعطت الثورة مجداً كالأمجاد، وشرعية تفوق كل شرعية، وأسست لها دولة تفوق كل الدول.. إن الثورة الفلسطينية بعد أن قطعت هذه المراحل كلها، لا يمكنها أن تقدر المرحلة المصيرية التي تمر بها وبلبنان ارض انطلاقها ونموذج مجتمعها وسند متابعتها. وبالتالي على الثورة أن تجند كل طاقة، وان تتلاحم مع كل صديق، وان تبتعد عن كل انحياز، وان تنمي الآمال في كل قلب، والإرادات الحسنة في كل نفس، لا سيما في قلوب اللبنانيين الجريحة وفي نفوسهم المعذبة.
        إن الثورة الفلسطينية مدعوة اليوم، اكثر من أي وقت مضى، لان تعيد التزاماتها بلبنان، وان تخلق للبنانيين، جميع اللبنانيين، ضمانات معنوية ومادية، تدخل الأمان في النفوس والثقة في المستقبل.
        أما العرب الأشقاء، فانهم بعد اجتماعهم الأخير، حتى ولو جاء متأخراً، فقد تمكنوا خلال 24 ساعة من تأسيس بادرة واتخاذ قرار والبدء بالتنفيذ، إننا لا نقول لهم أين كنتم في ليلنا الرهيب، فالحضور المتأخر أفضل من عدمه، ولكن نقول لهم الآن، أنكم طالما بدأتم فاستمروا، وأتقنوا، ووفروا لمبادرتكم وسائل النجاح. ونقول لهم أيضا ارحموا بلادكم وثرواتكم وشعوبكم المعرضة للطوفان.
        وإننا ننظر بارتياح تام إلى بوادر التقارب، والى قطع الحملات الإذاعية بين مصر وسوريا، وننظر بشوق إلى يوم نرى فيه جيش العراق يحارب جنبا إلى جنب مع جيش سوريا ضد العدو الإسرائيلي، دون أن يشكل تحركه قلقا أو استفزازا، أو يكون وجوده على الحدود ضغطاً أو تهديدا.
        وسوريا الشقيقة، فهي بدأت تنصح أولا، وتحاور، ثم انتقلت إلى مرحلة التدخل العسكري الرمزي، لإعادة توازن القوى التي اختلت بعد سقوط المسلخ والكرنتينا، ثم كان التفاف الجميع والانتقال إلى الحوار السياسي بين اللبنانيين، وبدأت البادرة تتعثر في رمال سياسة لبنان، والمحاولات لخلق الصدود، ثم الصراع بينها وبين المقاومة والأحزاب، وساهم في تصعيد المحنة، أناس من هنا وهناك ومؤامرات من هنالك، حيث يتربص العدو الصهيوني وحلفاؤه البارزون والمتسترون في أقطار العالم، ولم تجد المساعي المستميتة التي قام بها المخلصون… ووقعت الكارثة، وحصل التصادم، وسقطت الضحايا، وبدأ حلفاء أمس يتصرفون وكأنهم أمام إسرائيل، يكيلون التهم، وينظرون بحذر الى كل موقف ويعطونه أبعادا.
        ولقد سمعت الإذاعة اللبنانية مساء السبت الماضي، كما قرأت في صحف الأحد، تقول أن سوريا باقترابها من العرقوب تحاول خلق حزام أمان لإسرائيل.
        سبحان الله..! حرب في الجولان، وحماية للعدو في العرقوب. إن هذه أشبه بحرب الأطفال وبانفعالات الحقد المتفجر من الحروب بين الأمم.
        لا.. وألف لا.. يجب إعادة النظر في الأمور، والوقوف وقفة تأمل لتقييم الوضع ولنتائجه كما يجب، ولو بصورة مؤقتة، أن يبتعد الجميع عن كل كلمة أو وقفة أو حركة تدعوا إلى الشك وتزيد في القلق. يجب الاجتناب الكلي للمزايدات والمتاجرات وتصفية الحسابات.
        وجاءت الفرصة، واتخذت الجامعة العربية قرارات، وبدأت الدول العربية الأربع تشارك في وضع حل للمحنة إلى جانب سوريا والمقاومة.
        فلنعمل جميعاً لنجاح هذه التدابير، وليتوقف إطلاق النار وتنسحب سوريا إلى حدود الاطمئنان الفلسطيني وهي حدود معنوية، وليكن الانسحاب السوري ضمن القرارات العربية، وضمن جدول زمني متفق عليه، وليكن الانتقال العسكري لفك الحصار عن مخيم تل الزعتر وحي النبعة، أو لاستلام الجبهات الساخنة في الجبل.
        إننا نناشد سوريا، بكل ما تؤمن به من القيم، وبكل ما أخذت على عاتقها منالتزامات قومية كبرى، ومن حماية للثورة الفلسطينية ومن عروبة لبنان، نناشدها أن تترفع عن الإساءات والاستفزازات التي تحصل ضدها في لبنان وخارج لبنان، وان تحاول من جديد فتح الحوار مع المقاومة ومع "فتح" بالذات، لكي يظهر من جديد وللجميع، دور سوريا الطليعي القومي ولكي يعود الاطمئنان إلى القلوب المضطربة هنا وهناك. وعند ذلك سترى سوريا أن المقاومة امتدادها وذراعها وعينها ولسانها في لبنان وفي العالم العربي.
        أيها الاخوة الأعزاء،
        يا أصحاب الأرض والقضية، يا من تحملتم رغم تواضع إمكاناتكم وقساوة ظروفكم، بصبر وبطولة، كل الآلام، أيها الشعب الذي حاولوا تمزيقه إربا إربا، لأنك كنت تشكل بوجودك تحدياً صارخاً لكيان إسرائيل. انك الآن أمام فرصة تكون الوحيدة قبل الكوارث الكبرى فحاول ان تجمع البقية الباقية من طاقاتك، واخرج دفعة واحدة في وجه المتآمرين، وساهم في إنجاح هذه البادرة فورا.
        يا أيها القادة السياسيون، يا أيها الأحزاب والجماهير، تحملوا مسئولياتكم، ولا تحاولوا بتحميل هذا أو ذاك من رجال الدين أو مسلحين وغيرهم، أن تتخلوا عنها، فالوطن يستغيث.
        ويا أيها الرئيس المنتخب، إن الآمال في مختلف الأطراف تركزت وتجمعت فيك، والكل يثق بك، وأنت المدخل والراعي والقائد. ابتعد عن الشكليات، واستلم مسؤولياتك. انك ممثل هذا الشعب ورمز وحدته. أبداً، وحاول أن ترعى بنفسك، وبكل دقة، الحل العربي، ولتكن هذه رسالة حياتك.
        يا صاحب القداسة البابا بولس السادس، يا صاحب الفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، يا صاحب السماحة المرجع الأعلى في النجف.
        إن لبنان، بلد الإيمان والتعايش، بلد أبنائكم الأوفياء، في محنة مصير، وهو بحاجة إليكم اليوم، لا غداً لحفلات التأبين لا قدر الله.
        حاولوا أن تضعوا بركاتكم كلها، ونصيحتكم كلها، ورصيدكم كله، وطالبوا الدول العربية وجميع الدول في العالم، أن يبعدوا عنا صراعاتهم ومصالحهم. فالوطن الجريح لا يتحمل المزيد من الدماء والدمار، ولم يبق منه شيء، وقد اصبح جميع أبنائه جرحى غاضبين، موتورين، محاربين أو متشنجين. كفاهم ما فعلوا به، فليختاروا لصراعهم ميداناً آخر، وليتجهوا لتضميد جراحنا وتركيز السلام بيننا، وتوفير أسباب النجاح لفرصتنا.
        أيها اللبنانيون،
        احذروا الفتن، جمدوا الخلافات، أعيدوا الاخوة والعيش المشترك، وحدوا صفوفكم ومهدوا أجواء الوطن للعلاج المرتقب.
        يا أبناء بعلبك والهرمل، إنكم كنتم وما زلتم، مثالاً للتعايش والتآخي وحماية الجار. إن فيما حولكم محاولات لخلق فتنة طائفية جديدة، انتبهوا لها وتصدوا، فإنكم تتذكرون في بداية الأحداث كيف ان بعض الأحزاب تمكن، رغم بعده عن الدين وعن الطائفية، من إثارة النعرات الطائفية ومن خلق الآلام الكبرى في القرى التي كانت في حماكم. وها هم أنفسهم يعودون لزرع الشقاق والفتنة بين الاخوة هناك، مستغلين قسوة الظروف وغموض الأوضاع.
        إنكم جميعاً اخوة، مسلمين ومسيحيين، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين. فتمسكوا بهذا التعايش والتعاون، ولا تفرطوا به لظروف سياسية عابرة.
        يا أبناء الجنوب، يا أيها الذين تحملتم الآلام قبل الآخرين، إن الخطر الأكبر الذي لا علاج له إذا وقع، هو عليكم وعلى منطقتكم بالذات. وحدوا الصفوف ابتعدوا عن الحساسيات الحزبية والسياسية. إنكم جميعاً، في أي حزب أو اتجاه، إخوان وشركاء المصير، وسوف لا يفرق بينكم العدو. اجتمعوا في خندق واحد، بعضكم مع بعض، وقد كنتم وستبقون إخواناً، ومع المقاومة في وجه إسرائيل عدوكم الوحيد.
        يا أبناء الشمال، يا أبناء الجبل، يا أبناء بيروت ويا أبناء البقاع. أيها الاخوة الأعزاء، تذكروا ماضيكم القريب وعيشكم المشترك، وقيمكم المشتركة ووطنكم المستغيث.
        تذكروا عدوكم القريب، أعيدوا تقييم المواقف وما جرى في الأحداث الدامية على أرضكم، وارتفعوا إلى مستوى المسؤوليات الكبرى والى حاجة الوطن في المصير.
        يا اله العالمين، يا قادر، يا عزيز، الرحمن الرحيم، ارحمنا واهدنا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
        والنصر للمحرومين في مسيرة التحرر والعدالة

        تعليق


        • سيرة الأمام الصدر (حوار 12 )

          الموضوع : حوار صحفي ـ إن التعامل والتلاحم بين سوريا والمقاومة هو قدرهم جميعاً.
          المكـان : بيروت .
          المناسبـة : اثر زيارة الإمام الصدر إلى سوريا وقيامه بمسعى لإعادة التفاهم بين سوريا والمقاومة أجرت مجلة "موندي مورننغ" هذا الحوار.
          المقدمـة : أجرت مجلة "الموندي مورننغ" هذا الحوار مع الإمام ونشر في عددها الصادر بتاريخ 19/7/1976. وقد نقلت جريدة النهار هذا الحوار بعد أن عربته.
          ـ الــنـــص ـ
          س ـ هل أنت وسيط أم طرف بين سوريا من جهة والحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى؟
          ج ـ في الحقيقة أنني لست وسيطاً ولا طرفاً، بل أنا صاحب هم ومسؤول عن الإنسان في هذا البلد خصوصاً في بعض مناطقه التي يعيش فيها أبنائي. إنني صاحب هم لذلك فاهتمامي بخلق الحوار وإعادة اللحمة بين سوريا والمقاومة الفلسطينية نابع من قناعتي بأن التعاون بين المقاومة وسوريا هو قدرهما. كما أن التعاون والتلاحم بين اللبنانيين والمقاومة هو قدرهم. وما حصل من التوتر والصراع والنزاع اعتقد انه لا مبرر له إطلاقاً وكان في الإمكان تجنبه. لا أقول ذلك من قبيل التمنيات بل من خلال ممارسات. فليس هناك في الأهداف الستراتيجية أي خلاف بين سوريا والمقاومة الفلسطينية. ولا بين سوريا والإرادة الوطنية اللبنانية. بل العكس هو الصحيح. فالأهداف وحتى الكثير من الوسائل مشتركة. لذلك علينا أن نبذل جهداً، لا كوسطاء ولا كأطراف في النزاع، وإنما كأصحاب مصلحة وطنية وقومية وحاملي هموم للناس علينا أن نسعى لنعيد اللحمة ونتجاوز المحنة.
          س ـ هل تتوقع من خلال محادثاتك في دمشق انسحاب القوات السورية من كل الأراضي اللبنانية أم إلى منطقة البقاع؟
          ج ـ في الواقع إن انسحاب القوات السورية هو مطلب سوري قبل أن يكون مطلباً لبنانياً أو فلسطينياً. فالنفقات الباهظة المترتبة على وجود الجيش السوري في لبنان وضرورة وجود الجيش السوري على الحدود ومسؤولياته الوطنية والقومية، تفرض عليه الانسحاب في أسرع وقت ممكن. لكنني اعرف أن التدخل السوري في البداية كان عامل سعي لإنقاذ المقاومة الفلسطينية ولمنع انهيار القوة العسكرية لدى الصف الوطني اللبناني. هكذا بدأ ثم توترت الأجواء. أما الآن ومن خلال المحادثات فان هناك اتفاقاً عبر الجامعة العربية يدعوا إلى الانسحاب إلى البقاع وعكار. إلى أن تطلب السلطة الشرعية اللبنانية انسحاب الجيش السوري. ولكن في الواقع إن محادثاتي في دمشق على رغم هذه القناعات لم تكن منصبة على هذه النقطة، بل كانت تتجه إلى وقف إطلاق النار، أي استعمال النفوذ السوري لدى الأطراف من اجل وقف التدهور العسكري، ووقف إطلاق النار، ثم السعي لإعادة التلاحم بين سوريا والحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية.
          س ـ هل كنت متفائلاً من خلال محادثاتك عن هذه المواضيع، أي وقف إطلاق النار وتحسين العلاقة بين السوريين من جهة والمقاومة والحركة الوطنية من جهة أخرى؟
          ج ـ في الواقع إن عنصر التفاؤل موجود أي أن هناك استعداداً لدى السوريين، كما وجدت قبل سفري إلى دمشق استعداد لدى أبو عمار. لكنك تعرف أن العلاقات ما أصبحت معقدة وارتبطت بأطراف كثيرة وبأبعاد وامتدادات متشابكة. لذلك إننا يجب أن لا نكتفي بالتفاؤل، ويجب أن نتابع سعينا وجهدنا على رغم الصعوبة لإنجاح هذا الهدف.
          س ـ هل حصلت على وعود من المسؤولين السوريين في هذا الشأن؟
          ج ـ بالنسبة إلى وقف إطلاق النار، قبل أن اترك دمشق وجدت تنفيذاً لهذا وإصرار من السوريين على وقف إطلاق النار في منطقة المتن الشمالي ومنطقة الشمال. أما فيما يخص إعادة اللحمة فعلى رغم المرارة التي لمستها عندهم وجدت أن هناك استعداداً لمثل هذا اللقاء والعودة إلى التعاون .
          س ـ ما هو رأيك بالنسبة إلى الاشتباكات في البقاع واقتحام القوات السورية مدينة بعلبك والمخيمات الفلسطينية، خصوصاً أن الرأي العام يعتبركم معنياً عن هذه النقطة؟
          ج ـ في حدود معلوماتي ان ليس في منطقة البقاع وفي بعلبك أي اشتباك. فقد حصلت مفاوضات بين الناس والقوات السورية والمقاومة الفلسطينية وبحثوا في أمور كثيرة وانتظر الجيش السوري في هذه المفاوضات فترة، حتى لا يحدث أي اشتباك. وبالتالي وبمساعي أبناء المنطقة لم يحصل ما ذكر عن مجازر ودمار وغير ذلك .
          س ـ هل في رأيكم أن سوريا ما زالت تستطيع القيام بدور الوسيط في الساحة اللبنانية أم عليها أن تتخلى عن مبادرتها للمبادرة العربية بعدما أصبحت طرفاً في هذا النزاع؟
          ج ـ سوريا لا تتنافى مبادرتها مع المبادرة العربية وقد عرفتم أن مندوب سوريا قد اشترك ويشترك في اجتماعات الجامعة العربية وينسق مع مبادرة الجامعة العربية. ومن جهة أخرى إن المبادرات التي كانت تحصل من كل الدول العربية وخاصة من السعودية، ثم المبادرات الخيرة المضنية التي يقوم بها الرائد عبد السلام جلود، كلها تنطلق من دمشق وبالاتفاق مع السلطات السورية. لذلك فإنني لا أرى تناقضاً بين هذه المبادرات بل إن بعضها يكمل بعضها الآخر. وفي النهاية احب أن أقول إن سوريا على رغم ما حصل بينها وبين المقاومة الفلسطينية لا تزال تحتفظ بموقفها الستراتيجي، كما المقاومة تحتفظ بذلك. ففي الوقت الحاضر هناك بعض أركان القيادة للمقاومة الفلسطينية في سوريا ولقد التقيت بعضهم في مكتب فتح في سوريا لذلك اعتقد أن سوريا لا تزال تملك إمكان السعي لمعالجة الأزمة اللبنانية كما ان في المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية نجد آمالاً تجاه سوريا يجب أن نستفيد منها ونطوي صفحة الصراع والنزاع مع سوريا ذلك الصراع الذي لا يخدم إلا العدو.
          س ـ كيف تفسرون وجود القوات السورية في مناطق معينة وعدم تعرضها للقوات التي تهاجم مخيم تل الزعتر منذ أربعة أسابيع .
          ج ـ في الحقيقة لا أريد أن آخذ صفة المحامي عن سوريا في لبنان كما ذكرت في جوابي عن السؤال الأول. ولكن في حدود معلوماتي أن سوريا دخلت في البداية بناء على طلب من الاجتماع الذي حصل في بيت السيد مالك سلام والذي ضم أعضاء قمة عرمون كما كانوا يسمونها في تلك الفترة. والمناطق التي كانت قمة عرمون تتشرف او تنطق باسمها دخلت بعضها القوات السورية، ولعل عدم دخولها المناطق الأخرى كان ناتجاً عن عدم قلق الذين ينطقون باسم المناطق الأخرى. أما بالنسبة إلى الدفاع عن مخيم تل الزعتر فهذا تجيب عنه أسئلتك بشكل مباشر عندما تؤكد ان سوريا أصبحت طرفاً وان القوات السورية اقتحمت مدينة بعلبك وان انسحاب القوات السورية مطلوب وأمثال ذلك. وكأن الجيش السوري جيش احتلال من جهة وفي الوقت نفسه نطلب من الجيش السوري أن يدافع عن مخيم تل الزعتر؟ ومع ذلك كله في رحلتي الأخيرة طالبت المسؤولين في سوريا أن يستعملوا نفوذهم لدى الأطراف اللبنانية المختلفة لوقف العنف والنزف والحرب في تل الزعتر والمناطق المجاورة.
          س ـ بعد عودتك من دمشق كانت لك لقاءات لبنانية وفلسطينية، فما هي الغاية من هذه الاجتماعات وكيف تلخص أهم ما دار فيها؟
          ج ـ الحقيقة إنني فور وصولي التقيت رفاقي الذين أستشيرهم في شؤوني من جهة. والتقيت المفتي حسن خالد من جهة أخرى. وفي نيتي أن التقي أبو عمار الذي زارني قبل ذهابي إلى سوريا، أما المسائل التي تطرح في هذه اللقاءات فهي متابعة أهداف هذه المرحلة. في تصوري أننا عندما نخفف التوتر بين سوريا والفئات الأخرى التي اصطدمت مع سوريا في لبنان، في إمكاننا أن نسعى في سبيل عقد طاولة مستديرة في شكل سريع وعاجل لتخفيف الضغط ولخلق الأمل في نفوس الناس. ذلك الأمل الذي كان يفقد، وان يعالجوا قضاياهم بأنفسهم في رعاية الرئيس المنتخب الذي سيكون الحاكم الشرعي في لبنان، على أن يبحث في كل الأمور من وضع الأمن إلى المستقبل وبناء لبنان الجديد والتطور وغير ذلك بواسطة الحوار اللبناني ـ اللبناني، وعندئذٍ نتمكن من القول إننا تجاوزنا المحنة. إذاً، لقاءاتي بعد عودتي هي متممة للقاءاتي خلال هذه الرحلة وارجوا ان نوفق في ذلك على رغم أنني اشعر بصعوبة هذا الطريق كثيراً .
          س ـ هل لك من اقتراح أو رأي تحب أن تدلي به؟
          ج ـ لقد ذكرت قبلاً في حديث لي "في النهار" ما أتمناه على اللبنانيين، والواقع أن النجاة والإنقاذ وتجاوز الأزمة لا يمكن أن تتم على يد غير اللبنانيين فاللبنانيون هم أنفسهم أصحاب قضيتهم في الدرجة الأولى بل في الدرجة الأخيرة، واما الآخرون جميع الآخرين من فلسطينيين وسوريين وجميع العرب ففي إمكانهم ان يعملوا من خلال اللبنانيين. لذلك أتمنى على اللبنانيين جميعاً ان يبذلوا جهودهم لتخفيف التوتر بينهم لتنقية العلاقات بينهم وبين الفلسطينيين من جهة وبين السوريين من جهة أخرى، وعدم السماح بانفجار التناقضات العربية أو الدولية على الأرض اللبنانية وذلك يتم من خلال اجتماعهم ولقاءهم. واعتبر أن اجتماعاً يضم رؤساء الطوائف اللبنانيين في إمكانه أن يكون بداية الفرج ذلك أن الوحدة اللبنانية في هذا الوقت لا تتمثل بأي مؤسسة ولا بأي شخص وهذا هو مكمن الخطورة. فاجتماع لرؤساء الطوائف يشكل الحلقة المفقودة، أي انه يجسد الوحدة الوطنية اللبنانية. وفي هذا الاتجاه تحدثت مع سماحة المفتي حسن خالد وسأتصل بغبطة البطريرك خريش وبقية الزملاء.

