إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

سيرة الإمام الصدر

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيرة الأمام الصدر (حوار 13 ) جزء 1

    الموضوع : حوار صحفي ـ حاولوا اغتيالي بست وثمانين طلقة رشاش ثقيل لكن الله أنقذني.
    المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية ـ 27/12/1976
    المناسبـة : تأليف حكومة جديدة وبدأ السعي لإيجاد قوة عسكرية تحفظ الأمن في الجنوب.
    المقدمـة : كتب فؤاد دعبول:
    "... القول بأن "تيار الإمام" انحسر، سابق لأوانه.
    لان حركة المحرومين. أي انطلاق الإنسان المحروم لمعالجة حرمانه، هي أكبر من الإمام. ومن الأحداث كلها.."
    والشيعة أيضاً، في رأي سماحة الإمام موسى الصدر انتصروا على المحنة لسقوط مخطط تحويل لبنان إلى دولة شيوعية، وخيبة أمل إسرائيل باقتطاع جزء من جنوب لبنان ...
    وكشف الإمام الصدر في حوار مع "الأنوار" أن التهديد لا يفارقه منذ عشر سنوات، وان محاولة جرت لاغتياله، فيما كان خلال الأزمة، متوجها بطائرة هليكوبتر من مطار بيروت الدولي إلى صبرا وقال : لقد تعرضت لست وثمانين طلقة رشاش ثقيل، لكن الله أنقذني.
    وشمل الحديث مع الإمام الصدر الحكومة الجديدة، واللامركزية. بالنسبة للأولى قال أن أبناء الشيعة كانوا يتوقعون وضعا آخر لتمثيلهم في الوزارة وانهم أحسوا بالمرارة بالنسبة إلى عدد الوزراء والحقائب لكنه استدرك: "الحكومة منسجمة برئيسها وأعضائها وبعيدة عن عقدة التعالي".
    أما اللامركزية فإن الإمام الصدر يرفضها حتى ولو كانت إدارية. واقترح أيضاً إنشاء مؤسسة للحوار بديلاً عن الطاولة المستديرة أو المستطيلة.. وقال: خلال شهر واحد تنقل قوات الردع إلى الجنوب أو يكون قد تشكل جيش لبناني، ليأخذ مكانه على الحدود.
    بادرني الإمام:
    ـ الــنـــص ـ
    هل انعقدت جلست الثقة؟
    نعم
    وفي غياب الأقطاب؟
    نعم، لكن نوابهم حضروا.
    وكعادته. يستفسر الأمام عن الأسئلة، ليعرضها في ذهنه قبل الإجابة.
    قلت: لا أسئلة جاهزة. هناك نقاط للحوار، وبعد ان ذكرتها له.
    قال: أنا حاضر. تفضل.
    الإمام والتمثيل الشيعي في الحكومة:
    س ـ الحكومة شكلت في غيابكم. ما هو موقفكم من التمثيل الشيعي في الحكومة الجديدة؟
    وبهدوئه المعهود بدأ الإمام يتكلم:
    ج ـ عندما ننظر إلى الوطن ونتذكر محنته التي كانت مستمرة حتى قبل أسابيع، وعندما ننظر إلى المستقبل القريب وشؤون الإغاثة وعودة المهجرين، وإلى المستقبل البعيد وشؤون التنمية والتطوير الاجتماعي السياسي، عندما ننظر إلى هذا وذاك نحس أن المواقف التقليدية تجاه تشكيل الوزارة، ومختلف شؤون المؤسسات، بشكلها الذي هو استمرار للماضي الفاشل، نحس أن المواقف التقليدية هذه هي دون مستوى المسؤوليات الوطنية بكثير، حتى يمكن أن نسميها غباء وتقصيرا في حق الوطن والمواطن. لذلك فان انطباعي أمام الوزارة التي تشكلت يختلف او يوجب ان يختلف عن الانطباعات السابقة.
    حكومة بعيدة عن عقدة التعالي:
    ويتابع: لقد نظرت إلى الوزارة من زاوية إمكاناتها على تحمل الأعباء ومن زاوية رؤيتها للمستقبل اللبناني واستيعابها للتطورات الهائلة التي تنتظر الشرق الأوسط خلال السنة المقبلة. ولا شك أن الذي يلفت النظر في الوزارة هو انسجامها وانسجام عناصرها مع رئيسها ومع الرئيس سركيس. بالإضافة إلى بعد عناصرها عن عقدة التعالي والاكتفاء بالنفس. ذلك لأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تضافر الجهود، وبخاصة إلى مشاركة جميع المواطنين بأيديهم أو بألسنتهم أو بأفكارهم في مجابهة المسؤوليات فالعناصر التي تستجيب وتحاور وتتطور هي المناسبة للمرحلة المصيرية الحالية.
    الشيعة صدمتهم الحكومة الجديدة:
    ويطرق الإمام هنيهة ثم يقول: لا أخفيك أن الأكثرية الساحقة من أبناء طائفتي كانوا يتوقعون وضعا آخر لتمثيلهم في الوزارة، وأنهم أحسوا بمرارة بالنسبة إلى عدد الوزراء والوزارات ونوعيتها. وقد حملت مشاعرهم إلى فخامة الرئيس وزاد من مرارة الإحساس العام أن المنتظر في لبنان بعد الأحداث التي مهد لها غياب العدالة، وبعد استلام رجل القضية الاجتماعية الأستاذ الياس سركيس لمسؤوليات الحكم، إن المنتظر كان تصحيح المعادلات السياسية، سيما وان الحكومات في بعض الأحيان أخذت بعين الإعتبار المتغيرات الديموقراطية في البلاد، ثم أنني اعتبر أبناء الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان، وقياداتهم كانوا في طليعة القوى التي أحبطت المؤامرة الدولية التي اجتاحت لبنان، وانهم اصبحوا سياج الوطن وعموده الفقري في موقعه الحقيقي، الذي يحتفظ للوطن باستقلاله، ووحدته وتمايزه الحضاري، بالإضافة إلى انتمائه القومي وواقعه الجغرافي.
    إنني متأكد بأن عهد الرئيس سركيس سيكون عهد العدالة ورعاية الكفاءات ومحاولة إزالة الشعور بالحرمان. لقد عرفته كذلك وأكدت لي لقاءاتي المعدودة معه، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية وهذه الصفة المميزة فيه.
    توزير كامل علي احمد ليس تحديا لي :
    س ـ كانت مراسيم تشكيل الحكومة تحمل اسم السيد كامل علي احمد، لو تم ذلك، هل كنتم وجدتم فيه تحديا لكم؟
    ج ـ إطلاقا، فقد عرفت الأستاذ كامل عل احمد وأخاه المهندس محمد، وغيرهما من شباب هذه العائلة الكريمة، شأنهم شأن شباب النبطية الموهوبين. كما عرفت الكفاءات الهائلة المنتشرة بين أبناء هذه الطائفة والتي ترفع بعض مستوى العبقرية.
    ولا يمكن أن يعتبر اختبار أحد شباب هذه الطائفة تحديا لي. فالكل أبنائي وإخواني. إنني لا أؤمن بتصنيف الناس إطلاقا ولا أتصرف على ضوء الانتماءات السياسية ما لم تتعرض القيم الأساسية في حياة المواطن وفي سلوكه للخطر من جراء انتماءاته.
    كنت ضد الاتجاه الذي مثله احمد :
    س ـ هل يشكل هذا الموقف تطوراً جديداً في تفكيركم ومواقفكم، لقد وقفتم في معركة الانتخابات الفرعية الأخيرة في النبطية إلى جانب الدكتور رفيق شاهين ضد كامل علي احمد؟
    ج ـ لا اعتبر هذا تطوراً في الموقف السياسي، فقد كنت وسأبقى لجميع أبناء طائفتي، بل وللبنانيين جميعا، رغم تواضع قدراتي. أما موضوع انتخابات النبطية الفرعية وغيرها، فلا تعني في مفهوم السياسة، تصنيفا وانحيازا وتفضيلا لشخص على آخر. بل إنها كانت تُعبر عن خطة سياسية منهجية كنت اعتبر الجنوب بحاجة إليها في ذلك الوقت. فقد تمثل على الساحة أشخاص مثل كل منهم اتجاه وقد حصل صراع بين تلك الاتجاهات لا الأشخاص، وكان موقف الناس تعبيراً عن إرادتهم القاطعة في التغيير مع الاحتفاظ بالقيم، والالتزام بالتراث.
    س ـ هل تعملون الآن، صاحب السماحة، لوحدة الطائفة الشيعية بعد المحنة التي أصابتها خلال الأحداث، حتى مع الذين لهم منطلقات مغايرة لمنطلقاتكم؟
    ج ـ من وجهة نظري ليست الطائفة الشيعية في محنة حلت بها دون غيرها من الطوائف اللبنانية الشقيقة، إذا لم تكن في حالة افضل من غيرها. فقد خرجت الشيعة من المحنة منتصرة بانتصار لبنان الواحد وبعدم نجاح منطق التصنيف بين الناس ولا السعي لتحويل لبنان كله أو بعضه إلى دولة شيوعية. كما أنها انتصرت بخيبة إسرائيل في رغبتها بدفن المقاومة الفلسطينية في لبنان وفي تحقيق مطامعها لاقتطاع جزء من لبنان وضمه إليها أو إبقائه بعيداً عن جسم الوطن. لا أقول أن هذه الأهداف كانت خاصة ومحتكرة للطائفة الشيعية، ولكني أقول أن أبناء هذه الطائفة في تضحياتهم الكبيرة الكثيرة كانوا شهداء لبنان، هذا فقط. ولم يكن لديهم أي مكسب أو هدف عنصري أو طائفي أو إقليمي. لقد خاضوا المعارك دفاعاً عن أهداف مقدسة ولم يتجاوزا في إطار توجيه قياداتهم "حتى القسم الذي قادته الأحزاب" السلوك الشريف والصراط المستقيم. وكانوا ينادون الجميع ويناشدونهم من اجل السلام واللقاء والحوار والانتباه للأخطار الآتية من استمرار الحرب. إن معركة الشيعة كانت معركة حسينية، وكانوا شموعا لوطنهم ولأمتهم. وأمام ضحاياهم نقف خاشعين، يملأ الحزن قلوبنا، ولكن لا نشعر بالندم إطلاقا ولا نحس بتوبيخ الضمير.
    أما قضية توحيد الطائفة، ففي رأيي كانت هذه الطائفة تحتاج إلى تنسيق بين جميع أبنائها وطاقاتهم. ولا شك أن اليوم ومع جرح الوطن العميق، وبخاصة مع محنة الجنوب القاسية، نشعر بمزيد الحاجة إلى مثل هذا التنسيق.
    =يتبع =

