واشنطن ـ طهران : استثناء ســوريا وحزب الله من الحوار
مقدار الصدمة التي أحدثتها إيران في نيويورك، لم يتعدَّ الحدث السوري هناك كونه جزءاً من كلٍّ في ملف يفتح للمرة الاولى في العلاقات الاميركية ـــ الايرانية. لمس الوفد اللبناني الرسمي ذلك الفارق، وراقب مسار تحول مهم يوجب على لبنان أن ينتظر وقتاً أطول لحل أزماته
نقولا ناصيف
أتاحت بضعة انطباعات عاد بها الوفد الرئاسي من نيويورك الاسبوع الماضي، مقرونة بمعطيات استقاها من مسؤولين دوليين وآخرين أميركيين، على هامش أعمال الدورة العادية للامم المتحدة، تسجيل ملاحظات أبصرت على امتداد خمسة أيام في عاصمة الامم المتحدة إيران الحدث الذي حجب ما عداه. عزز هذا التصور خطاب رئيسها حسن روحاني والملامح الجديدة التي أوحى بدفع بلاده إليها لإزالة التوتر بينها وبين المجتمع الدولي، من غير تخليه عمّا عدّه ثوابت الجمهورية الاسلامية.
تركزت الملاحظات تلك على:
1 ـــ لم يكن من الصعوبة بمكان تلمس الانزعاج والامتعاض اللذين عبّرت عنهما في الأيام الأخيرة من الدورة العادية دول حسبت نفسها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، فإذا هي على التوالي، في تطورين متلاحقين، تجد نفسها على هامش التفاهم الاميركي ـــ الروسي على تدمير السلاح الكيميائي السوري وبدايات انفتاح أميركي ـــ إيراني.
صحّ ما سُمي هناك «حرداً» على دول تصرفت باستمرار على أنها شريك كامل لواشنطن في تصعيد الموقف ضد إيران في السنوات العشر المنصرمة وبرنامجها النووي خصوصاً، وضد سوريا مذ اندلعت الاضطرابات في مواجهة نظام الرئيس بشار الاسد قبل أكثر من سنتين ونصف سنة. فإذا واشنطن تذهب الى معالجة هذين الملفين من دون استمزاج رأي الحلفاء، ولا سيما منهم الفرنسيين الذين استعدوا للانخراط في الضربة العسكرية ضد نظام دمشق وغالوا في الحض على تقويضه وإسقاطه، والسعوديين الذين قادوا العرب الى المواجهة المزدوجة ضد إيران وسوريا معاً بصفتهما دولتين مهددتين استقرار المنطقة.
لم تُعطَ تركيا أيضاً، ذات التورّط المفضوح في النزاع السوري وفتح الحدود لتدفق السلاح والمسلحين الى الداخل، دوراً في التفاهم الاميركي ـــ الروسي على السلاح الكيميائي. في المقابل لم يكن من المتوقع منح مصر، الدولة الاقليمية المحورية الثالثة بعد السعودية وتركيا، دوراً في ما حصل بسبب انشغالها بأحداثها الداخلية.
2 ـــ يسود اعتقاد في أوساط ديبلوماسية غربية مؤثرة بأن التحوّل الذي تجريه إيران ليس سهلاً وبسيطاً. مهم مقدار ما هو محدود. وهو سعي طهران الى إبرام صفقة مع الاميركيين، والغرب عموماً، تقتصر على ملفي البرنامج النووي الذي يقلق الغرب، والعقوبات الاقتصادية وقد أضحت عبئاً عليها لا يطاق. بل يكاد يدين روحاني للبند الثاني بانتخابه بعدما تبيّن له أن اقتصاد بلاده أسوأ مما كان يعتقد، وبات يحتاج الى مصالحة حقيقية مع الغرب لرفع العقوبات تلك، وإتاحة المجال أمام الجمهورية الايرانية لالتقاط أنفاسها، وخصوصاً بالنسبة الى المصدر الرئيسي لتمويلها وهو تصدير النفط.
بل يكاد يشعر روحاني ـــ والكلام للأوساط الديبلوماسية الغربية أمام مسؤولين لبنانيين ـــ بأن رفع العقوبات أضحى مسألة وجودية للثورة الايرانية، ما يفسح في المجال أمام توقع تقديم إيران، مرغمة، تنازلات حقيقية في ملف البرنامج النووي في مقابل رفع العقوبات عنها لأسباب داخلية ترتبط باقتصادها المتهاوي، وخارجية تقترن بتمويل دورها في المنطقة، في الخليج والعراق وسوريا ولبنان.