          تعليق


          • سيرة الأمام الصدر (مقال 2 )

            الموضوع : مقال افتتاحي ـ لماذا نقاتل… ومن؟
            التاريـخ : بيروت ـ 28/7/1976
            المناسبـة :
            كتب الإمام السيد موسى الصدر هذا المقال الافتتاحي للعدد الثاني من مجلة صوت المحرومين.
            ـ الــنـــص ـ
            في سبيل الله..
            ولا يمكن أن نقدم اعز ما نملك، بل جميع ما نملك، إلا لأعز هدف وفي سبيل اشرف مقصد.
            فالحياة رأس مالنا الوحيد في الوجود، وفرصتنا الواحدة على مسرح الكون، الفرصة التي لا تتكرر أبداً..
            وبذل الحياة، كل الحياة، وفي لحظة واحدة، لن يكون إلا لما هو اشرف منها وفي سبيل ما هو أبقى وأغلى، في سبيل الله، والله هو الحق.
            وخدمة الإنسان هي الطريقة التي فضلها الله وجعلها هدفاً لحياتنا ورسالة لها، خدمة الإنسان لا خدمة شخص، ولا تحقيق مكسب للغير، ولا أوهاماً متمثلة بشعارات، ولا غرائز وأحقادا وانفعالات.
            إننا نقاتل من اجل الإنسان:
            الوطن، هو الإنسان الجماعة، نقاتل لحمايته من الاعتداء. الوطن وهو الجنوب الحق الذي يتعرض لتجاوزات إسرائيل، وهي الباطل بعينه.
            ومن اجل وحدة لبنان، من اجل منع قيام إسرائيل أخرى، أو إسرائيليات تدعم إسرائيل الأم، نقاتل.
            ولكي نمنع تصنيف الإنسان وتحقيره وتشويه كابوس الفكر الإسرائيلي العنصري، الذي يتكون هنا وهناك في حالة التقسيم، نقاتل..
            ولأجل الحفاظ على الشعلة الإنسانية الحـقة والعادلة. لأجل المقاومة الفلسطينية ضد الشر المطلق، إسرائيل، نقاتل..
            إننا في لبنان وفي هذه المرحلة نقاتل لهذه الأهداف المثلثة. لأنها تمثل الإنسان، ولأنها حق لا سبيل إليه إلا السلاح، ولأن القتال في سبيل تحقيقها بذل للحياة في سبيل الله وصيانة لما هو اشرف من الحياة وأبقى.
            أما الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، فإننا نرى ضرورة النضال الديموقراطي المستمر لأجلها حيث أن النضال المسلح في مثل هذه الظروف يعرض الأهداف الكبرى للخطر.
            ولقد رفضنا، وسنرفض بقوة، حمل السلاح، في سبيل التحديات أو المنافسات أو الانفعالات الطائفية، وحتى من اجل الرد على الاستفزازات الفردية أو الجماعية.
            هذه مواقفنا كانت منذ البدء وستبقى، نتحمل كل مسؤوليتها ونستمر في الالتزام بها، لا نؤخذ بالمصاعب ولا نغتر بالجوانب.
            إننا نعتبر حياة المواطن أمانة غالية جداً، لا نبذلها رخيصة، نقدمها في سبيل الوطن وبقاء الأمة، ولا نتاجر بالشهادة والشهداء.
            لا نبني مجداً على حساب المواطنين ولا نستسلم لإغراء المزايدات، ولا أمام أمواج الاستفراد والافتراء والتشكيك..
            سنبقى ملتزمين بأهداف شهدائنا الأبرار اكثر من حرصنا على حياتهم، لأنهم أودعونا حياتهم وأودعونا المشعل وحياة أمتهم.
            إننا نؤمن بخلودهم وبتكاملهم الدائم طالما تستمر آثارهم وبرضاهم ودعوتهم ودعائهم وفي هذا عزاؤنا وعزاء أهلهم، وكلنا أهلهم…
            {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم} صدق الله العظيم. (آل عمران:169-170).

            تعليق


            • سيرة الأمام الصدر (بيان 7 ) جزء 1

              الموضوع : بيان ـ بعض قادة الأحزاب طرح جنوب لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين.
              المكـان : بيروت ـ 10/8/1976
              المناسبـة : ذكرى ولادة الإمام المهدي (ع) في الخامس عشر من شعبان وبعد مرور أيام على سقوط النبعة وما رافقه ومجازر وغدر وخيانة.
              ـ الــنـــص ـ
              إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء وضاقت الأرض ومنعت السماء، فإليك المشتكى وعليك المعوّل في الشدة والرخاء.
              أيها الاخوة المؤمنون: إن ذكرى الخامس عشر من شعبان، هذا اليوم المقدس ملتقى الذكريات الخالدة والذي يصادف مولد الإمام المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا.
              هذه الذكريات الكريمة التي أكرمناها عبر تاريخنا المأساوي الطويل، فأكرمتنا ومنحتنا في ظلمات الأيام وظلام الحكام وقسوة المتجاوزين، الأمل الدائم والاستعداد الدائم المتجسدين في مصطلحنا الديني بانتظار الفرج، فتخطينا، بفضل هذا الأمل وهذا الاستعداد، ظروفنا العصيبة الماضية، وقضينا، رغم طول الليل، رغم فقد الوسائل على اليأس والإتكالية واللامبالاة..
              إن هذه الذكرى تصادف هذه السنة، في خضم المأساة الدامية في لبناننا العزيز، تصادف محنة النبعة وجوارها، محنة ربع مليون إنسان اختاروا السكن هناك طلباً للعيش الكريم والرزق الكادح الحلال ولبناء الوطن ومستقبل أطفالهم.
              ولقد كانت محنة النبعة بحجمها وظروفها، وبتعدد الجهات المعتدية ووسائل الاعتداء، وبموجة التضليل الإعلامي الشرس التي اكتسحت أجواءنا، فقد كانت هذه المحنة تفوق محننا التاريخية الكثيرة، بل هي تمثّلها جميعاً. وسوف نتغلب عليها بإذن الله بفضل الأمل الدائم والاستعداد الدائم، وقد استقيناهما من هذه الذكرى العزيزة، ذكرى الخامس عشر من شعبان.
              أيها الاخوة المؤمنون: ليست هذه المحنة منفصلة عما سبق من الأحداث الدامية التي يعيشها لبنان منذ سنة وأربعة أشهر، بل من الوضع العام الذي يعيشه وطننا الحبيب لبنان منذ سنوات طويلة، ولن تكون هذه المحنة، على فداحتها، هي الأخيرة، بل إنها حلقة متميزة من سلسلة الأحداث التي خطّط لـها التآمر الدولي ونفّذتها أياد لبنانية!..
              ولسنا في هذه المناسبة بصدد تحليل الأحداث بعد أن عبّرنا عن رأينا خلال المواقف والبيانات المتكررة، وبعد أن عاش المواطنون تطورات الأحداث وعواقبها الوطنية والقومية والإنسانية، ولمسوا الحقائق والممارسات والتفاوت الكبير بينها وبين الشعارات التي طرحتها الأطراف منذ بدايات المحنة. كما لا نريد الآن تقييم المواقف وتحميل المسؤوليات، ولكننا نرى من واجبنا الوقوف أمام النقاط التالية:
              1- إننا لا ولم نبدأ بالمعركة أبداً، وحددنا الأهداف التي تفرض المعركة وهي الدفاع عن الوطن وعن وحدته، وعن المقاومة الفلسطينية، وأكدنا أن الإصلاحات الاجتماعية والسياسية في لبنان لن تتم بالسلاح، بل السلاح يعرض الأهداف الأساسية للخطر وعلنيا العمل من خلال نضال ديمقراطي طويل لتطوير الوطن وتعميم العدالة.
              2- لقد فرض علينا الدفاع عن النفس بالسلاح بعد أن تعرضت أحياؤنا ـ الشياح، حي ماضي، بئر العبد، الليلكي، النبعة، جسر كفرشيما، الكرك وغيرها ـ تعرضت للاعتداء، وبعد أن فشلت كافة محاولاتنا ومناشداتنا واجتماعاتنا واعتصامنا لمنع التفجير قدمنا في هذا المجال، مجال الدفاع عن النفس وعن القيم، عشرات الشهداء ومئات الجرحى، كما وأن الألوف من أبنائنا قتلوا في عمليات القنص والخطف من خلال تنظيمات عديدة اعتمدتهم للقتال لشجاعتهم وإخلاصهم واندفاعهم السريع، حتى أصبحت طائفتنا في طليعة اللبنانيين والفلسطينيين بذلاً وعطاءً وتضحية وصمودا، ويسجل التاريخ ذلك مهما حاولت الإذاعات الجاحدة والصحف الحاقدة والأندية الطائفية أن تتنكر وأن تشوه.
              3- وعاش أبناؤنا الأبرياء البررة، طوال الأحداث، يتعرضون للاعتداءات المتنوعة من قبَل اليمين ـ الجبهة اللبنانية ـ من قتل وخطف وتشويه وتهجير وهدم للأحياء الآمنة. كما تعرضوا للاعتداءات من قبل بعض رفاق سلاحهم الذين ملأت الأحقاد والغيرة وتحسّب المستقبل قلوبهم، فنالوا منهم بالاتهامات والمحاولات الغريبة لتجريدهم من السلاح حتى وهم يدافعون في المتاريس المتقدمة عن قضية واحدة، وقد قُتل عشرات من شبابنا على أيدي رفاقهم، وبذلك فإنهم استشهدوا مرتين..
              4- واستمرت المعارك، وجاءت البادرة السورية وتوقّف إطلاق النار وقدم للمقاتلين عربون هو ما سمي بالوثيقة الدستورية تكون أرضية الحوار وبداية الحل.
              وكنا من الملتزمين بهذه البادرة، مثل جميع الأطراف في بداية الأمر، وبقينا نرفض استمرار المعارك لأنها، بعدما حدث، تهدد الأزمة بالإستشراء والوطن والوطن بالتقسيم والمحنة بالتدويل.
              5- كنا نعتبر ولا نزال، أن سوريا الثورة والثورة الفلسطينية هما طليعتا مواكب التحرير العربية ومجسدتا آمال الأمة وتطلعاتها وسندا الإرادة الوطنية اللبنانية، ولذلك فإن تلاحمهما هو طريق تحرير فلسطين وسبيل تقدّم هذه الأمة وصيانة لبنان وطناً متطوراً موحداً. لأن الانفصال بينهما يؤدي الى الخلاف فيما بينهما، كارثة تهدد الأماني كلها وتعرض لبنان والمنطقة لأخطار كبرى لا يمكن تحديد تفاصيلها.
              6- كان الآخرون من اليمين واليسار المتطرفين، يراهنان على وقوع خلاف لمصلحتهما الخاصة أو لأهداف غامضة أخرى بعيدة كل البعد عن مصلحة الثورة الفلسطينية وعن مصلحة سوريا الشقيقة فاستعملت من قبلهما كافة أسباب الاستدراج والفتنة والاستفزاز والاستعداء وتحريض الداخل والخارج.
              وتعرضنا، بصفتنا ضمانة التلاحم المذكور، لمختلف أنواع الدس والاتهام وحملات الكراهية والشائعات حيث أن المتآمرين الذين كان ممرهم هو الشقة بين الشقيقين وجدوا في موقفنا وإصرارنا سدا منيعا أمامهم.
              7- واختلاف موقفنا عن موقف الحلفاء في تبنيهم العلمنة: عندما أعلنّا عن رأينا، وهو رأي الأكثرية الساحقة من الناس والمتقاتلين، لأننا نرفض الطائفية السياسية والعلمنة معاً، ثارت ثائرتهم، وتعرضنا في سبيل المحافظة على إيماننا وعلى أماني شعبنا لأقصى أنواع الاتهامات، وفي النهاية أعلنوا عن موقفهم التراجعي وقالوا: أن المقصود بالعلمنة هو إلغاء الطائفية السياسية...
              8- رفضنا الإدارة المحلية، وقلنا أن الإدارة الجديدة يجب أن تتم بالاتفاق بين اللبنانيين بعد الحوار، وأنها يجب أن تتم على كافة الأراضي اللبنانية، وإلا فإنها تكون بمنـزلة اقتطاع جزء من الوطن وإقامة سلطة جديدة عليه غير مقبولة من الآخرين، وهذا عمل تقسيمي لا يمكن أن نقبل به، وتابعنا محاربة الإدارة المحلية كما حاربنا سابقاً محاولات إيجاد حكومة ظل، ومارسنا البديل عنها وهو إحياء الإدارات الرسمية، وبعد أن اقتنع المواطنون بموقفنا، انكشفت حقيقة الإدارة المحلية، وتراجع عنها دعاتها، واعتبروها عملاً مرحلياً تمهيداً للإدارات الرسمية، ولكن بعد أن دفعنا الثمن الغالي.
              9- حول المقاومة الفلسطينية، حصل الخلاف السادس بيننا وبين حلفائنا (الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية). وقد كنا نرى أن مهمة المقاومة هي تحرير الأرض المقدسة ووجوب تجنيد كافة الطاقات في هذا السبيل، وتحديد العلاقات مع الناس والدول على ضوء موقفها من قضية التحرير، وإن التهاء المقاومة بأي عمل آخر سوى التحرير، هو تعطيل لدورها وتأخير لمهماتها.
              بينما كان رأي بعض الأحزاب وممارساتها، دفع المقاومة الفلسطينية على أن تصبح حركة هدفها قلب الأنظمة العربية وأولها لبنان، وهذا الخيار في رأينا حركة إقليمية تجعل الطريق بعيداً، سيما وأنّ تغيّر الأنظمة العربية، لأهمية موقع العالم العربي وثرواته، لا يتم إلا بعد تغيّر الكثير من أنظمة العالم. وهذا في رأينا خط مشبوه في هذه المرحلة، لا يخدم قضية التحرير، بل هو على الأرجح، إرادة الدول الكبرى، بل إرادة إسرائيل.
              10- استمر تمسكنا بالجنوب، وطرحنا محنته والأخطار التي تهدده والتي زادت خلال الأزمة اللبنانية وبعد انهيار المؤسسات الرسمية. تلك الأخطار تبدو واضحة في ممارسات العدو الاجتماعية ووضع الخدمات بتصرف المواطن اللبناني وبذلك جُعلت الحدود مفتوحة. الأمر الذي لم يحصل خلال ربع قرن من عمر السلطة اللبنانية المتخاذلة).
              وكان هذا موضع خلاف جديد. حيث أن بعض قادة الأحزاب طرح الجنوب وطناً بديلاً للمقاومة، تحريضاً لبعض قواعدها على القادة، كما أكد أن وجود الأحزاب وسلطتها في الجنوب، مقبولة من جميع الأطراف (حتى إسرائيل) وجاءت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة في أعقاب اللقاءات المشبوهة بين مدّعي تحرير لبنان من القوى الرجعية وبين الضباط الإسرائيليين. جاءت التصريحات لتؤكد أن إسرائيل تفضل وجود سلطة اليسار اللبناني على سلطة الجيش السوري، ذلك الجيش الذي اتهموه أمس بأنه يعمل من أجل تأمين الغطاء الأمني لإسرائيل في العرقوب!!
              = يتبع =