    تعليق


    • سيرة الأمام الصدر (حوار 13 ) جزء 2

      "تيار الإمام" لم ينحسر :
      س ـ قبل المحنة كان هناك تيار جارف، هو تيار المحرومين وقد عرف "تيار الإمام"، والآن يقال إن هذا التيار اغتالته الأحداث فانحسر مده الشعبي، وأنكم لا تجرؤون على الذهاب إلى الجنوب خوفاً على حياتكم؟
      ج ـ إن تيار حركة المحرومين وأيديولوجيتها، أي انطلاق الإنسان المحروم لمعالجة حرمانه، انطلاقاً من مبدأ الإيمان بالله كهدف وكمسلك أقول أن هذا التيار كان وسيبقى في لبنان، وفي خارجه، وهو اكبر من الإمام، ومن الأحداث كلها. ويشرفني أن أكون من الذين أدركوا عمق هذا التيار وآمنوا بالناس وبقوتهم، وبقوة أيمانهم وبقداسة نضالهم الذي تغير بسبب الأحداث، كان كما تحدثنا مع مجلة "الصياد" منذ اكثر من شهر ونصف الشهر هو الإعلام الموجه المتشنج والذي كان سلاحا متناسبا للحرب القذرة ومعها. كما أن تحول لبنان إلى ساحة الصراع اللبناني والعربي والدولي كان يتطلب مقتضيات سياسية وإعلامية، تؤثر مرحلياً في أفكار الناس. ويحزنني أن اسمي المفارقة الثالثة، وهي تحول مؤقت من مواقف بعض فصائل المقاومة، نتيجة لدفع حلفائها اللبنانيين والذي بدأ يتحول أيضاً بدوره إلى مواقف طبيعية وسليمة.
      أما السبب الرابع فقد كان شعور الناس بأن آمالهم العريضة من اجل إنقاذهم من المحنة القاسية، لا تتحقق على أيدي القادة دون أن تتنبه الجماهير، إلى هول الكارثة، وضخامة المؤامرة، وقوة العناصر التي تتفاعل فيها. ومع ذلك، وبعد ذلك فان الحكم على انحسار التيار الذي سميته "بتيار الإمام" سابق لأوانه، ويحتاج إلى انقشاع غبار المعركة.
      كل ذلك مع إنني ارجوا ألا اعمل من اجل تيار شعبي، فإني لا اعبد ربين الله والناس. ولا شك أن من اصلح بينه وبين الله اصلح الله بينه وبين الناس كما يقول الحديث الشريف. إنني اخدم الناس قربة إلى الله تعالى.
      التهديد لا يفارقني :
      أما الحديث عن الحياة المهددة، فإنني أؤكد لك أن التهديد لا يفارقني منذ عشر سنوات وحتى الآن، ولكن الاستسلام للتهديد ليس وارداً في منطقي، ولعلك تعرف أنني منذ أن دخلت المبادرة السورية مرحلة التنفيذ السياسي، وشعرت ببدايات التوتر بين المقاومةالفلسطينية وبين سوريا، انتقلت بين صبرا ودمشق خمسة مرات، كان آخرها لقاء ثلاثياً مع الرئيس الأسد والسيد ياسر عرفات دام سبع ساعات، وخلال هذه التنقلات تعرضت لأخطار كبيرة منها انتقالي في المرة الرابعة، الذي كان بواسطة طوافة عسكرية سورية، أقلعت من مطار بيروت في حزيران 1976 وتعرضت لنيران رشاش ثقيل بست وثمانين طلقة ولكن الله. أنقذني ورفاقي الذين كانوا معي في الطوافة.
      الأمن مفتاح الحل للجنوب :
      س ـ لقد طرحتم مطالب وحلولا للوضع في الجنوب، هل حصلتم على وعود محددة من الرئيس سركيس، لإنقاذ الجنوب قبل فوات الأوان؟
      ج ـ من الطبيعي أن مفتاح الحل لمحنة الجنوب هو توفير الأمن. ولا أزيد القارئ معلومات حول ما قلت بعد مقابلتي الأخيرة مع الرئيس أن السباق بين تشكيل جيش لبناني وبين الاتصالات السياسية لانتقال قوات الأمن العربية المعززة إلى الجنوب على قدم وساق.
      وفي تصوري انه خلال فترة لا تتجاوز الشهر الواحد، سيتحقق أحد الأمرين وسيعود الأمن إلى الجنوب بإذن الله.
      ومن المؤكد أن تهديدات إسرائيل لمنع انتقال قوة السلام إلى الجنوب، هي ابتزاز سياسي ومحاولة لاستمرار محنة الجنوب أطول فترة ممكنة، حيث أن هذا بزعم إسرائيل يخلق من جهة انفجار في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية، ومن جهة أخرى تصاعد التوتر الطائفي في المنطقة، وإسرائيل تراهن على الأمرين معا. ولذلك فإنني أرى ضرورة تصدي القمة الروحية لعلاج الأمرين معاً حتى قبل انتقال القوات إلى الجنوب.
      إبعاد الفوضويين عن ساحة الجنوب :
      لقد آن الأوان لان يدرك اللبنانيون جميعاً والفلسطينيون معهم أن ما تحمله الجنوب من آلام سياسية، اجتماعية أمنية، واعتداءات إسرائيلية في سبيلهم، يفوق الوصف وهو الآن يطلب منهم تفهم وضعه، وتنظيم صفوف الأحزاب والمقاومة والقوى الأخرى وإبعاد الفوضى والفوضويين والارتجال والمرتجلين عن الساحة الجنوبية، لكي يتحمل الجنوبي بوعي، وصبر بطوليين، مصيره ويؤدي واجبه. إن الخطأ الذي ارتكب في بيروت وسائر أنحاء لبنان، لا يجب ان يتكرر في الجنوب لأنه لا يمكن تدارك نتائجه.
      القمة الروحية :
      س ـ هل اتفقتم مع القادة الروحيين على عقد القمة الروحية وحددتم موعدا لها؟
      ج ـ الاتفاق موجود منذ مدة طويلة، لكن طغيان صوت المدفع كان يحول دون إنجاز هذه الرغبة الصادقة المؤثرة. أما الآن فليس أمامنا إلا إكمال مشروع ورقة العمل وتوزيعها تمهيداً للبت بتحديد الموعد والمكان والمنهج.
      مؤسسة للحوار لا طاولة مستديرة :
      س ـ سماحة الإمام : إلى أي لبنان تتطلعون في المرحلة المقبلة، أي جيش؟ وأي إدارة ؟ وأي نظام سياسي؟
      ج ـ بصورة مبدئية لا يمكنني أن أدعي في هذه المسألة الاجتماعية السياسية، ذات الأبعاد الثقافية والتاريخية والجغرافية وغيرها، اعني بها مسألة لبنان والمستقبل، أقول لا يمكنني أن ادعي اكثر من كفاءتي.
      ولكن المجلس الشيعي وضع، خلال جلسات متعددة، ورقة عمل وهي مقترحات بشأن لبنان المستقبل. إن صورة لبنان المستقبل يجب أن تنطلق من تفاعل الآراء وخبرات اللبنانيين جميعا. وهذا بحاجة إلى ما اقترحته على فخامة الرئيس في لقائي الأول، من تمن لتأسيس مؤسسة للحوار وراء الطاولة المستديرة أو المستطيلة أو غيرهما. وتقوم هذه المؤسسة بالاستماع لآراء جميع من لهم رأي في لبنان المستقبل ونشر هذه الآراء على المواطنين وتتابع الحوار باهتمام إلى أن تتبلور الأبعاد الصحيحة والمتفق عليها للبنان.
      وفي هذه العجالة، أتمنى للبنان المستقل إلغاء الطائفية السياسية، واعتماد الكفاءات وتعديل قانون الانتخابات لتصبح اكثر نزاهة وأقوى تمثيلا لعامة الشعب، ثم تعميم الضمانات الاجتماعية والتنمية بدءاً بالمناطق البعيدة وضواحي بيروت.
      وبكلمة أتمنى لبنان وطنا لجميع أبنائه بكل ما في الكلمة من معنى.
      واللامركزية الإدارية ارفضها :
      أما مسألة اللامركزية فإني من جهتي لا أوافق عليها حتى إدارياً بعد المحنة. فإني أرى ضرورة وضع سياسية وإدارية تكثر التعايش وتضاعف التفاعل بين المواطنين، على عكس ما هو مطروح في بعض الأندية، ذلك لان التعايش اصبح ملكا للعالم ومنطلقا للتفاعل الحضاري في المستقبل حيث أن القرن العشرين كان قرن الحضارة الأوروبية على العالم. وقد شهدت نهايات هذا القرن محاولات متنوعة، لتحطيم الحضارات الأخرى في الشرق الأوسط، بوجود إسرائيل، وفي الشرق الأقصى عن طريق الحروب التي دامت اكثر من ثلاثين عاما. إن القرن المقبل يجب أن يحتوي على افضل الصيغ لاحترام كل الحضارات والثقافات ولخلق التفاعل التام المتكافيء بينها، وبإمكان لبنان ان يكون كما كان نموذجاً واقعيا لهذا المستقبل الذي نحلم به.
      س ـ وهنا وصل أعضاء مجلس قيادة طلائع الجيش العربي اللبناني، وكنت اسأل الإمام عن أي جيش يقترح للمستقبل، فتابع سماحته:
      ج ـ وحول الجيش أيضاً، لا يختلف رأيي ورؤيتي وتمنياتي عن الوضع العام في الوطن. وأقول لك حتى ولو لم يحضر الأصدقاء أعضاء مجلس قيادة طلائع الجيش العربي اللبناني، أقول لك أنني معجب ومقتنع بأسلوب عملهم حيث انهم صمدوا واحتفظوا بأعز ما عند لبنان وهو تعايش أبنائه رغم الصعاب والمصائب التي تعرضوا لها. نريد للبنان الواحد جيشاً واحدا لكي يكون سياج الوحدة بل روح الوحدة الوطنية.
      الحرية في خدمة المصلحة الوطنية :
      كان ضباط مجلس قيادة الطلائع على موعد مع الإمام، وكانت أسئلة كثيرة لم تطرح بعد فقلت لسماحته:
      س ـ سؤال أخير ونفسح لكم بالاجتماع قضية الحرية والصحافة مطروحة الآن. ما رأي سماحتكم في هذا الموضوع؟
      ج ـ لقد تحدثت منذ اربعة عشر عاماً في محاضرة في الندوة اللبنانية حول الحريات واقتبست من كلام للإمام علي بن أبي طالب حيث يقول: "من ترك الشهوات كان حراً" يعني أن الذي يطلق لرغباته او حاجاته أو طموحاته العنان، فيتجاوز بذلك على حريات الآخرين، ليس حرا بل انه تحرر من الغير ولكنه لم يتحرر من نفسه، ومن أنانياته. فإذا التزم الإنسان بالقيم والمبادئ الأساسية للمجتمع الإنساني لا يمكن أن تصطدم حريته مع حريات الآخرين.
      إن لبنان لأسباب عديدة، ومنها وضعه الديموقراطي لا يمكن أن يعيش بدون الحريات، وأعود لكي أؤكد أن الحريات الصحيحة هي في ظل التحرر من الغير ومن النفس، أي الحرية في خدمة المصالح العليا.