3 ـــ يحوط الغموض المآل الذي سيسلكه الحوار الاميركي ـــ الإيراني حيال الحرب السورية في ظل معطيات متناقضة راجت، على هامش أعمال الجمعية العمومية، عن الدور الايراني المحتمل لتسوية الازمة السورية في موازاة جهود واشنطن وموسكو لانعقاد مؤتمر جنيف ـــ 2. ثمة من تحدث في نيويورك عن استمرار العلاقة الاستثنائية بين طهران ودمشق مذ بدأت عام 1979، وتصاعدت في أثناء الحرب العراقية ـــ الإيرانية، ثم في عقد التسعينات، قبل أن تصل مع الرئيس السوري الى ذروة لم تشهدها إبان والده الرئيس حافظ الاسد. كانت دمشق بوابة طهران الى الحدود اللبنانية ـــ الاسرائيلية والى تغلغلها في الشرق الادنى، فإذا هي اليوم عصب صمود نظام الاسد وبقائه ومنع سقوطه بأي ثمن.
على نحو كهذا، تفضّل الجمهورية الاسلامية استمرار الحرب السورية التي أضحت المتنفس الوحيد لاستمرار نظام الاسد، ما دامت أي تسوية سياسية في جنيف أو سواها ستخرجه من حكم بلاده، أضف أن أي نظام سياسي يخلفه سينهي العلاقة الاستثنائية بين البلدين، أو في أحسن الاحوال لن يمنح طهران سخاء الاسد معها. بذلك تصبح الحرب السورية المسرح الفسيح للاعب الإيراني في غياب مقدرة كل من الطرفين، في الداخل السوري، على حسم النزاع العسكري لمصلحته، فضلاً عن ضمان التواصل مع النفوذ السياسي والعسكري لإيران في لبنان من خلال حزب الله.
يعكس ذلك أيضاً رغبة إيران، على الاقل، في عدم إدراج ملفي الحرب السورية ومصير حزب الله في حوارها مع الولايات المتحدة. مقدار حاجتها الى استمرار نظام الاسد، لا يساورها القلق حالياً باستهداف حليفها الآخر حزب الله. ليس في دائرة التهديد في لبنان، ولا هو على أبواب مواجهة مع الجيش الذي يهادنه ويعزز حجته بضرورة الاستعداد الدائم لمقاومة إسرائيل، ولا طبيعة النزاعات السياسية الداخلية في لبنان تشعر الجمهورية الاسلامية بخطر داهم على حزب الله في وجوده ودوره وفاعلية تحرّكه وهو لمّا يزل في صلب المعادلة السياسية في السلطة وخارجها، وقابضاً على ترسانة عسكرية غير مألوفة.
4 ـــ في موازاة انتقال ملف السلاح الكيميائي الى مجلس الامن وفق دينامية طويلة وآلية معقدة تستغرق شهوراً تسبق تدميره، تظل الحرب السورية تحمل في ذاتها مقومات استمرارها بلا حلول وشيكة، وكذلك تصاعد الاعمال العسكرية بغية إحراز مكاسب على الارض تعزز مواقع النظام أو معارضيه قبل ولوج أبواب مؤتمر جنيف ـــ 2.
لكن التحول الرئيسي في هذه الحرب أنها باتت بلا عصا تهويل لوّحت واشنطن من خلالها باستخدام القوة العسكرية ضد نظام الاسد، في عزّ أزمة استخدام السلاح الكيميائي. عنى ذلك أن الرئيس باراك أوباما لم يكتفِ بإدارة سيئة لتهديده باستخدام القوة، بل لم يعد في وسعه من اليوم فصاعداً تخويف الاسد وترويعه بسلاح القوة الذي لن يستخدمه. لم يُحضّر له في الرأي العام الاميركي وفي الكونغرس الظروف الملائمة من أجل حصوله على تفويض باللجوء اليه.
كان ذلك خطأه الثالث، بعد خطأ أول عندما رسم خطاً أحمر حول استخدام السلاح الكيميائي ربط اللجوء الى القوة باستخدامه في الحرب الاهلية السورية، ثم بعد خطأ ثان بالاحتكام الى الكونغرس من دون أن يكون متأكداً من أنه سيأذن له بتوجيه ضربة الى نظام الاسد وسط معارضة معلنة للرأي العام الأميركي، بل من دون أن يبدو مؤكداً كذلك أن أوباما يريد فعلاً توجيه هذه الضربة.