              تعليق


              • سيرة الأمام الصدر (بيان 7 )جزء 2

                11- هذه النقاط السبع من الخلاف بيننا وبين جبهة الأحزاب. بالإضافة إلى الممارسات الطائفية التي مارستها طوال الأحداث من أجل اجتذاب المقاتلين بعد تأجّج الشعور الديني في نفوس الناس. وبالإضافة الى أسلوب الثأر القبلي والانتقام من الأبرياء، ذلك الأسلوب الذي يدغدغ المشاعر المتهيجة ويكسب لها الجماهير. ناهيك عن تعميم المصادرات غير الشرعية لتغذية المقاتلين في كافة أنحاء لبنان.
                هذه النقاط والأساليب والممارسات، فجرت الخلاف بيننا وبين حلفاء الأمس (الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية) وكانت تجعل منهم قوى متربصة تتهم وتعتدي، وتفتك، وتحاول، وما هو أخطر، اجتذاب المقاومة الى عداوتنا أو استعداء بعض فصائلها على الأقل. والحقيقة أننا لم نمر في يوم واحد. منذ سنة تقريباً، إلا وعانينا اعتداءً على مؤسسة أو على رفاقنا أو أبناء طائفتنا أو تهجماً في الصحف أو الإذاعة، ناهيك عن التجاوزات المسلحة على شبابنا في جميع أنحاء لبنان.
                ومن الطبيعي أن هذه الممارسات والاعتداءات لا تخرجنا عن خطنا الذي آمنا به. ولا تجعلنا نتأثر بالانفعالات العاطفية أو نُستدرج للموقع الذي يريده لنا الخصم، من حيث المواقع والتحالفات، خاصةً من حيث علاقتنا بالمقاومة الفلسطينية.
                إن تاريخنا أيها الاخوة يشهد الكثير من أنواع ظلم ذوي القربى، وينقل لنا أكثر من ألف سنة من الاضطهاد والتشويه والتجني، ومع ذلك فإننا لا يمكن أن ننحرف ونتصرف على خلاف المبادئ الأساسية.
                سنبقى في طليعة النضال في سبيل أمتنا ووطننا، نختار الصديق والعدو في ضوء المبادئ لا الممارسات. لسنا أطفالاً ولا قبائل، بل شموعاً وكوادر ورواداً في مجتمعنا ووطننا وأمتنا. إن تهمة هذه الطائفة المناضلة بالغدر والخيانة، لا تختلف عن التهم الظالمة التي كانت تلصق بها في القرون الماضية، وإن موقفنا اليوم لا يختلف عن موقفنا في القرون المتتالية من النضال.
                12- أما النبعة الشهيدة، شهيدة الإهمال المزمن، والغدر والخيانة والمزايدة، فإن مأساتها لا تعادلها مأساة أخرى، عدا محنة تل الزعتر. إن النبعة وجوارها تضم حوالي مئتين وعشرة آلاف من العاملين الشرفاء، أكثرهم من البقاع والجنوب، ويسكن في النبعة مئة وسبعون ألف مواطن يعيشون في حالة اجتماعية صعبة. فرعاية الدولة، وحتى الأحزاب التي ادعت الوصاية والحماية، لم تنجز لها مستشفى واحد عدا مستشفى الميدان الذي أسسه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والشؤون الحياتية الأخرى والحصار الذي يفرض على النبعة وجوارها من قبل الأحزاب اليمينية طيلة أحد عشر شهراً جعل المواطنين غير المقاتلين ينـزحون طلباً للعمل فيعودون إلى مناطقهم الأهلية حتى بلغ عدد السكان حوالي ثلاثين ألف شخص. وجاءت الأحزاب تصادر المحلات والبيوت الخالية من السكان، وتحتكر موارد الرزق، وتضاعف الضغط وتخلق الجو الإرهابي والإذلال للمواطنين حتى لم يبق نتيجة هذه الاعتداءات في النبعة سوى خمسة عشر ألف مواطن بمن فيهم حوالي خمسة آلاف أكثرهم من النساء والأطفال في الأحياء الأرمنية. وكنا طوال المحنة نساهم في تحييد الأرمن والاستعانة بهم في نقل المواد الضرورية للعيش والأدوية والأطباء وسائر الحاجات، وكان موقفهم جميعاً موقفاً إنسانياً وطنياً رائعاً.
                واشتد الحصار على تل الزعتر، وتصاعد القصف، فتذرع الجانبان وشدا قبضتهما على الأبرياء في النبعة.
                والمآسي التي عاشها المواطن في هذه الفترة والتجاوزات اللاأخلاقية التي عاناها من بعض الأحزاب ـ الحلفاء ـ فوق حد الوصف. ولا يمكن أن ينساها أحد، كما وان القوات المسلحة اليمينية كانت تتذرع بالقصف القادم من الأحياء الغربية وترد بقصف الهدف الأسهل دون رحمة أو حكمة.
                وهاجمت إحدى فصائل المقاومة بعض المناطق الأرمنية، ففي حاجز السكة اعتدي على فتاة، وبعد أيام أنزلوا عدداً من الأرمن من محلاتهم وقتلوهم. ثم تبين أن سرقة المجوهرات هي من فعل الفصيل المذكور وحليفه اللبناني. واستمرت الاعتداءات سبع مرات وفي المرة الأخيرة ردت القوات الأرمنية المسلحة على خصومها ولكنها مع الأسف عممت على الآخرين ودخلت القوات اليمينية من هذه الثغرة التي كنا نحميها بحياد الأرمن. ودخلت النبعة وأخذت بعض الأماكن الاستراتيجية وانهارت النبعة عسكرياً.
                وبذلنا جهداً كبيراً حتى فرضت سوريا وقف إطلاق النار في النبعة، في الوقت الذي لم يبق في النبعة إلا حوالي ألفَي شخص، و150 مقاتلاً، وكان المنطلق لمطالبة سوريا بالتدخل، التزامها بمنع التقسيم ومنع كل ممارسة تسهّل التقسيم.
                وغدرت قيادات القوى اليمينية ونقضت وعدها والتزامها، واستمرت بالزحف والتجاوز ولعل السبب في ذلك أنها عرفت بالتحاق بعض المقاتلين من الأحزاب بصفوف قوى اليمين وتسليم قيادات عسكرية أسلحتها الى الأرمن وفرارها، وأخيراً توقيع وثيقة من قبل جميع الأحزاب والمنظمات ـ عدا "فتح" و"أمل" موجودة ستعرض للرأي العام، وتستسلم الأحزاب بموجبها وتلقي السلاح.
                وبقي في ساحة القتال شباب "أمل" و"فتح" وقاتلوا الى الساعة الأخيرة وقتل الكثير منهم. وحاولت القوى اليمينية اختلاق تنظيمات صورية وهمية من الشيعة لتبرر غدرها أمام سوريا لكن الحقيقة ماثلة للجميع.
                كما حاولت الأحزاب المتخاذلة تبرير موقفها وتحميل الشرفاء مسؤولية اعتداءاتها وتجاوزها ومزايداتها.
                وأبناء النبعة هم يشهدون، وتشهد معهم الأرض المروية بدماء شهدائنا، والله خير شاهد على الجميع.
                إن الدفاع المستميت المتواضع، والدعوات المتكررة الى الصمود وتحضير الوسائل المطلوبة للصمود، وإصرارنا على استعمال كافة الوسائل وربط كافة العلاقات مع الجميع بموقفهم من النبعة، وبالتالي السعي لعودة أبناء النبعة إليها فوراً، إن هذه الأمور هي موقفنا، وجميع ما نُشر ويُنشر عن موقفنا حملة مسعورة مهيأة قبل سقوط النبعة.
                إننا ننطلق في أعمالنا من واجبنا، ونعتبر الله رقيبا وحسيبا، ولا نسعى للتجارة الرخيصة بأرواح وكرامات الناس، ولا نشك لحظة بأن التضليل الدائم لجميع الناس مستحيل وإن الحقيقة سُتكشف.
                إن النبعة أرضنا وفلسطيننا، وتهجير أهلها تمزيق لوطننا، لا يمكن أن نسكت عنه مهما غلا الثمن وكثرت التضحيات.
                13 - وأمام هول لا ننسى المحنة القصوى وهي محنة تل الزعتر والأعمال البربرية التي ترتكب بحق أبنائنا وإخواننا هناك.
                إن جهدنا الدائم بل تفرغنا منذ حوالي شهر لمعالجة محنة النبعة وتل الزعتر وتجنيد كافة أعمالنا ومسؤولياتنا الأخرى، هو واجبنا.
                ونؤكد لأبناء الطائفة وللمواطنين جميعا، ان الحكم التاريخي سيصدر على المعتدين وعلى الخونة وعلى المتآمرين بأرواح الناس وأننا نتحمل مسؤولياتنا كاملة بإذن الله.
                وقد طالبنا الشقيقة سوريا باتخاذ موقف يتناسب مع محنة التي تهدد وحدة الوطن وكرامة المواطن وشرف الالتزامات.
                14 - والحقيقة أننا أمام هذه المآسي المستمرة الكبرى، نعرف سبب الهجمة الشرسة التي تشنها الأحزاب، لأنها تعرف نموذج العمل المخلص المدروس الذي مارسناه قبل المحنة وبعدها وفي خلالها، وبالتالي فإنها تعرف ان المستقبل الكاشف سوف لا يبقى لها مجالا لاستقطاب الجماهير.
                ولكن الذي لا نعرفه هو موقف بعض القادة السياسيين الذي تمتاز طائفته وعائلته بالمناقبية واللياقات، وقد خرج بصورة متشنجة على جميع هذه الشؤون، واعتبر ان الظرف يساعد على تحطيم قيادات الطائفة الشيعية، بعد ان اعتبر نفسه ناجحا في تحطيم الآخرين. كل ذلك لكي يجد أمامه قطاعا بشريا واسعا يبني مجده على أشلائه وكأن موت عشرات الألوف لم يرو غليله...
                إننا نترك علاج الأمر لرفاقه ونحكم في الدرجة الاولى طائفته الكريمة.
                وفي نهاية المطاف نعود إلى ربنا الكريم حامي الحق والمدافع عن المؤمنين، وملهم الضمائر، ومنير الأبصار والبصائر، فهو مولانا نعم المولى وعم المصير.

                تعليق


                • سيرة الأمام الصدر (خطاب 13 )