      تعليق


      • سيرة الأمام الصدر (حوار 14 ) جزء 1

        الموضوع : حوار صحفي ـ لبنان ضرورة حضارة للعالم، والتعايش أمانة عالمية في أعناق اللبنانيين.
        المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـ 17/1/1977
        المناسبـة : التقى سماحة الإمام الصدر وفداً من نقابة المحررين برئاسة النقيب ملحم كرم فكان هذا الحوار الصحفي.
        ـ الــنـــص ـ
        هذا اللقاء مع رجال الإعلام نتذكر أن الإعلام في تجربتنا المريرة كان له دور مؤثر بإمكاننا أن نقول أن أحد أسلحة الحرب النافذة كان الإعلام.. هناك نظرية في الحرب اللبنانية تقول إنها كانت حرب الإعلام وانعكست على رجال السياسة من خلال شحن النفوس، ومن خلال التزام الساسة بشاعر الجماهير. وبطبيعة الحال فإن أولئك الذين حاربوا حتماً اقتنعوا بأن حربهم لهدف وطني، لكن الجو في الشرق الأوسط وفي هذه الفترة بالذات، والجو في لبنان وفي هذه السنوات بالذات كان جواً دولياً تهتم به القوى العالمية وتتصارع فيه على بقعة صغيرة. وإسرائيل ذات القوة السياسية والتآمرية والإعلامية الدولية التاريخية كانت لها مصلحة لكي تنتقم من العرب في لبنان. ومن الواضح أن حرب 73 كانت انتصاراً عسكرياً للعرب ويكفي أن نقارن بين حربي 67 و73 حتى ندرك أن الوضع العسكرية هناك الحرب السياسية والتي بدأت بمقاطعة الدول الأفريقية لإسرائيل والمقاطعة الأوربية وحرب البترول والعملة. وفي النهاية كانت حرباً أيديولوجية لأن البحث في الأمم المتحدة تركز حول طرد إسرائيل لتسكت فأرادت أن تضرب العالم العربي من خلال لبنان باعتبار أن لبنان بوجوده كان يتحدى إسرائيل من خلال التعايش.
        إذن هذه المنطقة كانت تتحكم فيها القوى الخارجية أكثر من رجالها وبمؤازرة رجال الإعلام الوطنيين برزت في الأفق عناصر وأقلام وأصوات ساهمت في الحرب إذا ما قلنا أنها أسست الحرب.
        أريد أن أنطلق من هذه النقطة إلى هذا اللقاء الذي أرجو أن تكون له مساهمة مؤثرة في إعادة بناء الوطن، فلقد تبين أن دور الإعلام كبير، وفي لبنان دوره أكبر وفي ما نشاهد من الأجواء يمكن أن نقول أن دوره مطلق، لأنه مع وجود التشنج في النفوس، وعدم القناعة في التعايش لدي الكثيرين لا يتمكن أن يفرض على اللبنانيين بناء الوطن والتعايش بأية قوة في العالم. وإذا أراد اللبنانيون أن يعيشوا وأن يمنعهم أحد فالبناء الحقيقي للبنان الوطن الواحد ليس مرهوناً بواقع عسكري ولا بقوانين حديثة أو قوانين دستورية أو اقتصادية بمقدار ما هو مرهون بإرادة اللبنانيين وبأثر رجال الإعلام بهذه الفترة.
        إنني أتصور أن النظرات التي تنعكس من رجال الإعلام على الأوراق، أوراق الصحف هي أساس بناء لبنان الجديد الواحد، لأن هذا اللبنان أصيب بمحنة تفرق النفوس وتمزق الإرادة الشعبية، والنفوس تفرقت، والإرادة تمزقت نتيجة معلومات وأجواء إعلامية مسيطرة على الناس.
        فإذا تمكنا أن نعيد القناعة إلى النفوس ببناء مستقبل خالد بنينا لبنان ولا خطر عليه إطلاقاً لأن لبنان ضرورة حضارية وهذا ما قاله الكثيرون، لبنان في هذه المرحلة بالذات من تاريخ العالم أصبح ضرورة قصوى للعالم، لأننا أولاً نتيجة لتوسيع المواصلات نشعر أن العالم في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين يعيش وكأنه بلد واحد فأقصى مسافة بين بلد وآخر في العالم لا تتعدى اليوم مسافة الانتقال بين بيروت وطرابلس،إذن هذا العالم المترابط الذي يضم الأديان والتعايش بين أبناء العالم من أجل استمرار الإنسان في بناء الدولة الواحدة الكونية مرتبط ومتأثر إلى حد كبير بنجاح صيغة لبنان التعايشية، أكثر من ذلك فإن الحوار الأوربي العربي لولبه الحوار الإسلامي المسيحي وعلى نتيجة هذا الحوار تتعلق آمال المغتربين في العالم بعد أن فشلت تجربة الوحدة الآسيوية الأفريقية. فالعالم بين القوتين الأعظم جرّب من خلال اللقاءات الأفرو آسيوية والوحدة الأفريقية والسوق الأوروبية، والآن يجري من خلال اتحاد البرلمانيين في العالم حتى يجد ضمانة للإنسان أمام التحالف بين القوتين الأعظم، فأي بلد في العالم وأي إنسان وأي مؤسسة في العالم تضمن سلامته إذا اتفقت أميركا والاتحاد السوفياتي في ما بينهما. إذن العالم يتطلع إلى قوة أخرى تقضي على هذا الاحتكار من الوفاق.
        كانوا يحلمون في بروز الصين، فلم يتحقق الأمل أما الحوار العربي لأوروبي بما لأوروبا من خبرة وتجربة وموقع، وبما للعالم العربي من تراث حضاري وثروات وموقع جغرافي، فيضع أمام العالم أملاً كبيراً ببروز قوى سياسية لولبها الحوار المسيحي الإسلامي، فإذا سقطت تجربة لبنان سوف تظلم الحضارة الإنسانية لمدة خمسين عاماً على الأقل.
        لذلك نقول أن لبنان في هذه الفترة ضرورة حضارية أكثر من ذي قبل، ولذلك فليسمح اللبنانيون لنا بأن نقول أن التعايش ليس ملكاً للبنانين ولكنه أمانة بيد اللبنانيين ومسؤوليتهم وواجبهم وليس حقهم فحسب، وهنا يأتي دور الإعلام المقتنع وعظمة هذا الدور، فبماذا يرضي اللبناني نفسه أمام ما قدم من شهداء وبكل أسف شهداء على طرفَي الجبهة وأبناء لبنان قتلوا هنا وكل منهم يعتقد أنه قاتل في سبيل لبنان؟ بماذا تتعزّى الأم اللبنانية وترتضي الأجيال ويقبل الجيل القادم ما قدم هذا الجيل من الضحايا عشرات الألوف من خيرة الشباب سقطوا؟
        لهذا إننا في هذه الأمور نتمسك ونستمر، ونحافظ على وحدة لبنان، على استقلال لبنان وعلى انسجام لبنان مع المنطقة، وعلى صيانة هذا الكيان الذي هو أمانة للحاضرة العالمية، لذلك أنا أشعر بسعادة بالغة للقائي مع الأخوان من رجال الإعلام، وأؤكد لهم أن ما عبّر عنه النقيب حول هذا المكان فسماه بالمحراب بإمكاني أن أقول أنكم في مكتبكم تصلون في محراب الإعلام بأقلامكم وتضيئون بها الزيت مشعل الوحدة في مستقبل هذا الركن وهذا يضفي على دوركم الأهمية القصوى.
        ليس المستقبل أن ينطلق المحرر من مشاعره أو مصالحه لا سمح الله، وإنما المستقبل يفض عليه أن يكون دقيقاً في كل كلمة يكتبها ومع كل عنوان ومانشيت ومع كل تحليل أو صورة يضعها وفي أي مكان، لذلك إذا أحسّوا أنهم في المحراب شعروا بقداسة مسؤوليتهم في مرحلتهم القادمة، أتصور أن التشنج في العقول والنفوس بحاجة ملحّة إلى معالجة، فيجب إعادة إيضاح الأخبار وإعادة درس الأشخاص الذين وضعوا في مواقع غير مواقعهم من خلال الإعلام الموجه للحرب. أنتم أخبر بمهمتكم وهي من اختصاصكم وليس لي إلاّ أن ادعوا الله لتوفيقكم وأن أضع نفسي ومعلوماتي وخبرتي أمام أسئلتكم إذا أردتم..".
        = يتبع =