الاخبار
مقدار الصدمة التي أحدثتها إيران في نيويورك، لم يتعدَّ الحدث السوري هناك كونه جزءاً من كلٍّ في ملف يفتح للمرة الاولى في العلاقات الاميركية ـــ الايرانية. لمس الوفد اللبناني الرسمي ذلك الفارق، وراقب مسار تحول مهم يوجب على لبنان أن ينتظر وقتاً أطول لحل أزماته
نقولا ناصيف
أتاحت بضعة انطباعات عاد بها الوفد الرئاسي من نيويورك الاسبوع الماضي، مقرونة بمعطيات استقاها من مسؤولين دوليين وآخرين أميركيين، على هامش أعمال الدورة العادية للامم المتحدة، تسجيل ملاحظات أبصرت على امتداد خمسة أيام في عاصمة الامم المتحدة إيران الحدث الذي حجب ما عداه. عزز هذا التصور خطاب رئيسها حسن روحاني والملامح الجديدة التي أوحى بدفع بلاده إليها لإزالة التوتر بينها وبين المجتمع الدولي، من غير تخليه عمّا عدّه ثوابت الجمهورية الاسلامية.
تركزت الملاحظات تلك على:
1 ـــ لم يكن من الصعوبة بمكان تلمس الانزعاج والامتعاض اللذين عبّرت عنهما في الأيام الأخيرة من الدورة العادية دول حسبت نفسها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، فإذا هي على التوالي، في تطورين متلاحقين، تجد نفسها على هامش التفاهم الاميركي ـــ الروسي على تدمير السلاح الكيميائي السوري وبدايات انفتاح أميركي ـــ إيراني.
صحّ ما سُمي هناك «حرداً» على دول تصرفت باستمرار على أنها شريك كامل لواشنطن في تصعيد الموقف ضد إيران في السنوات العشر المنصرمة وبرنامجها النووي خصوصاً، وضد سوريا مذ اندلعت الاضطرابات في مواجهة نظام الرئيس بشار الاسد قبل أكثر من سنتين ونصف سنة. فإذا واشنطن تذهب الى معالجة هذين الملفين من دون استمزاج رأي الحلفاء، ولا سيما منهم الفرنسيين الذين استعدوا للانخراط في الضربة العسكرية ضد نظام دمشق وغالوا في الحض على تقويضه وإسقاطه، والسعوديين الذين قادوا العرب الى المواجهة المزدوجة ضد إيران وسوريا معاً بصفتهما دولتين مهددتين استقرار المنطقة.
لم تُعطَ تركيا أيضاً، ذات التورّط المفضوح في النزاع السوري وفتح الحدود لتدفق السلاح والمسلحين الى الداخل، دوراً في التفاهم الاميركي ـــ الروسي على السلاح الكيميائي. في المقابل لم يكن من المتوقع منح مصر، الدولة الاقليمية المحورية الثالثة بعد السعودية وتركيا، دوراً في ما حصل بسبب انشغالها بأحداثها الداخلية.
2 ـــ يسود اعتقاد في أوساط ديبلوماسية غربية مؤثرة بأن التحوّل الذي تجريه إيران ليس سهلاً وبسيطاً. مهم مقدار ما هو محدود. وهو سعي طهران الى إبرام صفقة مع الاميركيين، والغرب عموماً، تقتصر على ملفي البرنامج النووي الذي يقلق الغرب، والعقوبات الاقتصادية وقد أضحت عبئاً عليها لا يطاق. بل يكاد يدين روحاني للبند الثاني بانتخابه بعدما تبيّن له أن اقتصاد بلاده أسوأ مما كان يعتقد، وبات يحتاج الى مصالحة حقيقية مع الغرب لرفع العقوبات تلك، وإتاحة المجال أمام الجمهورية الايرانية لالتقاط أنفاسها، وخصوصاً بالنسبة الى المصدر الرئيسي لتمويلها وهو تصدير النفط.
بل يكاد يشعر روحاني ـــ والكلام للأوساط الديبلوماسية الغربية أمام مسؤولين لبنانيين ـــ بأن رفع العقوبات أضحى مسألة وجودية للثورة الايرانية، ما يفسح في المجال أمام توقع تقديم إيران، مرغمة، تنازلات حقيقية في ملف البرنامج النووي في مقابل رفع العقوبات عنها لأسباب داخلية ترتبط باقتصادها المتهاوي، وخارجية تقترن بتمويل دورها في المنطقة، في الخليج والعراق وسوريا ولبنان.