                  الموضوع : خطاب ـ الأحزاب والمنظمات على النبعة هي كانت سبب نكبتها.
                  المكـان :
                  مدينة بعلبك (إحدى المدارس الرسمية حيث تواجد بعض مهجري النبعة) ـ 20/8/1976
                  المناسبـة :
                  قام سماحة الإمام السيد موسى الصدر قبل ظهر يوم الجمعة بتاريخ 20/8/1976 بتفقد النازحين من النبعة وتل الزعتر الموجودين في ابنية المدارس الرسمية في بعلبك وأدى معهم فريضة الصلاة وتناول معهم الغذاء وألقى سماحته فيهم الخطبة التالية التي صادفت يوم الجمعة الأخير الذي يسبق شهر رمضان المبارك.
                  ـ الــنـــص ـ
                  أيها الاخوة المؤمنون :
                  في خضم الآلام والمصائب ومهب العواصف، من السهام الآتية من كل جانب، تشرق بارقة امل في ليلنا الأليم.
                  لقد اقبل علينا شهر الله، كما يقول رسولنا الأعظم في مثل هذا اليوم، ويضيف: شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله.
                  إننا بهذه المناسبة، نقف ساعة تأمل أمام قدوم شهر رمضان المبارك، شهر المواساة والتضامن، شهر الصمود والانتصارات، شهر التقوى والقيم. ثم ننظر إلى تاريخنا النضالي وموقف القادة الذين تعرضوا في محاريبهم وفي كربلاء لأقصى المصائب والمحن، بعد أن حاول أعداؤهم خلق أجواء معادية، وافتراءات ظالمة، وتهيج في الرأي العام بدينهم. لقد افتروا على الحسين بن علي عليهما السلام، بالقول انه خارج عن دين جده ويجب قتله!! وسبق أن كفَّـروا عليا عليه السلام!! هكذا دوماً سلوك المنحرفين، أعداء الناس الذين كانوا يحكمون الناس..
                  إن الحسين وقادتنا تعرضوا لهذه الحملات الوحشية من كل جانب، ولكنهم صبروا واحتسبوا، وكان بقاء القيم والأهداف والنصر من آثار صمودهم.
                  نعيش مع أبنائنا :
                  إن شهر رمضان، مناسبة المؤاساة والتضامن الاجتماعي، وها نحن نعيش بكل إمكاناتنا وطاقاتنا مع أبنائنا الذين ظلموا فاخرجوا من ديارهم بغير حق.
                  أبناؤنا في النبعة وفي تل الزعتر ـ وقبلها في سبنيه وحارة الغوارنة وبطشاي والمسلخ والكرنتينا الذين صعدوا وصبروا ودافعوا ستة عشر شهراً، في أقصى الظروف واحلك الأيام، ولا تزال الهجمات الشرسة والاتهامات الظالمة توجه إليهم من حلفاء أمسهم، بل من المتاجرين بأرواحهم والمدافعين عنهم بالإعلام فقط، والمتسولين اليوم باسمهم، وهم براء منهم ومن مساعداتهم .
                  صمدنا ودافعنا والآخرون استغلوا :
                  لقد امتنعوا عن توفير وسائل الصمود لهم، وبالغوا في استغلال ظروفهم القاسية، وهم اليوم مستمرون في طعن كرامتهم وهضم حقوقهم.
                  إننا أيها الاخوة، انطلاقا من إيماننا بحقنا وبتاريخنا الذي انطلق من أمثال الشهر الكريم، صمدنا، ودافعنا، ووفرنا ما أمكن من وسائل الصمود إلى آخر لحظة، حاولنا الاستعانة بالتزام سوريا المبدئي بالوقوف في وجه مؤامرة التقسيم، واعتبرنا تهجير سكان النبعة وممارسة تقسيمية، وكان المعتدون تعهدوا بالامتناع عن الغزو، الا انهم غدروا وخرجوا عن التزاماتهم تجاه سوريا وتجاه الوطن.
                  سنعود إلى النبعة مهما كلف الثمن :
                  ومع ذلك، فإننا سنعود مهما كلف الثمن، ونبذل الغالي والرخيص في سبيل العودة وحفظ وحدة الوطن، ونعتبرها قضيتنا التي يجب ان تتحقق بأي ثمن كان .
                  وها نحن نرى اليوم وفدنا الثاني يعود من النبعة بعد أن بحث في وضعها السكني والصحي والأمني تمهيداً لعودتهم إليها.
                  ونعلن بصراحة، أن الإهمال في هذه المحنة خيانة كبرى، ولا يمكن أن نسكت عنه بإذن الله.
                  إن شهر رمضان، شهر الصمود والصبر، ويعلمنا الوقفات التاريخية الكبرى (بدرية) و (حنينية) وفي (فتح مكة) عندما جاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجا، وهو إذ يذكرنا بهذا التاريخ الحافل يضعنا أمام المسؤولية المعاصرة، أمام التهديدات التي توجه إلى مناطقنا، إلى الشياح والغبيري والليلكي وبرج ا لبراجنة..
                  المؤامرة الكبرى التي شارك الجميع فيها:
                  أيها الاخوة المؤمنون، إن المؤامرة الكبرى التي تحدث الجميع عنها، والتي شارك الجميع فيها، بدأت تحوم حول هذه المناطق الشريفة، مسكن الشرفاء. فمن جهة، اعتداءات وقصف وقنابل، ومن الظهر، طعن، وتفريق للصف، واتهامات مسبقة لشبابكم الذين وقفوا منذ بداية الأحداث وحتى هذه اللحظة في المراكز الأمامية، ويدفعون أرواحهم ضد المطامع والوحشية ومؤامرة تقسيم الوطن وتصفية القضية الفلسطينية المقدسة.
                  إننا نعلن على رؤوس الأشهاد، أننا لا نسكت عن الاعتداءات على هذه الأحياء وغيرها، وإننا باقون فيها ندافع بأيمان الصائمين ملتزمين بصيانة المقاومة الفلسطينية ودعمها لتحقيق أهدافها في التحرير والعودة، ونسجل من جديد صفحات تاريخنا المجيد التي كتبناها يوم بدر حنين وفتح مكة. كما وإننا لا نبالي بالهجمات الإعلامية الرخيصة، من أبواق الصهيونيين الجدد حلفاء حزب "راكاح" الشيوعي الإسرائيلي، مهما كانوا متخفين في ثوب الوطنية والتقدمية...
                  التنظيمات الشيعية الوهمية والمتلهون بشرب الشاي :
                  ونعلن أيضا عدم اعترافنا بالتنظيمات الثورية الوهمية للشيعة التي تختلقها أيادي اليمين الملطخة بدماء أبنائنا، ولا نقر المتخاذلين الذين سكتوا دهراً ونطقوا كفراً، أولئك الذين كانوا، طوال المحنة، متلهين بشرب الشاي، وبالمباحثات الجدلية البيزنطية، حتى إذا شموا رائحة التبرعات والصدقات بدأوا يملأون ساحات الحسينيات وأعمدة الصحف...
                  الجنوب المهدد :
                  أيها الاخوة المؤمنون، إننا في محنة كبرى، فجنوبنا مهدد وإسرائيل ترسل السموم المهلكة إليه باسم الإنسانية، ولا مدافع عنه، ولا واع له، ولا سند يحميه. لكننا نتذكر دائماً إن معاركنا الكبرى، في بداياتها، لم تكن متكافئة، ولكنها دائماً انتصرت، لأنها كانت معركة الحق. فالنبي الكريم انتصر في بدر، رغم عدم التكافؤ في القوى، وفي حنين هزم أولا، ثم انتصر، وفي مكة طرد من البداية لكن يعود بنصر الله في النهاية، أما معركة كربلاء، فالكل يعلم بدايتها الدامية، ولكنه يتذكر أن الدماء الطاهرة تلك هزت عروش الطغيان ودكت قلاع الظالمين، وكتبت تاريخ الكذابين المفترين.
                  نحارب استغلال الطائفية والانتقام من الأبرياء :
                  إن شهر رمضان أيها الاخوة، هو شهر القيم والأخلاق.. وهذا هو أساس الخلود في تاريخ الأمم وفي تاريخنا. ونقولها، رافعي الرأس، أننا طوال المعركة المستمرة الدامية، كنا ندعو إلى العدل والقيم ونحارب استغلال الطائفية والانتقام من الأبرياء، وأبينا الا مواجهة المواقف بالصدق لا الدجل، وبالحقيقة لا بالمزايدة..
                  وسنبقى، كما علي أمامنا، شهيد هذا الشهر العظيم، نبدأ بالقبلة وننتهي في المسجد. نعيش في طريق الحق، عبادة الله وخدمة الناس من البدء حتى الختام، ونعرف أن الله جل وعلا قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} صدق الله العظيم (النور:55).

                  تعليق


                  • سيرة الأمام الصدر (بيان 8 )

                    الموضوع : بيان ـ الدساسون وأهل النفاق يحاولون الفتنة بين الشيعة والفلسطينيين.
                    المكـان : بيروت ـ 12/9/1976
                    المناسبـة : ذكرى واقعة بدر الكبرى .
                    ـ الــنـــص ـ
                    أيها الإخوة المؤمنون:
                    إن شهر رمضان المبارك يضع أمامنا، في اليوم السابع عشر منه، ذكريات واقعة بدر الكبرى من جديد، ويضفي عليها بالتأمل الذي ينمو فيه بالصيام، وعن طريق تطهير الجسم وتزكية النفس، معاني وعبر!، ويجعل منها دفقاً جديداً في طريق حياتنا المأساوية العصيبة.
                    الإيمان بالقضية وبالقيادة سبب النصر :
                    فالمعادلة المنطقية لميزان القوى في تلك المعركة، كانت لمصلحة قوى الشر والشرك والطغيان، لأن أصحابها كانوا يملكون العدة والسلاح والإعلام والكبرياء، يساعدهم أنهم اختاروا زمان الحرب ومكانها، حيث نقلوها الى أرض المدينة، وفي الموقع المناسب. أما رجال محمد، رسول الرحمة والعدل، فلم يكونوا يملكون من أسباب النصر سوى الإيمان بقضيتهم العادلة وبقيادتهم المخلصة، وبأنّ النصر من عند الله. إن قريش المعتدية كانت تقول إنّ هؤلاء الصعاليك الذين هربوا من مكة الى يثرب، وأنصارهم المستضعفين، لا يملكون وسيلة النصر ولا يحتاجون الى أكثر من عملية تأديبية تنهي استفزازهم ووجودهم. من هم هؤلاء الصغار الذين تتحكم فيهم قلة من اليهود، ويقفون متحدين السادة أهالي مكة أصحاب المال والسلطان، فيجرؤون على حماية محمد، وقد خرج على بني عمه، ثم خرج من بينهم، وها هو يقودهم في وجه الزعامات العريقة!!
                    بهذه القوة، ومع تلك المعنويات العالية زحفت قريش بخيلائها في حملة تأديبية ضد المسلمين الذين كانوا يعانون صعوبات بالغة في المواجهة، ولكن الله أراد أن يضعهم أمام الخيار الصعب {وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} (الأنفال:42).
                    حكاية يوم الفرقان :
                    أرادهم الله أن يكتبوا بتمردهم وبدمائهم حكاية يوم الفرقان، كفصل جديد في تاريخ أمتهم، وأن يسجلوا تطوراً نموذجياً في حياة الأمم عندما تؤمن بحقها وتحارب في سبيله، تطورا يقلب المقاييس ويضع أساساً للنصر والهزيمة يختلف عن الأسس السابقة السائدة في المجتمعات.
                    ولقد فاجأ المستضعفون في المدينة سادة قريش، بدفاع منظم ومتفان عن قضيتهم، وينقل القرآن الكريم هذه المفاجأة على لسان أحد قادتهم إذ يقول: إني أرى ما لا ترون..
                    إنتصار الحق برجاله القلة الفقراء :
                    وانتصر الحق برجاله القلة الفقراء في المعركة وفي المعارك الأخرى التي تلتها، وحطموا بانتصارهم أسطورة القوة المادية، ووضعوا في يوم الفرقان أسس النضال الحق وحتمية الانتصار فيه أمام التاريخ.
                    ولقد عشنا وقرأنا في حياتنا شواهد عدة تثبت صحة هذا المبدأ وشموله: ففي الجزائر، وفي فيتنام، وفي حرب رمضان المجيدة، شاهدنا له أكبر دليل.
                    ثم ها هو شهر رمضان الثاني في عمر المؤامرة الكبرى الراهنة التي يتعرض لها الشعبان العربيان اللبناني والفلسطيني، يقدم للذكرى أبعادا نضالية وحضارية جديدة وكأننا نعيش الواقعة من جديد.
                    نتعرض لمؤامرة خططتها أيادي الدول الكبرى الملطخة دائماً بدماء الشعوب، ونفّذتها أيادٍ محلية اتخذت لنفسها آلهة من دون الله، وأكملت المؤامرة الحاقدة بدوافع ذاتية وإرضاء لمشاعر التفوق، بعد أن وجدت الدعم المادي والعسكري والإعلامي من المحاور العربية والدولية المختلفة.
                    يتعرض الشعبان اللبناني والفلسطيني، وتتعرض الأمة العربية بأجمعها، منذ خمسمائة يوم للمؤامرة الكبرى التي تحدث عنها الجميع وتورط فيها الجميع، وهي تستمر وتستمر وتنسف جميع المساعي الرامية الى وقف النزيف وتجميد الدمار.
                    فصول المؤامرة :
                    وعندما نستعرض المؤامرة بتأمل مسؤول، نجد بوضوح أنها مؤلفة من فصول ثلاثة، وبعبارة أخرى نجد أسلحة ثلاث مدمرة إستعملت وتستعمل فيها، ولا بد في سبيل التغلب عليها من إعادة النظر فيها حتى نمنع استمرار المؤامرة.
                    الفصل الأول :
                    فلقد بدأت المحنة، وكانت تلوح في الأفق منذ مدة غير قصيرة، وسرعان ما اتجهت (أو وجهت) باتجاه طائفي، واشتعلت الحرب الدينية بين الإخوة أبناء البلد الواحد. فإذا ببلد التعايش المثال في العالم، يشهد الإقتتال بين المسلمين والمسيحيين. يخطف المواطن على الهوية، ويعذب ويقتل ويشوه وتلقى جثته في الشارع أو تحت الجسور. وتقصف الأحياء الآمنة بشكل عشوائي، لمجرد انتماء أكثر سكانها لهذا الدين أو ذاك. ويبدأ تهجير الاقليات وتُستباح أموال المواطنين وبيوتهم وكراماتهم.
                    إن لبنان، بلد المشاركة التامة في الإيمان والتاريخ وحتى في العبادة، يتحول الى غابة تنتهك فيه الحرمات والقيم، وتدنس وتحرق فيه المصاحف والمعابد، وتُحطم فيه جميع معالم الحضارة حتى المؤسسات الإنسانية المحضة. والغريب أن هذه الممارسات تصدر بعنوان ردود الفعل، حتى من الأحزاب ذات المبادئ العلمانية والتي كانت حتى الأمس القريب بعيدة كل البعد عن الممارسات والقناعات والمشاعر الطائفية، فإذا بها تتصدر الموجات الغيورة على الطوائف، وتشترك بشكل فعال في الانتقام من الأبرياء، ولعلها كانت تبحث عن المقاتلين وعن الجماهير المساندة لها بعد أن عجزت خلال عشرات السنين عن استقطابهم بواسطة المبادئ فاكتسبتهم بالفعل بعد أن حطمت مبادئها وسمعتها واشتركت عن قصد أو عن غير قصد في تنفيذ المؤامرة.
                    وهكذا سجل الفصل الأول من المؤامرة تحولاً مفاجئاً لبلد كان بوجوده تحدياً لإسرائيل ولصانعيها، فأعطاهم دليلا جديداً لإثبات ادعاءاتهم أمام العالم. هذا بالإضافة الى أن تفاعل لبنان مع الثورة الفلسطينية، كان تطورا حضارياً ونضالياً جديداً، حيث أعطى لها المنطلق والسياج واللسان والمثال، وأخذ منها إشراقة النضال وإطلالة الحق على الضمير العالمي والطريق الى المستقبل.
                    إن التلاحم بين الشعب اللبناني وبين الثورة الفلسطينية، كان تزاوجا بين أقدس قضيتين للعرب ـ قضية التعايش وقضية فلسطين ـ وكان المدماك لبناء حضارة جديدة في أرض بناء الحضارات، وهذا ما كان يرهب الأعداء ويتحدى القوى الفاعلة في العالم الحديث.
                    الفصل الثاني :
                    مزق الفصل الأول من المؤامرة لبنان، وانتزع من الثورة الفلسطينية أكثر من نصف رصيدها، بل طعنها في صميم قضيتها. وبدأ الفصل الثاني من المؤامرة لكي يتصدى للبعد القومي والعمق الإستراتيجي للقضية الفلسطينية، بل وللتطلعات اللبنانية الوطنية.
                    وكان التوتر والخلاف والتصادم بين الثورة الفلسطينية وسوريا الثورة!! سوريا رئة الثورة الفلسطينية ومنبتها وحصنها وتوأمها، بل أمها. سوريا صلة الثورة الفلسطينية بالعرب وبحمايتها كلهم. فكيف يمكن تصور هذا الخلاف؟!! كيف حصل؟!! مَن المسؤول؟!!... ولكنه حصل وكان بعض حلفاء الثورة الفلسطينية يؤججون النار بمقدار ما كان خصومها يساهمون في تصعيد الخلاف؟؟
                    إنّ حصاد هذا الخلاف إذا استمر، لا ينحصر في انقطاع الثورة عن جذورها، بل يدفع بالشعب الفلسطيني في الدرجة الأولى الى الشعور بالعزلة والانكفاء، وهذا أخطر ما يُتصور على القضية الفلسطينية وعلى أبعادها والإنتصار فيها. كل ذلك بالإضافة الى نتائج هذا التطور السلبي على الشعوب العربية كلها.
                    الفصل الثالث :
                    وفي هذه الأسابيع يكتب الفصل الثالث من المؤامرة، وهو السعي لخلق الفتنة المذهبية الجديدة، بل محاولات إعادة الفتنة المذهبية الجديدة، بل محاولات إعادة الفتنة المذهبية القديمة الى الساحة اللبنانية - الفلسطينية من جديد.
                    تريد المؤامرة في هذه المرحلة أن تخلق الصدام بين الشيعة وبين الفلسطينيين!! المسلمون الشيعة، سكان جنوب لبنان المجاور لفلسطين وسكان الضاحية الجنوبية من بيروت المجاورة للفلسطينيين..
                    المسلمون الشيعة، مقدسو الثورة الحسينية، أصحاب التاريخ الرافض المأساوي الدامي، طليعيون النضال العملي والفكري ـ الاجتهاد ـ.
                    المسلمون الشيعة الذين وضعوا الثوار الفلسطينيين، بل واللاجئين منهم، في قلوبهم، وتحملوا - وحدهم في لبنان وفي العالم العربي - ضربات "إسرائيل" الانتقامية بصمت وخلال ربع قرن، دون أن يتعاطف معهم أحد.
                    المسلمون الشيعة، سكان الشياح والليلكي والغبيري وحارة الغوارنة وسبنيه والنبعة ورأس الدكوانة وجسر كفرشيما وبرج الحوت والكرك الخ، أولئك الذين خسروا ما يساوي خسارة شعب في حرب شاملة وأكثر..
                    المسلمون هؤلاء، يتحولون دفعة واحدة، بأقوال الدساسين وأهل النفاق والفتن، الى خصوم وغادرين ومستسلمين ومحتقرين، وتتحول قياداتهم ورموزهم وشخصياتهم الى خونة وعملاء، وتتعرض مؤسساتهم الى اعتداءات متتالية، بل ويتعرض مقاتلوهم، وهم في الخنادق، الى الطعن في الظهر.
                    هذا القول بالتحول، مسرحه الصحف والتلفزيون والإذاعة والأندية والمنابر والتجمعات، وكل مكان إلا أرض الحقيقة.
                    والمؤسف أن هؤلاء الدساسين والمنافقين والقائمين بالفتنة، هم بعض مدعي التحالف مع الثورة الفلسطينية وحتى بعض فصائلها المنحرفة!!
                    ولعلنا نجد في التأمل الشامل، أن أصابع هؤلاء أنفسهم كانت ظاهرة في الفصلين الأول والثاني من المؤامرة!!..
                    إنهم وحلفاءهم ـ حتى ولو كانوا ضمن جبهتين متعارضتين ـ وإمداداتهم الدولية، أرادوا من تنفيذ هذا الفصل تعرية الثورة الفلسطينية من جماهيرها بعد أن حاولوا في الفصلين السابقين قطعها عن قيمها وعن عمقها، ولكنهم {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف ـ 8).
                    تاريخ المسلمين الشيعة :
                    ان المسلمين الشيعة، لا ينسون أن تاريخهم وتاريخ أئمتهم، منذ أن كانوا، يتضمن أحداثا مشابهة ومواقف مماثلة للتي يتعرضون لها اليوم. ويعرفون جيدا أن سلوك أئمتهم كان دائماً ينطلق من المبادئ والقناعات، ولم يكن يوماً رداً على تصرفات الآخرين إلاّ نادراً.
                    إنهم كانوا ـ عبر تاريخهم حذرين من الوقوع في شرك المؤامرة، وكانوا يدفعون من أنفسهم ثمناً غالياً حتى لا يدفع الثمن سلامهم وأمتهم وقيمهم وقضيتهم، وكانوا بعنادهم الرسالي في متابعة المواقف كالأم يحبطون أحلام المتآمرين والمعتدين.
                    ومهما تعاظم التآمر وانفجرت الأحقاد في وجوههم وتكررت المآسي، سيبقى موقفهم المبدئي مع لبنان الواحد، مع الثورة الفلسطينية، مع التعايش المثال في لبنان، مع التمسك بالقيم في العلاقات كلها، وحتى في المعارك.
                    المطامع الإسرائيلية :
                    إن المسلمين الشيعة وسكان الجنوب، يعرفون منذ فترة طويلة ما يهدد منطقتهم العزيزة من مطامع إسرائيلية، ويتتبعون بدقة تطورات الموقف، ويعرفون أن للعدو أنصاراً في صفوف مدعي التحالف معهم ينسقون مع هذا العدو الذي تحول فجأة من ذئب مفترس الى حمل وديع يقدم ـ خدمات إنسانية ـ ويذرف دموع التماسيح. إنهم ينسقون معه، ويحاولون بتجاوزاتهم واستفزازاتهم المستمرة للناس ومزايداتهم المتطرفة الفارغة، خلق مقارنة جديدة لكي يضعوا المواطنين أمام خيار جديد. ولكنهم سيفشلون: فيد الله فوق أيديهم، وللجنوبيين أبناء جبل عامل في سلوك قادتهم في التاريخ أسوة حسنة، فهم في وعيهم وفي تجاربهم وفي مروءاتهم رصيد كبير يصونهم في محنتهم القاسية.
                    إنهم يعرفون، أن قضية الجنوب هي قضية العرب كلهم، وأنّ صمودهم سوف يهز الضمائر فيفرض على الجميع النجدة.
                    وأن الأيام القليلة القادمة تشهد تحركاً عربياً واسعاً ومسؤولاً في سبيل خدمة الجنوب. كما وأن التحركات التي حصلت في الأسابيع الأخيرة أدت الى تغيير في المواقف الدولية. ولقد شاهدنا مؤخراً موقف الإتحاد السوفياتي الموضوعي على الرغم من مواقف مدعي تمثيله في لبنان.
                    أيها الإخوة المؤمنون، يا أهلنا في الجنوب، إن معركة بدر الكبرى تتجدد على أرضكم. ورمضان المبارك يحمل لكم مع عناية الله تفاصيل الموقف. إن المحنة شاقة ولكنها دون همتكم وإيمانكم {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} صدق الله العظيم (آل عمران:103).