        تعليق


        • سيرة الأمام الصدر (حوار 14 ) جزء 2

          أسئلة وأجوبة:
          س ـ هل تعتبرون أنّ صيغة 1943 سقطت، وهل في ذهنكم صورة جديدة للبنان المستقبل تكون منيعة وصامدة؟
          ج ـ في الواقع أن عدم مناعة الصيغة اللبنانية أمام ما حدث ليس اتهاماً للصيغة لأن عوامل ما حدث كانت تتخطى نطاق الإرادة اللبنانية ونحن نعرف أنه لا تنتج في لبنان ولا تصنع رصاصة وكنا نشاهد أن سيل السلاح يتجه نحو لبنان. من أين يأتي هذا السلاح ولماذا؟ نحن نعرف أن السلاح في العالم اليوم بضاعة سياسية وليس تجارياً محضاً، وكان هذا واضحاً في استمرار المعركة مدة سنتين.
          نحن نقول أن العوامل التي عصفت بلبنان فهزت صيغة 1943 هي أكبر من مناعة أي بلد في العالم وفي تصوري أن لبنان لم يسقط لأنه لا تزال مؤسسات الدولة غير مبنية ونحن مجتمعون هنا.
          لا أدافع عن النظام الذي كان، ولكن أدافع عن صيغة المجتمع أي مسألة التعايش في ظل الديمقراطية. أما بالنسبة للمستقبل فهناك أولويات لا يمكن أن تمسّ ويجب على اللبنانيين من خلال الحوار أن يختاروا صيغة تحفظ هذه الأولويات وعلى قادة لبنان أن يختاروا مع معرفتهم بما في نفوس اللبنانيين صيغة لصياغة هذه الأولويات. ووحدة لبنان كما ذكرنا ميزة وجوده لكي لا يكون لبنان نسخة طبق الأصل صغيرة وميكروفيلم عن أي بلد آخر. اليوم إذا كان لبنان نسخة عن أي بلد وإذا صنّفنا حجم البلاد نجد أن لبنان هو ميكروفيلم عن الدول الكبرى.
          ولكي لا يكون لبنان ميكروفيلم عليه أن تكون له ميزة خاصة، فهاتوا لنا ميزة غير التعايش. التعايش هو الميزة الحية رغم ميزات لبنان في تاريخه وقوة أهله ومناخه، ولكن هذه المزايا سابقة وليست عطايا مستقبلية.
          النقطة الأولى: وهي نقطة التعايش لا بد لكي تتكامل من أن تبقي للطوائف اللبنانية الحد الأدنى من وجودها الثقافي وهذا لا يتم إلاّ عن طريق بقاء قانون الأحوال الشخصية كما هو وليس عن طريق العلمنة. السبب في ذلك هو لأننا في قانون الأحوال الشخصية في حكم الزواج والنهاية في حكم الميراث.
          تكملة للثقافة الوطنية لا بد من وجود هذا القانون ولا نقصد بالعلمنة أكثر من ذلك لأن لبنان دولة علمانية، أنها ليست منبثقة من حكم الله وحكم السماء، وليس رئيس لبنان ظل الله على الأرض. القانون اللبناني أيضاً علماني لأنه ليس نابعاً من القرآن والإنجيل.
          النقطة الثانية: أن الرسالة اللبنانية في التعايش هي الحرية في لبنان لأنه يمكن بقاء مجموعات حضارية تتعايش في وطن واحد على أساس الحرية. الفرد يمكن أن يفرض نفسه على وطنه ولكن فئة منافسة مع فئة أخرى متعايشة معها لا يمكن أن تفرض نفسها على الوطن.
          النقطة الثالثة: هي الاحترام لحقوق المواطني أي العدالة التامة العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، العدالة في التنمية.
          س ـ هل سماحتكم مع إعادة توحيد منهاج التعليم واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهل هذا يساهم في رأيكم في إعادة اللحمة بين اللبنانيين؟
          ج ـ أنا مع وحدة المناهج التربوية والثقافية وأتمنى وحدة الدائرة الانتخابية في لبنان.
          س ـ هل ستعقد القمة الإسلامية المسيحية، وأين أصبحت المساعي المبذولة على هذا الصعيد؟
          ج ـ في الواقع أنا من المقتنعين والعاملين بجهد كبير في هذا السبيل، وفي تصوري أن هذه القمة على الأبواب إنها فترة وجيزة لتبادل الآراء بالنسبة لورقة العمل ثم القمة.
          س ـ هل تعتبرون الوثيقة الدستورية صيغة صالحة لحل الأزمة؟
          ج ـ في الواقع أن الوثيقة الدستورية هي جدول أعمال للحوار السياسي ولم تكن اختيارات لأنه بك أسف عندما بدأ الوفد السوري يحاور الأطراف اللبنانيين نتيجة لقرار العزل الخاطئ الذي صدر في بداية الأزمة اللبنانية، كان اللبنانيون لا يجتمعون وكان الحوار السياسي مستحيلاً حتى في الحد الأدنى من الاختيارات. فكان الحوار في ذلك الوقت فوقياً أي أن الرئيس فرنجية كان يتحدث مع الجبهة اللبنانية ثم يقدم إلى الوفد المفاوض المقترحات، والرئيس رشيد كرامي كان يتحدث أيضاً بدوره بعد الاتصال بجبهته ومن خلال الرئيسين (سليمان فرنجية ورشيد كرامي) وغيرها كان يصل بطبيعة الحال والوفد المفاوض إلى ما يتناسب مع مشاعر الطرفين ومصالحها. وهكذا وضعت هذه الوثيقة بعد الاتصال بالجانب الفلسطيني. وفي يوم صدور هذه الوثيقة تقرر أن تكون مقترحات ليجتمع على أساسها أطراف لبنانيون فيختارون. وحتماً إذا اجتمع اللبنانيون يتخطون جداً ما ورد في الوثيقة الدستورية صالحة لأن تكون ورقة عمل أو جدول أعمال للحوار السياسي المستقبلي. وأحب أن أقول كلمة وأرجو ألاّ تُحمل على محمل المجاملة. أنا أعتقد أن كلمة البطريرك في عيد الميلاد وحدها تصلح لأن تكون ورقة للبحث السياسي المستقبلي، تصلح حتى أن تكون للخيارات، فليكن لنا وطن كما يرسمه البطريك في رسالة عيد الميلاد الأخير.
          س ـ كيف تنظرون إلى الوضع في الجنوب وهل سيؤثر على الوضع العام في لبنان مستقبلاً؟
          ج ـ يخشى من أن توتر الوضع في الجنوب ينعكس على لبنان لأن مشكلة الجنوب اليوم هي ملخّص للمشكلة اللبنانية، وقد انتقلت إلى الأراضي الجنوبية. والحل هو في ذهاب قوة الردع العربية إلى الجنوب وهذا الحل أمامه بعض صعوبات سياسية تعود إلى تهديد إسرائيل. وهناك مفاوضات مكلفة لمعالجة هذه النقطة، وإلى أن يتم هذا الحل هناك محاولات واقعة لخلق المصالحة السياسية في الجنوب، لعل هذه المصالحة تخفف من الآلام عن الجنوبيين ريثما تصل قوة الردع العربية إلى الجنوب.
          س ـ هل تعتقدون أن لبنان في طريقه إلى التعافي؟
          ج ـ لبنان في طريقه إلى الشفاء والتعافي وإلى النهوض والتحرك، أما الانتكاسات فستبقى ضيقة ومحدودة جداً والمثل على ذلك في انفجار العكاوي، بما في الانفجار من مآس بليغة جداً ومثيرة جداً وقد رُدّت من دون سبب ونتيجة لشحن في النفوس على أناس أبرياء، فقتل عشرات أيضاً رداً على هذه الحادثة، ولكن لا الحادثة ولا ردودها كانت أكثر من زوبعة مرّت على لبنان، ولذلك فإن لبنان في تصوري في طريقه إلى التعافي.
          س ـ إن الأزمة اللبنانية كان لها ارتباط وثيق بالوجود الفلسطيني في لبنان، فما هو تصوركم للواقع الحالي؟
          ج ـ حتماً كان للوجود الفلسطيني في لبنان دور كبير في الأزمة اللبنانية، وحل الأزمة اللبنانية يجب أن يضم في فصل كبير إيضاح وتحديد العلاقات اللبنانية الفلسطينية. لكن أحب أن أؤكد أنه بوجود العلاقات المتينة بيني وبين قيادات المقاومة خلال المحنة كنت أعتقد وما زال أنه إذا أراد اللبنانيون أن ينظموا علاقات لبنان معها فهذا أمر في منتهى السهولة والإمكان. تلك ليست قضية مستعصية ويجب أن نتعاون لتمكين القيادات الفلسطينية من تطبيق الاتفاقات مع لبنان أو تطويرها كما عليهم هم أن يساعدوا أنفسهم ويساعدوا لبنان عن طريق عدم تدخلهم في الشؤون الداخلية وعدم تحالفهم مع الأحزاب اللبنانية هنا وهناك، أي حزب كان، أن يساعدوا على إيضاح وتطبيق هذه المبادئ الواضحة في لبنان. وبكلمة إذا أراد اللبنانيون والفلسطينيون وهذا ما أتمناه وما أعتقد به فليست هناك أية صعوبة تأتي إلى لبنان من جرّاء القضية الفلسطينية.
          س ـ يبدو أن آراء جميع القادة تدل على أنه ليس هناك خلاف على مبدأ التعايش، ولكن على صيغة التعايش، فما هي الخطوط العريضة لصيغة التعايش بين اللبنانيين؟
          ج ـ في الواقع كما قلت أن بين اللبنانيين فرقاً. أنا بإمكاني أن أقول رأيي، ولكن ما أؤمن به وما أقترحه على اللبنانيين وما أُريده اليوم من رفاقنا رجال الإعلام أن صيغة التعايش كل ما تمكنت من خلق المزيد من اللقاءات والاتصالات فيكون ذلك أفضل.
          بمعنى أن الاتجاه القائم اليوم حول اللامركزية السياسية أو اللامركزية الإدارية، كلها في تصوري غير صحيح لأن أي تحول نحو اللامركزية بعد الحرب يعتبر نتيجة للحرب وبالتالي سيكون أعمق من حجمه الذي يريده اللبنانيون. وفي تصوري أن على اللبنانيين بعد هذه الحرب، أن يعودوا ولو لمدة 6 سنوات مثلاً إلى الصيغة المركزية المكثفة أكثر من السابق، يعني لو حوّلوا لبنان إلى محافظة واحدة مثلاً، أو تمكنوا نتيجة للمواصلات من خلق مراجعات مكثفة في المناطق المختلفة حتى يفرضوا على اللبنانيين مزيداً من التعايش والاختلاط، فهو أفضل أيضاً لأن لبنان كله في تصوري بمثابة محافظة من محافظات الدول الكبرى، هذا ما أراه وأتمناه وأقترحه على اللبنانيين لأن لبنان بتعايشه فقط يتمتع باحترام العالم وبأكثر عناية منه وبروز فيه.
          س ـ يقال أن الميثاق الوطني وضع على أسس لم تعد موجودة حالياً؟
          ج ـ في الواقع يجب أن لا نبالغ في تأثير الميثاق الوطني لأنه كان انعكاساً لاتجاهات سياسية التقت، أما التعايش اللبناني فهو أقدم من الميثاق الوطني ومن واضعي الميثاق الوطني ومن آبائهم وأجدادهم منذ ألف سنة اللبناني فتح عينيه فوجد جاره من غير دينه وأكل عند وضيفه والتجؤوا وعاشوا في الآلام والآمال وكان بينهم من الصلات والوثائق أكثر بكثير مما كان بين الناس في البلدان الأخرى ولذلك التعايش هو من صميم الحياة اللبنانية وما نشاهد في ظروف اليوم هي في تصوري ظروف استثنائية، ناتجة عن بقايا إعلام الحرب وسنتغلب عليها بقوتكم وبإخلاصكم للوطن.