3 ـــ يحوط الغموض المآل الذي سيسلكه الحوار الاميركي ـــ الإيراني حيال الحرب السورية في ظل معطيات متناقضة راجت، على هامش أعمال الجمعية العمومية، عن الدور الايراني المحتمل لتسوية الازمة السورية في موازاة جهود واشنطن وموسكو لانعقاد مؤتمر جنيف ـــ 2. ثمة من تحدث في نيويورك عن استمرار العلاقة الاستثنائية بين طهران ودمشق مذ بدأت عام 1979، وتصاعدت في أثناء الحرب العراقية ـــ الإيرانية، ثم في عقد التسعينات، قبل أن تصل مع الرئيس السوري الى ذروة لم تشهدها إبان والده الرئيس حافظ الاسد. كانت دمشق بوابة طهران الى الحدود اللبنانية ـــ الاسرائيلية والى تغلغلها في الشرق الادنى، فإذا هي اليوم عصب صمود نظام الاسد وبقائه ومنع سقوطه بأي ثمن.
على نحو كهذا، تفضّل الجمهورية الاسلامية استمرار الحرب السورية التي أضحت المتنفس الوحيد لاستمرار نظام الاسد، ما دامت أي تسوية سياسية في جنيف أو سواها ستخرجه من حكم بلاده، أضف أن أي نظام سياسي يخلفه سينهي العلاقة الاستثنائية بين البلدين، أو في أحسن الاحوال لن يمنح طهران سخاء الاسد معها. بذلك تصبح الحرب السورية المسرح الفسيح للاعب الإيراني في غياب مقدرة كل من الطرفين، في الداخل السوري، على حسم النزاع العسكري لمصلحته، فضلاً عن ضمان التواصل مع النفوذ السياسي والعسكري لإيران في لبنان من خلال حزب الله.
يعكس ذلك أيضاً رغبة إيران، على الاقل، في عدم إدراج ملفي الحرب السورية ومصير حزب الله في حوارها مع الولايات المتحدة. مقدار حاجتها الى استمرار نظام الاسد، لا يساورها القلق حالياً باستهداف حليفها الآخر حزب الله. ليس في دائرة التهديد في لبنان، ولا هو على أبواب مواجهة مع الجيش الذي يهادنه ويعزز حجته بضرورة الاستعداد الدائم لمقاومة إسرائيل، ولا طبيعة النزاعات السياسية الداخلية في لبنان تشعر الجمهورية الاسلامية بخطر داهم على حزب الله في وجوده ودوره وفاعلية تحرّكه وهو لمّا يزل في صلب المعادلة السياسية في السلطة وخارجها، وقابضاً على ترسانة عسكرية غير مألوفة.
4 ـــ في موازاة انتقال ملف السلاح الكيميائي الى مجلس الامن وفق دينامية طويلة وآلية معقدة تستغرق شهوراً تسبق تدميره، تظل الحرب السورية تحمل في ذاتها مقومات استمرارها بلا حلول وشيكة، وكذلك تصاعد الاعمال العسكرية بغية إحراز مكاسب على الارض تعزز مواقع النظام أو معارضيه قبل ولوج أبواب مؤتمر جنيف ـــ 2.
لكن التحول الرئيسي في هذه الحرب أنها باتت بلا عصا تهويل لوّحت واشنطن من خلالها باستخدام القوة العسكرية ضد نظام الاسد، في عزّ أزمة استخدام السلاح الكيميائي. عنى ذلك أن الرئيس باراك أوباما لم يكتفِ بإدارة سيئة لتهديده باستخدام القوة، بل لم يعد في وسعه من اليوم فصاعداً تخويف الاسد وترويعه بسلاح القوة الذي لن يستخدمه. لم يُحضّر له في الرأي العام الاميركي وفي الكونغرس الظروف الملائمة من أجل حصوله على تفويض باللجوء اليه.
كان ذلك خطأه الثالث، بعد خطأ أول عندما رسم خطاً أحمر حول استخدام السلاح الكيميائي ربط اللجوء الى القوة باستخدامه في الحرب الاهلية السورية، ثم بعد خطأ ثان بالاحتكام الى الكونغرس من دون أن يكون متأكداً من أنه سيأذن له بتوجيه ضربة الى نظام الاسد وسط معارضة معلنة للرأي العام الأميركي، بل من دون أن يبدو مؤكداً كذلك أن أوباما يريد فعلاً توجيه هذه الضربة.
الاخبار
تعليق