                    تعليق


                    • سيرة الأمام الصدر (مقال 3 ) جزء 1

                      الموضوع : مقال افتتاحي ـ لبنان … بين الأم والمرضعة.
                      المكـان : بيروت ـ 23/9/1976
                      المناسبـة : بعد أن كشف مواقف الآخرين للأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها وكلها لا تصب في سبيل وحدة لبنان وحفظ المقاومة كتب الإمام الصدر المقال الافتتاحي للعدد الثالث من صوت المحرومين ويبين فيه من يقوم بدور المرضعة ودور الأم في لبنان.
                      ـ الــنـــص ـ
                      إن الدروس والعبر التي توفرها الأزمة اللبنانية الدامية هي وحدها تمنع جعل الدماء المراقة والخسائر المذهلة التي أصابت لبنان تذهب هدرا، وتحول الكارثة إلى منطلق جديد للتحول بل تجعل منها منعطفاً تاريخياً كبيراً.
                      من اجل ذلك، يجب علينا أن نقوم بعملية التقييم الشامل للأزمة واستيعاب دوافعها وتفاصيلها ونتائجها.
                      وبصورة خاصة في هذه المرحلة بالذات، لا بد من الوقوف أمام مسلكية الأزمة والقيم التي تحكمت فيها فأفرزت نتائج مفاجئة، وتصنيعاً جديداً لنضال الشعوب والأمم. والحقيقة أن الطابع الخلقي لكل معركة يلقي الأضواء الكاشفة على دوافعها وعلى عناصرها الأساسية فيحدد مستواها الحضاري، وبالنتيجة فانه يعين احتمالات النجاح والفشل بصورة أولية وقبل الأوان.
                      إننا سنحاول في هذه الكلمة أن نلفت نظر القارئ الكريم وبخاصة شباب الحركة ورفاقهم إلى دراسة سريعة لهذا الجانب، حيث أن الأزمة الكارثة التي عصفت بالوطن كانت منذ البدايات تحمل طابعاً أخلاقياً خاصاً يمكن تلخيصه في النقاط التالية:
                      1 ـ التصعيد الإعلامي المستمر المعتمد على المعلومات المضخمة والمبالغات وعلى الشائعات المثيرة والاستفزازية، فقد كان الشعب يتجرع كل يوم كميات من السموم الفتاكة.
                      وأخبار الانتصارات كانت تصدر قبل حدوثها، بل قبل حدوثها، بل قبل الشروع في المعارك وكان المطلوب إيقاظ الخصم وبذل المزيد من الضحايا، أو أن المسألة هي الحرب الإعلامية وخلق مناخ المعركة فقط، ومن هذه الناحية كانت الأزمة اللبنانية صورة طبق الأصل عن حرب حزيران 67 ومن الطبيعي أن يحصل تشابه في النتائج.
                      2 - إثارة الغرائز الطائفية، بعد نشر المعلومات ذات الطابع الطائفي. والغريب أن القادة والأحزاب التي تدعي التقدمية والعلمانية كانت تمارس هذا الأسلوب بشكل مكشوف.
                      3 - مبدأ الانتقام من الأبرياء الذي ساد الأجواء، حّول لبنان الى تجمع قبائل، وأحيانا الى بلد القبيلتين، واصبح نظام الثأر بديلاً عن قانون العقوبات. كل ذلك بالإضافة الى أن موضوع الأخذ بالثأر توسع واشتمل على التهجير الانتقامي للأبرياء والسرقة الانتقامية، حتى أن نوعية الجريمة كانت تراعي في الانتقام من الآخرين.
                      4 - لقد برزت في الحرب اللبنانية القذرة أنواع جديدة من الجرائم لم يكن المجتمع اللبناني يعرفها من ذي قبل، بل إنها كانت غريبة عن عادات العرب منذ بدايات تاريخه.
                      إن الساحة اللبنانية شاهدت قنص الأبرياء وخطف المارة وتعذيب الأسرى، وقتل المخطوفين والتمثيل بالجثث والقصف العشوائي بمدافع الميدان للمدن والقرى.
                      كما وان الحرب تنكرت لسائر القواعد المتبعة في العالم، من استعمال القنابل المحرقة وقصف المستشفيات ودور الأيتام واغتصاب سيارات الإسعاف ومنع وصول الاطفائيات الى محل الحادث وغير ذلك..
                      5 - رفض المقاتلين الالتزام باتفاقيات الهدنة أو وقف إطلاق النار، ورفض القيادات المشاركة أو التمثيل في أية هيئة مشتركة تشرف على المعركة، مما جعل المعارك تعود بحجة المبادرة من عناصر غير منضبطة أو باتهام كل فئة للفئة الأخرى دون أن تتمكن أية مؤسسة من رصد الحقيقة لمنع المخالفين. أو حتى لمعرفة الفئات المشتركة في الحرب وكشف هويتها.
                      6 - واخطر ما في الحرب اللبنانية أن أهدافها لم تكن معلنة وبالتالي فان الجولات تبدأ ويحمل كل طرف مسؤوليتها للطرف الآخر، وكذلك لم يكن أي اتفاق عملي أو تنسيق أو تفاهم بين رفاق السلاح، كما لم يكن، لما سمي بالقيادة المشتركة، أي وجود حقيقي في الساحة، وان العناصر المسلحة الشعبية أو المنظمة في كل جبهة كانت تضطر لحماية نفسها من حلفائها.
                      7 - وأخطر من ذلك أن الأهداف الكبرى لم تكن تراعى في المعارك ولم يكن موقف المقاتلين ينطلق من الهدف الأهم فالمهم، ولذلك: اصبح الاهتمام بالقضية الاجتماعية يهدد وحدة الوطن وبات السعي المسلح لتكريس مكاسب الحرب يهدد الجنوب.
                      وبكلمة، كانت الحرب اللبنانية في أهدافها نقيضة للحروب في العالم فالهدف الصغير قضى على الهدف الأكبر وهكذا..
                      وقد بدأت إسرائيل تحت سمع المقاتلين وبصرهم وبمعرفة قياداتهم، تفتح الحدود وتتقدم نحو الاحتلال خطوة خطوة وتتصرف مع هذا القسم الغالي من الوطن كالضحية تقطع أوصالها غير مستعجلة ولا قلقة من موقف دفاعي واحد من المقاتلين في لبنان وحتى من العرب.
                      وفي هذا الوقت التي تغلف إسرائيل احتلاله بالطابع الإنساني نجد الحلفاء يذيقون رفاقهم سوء العذاب ويصرخون بان كل تنظيم معاد لهم أو حتى التنظيم المختلف معهم في مسائل تفصيلية هو اخطر من إسرائيل، ثم يتصوفون منطلقين من هذا المبدأ.
                      إن الأشهر الماضية شهدت إنسانية الوحش الإسرائيلي بكل دقة وبالتدرج الهادئ في القرى الأمامية من الجنوب.
                      كما شهدت أيضاً وحشية الإنسان العربي المتمثل في الأحزاب الشيوعية وحلفائها في صور وقلاوية وقانا وجويا وشيحين وارنون ودير الزهراني ومركبا ومارون الراس وحناوية وياطر وبيت ليف ودبين ورشاف وغيرها.
                      والغريب أن قسماً من هذه الاعتداءات حصل في مكتب الامن الشعبي الذي ينصب نفسه مسؤولاً عن أمن المواطن وحياته.
                      إن الأسلحة التي وضعت في يد المواطن أو عند بعض الفصائل المتطرفة من المقاومة، تلك الأسلحة التي قدمت من دماء الناس وآمالهم وأموالهم، أصبحت في حاله تنسيق كامل مع إسرائيل ضد المواطن الجنوبي وضد المقاومة. وبدأ الاستفزاز من الأحزاب الوطنية ضد سكان القرى، ثم تتقدم إسرائيل بحجة الدفاع وهكذا تضع نفسها حامية المظلومين بزعمها، بعد أن تقدم لها الأحزاب الدليل القاطع والسبب الكافي.
                      إن العناصر التي استعرضنا بعضها والتي تشكل الطابع المميز للأزمة الدامية، هي التي جعلتنا نسمي دور المقاتلين في لبنان ولأجل لبنان هو دور المرضعة، حيث قادة الحرب كسبوا أجراً فاق توقعاتهم، فالأموال تدفقت والأسلحة أغرقت مكاتبهم والأعلام العربي والعالمي تحدث عنهم طوال المحنة وبذلك اصبحوا نجوم الصحف والأندية العالمية واكتسبوا مجداً سبقوا السابقين والقرناء.
                      وفي نادي المرضعات ووسط شعاراتهم ومزايداتهم وتراشقهم بالتهم المتبادلة رغم وحدة مصالحهم وترابطهم.
                      في هذا الجو شاهدنا الأمهات الثكالى بعيون مرهقة وبصرخات مبحوحة يحملن غصن الزيتون بيد وبندقيتهن المختصة بالدفاع عن لبنان وعن قضية فلسطين بيد أخرى.
                      = يتبع =

                      تعليق


                      • سيرة الأمام الصدر (مقال 3 )جزء 2

                        إن حركة المحرومين هي واحدة من هؤلاء اللبؤات وقفت قبل المحنة وطوال اشهرها ولياليها الطويلة وأيامها المظلمة موقف الأم الحقيقية، حيث أن المحرومين وحدهم أصحاب الوطن لا يملكون غيره فلا مساكن لهم في أمريكا ولا أرصدة في المصارف الأوروبية ولا اسهم في الشركات العالمية لذلك كان عليهم التفاني في حفظ الوطن.
                        وها هي الأرقام تلخص الموقف وتفتح الملف وتوضح الرؤية:
                        1- في أيار 1974 وصلت حركة المحرومين في مهرجان صور وبعده مهرجان بعلبك الى قمة التصعيد الجماهيري فاقسم مئات الألوف من الناس على أن لا يسكتوا عن الظلم وعلى الحرمان وقررت الحركة إقامة المهرجان الأخير في بيروت يليه الاعتصام في المسجد تمهيداً لإسقاط الحكومة وفرض العدالة على الحكم والنظام، وكانت الحركة تدرس إمكانية تصدي السلطة لها، وتعالج مضاعفاتها فإذا بها تطلع على تقرير دقيق يكشف عن وجود حركة تسلح واسعة النطاق لدى بعض الطوائف اللبنانية كما يؤكد وجود تعبئة طائفية معادية، وتبين أن التصعيد سيؤدي الى كارثة وطنية وأننا سنجد أمامنا يوم الاعتصام لبنانيين مسلحين، لا القوى المسلحة الحكومية.
                        وهنا سيطر الشعور بالمسؤولية على قيادة الحركة فتجاوزت المزايدات والمجد السياسي وتحملت الاتهامات والطعنات فحولت النظام الى مد جسور جديدة الى سائر الطوائف اللبنانية بواسطة المثقفين وأسست "الأمانة العامة للفكر الملتزم في خدمة المحرومين".
                        وتجنبت الحركة في هذا الموقف التورط في المعركة وتحملها.
                        2- رفضت قيادة الحركة عزل الكتائب واعتبرته انحرافا تكتيكيا يجعل الجماهير متعاطفة مع الكتائب ويخلق الانفصام في الوطن واستمرار المحنة وبالفعل دفع الصف الوطني والمقاومة الفلسطينية ثمن هذا القرار غالياً، وتحملت الحركة سهام الاتهامات الباطلة.
                        3- ودعا الإمام الى اجتماع كبير يضم نخبة من رجالات لبنان من مختلف الطوائف سمي باجتماع الـ77 بعيدا عن التطرف وانبثقت عنه لجنة لمتابعة الحوار بين الأطراف.
                        4- تابعت الحركة بقياداتها دور الأم التي يختلف أبناؤها، وعقدت الاجتماعات بين الأطراف اللبنانية وبينهم وبين الفلسطينيين وبخاصة بواسطة مركز التخطيط.
                        5- ساهمت في عقد مؤتمر الرؤساء الروحيين وقمة عرمون وغيرهما حرصاً على وحدة الوطن ومنع الاقتتال.
                        6- كما ساهمت في تأسيس الهيئة الوطنية للحوار وفي اعتصام الرئيس كرامي، وعقد اللجنة الأمنية في السراي وفي مختلف المساعي النيابية التي جرت في الساحة.
                        7- وعندما نلاحظ تاريخ انتخاب الرئيس سركيس، الذي كان بمثابة الإنقاذ في طوفان عصف بكل شيء، ونقارنه بلقائي مع الرئيس الأسد والسيد عرفات، نعرف أن مدى الدور الكبير الذي قامت به قيادة الحركة في إبقاء الوطن وبقاء الشرعية فيه.
                        8- إن هذه المواقف الإيجابية والدعوة الى السلام في ربوع الوطن والتي بلغت القمة بالاعتصام بمسجد الصفا ذلك الموقف الذي أنهى مشكلة تشكيل الوزارة الكرامية لم تحل دون وقوف الحركة موقفاً قاطعاً ومتفانياً في سبيل الدفاع عن الوطن ووحدته والمقاومة الفلسطينية، وقد ملأت الساحات الساخنة بطولات شباب أمل كما اروت الأرض دماء شهدائها.
                        9- كانت المعارك والساحات تشهد بمناقبية الشباب الأبطال أبناء حركة المحرومين فلا تجاوز ولا طائفية، ولا انتقام من البريء، ولا قصف للمدنيين وللمساكن المدنية ولا خطف ولا تضليل في الأعلام.
                        وكلمات الأمام الذي اعتبر الاعتداء على قرى الطوائف الاخرى اعتداء على بيته ومحرابه، تدوي في المسامع، وقد أذهلت الجميع تلك المساعي التي بذلت لإنقاذ المخطوفين من قبل شباب الحركة الذين خطف بعض أهلهم ورفاقهم.
                        10- وجاءت التحديات والانحرافات من رفاق السلاح فكانت الوقفات الصريحة الرافضة للعلمنة وللإدارة المحلية ولحرب الجبل من قادة الحركة دون تردد أو تهيب. وكان الرد الغادر من بعض الحلفاء والطعن والاعتداءات على شباب الحركة، تلك المحنة التي استمرت حتى الآن وكان الجواب الصمود وعدم التورط في المعارك الجانبية والتصرف التاريخي المسؤول.
                        11- إن جهد قيادة ـ الحركة ـ وكبار مسؤوليها بالدرجة الأولى صرف في إبقاء العلاقات اللبنانية - اللبنانية وكذلك في خلق التفاهم اللبناني ـ الفلسطيني وفي صيانة العلاقات السورية الفلسطينية وأخيرا في تحسين العلاقات العربية وخلق التضامن الأمثل الذي لا يحول غيره دون المؤامرة الكبرى التي تستهدف لبنان والعرب.
                        وهذا الجهد المضني اقتضى عشرات الرحلات ومئات اللقاءات وكثيراً من تحمل المشاق والأخطار وسيسجل التاريخ في صفحاته الخالدة هذا الجهاد العظيم الذي قوبل بالجحود.
                        12- و "الحركة" في هذه اللحظات تعتبر أن المشكلة الأساسية هي مشكلة الجنوب وتؤكد أن اكثر الأحداث منذ 1948 حتى الآن، عدا الحروب الميدانية هو ما يجري الآن في الجنوب.
                        إن الحدود المفتوحة هي في الواقع القبول العملي للوجود الإسرائيلي مهما كانت القرارات الديبلوماسية والاقتصادية، كما وأنها بداية تحول اجتماعي وأخلاقي ونفسي في الأمة تتجاوز أخطارها كل حد.
                        إن هذه الظاهرة تتجسد في قيام إسرائيل بدور الإنسان في الوقت الذي يقوم فيه انساننا المغفل أو المتآمر بدور المفترس في هذه الصورة المقارنة، يدفع التنسيق بالمواطن الى أحضان العدو. إننا ننظر الى الاعتداءات الشرسة التي تمارسها الأحزاب في الجنوب على أنها جزء من المؤامرة ولذلك فان شبابنا قد امتنعوا حتى الآن عن التورط في تسهيل مهمة إسرائيل واكتفوا بتوجيه الإنذار ومن الطبيعي أن هذا الموقف السلبي له حدود معينة وسيدفع المتآمرون والمشتركون في التآمر ثمن أعمالهم.
                        إن "الحركة" ذكرت وأنذرت وناشدت المتقاتلين في لبنان، وبلغت الدول العربية حقيقة الموقف وتعلم الجميع ولا سيما سكان الجنوب أن التعامل بأي حد ولأي سبب مع إسرائيل هو خيانة وطنية وخروج على جميع المبادئ والقيم الدينية وانحراف عن المسيرة التي سار عليها تاريخنا وأئمتنا وقادتنا، وهو بعد ذلك لا يمكن أن يبقى بدون عقاب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء:227).