          تعليق


          • سيرة الأمام الصدر (حوار 15 )جزء 1

            الموضوع : حوار صحفي ـ بعض أطراف "الحركة الوطنية" لا تقل مسئوليتهم عن مسؤولية الجبهة اللبنانية فيما وصل إليه لبنان.
            المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الحازمية ـ 23/2/1977.
            المقدمـة : حذّر الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من استمرار تدهور الوضع في الجنوب، ونبّه إلى أن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الحاجز النفسي وسقوط المقاطعة العربية، وبالتالي ترسيخ الكيان الصهيوني في المنطقة.
            إعتبر الإمام أن وضع حد لما يجري في الجنوب يستلزم القوة العسكرية وحدا أدنى من الوفاق السياسي اللبناني، وموقفاً عربياً موحداً يشكل ضغطاً على القوى العالمية التي تتمكن من الضغط على إسرائيل.
            وفيما يلي نص الحديث:
            ـ الــنـــص ـ
            س ـ الجنوب هو الشغل الشاغل لكل مواطن: فهو بقي وحيداً خارج حلقة الأمن التي فرضتها قوات الردع العربية، والسكون السياسي بين الأطراف المقترب من الاتفاق السياسي لم يشمله. ما هو تقويمكم لوضعه؟
            ج ـ لا شك أن قضية الجنوب برزت بوضوح كقضية ذات أبعاد سياسية تمتد الى مشكلة الشرق الأوسط، والى ابعد من ذلك، ولعلها ترتبط أيضاً بمنافسات الدول الكبرى في ما بينها.
            وقضية الجنوب كشفت أيضاً، بعض الأبعاد السياسية للأزمة اللبنانية الأخيرة، ولا يشك أحد في أن وجود قوات الردع العربية في الجنوب لا يشكل تهديداً لأمن إسرائيل، ولكن تهديدات إسرائيلية ملأت المسامع والصحف كادت أن تفجر الوضع في الشرق الأوسط عشية البحث عن الحلول وفي الوقت الذي تتجه القوى الكبرى في العالم نحو حل الأزمة.
            س ـ إذاً ماذا يكمن وراء التهديد الإسرائيلي؟
            ج ـ هناك أسباب داخلية في إسرائيل تعود الى زعامة حزب العمل الحاكم، كما تعود إلى السباق السياسي عشية الانتخابات الإسرائيلية، كما أن أسباباً أخرى قد تكون وراء هذه التهديدات التي لم يسبق لها مثيل من قبل.
            بقاء الجنوب في حالته الحاضرة نقطة ضعف في الصف العربي في وقت السلام ومفاوضاته، ثم أنه نقطة ضعف في الوضع اللبناني قد تحاول إسرائيل استغلالها والمساومة عليها لأخذ امتيازات مائية أو أمنية.
            كما أن وضع الجنوب نقطة ضعف في وضع قوة الردع العربية، في حالتها الراهنة، حيث أن غياب الأمن عن منطقة تبلغ 30 % من أرض لبنان، يشكل تحدياً لقوات الردع ومقررات مؤتمري الرياض والقاهرة.
            وأخطر ما في الأمر أن أسلوب التدخل الإسرائيلي، هذه المرة يختلف عن السابق، حيث يبدو وكأنه بدوافع أمنية محضة مما يقلّل من إمكان إدانة العالم لإسرائيل.
            إن لهذه الأمور أبعاداً تكتشف من خلال الأحداث وتقرأ فيما وراء السطور، ولكن الواقع المعاش والصورة المرئية هي التالية:
            أولاً: هناك قرى ومدن حدودية بدأت تنقطع بالتدريج عن العمق اللبناني، وبالتالي يجد المواطن فيها نفسه مضطراً إلى التعامل مع إسرائيل. وإذا لاحظنا بوادر اتساع الرقعة هذه ندرك خطورة الأمر، وإن النتيجة من إستمرار الوضع المتفجر في الجنوب هي انهيار الحاجز النفسي وسقوط المقاطعة العربية وبالتالي ترسيخ الكيان الصهيوني في المنطقة.
            ثانياً: العلاقات الحسنة بين الجنوبيين على مختلف انتماءاتهم الدينية، كانت متينة منذ قرون عديدة، وتتعرض بفعل الأحداث لاهتزازات وأحياناً لجروح، وهذه خسارة كبيرة أخرى تتضاعف باستمرار، وتهدد كيان لبنان في الصميم.
            ثالثاً: ثقل المحنة يبعد المواطن العادي في الجنوب عن إمكان تحمل المسؤوليات القومية، وخصوصاً عن مشاركته في قضية تحرير الأرض المقدسة.
            وعلى الرغم من أن الصمود الذي لا مثيل له، ظهر في موقف الجنوبيين حتى الآن، فإن المشكلة قائمة.
            رابعاً: المأساة الإنسانية التي تتجاوز في حدودها الكوارث قائمة كل يوم وفي كل نقطة من الجنوب.
            وأمام هذه الأهوال والمصائب المكشوفة والمتسترة، لا بد من القيام بعمل عربي موحد لأن المحنة تفوق إمكانات لبنان.
            بإمكاني أن ألخّص محنة الجنوب في كلمة واحدة، وهي أن الأزمة السياسية والعسكرية التي اجتاحت لبنان بكل أبعادها بقيت مستمرة تنمو من حيث النوعية ولكنها تحجمت من حيث الأبعاد المكانية فانتقلت الى الجنوب لكي تقترن بالأزمة السياسية والاجتماعية والأمنية التي كانت سائدة هناك منذ وقت طويل.
            س ـ كيف يمكن وضع حد لما يحدث في الجنوب؟
            ج ـ إن عوامل الأزمة المتصارعة متعددة، ولا أعتقد أن حلاً عسكرياً يضمن الخطوة الأولى للحل وهي الأمن ولكن القضية تحتاج بالإضافة للقوة العسكرية الى الحد الأدنى من الوفاق السياسي اللبناني والى موقف عربي موحد يشكل ضغطاً سياسياً على القوى العالمية التي تتمكن من الضغط على إسرائيل.
            س ـ هل يعني ذلك أنّ دخول قوى الأمن اللبنانية غير كاف، إذا تم؟
            ج ـ لقد تحدثت عقب لقائي مع رئيس الحكومة عن ضرورة التعاون الشعبي مع قوى الأمن الداخلي لكي يعود السلام الى الجنوب، ومن الطبيعي أن تعاون الناس لا يمكن إلاّ مع حد أدنى من الوفاق السياسي، ولو كان محدوداً وفي سبيل تخفيف الآلام عن الجنوب، أما إذا أمكن الوصول الى موقف عربي موحد، فإنه يحل المشكلة من أساسها، ويبقى السؤال: هل إن الجنوب اللبناني بتواضعه يدفع الدول العربية لمثل هذا الاتفاق؟
            س ـ هل تعتبرون أن مؤتمري الرياض والقاهرة لا يشكّلان حداً مقبولاً من الاتفاق والتضامن العربيين؟
            ج ـ بلى... مؤتمرا الرياض والقاهرة كانا بداية هذا الموقف العربي الموحد، ويجب متابعة الأمر ووضع الدول العربية في الأجواء الراهنة.
            س ـ الى جانب الاتفاق العربي، تحدثتم عن الوفاق السياسي. ما هو دوركم فيه؟
            ج ـ إن الطريق المتوافر لي هو الوصول للاتفاق السياسي عن طريق القمة الروحية، وهذا ما أسعى إليه. أما الاتفاق السياسي عن غير هذه الطريق فإنه يحصل عن أحد طريقين: إما المصالحة التي تأتي على أثر الحوار السياسي وإما عن طريق أخذ الرئيس الياس سركيس المبادرة واستطلاع الآراء واتخاذ المواقف وإصدار قوانين لازمة بشأنها.
            س ـ ما هو تقويمكم لمواقف الأطراف الآتية وعلاقتكم بها: الجبهة اللبنانية، الحركة الوطنية، والجبهة القومية؟
            ج ـ في الواقع إنني لا أعتبر العمل السياسي أو الاجتماعي إلاّ جزءاً من رسالتي الدينية، بمعنى أن الإيمان بالله في تصوري لا ينفصل عن الجهد في سبيل خدمة الناس وتخفيف آلامهم. كما أن هذا الإيمان يحدد المسلك المطلوب أي خدمة الناس ذاك المسلك الذي يعتمد على الالتزام بالقيم الأخلاقية. لذلك كثيراً ما أتردد في تسمية هذا الجهد سياسة، كما أن الكثيرين يترددون في اعتباري من السياسيين.
            هذا الخط العريض كان مسلكي قبل الأحداث اللبنانية وخلالها وبعدها وهو الذي حدد علاقاتي مع الفئات السياسية في لبنان وسيبقى ينظّم العلاقات في المستقبل.
            لقد كان موقف "الجبهة اللبنانية" في المرحلة الأولى من الأزمة وخلال الجولات العديدة في تصوري، موقفاً لا ينسجم مع قناعاتي ومسلكي، وبالتالي كان يشكل خطراً على وحدة لبنان وعلى سلامة أراضيه وعلى سيادته وعلى القضية القومية، وخاصة على المقاومة الفلسطينية، وذلك لا يعني أن الطرف الآخر في تلك المرحلة كان يخلو من أخطاء أو انحرافات.
            في هذه الفترة كنت أدعو الى تطويق الحرب الأهلية التي كانت في حد ذاتها مؤامرة من جهة، ومن جهة أخرى كنت مع جماعتي وحركتي وطائفتي وكل من يسمع مني، كنا جميعاً في موقف الدفاع، وسوف يحكم التاريخ بأن هذه المجموعة هي التي أحبطت المؤامرة وكان موقف "الجبهة اللبنانية" أيضاً منا موقفاً متشنجاً بقيت آثاره مع الأسف حتى الآن.
            وجاءت المرحلة الثانية من الأزمة، أي ما بعد صدور الوثيقة الدستورية والهدنة التي أُعلنت نتيجةً للوساطة السورية.
            في هذه المرحلة وجدت أن الأحزاب انحرفت وبدأت تأخذ دوراً يهدد الوطن بالتقسيم بل بالتمزق، كما أنه كان من نتيجة مواقفها سقوط المقاومة الفلسطينية بوجه خاص، والقضية القومية بوجه عام، وهنا أعلنا موقفنا من الأحزاب وانسحب ممثل حركة المحرومين من اجتماعات الحركة الوطنية، وبدأت أعمل مع قمة عرمون في معالجة الوضع، ومن الطبيعي أن هذا الموقف خلق تشنجاً لدى الأحزاب فشنت هجوماً قاسياً وتجاوزت كل حد وحاولت أن تستدرج المقاومة الفلسطينية في العداء والتهجم.
            لا أريد أن أتحدث في تفاصيل ما جرى، فالنتائج حكمت على فداحة الأخطاء في الأهداف وفي الوسائل لدى الحركة الوطنية التي أعتبر أن بعض عناصرها لا تقل مسئوليتهم فيما وصلت إليه البلاد بل ما وصلت إليه المقاومة الفلسطينية عن مسؤولية "الجبهة اللبنانية".
            فإني لا أتمكن من تفسير الحملة التي شنّتها هذه الأحزاب وتورطت بكل أسف معها أكثر الصحف الوطنية عندما سقطت النبعة، مع العلم أنني لا أعرف أحداً أو مؤسسة قدمت لصمود النبعة ما قدمناه من جهد سياسي وتحييد للأرمن وإقامة لمستشفى وإرسال وسائل تموينية وأدوية وغيرها للمحاصرين وأخيراً، كانت حركة المحرومين التنظيم الوحيد الذي دافع لآخر فرد في النبعة فقد قتلوا جميعاً، بينما جميع المسؤولين العسكريين والسياسيين لدى التنظيمات الأخرى هم اليوم في بيوتهم وبين أهلهم ينظّرون ويتهمون ويفتخرون.
            إن المقياس الوحيد لعلاقاتي وعلاقات الحركة مع الناس هو الهدف الصحيح والسلوك الصحيح. فلا يمكن الوصول الى الأهداف الصحيحة مع المسلكية التي مورست من خلال أطراف الصراع في الأزمة اللبنانية.
            أما علاقاتنا مع الجبهة القومية فهي مجرد تلاق في الهدف وفي مرحلة من الزمن عندما كانت تحاول جبهة الأحزاب والقوى الوطنية أن تتخذ قراراتها بصورة عشائرية وبوسائل لا تتفق مع أهدافها المعلنة.
            =يتبع =