                        تعليق


                        • سيرة الأمام الصدر (نداء 13 )

                          الموضوع : نداء ـ إلى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب.
                          التاريـخ : بيروت ـ 22/10/1976
                          المناسبـة : بين انتهاء مؤتمر قمة الرياض بتاريخ 18/10/1976 وانعقاد مؤتمر قمة القاهرة بتاريخ 25/10/1976 وجه الإمام السيد موسى الصدر هذا النداء لحث جميع الأطراف على التجاوب والتعاون لمنع الكارثة في لبنان.
                          ـ الــنـــص ـ
                          أيها اللبنانيون،
                          مع قرب نهاية فصل الآلام من مأساة الوطن الدامية ومع بروز بوادر الاتفاق الشامل بين الأطراف المتنازعة في لبنان ومع تركيز الخطوة الأساس لحصول الاتفاق العربي في مؤتمر قمة الرياض التاريخي، كشفت إسرائيل الستار عن الفصل الآخر من المؤامرة الكبرى التي خططتها ونفذتها ضد لبنان فتدهور الموقف في الجنوب وظهرت ملامح مشكلة كبرى تهون دونها آلامنا ومشاكلنا كلها.
                          إن مأساة وطننا الجريح منذ ثمانية عشر شهراً شهدت الاقتتال بين المواطنين وبينهم وبين الفلسطينيين وبينهم وبين السوريين بل شهدت الاقتتال العربي بجميع صوَره على أرض لبنان، كما شهدت ممارسات شاذة تجاوزت كل حد ولا نعرف كيف ومتى نقدر على علاجها والتكفير عنها فانا لله وانا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
                          لكن اليوم، أيها الاخوة وعلى رغم عظم المصاب، ليس اليوم يوم المحاسبة والانتقام ولا يوم المحاكمة والمجازاة، وليس الوقت وقت البحث والتقييم للمأساة ونتائجها ولا وقت تضميد الجروح العميقة في جسم الوطن والمواطنين ولا ساعة الاكتفاء بمؤاساة المصابين والمشردين.
                          إن علينا اليوم أن نؤجل كل ذلك أو لا نكتفي به ونهب جميعاً كالعاصفة يداً واحدة وقلباً واحداً وبأقصى سرعة ممكنة لمواجهة المحنة الكبرى التي بدأت تجري في كل الحدود الجنوبية الصامدة وتتقدم نحو الوطن كله.
                          أيها الاخوة المواطنون،
                          إن إسرائيل غرست في قلب هذه المنطقة في عملية استعمارية كبرى لم يشهد التاريخ لها مثيلا فتشرد شعب فلسطين مع تأسيس إسرائيل الى خارج وطنه وتكوَّن جرح ينـزف على الدوام في قلب هذه المنطقة يتفاعل مع أحداثها ويخلق تشنجا فيها وفي العالم كله.
                          ثم شنت إسرائيل منذ تأسيسها وخلال ربع قرن حروباً أربعا ضد البقية من أرض فلسطين وضد الدول العربية المجاورة فخلقت بذلك آلاماً ومصائب منعت حركة التطور والإنماء في العالم العربي وفرضت استعدادات عسكرية ابتلعت القسم الأكبر من مدخوله والتهمت في قضيتنا نخبة شبابنا وكفاياتنا.
                          وخلال هذه المعركة كانت إسرائيل تتحرك مع حلفائها ومؤسساتها تستعدي العالم ضدنا، وتشوّه مواقفنا، وتثير الأحقاد في وجهنا وتتآمر بمختلف الأنواع وفي جميع مناطقنا الواسعة علينا.
                          وما المأساة اللبنانية الدامية إلا فصل من فصول مؤامراتها ضد لبنان وشعبه، بعدما أدينت في العالم واعتُبرت دولة عنصرية لا تنسجم مع الأسرة الدولية.
                          ذلك لأن لبنان بتاريخه الرسالي وبوجوده المتميز وبنشاطه الحضاري كان شوكة في عينها.
                          فبدأت تعتدي على الجنوب، وتجمّد اقتصاده وعمرانه وتشرد شعبه فملأت ضواحي المدن والعاصمة بالمهجرين وخلقت تناقضات سريعة وأضافت شبه مخيمات للبنانيين الى جانب المخيمات التي وجدت للفلسطينيين من جراء اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني.
                          ثم بدأت تدس السموم وتهيئ لتفجير التناقضات التي تحدّث عنها بوقاحة كبار مسؤوليها في رسائل متبادلة معروفة صدرت عام 1954.
                          أما المؤامرة التي كنا نتحدث عنها وتورطت الدول الكبرى فيها، بل استدرجت لأجلها فئات ومؤسسات عربية ولبنانية وحتى فلسطينية، فقد كانت نتيجة خطة إسرائيلية لئيمة، فهي المسؤولة عن مقتل أربعين ألف لبناني وعن دمار لم يشهد له بلد عربي آخر مثله في أيام الحروب.
                          وكم مرة سقطت قنابلها علينا وتدخلت عصاباتها فينا وعصفت سمومها بنا أثناء محنتنا الأليمة من دون رحمة.
                          وها هي اليوم تعامل سكان الضفة الغربية مسيحيين ومسلمين كما عامل النازيون أبناء أوروبا المحتلة في الحرب الكونية الثانية.
                          أيها الأعزاء،
                          إن إسرائيل تطل اليوم على الجنوب تحمل الدواء والخدمات بيد وتقدم سلاحاً لحماية بعض اللبنانيين من الفلسطينيين والأحزاب اليسارية بيد أخرى، مغيّرة دورها العدواني التقليدي، مدعية أمام العالم أنها تقوم بدور إنساني محض للبنانيين.
                          إن هذه الأدوية التي تقدمها إسرائيل اليوم لا تعالج قطرة من بحار الآلام والمصائب التي خلقتها لبنان ولأبناء الجنوب بالذات خلال ربع قرن.
                          وإن الخدمات التي تدعي توفيرها لا تعادل ذرة من عالم من الجمود الاقتصادي والزراعي والفقر والتشريد الذي قدّمته في هذه المدة.
                          وإن السلاح الذي تبعثه أو تستعمله بحجّة حماية المواطنين في الجنوب، لا يوازي جزءاً من سيل الأسلحة والذخائر والحرب النفسية التي سكبتها في لبنان فملأت ساحات وطننا جثثاً وجرحى وأيتاماً وثكالى.
                          فيا أيها الاخوة الأعزاء،
                          إن هذا التبدل المفاجئ في الموقف هو الجزء الآخر من المؤامرة الكبرى التي صممتها وهيأتها ونفذتها إسرائيل ضد شعبنا ووطننا وأمتنا، والواجب المنطقي والمسؤولية الوطنية والإنسانية يدعوانا الى الحذر والانتباه والتصدي له بكامل قدراتنا.
                          علينا أن نعلم أن كل قطرة من أدوية إسرائيل هي سم زعاف يسمم أجسامنا وأجسام أولادنا وإن كل من يذهب الى مستوصفاتها إنما يذهب الى وكر الأفاعي والحيات.
                          علينا أن ندرك أن كل خدمة تقدمها لنا إسرائيل وكل بضاعة نشتريها منها وكل رحلة توفرها لنا هي ضربة قاضية على وطننا وتاريخنا وكراماتنا.
                          وعلينا أن نعرف أنّ كل سلاح تستعمله إسرائيل بإسم حماية أحدنا إنما هو طعنة تركزها في قلب وطننا وأجيالنا الصاعدة.
                          أيها الاخوة،
                          إنني أناشدكم بإسم الله والإنسانية، بإسم لبنان، بإسم المسيح والإسلام أن تتجنبوا هذا المنـزلق الكبير وأن لا تتورطوا نتيجة التشنج في الهاوية.
                          إن التعامل مع إسرائيل والاستعانة بها بأي صورة وبأي حجم هو حرام وغدر وخيانة وإن الصبر على الأذى والمرض والحرمان على رغم اغراءات إسرائيل هو جهاد في سبيل الله وإنقاذ للوطن.
                          ايها اللبنانيون،
                          اجلّوا خلافاتكم وخففوا استفزازكم وتشنجاتكم فالعدو قريب لا يرحم احدا منكم ولا يفرق بين مسلم ومسيحي ولا بين يمين ويسار.
                          ايها الفلسطينيون،
                          وحدّوا صفوفكم وجمدوا تناقضاتكم فليس العدو اقرب إلى رافضكم من غيره ولا يرحم يساركم من يمينكم.
                          ايها المقاتلون، أيها الاحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية،ان كل تفجير للموقف وكل اعتداء على فرد أو قرية وكل استفزاز وتشنج في هذا اليوم العصيب، تسجل لحساب المؤامرة الإسرائيلية ويخدم العدو بصورة واضحة وكل تهدئة وتوحيد للمواقف وكل خدمة وتسهيل للمواطنين وكل صبر وتحمل للاستفزازات الآتية من غير العدو، ابعاد للمؤامرة وتفشيل لها.
                          ويا أيها الاشقاء العرب،
                          ان محنتنا قي محنتكم وان بلاءنا العظيم هو بلاؤكم. استعجلوا واستعدوا لايقاف المؤامرة. اننا في لبنان، وفي جنوبه بوجه خاص، ننظر إلى مؤتمركم بفارغ الصبر لكي يكون خطوة تاريخية اخرى من الدرب الذي شقه مؤتمر القمة في الرياض.
                          اننا ننتظر موقفكم لكي تحموا ظهرنا فنتصدى بأجسادنا وارواحنا للمؤامرة.
                          وسبحانك اللهم ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