            تعليق


            • سيرة الأمام الصدر (حوار 15 ) جزء 2

              س ـ ما هي احتمالات اللقاء سياسياً حالياً، مع الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية؟
              ج ـ سبق وقلت أني لا أعد نفسي رجل سياسة، وإنما أنطلق في تحركي العام من منطلق الإيمان بالله الذي لا ينفصل عن الإيمان بخدمة الإنسان وعن الالتزام بالقيم، ولذلك فإن اللقاء والخلاف عندي لا يمكن أن يكونا نابعين من الظروف، بل يجب أن يكونا منطلقين من المبدأ.
              في ضوء هذه المقدمة، وعندما أستعرض المأساة اللبنانية، أجد فيها الكثير من الممارسات التي لا تنسجم مع الالتزام بالقيم ولو في حد أدنى، مثل الاعتداء على الأبرياء والانتقام الطائفي وإطلاق القذائف على المدنيين وعلى المؤسسات الإنسانية، ثم استعمال الأسلوب التحريضي في الإعلام مع عدم الصدق.
              إن هذه الممارسات حصلت من الحركة الوطنية كما حصلت من الجبهة اللبنانية في خلال الأحداث، وأنا مقتنع أن كثيراً مما حصل لم يكن صادراً بناءً على أوامر قيادية ولكن القياديين تحملوا مسؤولية ما حدث، بل حاولوا توظيف هذه الأعمال على الصعيد السياسي، وهذا معنى المؤامرة لأن القوى التي تآمرت على لبنان وعلى المقاومة الفلسطينية وعلى العرب كانت أكبر من أطراف النـزاع في لبنان واستغلت الثغرات الموجودة في الجبهتين، وكان من المطلوب أن تتبرأ القيادات مما يحدث، ولم يحصل هذا التبرؤ مع الأسف.
              إذن، اللقاء العملي مع أصحاب الممارسات هذه أو مع من تحمل مسؤولية هذه الممارسات، غير ممكن إلاّ إذا أعلنت القيادات يمينها ويسارها تبرؤها مما حدث، وعندما أقول هذا الكلام لا أقصد الإساءات التي مورست ضدي وضد طائفتي والحركة، فإنّ هذه الإساءات تُردّ، كما يعلّمنا القرآن الكريم، الإحسان، عندما يقول: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34).
              وإنما أنطلق من قضية المبدأ لكي أصل الى النتيجة التالية: إن اللقاء العملي مع أطراف النـزاع من دون التبرؤ أو البراءة من الممارسات تلك يتنافى مع إيماننا وقناعاتنا.
              ومن جهة أخرى، فإن أهداف المؤامرة كانت واضحة، وقد أُعلن عنها مرات ومرات، واعترف بها جميع الأطراف، ومع ذلك كانت الأطراف المتنازعة تتابع تشنجها وفعلها أو ردها للفعل، وهذا يفسّر إما بقصور القادة عن رؤية أبعاد تحركهم وإما التورط. وفي كلتا الحالتين لا يمكن اللقاء الاستراتيجي إلاّ مع التبرؤ مما حصل.
              كيف يمكن الدفاع عن المذابح والمآسي والاعتداءات التي تعرض لها الأبرياء والأطفال والنساء، بل والعلماء والأساتذة وغير ذلك؟
              لا أريد من قبلي أن أسد الأبواب. كيف وأنني أبذل الجهد الكبير في سبيل المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة بين المواطنين، ولكني أقول أنه لابد من وضع خطة واضحة لأهداف واضحة، وبسلوكية واضحة تكون الخطة والأهداف والسلوك تختلف عن التي كانت في خلال الأحداث، بل وعن التي كانت قبل الأحداث وأدّت الى الأحداث.
              قد تكون هذه الشروط موسكوبية، وقد لا أكون في تصور الأطراف أملك حق أو إمكان فرض الشروط ولكني أعبر عن ضمير المواطنين وعن مصلحة الوطن العليا وأقول لا يمكن بناء الوطن إلاّ على أساس أهداف إنسانية وبسلوك مناقبي إنساني. س ـ لم تخرج المصالحة الوطنية حتى الآن عن إطار الكلام والشعار. ما هو تصوركم لطريقة إتمامها؟
              ج ـ في تصوري أن المصالحة الوطنية بالشكل العشائري وشعار لا غالب ولا مغلوب وبصيغة الصفاء هي عمل فاشل، وتأخير للحل، وبالتالي تغطية للجرح.
              كذلك فإن المصالحة في ضوء حوار يوضح تفاصيل المستقبل داخلياً وعربياً وخارجياً، أمر عسير لأن الحوار هذا طويل.. طويل، وطالما أن التجارب الاجتماعية في تطور ونمو دائمين، فيمكن أن نقول أن هذا الحوار ليس علاجاً متوافراً للوطن ولا سبيلاً سهلاً للمصالحة.
              إذن لا بد من اختيار طريق منطقي، وهو إجراء المصالحة في ضوء الخطوط العريضة للبنان المستقبل، وطريق تنفيذ هذه المصالحة هي إما بواسطة القمة الروحية، كما ذكرت في بداية الحديث أو عن طريق مبادرة الرئيس الياس سركيس نفسه بأن يستطلع آراء الجميع ويختار الصيغة التي تلبي رغبة أكثرية الشعب اللبناني، ثم يطرح هذه الصيغة على الاستفتاء العام وإن لم يكن وارداً في الدستور، ولكن الاستفتاء هو صانع الدساتير، وليس الدستور هو الذي يسمح للاستفتاء أو لا يسمح.
              س ـ الآراء السياسية متفقة على أنّ اكتمال صورة لبنان الجديد تنتظر اثنين: الاتفاق السياسي وإعادة بناء الجيش. ما هي برأيكم صيغة الجيش الجديد وما هو رأيكم في المرسوم الأخير بصدده؟
              ج ـ الجيش هو العمود الفقري لبناء الدولة، وهو سياج الوطن والبوتقة التي ينصهر فيها أبناء لبنان ليصبحوا مسلكية وهدفاً مواطنين صالحين. إنه درع الوطن والمواطن أمام الأعداء في الخارج وأمام الأعداء في الداخل، وأمام نقاط الضعف والثغرات الداخلية التي تفوق في أخطارها، خطر العدو الخارجي.
              لذلك فإن جيش لبنان في تصوري يجب أن يبقى واحداً يعتمد في اختيار كوادره وقياداته على الكفاءة فحسب من دون أية ملاحظة طائفية، وأهم من ذلك يجب الاتفاق على قضية الجيش التي هي قضية الوطن، بكامل أبعادها، وبوضوح مطلق من دون مجاملة ونفاق.
              أما مرسوم تنظيم الجيش الذي تصوري هو الخطوة الأولى فإنه هو الصورة الكريمة الوحيدة لمعالجة المحنة التي عصفت بالجيش اللبناني، ولا أعتقد أن الوطن بوضعه الحال وبعد مرور الأزمة المأساة يتمكن من إجراء تصفية قسرية أو تسريح لا يليق بكرامة الضباط.
              إن الملاحظة الوحيدة على المرسوم هي الوقت الذي كنا نتمنى أن يكون اقل من ثلاثة اشهر، رغبة في الاستعجال لبناء الجيش السليم.
              س ـ يرتفع بعض الأصوات في الدعوة الى التعددية، ويرى أصحابها أنهم قد يتخلون عنها في جميع المجالات إلاّ في القضية الدفاعية. ما رأيكم؟
              ج ـ إن التعددية صفة مطاطة، يدعم بعض مفاهيمها الوحدة. فالإنسان الجسد مثلاً تعددية أعضائه في الكم والنوع والوظيفة تساعد على تماسك الجسد ووحدته، والعائلة أيضاً. حتى أن المجتمع لو كان أبناءه جميعاً ذوو صفات متشابهة في الشكل وفي الكفاءة وفي الإحساس وفي الطموح.. فإنه لم يكن يتوحد يوماً، حيث أن وحدة المجتمع برغم كثرة أفراده هي بتنوع هؤلاء الأفراد. حيث يحتاج كل منهم الى الآخر نتيجة لتفاوت الكفاءات والأحاسيس والطموحات.
              وهذا معنى المبدأ الفلسفي والاجتماعي المعروف، أن الكثرة في الوحدة، وأن الوحدة في الكثرة وفي لبنان، لا شك أن نوع التعددية يختلف نتيجة لوجود الطوائف الدينية أما في بلاد أخرى، حيث نجد أن مجتمعاتهم تضم متناقضات، في اللغة، وفي العنصر، وفي العقيدة، وحتى في التاريخ. بينما تعددية لبنان ليست تعددية متناقضة، بل إنها متكاملة، فالفرق بين المسلم والمسيحي، مع الأيمان بالله وما يستتبع هذا الإيمان من الالتزام بالقيم ومع وجود لغة واحدة وتاريخ واحد وطموحات مشتركة وحتى مع الشبه الكامل في الشكل واللهجة والحركات والعادات القومية، أن الفرق بين المسلم والمسيحي هو فرق أحد المتكاملين مع الآخر، بينما في البلاد الأخرى حتى في بعض البلاد العربية، نجد المجتمع يضم عناصر متفاوتة في الشكل واللون واللهجة واللغة والتاريخ، حتى أن التفاوت بين الأحزاب من تفاوت إيديولوجي، ومع ذلك فإنّ تلك التعددية توظف في سبيل توحيد البلاد، فكيف بلبنان، البلد الصغير في مساحته والكبير بقوة أهله ووحدتهم.
              = يتبع =