                          تعليق


                          • سيرة الأمام الصدر (تقرير 1 )جزء 1

                            الموضوع : تقرير سياسي عن حركة المحرومين ـ لا سلام في لبنان دون سلام جنوبه .
                            المكـان : بيروت ـ 1/12/1976
                            المناسبـة : إنتهاء فصل الآلام (حرب السنتين) والبدء بتنفيذ مقرارات القاهرة .
                            المقدمـة : انعقدت قمة الرياض ونجحت وانعقدت قمة القاهرة ونجحت ودخلت قوت الردع العربية إلى لبنان وتوقف القتال، حركة المحرومين تكشف ملابسات القتال الرهيب الذي شهدته الساحة وتقييم نتائجه:
                            ـ الــنـــص ـ
                            لقد انتهى مع بداية تنفيذ قرارات مؤتمري الرياض والقاهرة فصل آخر من مأساة الوطن، سميناه "فصل الآلام" وسنعمل واثقين على إنهاء الأزمة تسكيناً للمواطنين، بالتعاون مع الأشقاء العرب، من إعادة بناء الوطن ومعالجة مآسي المواطنين وتطوير البلاد.
                            وعندما نستعرض أحداث هذا الفصل، الذي بدأ بإعلان رئيس الجمهورية السابق في دمشق عما سمي بالوثيقة الدستورية، لا بد لنا من محاسبة أنفسنا قبل الآخرين، من خلال دراسة معالم هذا الفصل، تمهيداً لمواجهة المستقبل.
                            إن فصل الآلام هذا يتميز بمعالم عديدة تبرزه من بين فصول المأساة الأخرى، سنحاول في هذا التقرير استعراض أهمها وهي:
                            أولاً: لقد بدأت المأساة وكان الصف الوطني وجماهيره المؤمنة يدرك بوضوح أن معركته مقدسة ذات هدف واضح، وانه يحمل السلاح ضد الطغيان والتآمر على وحدة وطنه وكرامة المواطنين، وضد محاولة تصفية المقاومة الفلسطينية وتدجينها.
                            وعندما أعلن الوثيقة المذكورة، وجد المواطنون وقادتهم الوطنيون، أن هدف الحرب قد تحقق، وان الحاكم وحلفاء اليمينيين المسلحين قد التزموا أمام العرب وأمام العالم بعروبة لبنان وبوحدته، وبحق المقاومة الفلسطينية في متابعة نضالها المسلح في لبنان. كما التزموا بإلغاء الامتيازات الطائفية تدريجياً، وبوحدة البرامج التربوية، وإنهاء الاستعمار الثقافي في لبنان. وأخيراً أدرك المواطن أن البعد القومي للبنان هو ضمانة وحدته وعروبته وتطويره السليم.
                            ثم لاحظ المواطن أن المعركة استمرت والمحنة تعاظمت وان أحداثا متتالية تجري دون أن يعرف السبب لها. فالاستفزازات عادت بصورة أشرس، ومن الجانبين في هذه المرة، ثم انهيار المؤسسة العسكرية، يليها انهيار المؤسسات الرسمية كلها، ثم حدث انقلاب مشبوه دون أن يملك مقومات الانقلابات العسكرية، وطالب الانقلاب باستقالة رئيس الجمهورية، ثم بدأت حرب الجبل وتصاعدت حرب الأحياء والفنادق، حرب الحيطان، والتهمت حرب الجبل نخبة من القوات الفلسطينية المسلحة.
                            وتساءل المواطن: ما هو الهدف، بعد الالتزامات الصادرة في الوثيقة، وبعد أن أعلن أن الوثيقة هذه هي برامج للحوار الوطني وليس الحد الأقصى لتطوير النظام، وان الحوار بين اللبنانيين كفيل بإيجاد صيغة متطورة تتناسب مع تطلعات المواطنين دون أن تعتبر قهرا يهدد وحدة البلاد..؟
                            وافتقد المواطن هدف المعركة، ووجود الأهداف الشخصية للزعامات التقليدية والأبعاد المشبوهة البعيدة تدخل في الساحة، وبالتالي أحس بأن المعركة ليست معركته وان المقاتلين يستدرجون في المؤامرة..
                            ثانياً: ومن جهة أخرى، لدى الطرف الآخر الذي شن الحرب القذرة أولا ودفع جماهيره إلى معركة غير عادلة. ثم حاول اختلاق هدف صالح للمعركة ولم ينجح، ولذلك فقد كانت حربه هذه، محكومة ومدانة أمام الرأي العام العالمي، بل وحتى أمام الجماهير والمواطنين.
                            لدى هذا الطرف، بعد وحرب الجبل وملابساتها أصبحت المعركة ذات أهداف واضحة، فأعتبر قادة اليمين العنصري ان لبنان معرض للخطر وان المواطن المسيحي مهدد بالموت، وان مناطقه مهددة بالدمار وان الصف الوطني، بعد تنازلاتهم الواردة في الوثيقة يمارس القهر الطائفي ويستعين بالسلاح الفلسطيني وبقوة مقاتلي المقاومة، خصوصاً بعد أن أعلن بعض قادة المقاومة أن طريق فلسطين يمر بجونية وعينطورة...!
                            وهكذا انقلب الوضع في فصل الآلام. ففي الوقت الذي كان الصف الوطني يفقد قضيته في المعركة، تكونت لدى الجبهة الأخرى قضية، رفعت معنويات المقاتلين وقويت دعوة القادة إلى الحرب، والتفت الجماهير من حولهم، واخذ الرأي العام العالمي يتعاطف معهم.
                            ثالثاً: وكانت النتيجة الطبيعية لوجود القضية وغيابها لدى الجانبين أن المحنة أثرت في ضمير الصف الوطني وبدأ التصدع، بينما زال الخلاف والانقسام في الطرف الآخر، وتكونت لديهم قيادة سياسية موحدة سميت بالجبهة اللبنانية وتمكنوا من تقليص الخلافات الأساسية بين مقاتليهم ونسقوا نشاطهم العسكري ووحدوا إعلامهم وحسنوا تنظيماتهم وبدأوا بإجراء اتصالات واسعة في العالم.
                            أما الصف الوطني، فبعد أن كان التماسك بين رجاله متيناً متكاملاً ادهش الجميع في مواقف عديدة، أبرزها اجتماع دار الفتوى الإسلامية الذي أدى إلى سقوط وزارة نور الدين الرفاعي العسكرية. أما الصف الوطني هذا، في هذه المرحلة، فقد تصدع، فتحول أولا إلى محورين رئيسيين هما قمة عرمون، وتجمع الأحزاب المسمى بالحركة الوطنية والتقدمية. ثم حصل خلاف آخر فتكونت لدى المحور الثاني جبهة الأحزاب القومية الوطنية وافترق بعض الشخصيات السياسية عن قمة عرمون.
                            وكانت المحاور المتصارعة ضمن الصف الوطني تتصارع في اجتذاب المقاومة الفلسطينية إليها، وتزداد حراجة موقف المقاومة منها وتتورط بصورة متزايدة في الرمال اللبنانية المتحركة وتضطر لصرف طاقات جمة في منع التصادم والتباعد، سيما وان الخلاف بلغ في بعض الأوقات إلى حد الإصطدامات الدامية، وإلى درجة التصفية الجسدية في جبهة واحدة وبين رفاق السلاح. وكان نصيب شباب "أمل" في هذه المرحلة حصة الأسد، حيث أن الأحزاب اليسارية والقيادات المتطرفة شنت هجوماً قاسياً ومتواصلاً عليهم وعلى قياداتهم، وفرضت على منظمة "فتح" بذل جهود كبيرة لمنع التصادم والمأساة.
                            رابعاً: واخطر مواقع التصدي في الجبهة الوطنية، افتعال الخلاف المأساوي بين المقاومة الفلسطينية والأحزاب الحليفة لها وبين سوريا، حليفة المقاومة الأساسية. إن الخلاف هذا افتعل، لان عناصر الشر وأصحاب الغايات الغريبة بدأوا يرفعون في البداية شعارات ترفض الوصاية والاحتواء مستغلين في ذلك الوضع الحياتي والنفسي المأساوي الذي كان يعيشه الشعب الفلسطيني، وجماهيره المناضلة، ولا سيما بعد ان أصيبوا بمحنة أيلول في الأردن عام 1970 وفقدوا كافة قواعدهم عدا لبنان وخلقوا حساسيات وشكوكا متصاعدة، تورط فيها الإعلام الفلسطيني، بكل أسف، وساعد في تصعيد الخلاف عناصر هنا وهناك. وتعاظم الخلاف، ودفعت سورية بمزيد من القوات المسلحة إلى الساحة اللبنانية بدوافع أمنية، وحصلت اصطدامات محزنة، وكادت تحدث المأساة الكبرى.
                            إلا أن الموقف المسؤول التاريخي من الرئيس الأسد والجهود التي بذلها بعض القادة الفلسطينيين والمساعي الحثيثة المتفانية التي بذلها سماحة الإمام حالت دون ذلك، رغم أن افتعال الحوادث من قبل البعض كان مستمرا. كل هذا بالإضافة إلى أن الجانب الآخر أيضاً، كان يبالغ في عملية الاجتذاب لسوريا، وفي كسب ثقتها الكاملة.
                            لم تحصل المأساة، ولكن الخلاف هذا اضعف المقاومة والأحزاب الحليفة لها، وتحولت معادلة القوى في لبنان وحدثت مآسي أخرى في تل الزعتر والنبعة وجسر الباشا وفي الكورة وشكا وغيرها. وقد حاول الإعلام العربي والعالمي، حتى الإعلام اليميني تضخيم المأساة وتحميل سوريا مسؤوليتها بصورة مباشرة وغير مباشرة فأثر هذا الموقف على سورية التي تمثل دائماً شعلة النضال العربي وحامية الثورة الفلسطينية، برزت أمام الرأي العام كحليفة لليمين اللبناني ومعادية للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وهذه أيضاً كانت خسارة أخرى قومية للصف الوطني وبخاصة الثورة الفلسطينية.
                            خامساً: ومن ابرز معالم هذه المرحلة ـ فصل الآلام ـ أن الأحزاب والقوى التي كانت تشكل جزءاً متواضعاً من الصف الوطني حاولت استغلال المحنة لتتحدث باسم ا لجميع فتنفذ أهدافها. ولأجل المثال طرحت الأحزاب دون التشاور، شعار العلمنة الذي كان مرفوضاً من قبل رفاقها، وأسست وحدها الإدارات المحلية لتهيمن على كافة شؤون المواطنين، مع أن هذه الممارسات كانت خطوة كبيرة نحو التقسيم واحد أسباب المعركة المسلحة. ثم أنها احتكرت الإعلام الوطني في لبنان والعالم العربي وفي العالم كله دونما انتباه إلى خطورة هذه الأعمال وتأثيرها البالغ في الأزمة، وعلى المقاومة الفلسطينية بالذات، سيما وان الطرف الآخر أيضاً رفع شعار العلمنة وأسس إدارته المحلية باسم حكومة الظل، وساهم في ذلك رئيس الجمهورية، متجاهلاً شؤون الإدارات الرسمية بإصداره مراسيم تزيد في تمزق البلاد.
                            سادساً: ومن اغرب معالم هذه المرحلة أن اتفق اليمين واليسار المتطرفين بصورة ضمنية على تصفية المقاومة الفلسطينية. فاليمين وقف منذ بداية الأزمة يدينها ويتصدى لمخيماتها ويطرح شعارات معادية لها. أما اليسار المتطرف فكان يسعى من خلال تحالفه معها إلى استدراجها بصورة متزايدة في القضية اللبنانية، حيث يريدها اليمين، وإلى إبراز مقاتلها أمام اليمين.
                            إن اليسار المتطرف حاول من خلال حلفائه الفلسطينيين أن يتسلل إلى حركة المقاومة وان يسيطر على بعض أجهزتها وبخاصة على جهاز الإعلام الفاعل المنشر في العالم، وعلى بعض المواقع العسكرية الحساسة، كالجبل والجنوب وبعض جبهات بيروت.
                            وكان من نتائج هذا التسلل محاولة تحول في حركة تحرير الأرض المقدسة من الوجود الصهيوني بجميع صوره وفصائله وأحزابه، وجعلها حركة تغيير الأنظمة العربية، أي تحويل حركة المقاومة الفلسطينية إلى حزب ثوري عربي.
                            ولقد حاول بعض الفلسطينيين منهم أن يطرح شعار "فتنمة" لبنان وضرورة الانتقال إلى الجبال، والامتناع عن وقف إطلاق النار، ومتابعة الكفاح المسلح إلى أن تسقط أنظمة سورية والأردن ومصر وبقية الدول العربية.
                            وهكذا، كان التوجه اليساري المتطرف: تفريغ المقاومة الفلسطينية من محتواها الحقيقي واستغلال قوتها العظيمة التي كانت خلاصة جهود الملايين بل مئات الملايين من العرب والمسلمين وأصحاب الضمائر الحية في العالم، تلك الجهود التي رفعت المقاومة إلى مقام اعظم ثورة مسلحة وأقدسها في تاريخ العالم، كان التطرف اليساري يريد استغلالها لخلق قاعدة للثورة المسلحة المستمرة في الجبل ولإيجاد قاعدة شيوعية في الجنوب، بالإضافة إلى انه كان يريد أن يتسرب عن طريق قتال المقاومة إلى العالم العربي والإسلامي كله، فيحول هذه القوة الحضارية الكبرى إلى ممارسة صراع متفجر في العالم يشعل بين آسيا وأوروبا وأفريقيا كلها.
                            وإذا كان هذا الطموح الكبير الذي وضعه اليسار المتطرف أمام بعض قادة المقاومة الفلسطينية نوعاً من الوهم والأحلام، لكنه تمكن من استغلال المقاومة والمرور بواسطتها إلى الإعلام العربي كافة وإلى الإعلام العالمي، حتى في الغرب، وإلى ضمائر الجماهير في العالم، واستغل اليسار المتطرف ـ داخل لبنان ـ المقاومة الفلسطينية لينتقم من خصومه ويصفي منافسيه، ويهيمن على الجنوب وعلى غرب بيروت ويستحوذ على عقول اللبنانيين وعلى مشاعرهم وينتزع منهم مقدساتهم وقيمهم ورموزهم أيضاً. أما الثمن فتدفعه المقاومة وليس اليسار وهو مقتل 60% من كوادر المقاومة واستعداء نصف الشعب اللبناني لها وتشتيت النصف الآخر حولها واستهلاك طاقاتها في العالم.
                            إن التاريخ ليسجل أن الخسارات الكبيرة التي اصيبت بها المقاومة الفلسطينية هي نتيجة تورطها مع اليسار اللبناني والعربي والعالمي، بنفس المقدار الذي يتحمل مسؤوليتها اليمين اللبناني وان استعراض ضخامة هذه الخسارة يدعوا للدهشة والاستغراب والألم. ان نظرة سريعة إلى وضع المقاومة في هذا الشهر وهو الحادي عشر من سنة 1976 ومقارنته مع وضعها في 11/1974 كفيل بإيضاح هول الخسارة وكشف أسبابها.
                            = يتبع =
                            التعديل الأخير تم بواسطة صدر; الساعة 31-12-2002, 01:03 AM.

                            تعليق


                            • سيرة الأمام الصدر (تقرير 1 )جزء 2

                              سابعاً: ومن ابرز معالم هذه المرحلة ـ هو غياب المثل الإنسانية والقيم. فبينما كان الوضع في المرحلة الأولى مقبولاً وملتزماً بصورة عامة مع القيم، سيما في الجانب الوطني، إذا به في المرحلة الثانية يعم الخروج عن القيم والتنكر للأخلاق والمبادئ الإنسانية. فالنهب الذي سمي بالمصادرة انتشر، حتى وصل إلى بيوت الحلفاء وإلى المؤسسات العامة، والقتل للأبرياء والتعذيب وطرح الأجساد في الشوارع كان الخبر اليومي، فالإعلام كان يفتك بالناس ويبعث سيولاً من السموم بصورة متواصلة إلى الجماهير. وهكذا وجد الشعب اللبناني نفسه أمام معارك لا تشرفه أبدا، بل تشكل له وصمة عار في التاريخ مع خلق فواجع وجروح عميقة صعبة الاندمال، وقضت على معالم وطنه الثقافية والحضارية والاقتصادية والعمرانية بصورة موحشة.
                              ثامناً : ولا بد من وقفة خاصة أمام الإعلام المضلل والهدام، عندما نستعرض معالم هذه المرحلة من معارك لبنان. فلقد فقدت وسائل ا لإعلام جميع المبادئ الأخلاقية ومصالح الوطن وسلوك الإنسان. وكان هذا الإعلام يخلق أجواء تسمم الوطن وتدفع الجماهير إلى تشنجات متصاعدة، وتتصدى لكل سلوك وطني او موقف منطقي، ولكل فرد وإنسان يرفض الانجراف مع المنجرفين.
                              فما اكثر المعارك والأهداف الوهمية التي كانت تتصدر أخبار الإذاعات وصفحات الصحف، ثم كانت تنقل إلى الإذاعات الخارجية ووكالات الأنباء العالمية التي بدورها كانت تخلق أصداءً وأبعادا جديدة للأحداث وتنعكس على الداخل من جديد.
                              وفي كثير من الأيام كانت الصحف تنقل أخباراً عن المعارك المتوقعة وكأنها تخبر الجبهة الأخرى بالخطة لكي تستعد لتصدي. وهكذا كانت الدماء الزكية للمقاتلين الشرفاء تراق دون أي تأثير أو تغيير في الأحداث.
                              تاسعاً: وتطور الصراع اللبناني، واتسعت أبعاده، حتى كادت الحرب تكون بين العرب على أرض لبنان، فمن جهة اصطدام الجيش السوري في مواجهته مع المقاومة الفلسطينية والأحزاب اللبنانية اصطدم بعناصر متزايدة من الجيش العراقي، ومن جهة أخرى بدأت البواخر تنقل الأسلحة والذخيرة من مصر وليبيا وغيرهما من الدول، إلى ساحة لبنان. كما كانت منذ بداية الأحداث تتدفق مساعدات غريبة وأحياناً إسرائيلية إليه. أما الإعلام العربي فقد كان في حالة حرب مستمرة حول لبنان. أدى كل ذلك إلى أن يصبح تدريجياً لبنان ساحة الحرب العربية بكل ما للكلمة من معنى.
                              ومن الواضح أن هذه الحرب العربية المتصاعدة كانت تدفع بلبنان تدريجياً إلى حرب دولية أو عالمية.
                              عاشراً: وخطر التحول في الحرب اللبنانية من الحرب اللبنانية - اللبنانية وعبر الحرب اللبنانية الفلسطينية والحرب الفلسطينية السورية إلى الحرب العربية والدولية كان إحدى نتائج الحرب في فصل الآلام.
                              أما الأخطار الأخرى فكانت تظهر في الأفق وتكتشف لكل ناظر:
                              تقسيم لبنان إلى دويلة عنصرية تصبح قاعدة للغرب وإلى دويلات أخرى تسيطر على بعضها الأحزاب اليسارية المتطرفة لتصبح قاعدة للاتحاد السوفياتي في المنطقة وعلى المياه الدافئة، ويبقى قسم منها كقطاع أمن وتصريف إنتاج لإسرائيل، يخلق مركز للنشاطات التخريبية والتجسسية الإسرائيلية، كما وانه كان مكان التلاحم بين العرب وإسرائيل ويقضي على مساعي المقاطعة العربية وبالنتيجة كان يساهم في استقرار إسرائيل.
                              أما القسم الآخر منه فانه يتحول إلى نواة دولة درزية تشكل مع بعض المناطق في سورية وإسرائيل تلك الدولة المعروفة التي كانت تحلم بها إسرائيل وصانعوها ولعلها حلم بعض الزعامات اللبنانية.
                              ثم إن الانقسام في داخل هذه المناطق يستمر ولا يعرف مستقبله أبداً.
                              والأخطار المنتظرة لا تقف عند حد التقسيم، بل كان من جملتها القضاء على التعايش الإسلامي المسيحي في العالم العربي وفي أوروبا وتحويل المقاومة الفلسطينية عن خطر التحرير، والقضاء على القيم التي تدهورت في الأحداث حتى تصبح القيم الجديدة هي المنتصرة وبذلك كان العالم العربي يجد نفسه أمام ساحة حكم شريعة الغاب في القرن العشرين.
                              هذه هي المعالم العشرة التي تشكل أهم معالم فصل الآلام من المحنة الوطنية الدامية في لبنان ولذلك فان حركة المحرومين وجماهيرها وقمة عرمون وكافة القيادات الوطنية اللبنانية والفلسطينية كانت تعمل جاهدة لإيقافها.
                              ومع استمرار المعارك بقيت قيادة حركة المحرومين والبقية النادرة من القيادات اللبنانية والفلسطينية تعمل على مكافحة هذه المعالم رغم المعاناة القاسية.
                              فقد رفضت حركة المحرومين وحلفاؤها حرب الجبل نهائياً، كما رفضوا العلمنة والإدارة المحلية بقوة وقدمت قيادة الحركة بديلاً عن الإدارة المحلية وهو إحياء الإدارات الرسمية وقد نفذتها في البقاع ووافقوا على الوثيقة الدستورية كبرنامج حوار بين اللبنانيين وبذلوا جهوداً مضنية لمنع انهيار المؤسسات الوطنية واصدروا بيانات متعددة لمنع انهيار الجيش ولعودة الجنود إلى ثكناتهم ثم بذلت قيادة الحركة بالذات أقصى جهودها لمنع وصول الانهيار إلى ثكنات الجنوب (صيدا - صور - النبطية - مرجعيون وغيرها) خوفا على غياب الشرعية عن الجنوب مما يعطي مبرراً لاعتداءات إسرائيلية متوقعة أو للاحتلال لا سمح الله.
                              وكان القصد من هذه الجهود في الدرجة الأولى الاحتفاظ برسالة الحرب وقداستها ووضعها في مكانها الصحيح وما يترتب على وجود القضية من نتائج أساسية، منها وحدة الصف الوطني.
                              أما جهود قيادة الحركة وحلفائها في سبيل منع الاصطدام بين المقاومة الفلسطينية وبين سورية فقد فاقت كل تصور.
                              فمن جهة قامت القيادة باتصالات مكثفة مع قيادة الثورة الفلسطينية ومع القيادات السورية في محاولة رأب الصدع وإزالة سوء التفاهم وكان عدد رحلات الإمام في جو من الخطر الكبير إلى سوريا وتنقله بين صبرا ودمشق اكثر من خمس رحلات، آخرها لقاء الرئيس الأسد و السيد ياسر عرفات في دمشق استمر سبع ساعات. بالإضافة إلى عشرات اللقاءات بين الطرفين وقياداتهما.
                              ومن جهة ثانية بذلت قيادة الحركة جهداً مضنيا لإيضاح إبعاد المؤامرة للقيادات الفلسطينية وأصدرت بيانين دعت فيهما الجيش السوري إلى وقف إطلاق النار وجميع الأطراف حول مائدة المفاوضات وإلى الانسحاب إلى حدود الاطمئنان الفلسطيني.
                              ومن جهة ثالثة وقف شباب الحركة طوال أيام المحنة إلى جانب المقاومة الفلسطينية وفي جميع الجبهات، الشياح، الليلكي، والحدث والنبعة، وتل الزعتر، وعيون السيمان، وصيدا وجميع المناطق الجنوبية. وقف شباب الحركة في هذه المواقف الخطرة رغم استفزازات الأحزاب القاسية والتي بلغت في بعض الأحيان درجة القتل والجرح والحملات الإعلامية الشرسة، وقفوا انسجاما مع مبادئهم وتطميناً للمقاومة الفلسطينية في ساعات المحنة.
                              والمعروف أن قيادة الحركة قبل نزول الجيش السوري بذلت أقصى ما يمكن لمنع دخول الجيش إلا بالاتفاق مع المقاومة الفلسطينية ومع اتفاق جميع الأطراف.
                              وكان اقتراح هذه القيادة أن الرئيس سركيس يستلم فوراً مهامه الدستورية، ثم يستدعي هو وبعد اخذ موافقة المقاومة والأطراف الراغبة في السلام، الجيش السوري الذي يمكن أن يصبح قوة معارة للسلطات السياسية اللبنانية.
                              إن حركة المحرومين التي تضع الأساس في جهدها ونضالها، الإيمان بالله، ليست نادمة من الموجة الكاسحة من الاتهامات التي دارت من جميع الأندية السياسية والعسكرية وبخاصة في الأندية الفلسطينية ومن هذه الاتهامات أن قيادة الحركة هي التي دفعت بالجيش السوري إلى التدخل.
                              إن حركة المحرومين حركة خالدة لصناعة التاريخ في لبنان وفي العالم العربي ولا يهمها إطلاقا موجات من السحب العابرة مهما كانت قاسية.
                              ولا بد من أن نسجل هنا: أن حركة المحرومين رغم حملها السلاح في سبيل الدفاع عن النفس والأرض والكرامة ووحدة الوطن وعن المقاومة الفلسطينية، ما فتئت تحمل غصن الزيتون والدعوة إلى السلام. فقد حولت الصراع المسلح إلى الحوار في أواسط 1974. عندما شعرت بوجود حركة مسلحة ومعادية في صفوف المواطنين، ومنذ بداية الأزمة كانت الحركة تعمل جاهدة للسلام ولإطفاء الحرائق وإعادة المخطوفين ووقف إطلاق النار.
                              واجتماعات هيئة ال77 في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتحركات اللجان المنبثقة عنها والاتصالات مع جميع الأطراف، ورفض العزل، ثم الاعتصام الذي أدى إلى تشكيل الوزارة الكرامية، واجتماعات القمة الروحية وقمة عرمون وغيرها فصول مشرفة من هذه المحاولات.
                              إن الحركة كانت ترى أن الإصلاحات السياسية والاجتماعية لا يمكن ـ وفي هذه الظروف ـ أن تنفذ بالسلاح وانه يجب أن يتوفر لقضايا المصير إتفاق وطني، وان مجرد خلق الجنوب اللبناني منيعا عامرا كفيل بالتطورات الاجتماعية المطلوبة.
                              وحتى اللحظة الأخيرة من الأزمة كانت قيادة الحركة تحسب الوسائل التي تحسم المعارك وتبعد عن لبنان الأخطار التي تعصف به وبوحدته وبالمقاومة والعرب.
                              وكان مؤتمر الرياض والقاهرة اللذان وضعا الحد النهائي للمحنة يشهدان وراء كواليسهما جهد حركة المحرومين وقيادتها.
                              فقد التقى الإمام موسى الصدر مرتين مع الرئيس السادات وثلاث مرات بالرئيس الأسد ومرتين بالملك خالد ومسؤولي السعودية ومرة بأمير الكويت وكبار مستشاريه.
                              وخلال هذه اللقاءات سعى أن يثبت أن بقاء المحنة مجمدة، يعرض لبنان والعرب للأخطار الكبرى التي لا تقارن بما حدث للبنان وان الانتظار لا يحل المحنة وان الحسم بالوضع الذي كان وضمن خلافات عربية وبوجه خاص ضمن الصراع المصري السوري مستحيل ذلك لان الخلاف بين بطلي حرب رمضان يمنع تكوين إرادة عربية موحدة التي هي وحدها كفيل بوقف النزيف الدموي وبمنع التدويل.
                              وإلى جانب المساعي العربية التي بذلت على مستوى الدول، كان لجهد الحركة تأثيره البالغ في اللقاء وفي تحضير جدول الأعمال للمؤتمرين.
                              كما وان السعي المستمر لقيادة الحركة ادخل قضية الجنوب في جدول أعمال المؤتمر وفي اتخاذ قرارات حاسمة ستظهر قريباً.
                              ونعود إلى موقف الحركة من معالم "فصل الآلام" لكي نقول، أن الحركة بذلت جهوداً لوحدة الصف الوطني ولمنع التفجير ولإعطاء أهداف واضحة للقتال.
                              ثم إن الحركة التزمت طوال الأزمة بعدم التورط في تجاوز المبادئ والقيم الإنسانية وقد تعرضت لمحن وآلام من جراء هذا الالتزام.
                              فالحركة رفضت الانتقام من الأبرياء والردود الطائفية رغم جو التشنج الذي كان يسود الموقف في أيام المحنة.
                              كما وان الممارسات الشاذة كانت بعيدة عن شباب الحركة وحتى ان الطعن الذي كان يوجه إلى المقاتلين والقادة كان يبقى دون رد تجنباً لاشتعال معارك جانبية.
                              = يتبع =

                              تعليق


                              • سيرة الأمام الصدر (تقرير 1 )جزء 3

                                سقوط النبعة :
                                فالنبعة عندما سقطت، وكان واضحاً صمودها 15 شهراً، كان قتال شباب أمل حتى آخر لحظة معروفاً لدى الجميع ومساعي قيادة الحركة لتحييد الأرمن معروفة وجهود الحركة لتأمين صمود النبعة لا تحتاج إلى إيضاح. ومع ذلك فان أولئك الذين أسقطوا النبعة واستنفروا الأرمن ووقعوا وثيقة استسلامها، قاموا بتوجيه التهمة إلى الحركة فملأوا الصحف والإذاعات والأندية شتماً وتهجماً وتجنباً وازدادت قسوة الأحزاب على شباب الحركة المقاتلين.
                                ورغم كل هذا الموقف الظالم الذي ينذر مثيله في تاريخ النضال بقيت الحركة صامدة متزنة، توضح ولا تهجم، تدافع ولا تعتدي، وتتجه إلى معالجة محنة المهجرين ومواساتهم واعادتهم وتدبير شؤون حياتهم.
                                ثم تدعو الجميع إلى التوجه إلى الجنوب وتوجيه البنادق إلى العدو وإلى الكف عن رد الاستفزازات تجنباً للمعارك الجانبية.
                                هذه سلوكية الحركة أمام غياب المثل عن الساحة اللبنانية وبذلك فتحت الحركة باباً جديداً للنضال، يعتمد على القيم الإنسانية، وان الخط التقدمي أو الرجعي والانتماء اليساري واليميني، أو المحافظ والراديكالي يجب ان يبحث فيه بعد توفر الحد الأدنى من الإنسانية والقيم الأخلاقية.
                                وتجنبت الحركة احتكار الوطنية ورفضت الإبتزاز اليساري والقفز فوق مكاسب الجماهير تماماً، كما رفضت أسلوب الأحزاب اليمينية، حيث ادعت تمثيلها للمسيحيين جميعاً.
                                وحرصت على إبقاء المقاومة الفلسطينية في خطها المقدس لعدم توريطها في المسائل اللبنانية الداخلية، وأكدت ذلك قيادة الحركة في لقاء مع قيادة المقاومة في أعقاب الاعتداءات التي وقعت على شباب الحركة وقيادتها.
                                قال الإمام في هذه المقابلة: إن الحركة أكدت التزامها مع المقاومة، مع الملايين من العرب عندما تكون المقاومة حركة لتحرير فلسطين.
                                أما إذا تحولت المقاومة إلى حركة ثورية داخل العالم العربي ولقب الأنظمة فإنها أصبحت بعيدة عن فلسطين، حيث أن تحرير العالم العربي طويلاً مدته ولا يتم إلا بتحرير العالم كله من الأنظمة الرجعية ولعلنا نلتقي آنذاك بالنظام المعتدي الإسرائيلي وحكومة حزب راكاح. إن هذا الخط الذي مورس خلال هذه المدة هو خط كيسنجر والسوفيات وليس خط المقاومة التي آمنا بها.
                                وبعد كل الذي حدث:
                                يجب أن نحول ـ فصل الآلام ـ إلى ينبوع للعبر غني بالتجارب تفيد لبنان والثورة الفلسطينية ويقدم دروسا للثورات في العالم. ذلك لكي لا تهدر الأرواح والخسائر.
                                إن المحنة الدامية في فصل آلامها تعلمنا:
                                1 - إن الوطن يجب أن يبقى ولا يحل محل الوطن شيء وان الإنسان لا معنى لوجوده في هذا العصر دون وطن.
                                إن الالتزام المطلق بالوطن هو إكمال للانتماءات القومية والدينية والأممية ولا يتناقض معها إطلاقا وعلينا أن ندرك أن المثالية التي كان يعيشها شبيبة لبنان في التزاماتهم المتنوعة كانت بعيدة كل البعد عن الحقائق الأساسية.
                                2 - إن معالجة الأمور الوطنية في لبنان جميعها، الاجتماعية منها والسياسية، يجب أن تعتمد أسلوب الحوار الصادق الصريح بعيداً عن أسلوب النفاق السياسي المتبادل الذي كان، مع الأسف مدرسة الساسة اللبنانيين.
                                وان مرارة الاستماع إلى النقد أو الرأي المعارض لا تبلغ إطلاقا درجة خطورة الكبت أو الأخطاء وان الحوار الوطني يجب أن يصبح مؤسسة قائمة تحتضن الحوار وتستمع لجميع الآراء دون استثناء، إلى أن يصبح مجلس النواب وبعد تعديل قانون الانتخاب مؤسسة الحوار الحقيقية والمثل لآراء الناس.
                                وان الحوار وحده، إذا استمر صادقاً بين المواطنين، كفيل بحل تناقضاتنا في المواقف الأساسية حول القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.
                                3 - إن المقاومة الفلسطينية يجب أن تكون حذرة جداً في اختيار الحلفاء، اكثر من حذرها من موقف الخصوم والأعداء، سيما وأنها تتصدى لأقوى واخطر قوة غاشمة متطورة في التاريخ والمجهزة بجميع الوسائل العسكرية والمادية والنفسية والتجسسية.
                                4 - إن لبنان دخل العالم العربي من الباب الواسع واصبح واضحاً أن وجوده ووحدته وتعرضه للخطر وموقفه وجميع تطوراته تنعكس بصورة جدية سلباً وإيجاباً على العالم العربي ولا يمكن تجاهله إطلاقا.
                                كما وان العالم العربي دخل لبنان بكامل وجوده، بل انه دخله كما لم يدخل حتى الآن أي بلد عربي آخر، ولذلك فان لبنان والعروبة خرجا من الأزمة متلاحمين وهذه النتيجة تتطلب إعادة تقييم العلاقات العربية وبالذات في قواعد الجامعة العربية.
                                5 - إن الحرب الأهلية اللبنانية أسقطت بتجربتها المريرة جميع قواعد الحروب الأهلية في العالم وأدخلت ثغرات في دراسات جيفارا وهوشي منه وأوضحت أن السلاح وأسلوب حرب العصابات لا يمكنها أن ينتصرا دون دراسات وتوجهات سياسية وخطط استراتيجية مسبقة ومراعاة للظروف المكانية والزمانية.
                                إن ما حصل في لبنان مع توفر الأسلحة التي لم تتوفر لأية ثورة في العالم يتطلب من الثوار إعادة التقييم في المبادئ الأساسية للثورات.
                                6 - إن أولويات الثورة - والثورة تحرر من الأنظمة والمؤسسات - يجب أن تعتمد على القيم والمبادئ ويجب أن تقترن بالإيمان العميق المتزايد مع تصعيد الثورة وإلا فإنها تصبح تجارة وحشية وممارسات بربرية وبالتالي تتحول الثورة، قمة التقدمية، إلى تخلف مطبق ورجعية ماحقة.
                                إن طرح مفهوم الثورة الملتزمة بالمبادئ الإنسانية الحقّة هو صورة متطورة عن شعار طرحه إمام الثوار "علي" عليه السلام حيث قال:
                                من ترك الشهوات كان حراً ويعيد إلى ذهن الثائر مفهوم الجهاد الأكبر الذي أكده الرسول المعظم محمد بن عبد الله - ص - وهو الجهاد مع النفس.
                                إن التزام الثوار بالمبادئ يجعل مواقفهم منسقة تنطلق من المبادئ ولا تخضع لردود الفعل المختلفة حسب الزمان والمكان ومختلف الظروف المحيطة بهم.
                                بالمبادئ وحدها تصبح الثورة حلقة من الثورات عبر التاريخ.
                                7 - والمستقبل، بعد كل الذي حدث، وبعد سقوط النظام بين أيد الثوار وبعد سقوط الثوار في الثورة وبعد سقوط الثورة في متاهات الفتنة.
                                إن المستقبل يلوح في الأفق بعد تحقيق السلام التام ولا سلام في لبنان من دون سلام جنوبه.
                                إن المستقبل على وضوح العلاقات بين المواطنين وبينهم وبين العرب وبينهم وبين العالم.
                                والعلاقة بين المواطنين تتطلب إلغاء الطائفية السياسية، والحرية المسؤولة وتكافؤ الفرص السياسية والاجتماعية والثقافية.
                                كما تتطلب الفهم الصحيح لموقع لبنان وإمكاناته وطموح أبنائه وقضايا هجرتهم وتأمين سلامة اختيارهم وصدق تمثيلهم وصيانة القيم لديهم.
                                أما العلاقة الصحيحة بين لبنان وبين القضية الفلسطينية فإنها مع استراتيجية العلاقات اللبنانية - السورية والعلاقات العربية العامة تتطلب بحثاً مستفيضاً ينتظر المستقبل القريب.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 21-02-2015, 05:21 PM
                                ردود 119
                                18,094 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:34 PM
                                استجابة 1
                                100 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 23-05-2024, 02:27 PM
                                استجابة 1
                                71 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 04-10-2023, 10:03 AM
                                ردود 2
                                156 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 09-01-2023, 12:42 AM
                                استجابة 1
                                160 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة وهج الإيمان
                                بواسطة وهج الإيمان
                                 
                                يعمل...
                                X