              تعليق


              • سيرة الأمام الصدر (حوار 15 )جزء 3

                يبقى الشرط اللازم لتوحيد الكثرة والتعدد وهو الحرية أولاً، والاحترام والثقة المتبادلين ثانياً، والقضية الوطنية التي تعبر عن الآمال والطموحات وعن الآلام والحاجات وحتى عن المرحلة التاريخية ثالثاً.
                س ـ رفض التعددية، هل يشمل اللامركزية الإدارية؟
                ج ـ اللامركزية الإدارية هي الأسلوب المتطور للإدارة والحكم ولكن يجب أن تكون المحافظات أو الأقضية غير منقسمة بالشكل الطائفي، وبتعبير أدق، لا تكون المحافظات أو الأقضية هي الجبهات المتصارعة.
                س ـ ما الجديد في قضية المهجرين؟
                ج ـ إن المشكلة في طور الحل، وهي في الدرجة الأولى مشكلة أمنية، ولذلك فإنها مرتبطة بضبط الأمن من جهة وبتخفيف التوتر أو ما سمّيناه الحد الأدنى من الوفاق السياسي. وبشكل كلي ومن خلال اتصالاتي أتصور أنّ مشكلة المهجرين منتهية، ولكنها قضية الوقت.
                س ـ كانت القضية الاجتماعية نافذة لكم على المواطنين، هل طرحتموها حالياً على المسؤولين؟
                ج ـ من حسن الحظ أن الرئيس الياس سركيس هو رجل القضية الاجتماعية وانه لم يكن بعيداً عن الحرمان إحساساً وعيشاً ولقد كنت أعرف دراساته التفصيلية عن مسائل التنمية، وشاهدنا أن كلمة العهد الأولى تضمنت بشكل واضح القضية الاجتماعية، ثم أن شخصية رئيس الوزراء من الناحية الفنية تجعل منه رأس جهاز مناسب لاستيعاب المحنة ووضع خطة لعلاجها، ولقد قال منذ يومين أنه مستعد للاستماع والاجتماع بأي وفد يمثل قطاعاً من قطاعات المجتمع المحتاج الى الرعاية وهذا أدنى درجات مراعاة حقوقهم.
                من جهة ثالثة فإن الدراسات التي توضع من قبل المواطنين أو المؤسسات أو تلك التي حصلت التجربة عليها في الخارج يمكن تقديمها الى الحكومة مع التأكيد من أنها لا تهمل. وبكلمة برغم ضخامة المسؤولية الاجتماعية فالأمل يضيء.
                س ـ ما هو موقفكم من اتحاد فيدرالي بين لبنان وسوريا والأردن؟
                ج ـ في حدود معلوماتي أنه لم يطرح حتى الآن موضوع الاتحاد الفيدرالي أو الكونفدرالي مع لبنان، ولكنه مطروح مع غير لبنان من الدول العربية، أما مع لبنان فلا شك أن المسألة بحد ذاتها بحاجة لاتفاق الجميع لا موافقة الأكثرية لظروف لبنان العادية وللظرف الاستثنائي الذي يعيشه.
                إن التجربة الأوروبية التي بدأت بالأمور الاقتصادية الجزئية ثم مع السوق الأوروبية الى جانب مجلس البرلمان الأوروبي واجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين، ثم تلك التجربة التي بدأت بين سوريا ومصر وبتوحيد القيادة السياسية وإيجاد قيادة جبهتين (مصر وسوريا) والتجربة المعاشة بين سوريا والأردن منذ حوالي سنتين بصورة هادئة ومدروسة. إن هذه التجارب هي معالم في الطريق تمنع الارتجال والتشنج والأخطاء.
                أما بصورة مبدئية فلا أعتقد أن أحداً يرفض التوسع في وجوده وفي مساحة عمله، وفي حجم عائلته، وفي السير نحو الطموح الحضاري بتكوين دولة كبرى في الشرق الوسط ناهيك عن التحدي الدائم من خلال وجود إسرائيل.
                س ـ في تقدير بعض المحلّلين أن موقع العرب في الصراع مع إسرائيل صار أضعف مما كان عليه في السابق ألا يؤثر ذلك برأيكم على مسيرة السلام في لبنان؟
                ج ـ إن السلاح الوحيد المؤثر بيد العرب في هذه الفترة الزمنية من التاريخ، هو سلاح التضامن والتنسيق بين الدول العربية وبين شعوبها. كما أن السلاح الفعّال الوحيد بيد العدو الإسرائيلي ليس طائرات الميراج ولا الصواريخ التلفزيونية ولا حتى القنابل الارتجاجية، ولكنه الخلاف في صفوف العرب.
                هكذا راهن مؤسسو إسرائيل، وهكذا دلت التجارب، وهكذا يحكم المنطق البسيط في الحياة. فالعالم العربي واسع وهو إذا كان واحداً فإن العدو ينهار لمجرد وجوده في هذا الخضم من البشر، وبين أنفاسهم. وهنا نصل الى العلاج السهل الممتنع الذي نرجو أن يكون في بدايته. وهنا أتذكر حديثاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث يقول: إن أخشى ما أخافه على أمتي أن تتداعى عليها الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها. قيل: هل من قلة يا رسول الله؟ قال: لا... إنهم كثر ولكنكم غثاء كغثاء السيل.
                وسوف يكون الرهان في المستقبل في الحرب وفي السلام، وفي المفاوضات وبعدها وفي السياسة والحرب والعسكرية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها، سوف يكون الرهان في تصوري على هذا المبدأ.
                أحب أن أختم حديثي بالجنوب الذي بدأنا به لأؤكد للمواطنين أن وضع الجنوب اليوم من دون مبالغة في القول، أو مزايدة في التعبير يقض مضجع كل ذي ضمير، فكيف بالمواطن إذا عرف ماذا يجري هناك، ولذلك فإنني لا يمكنني أن أفهم موقف المتصارعين الذين جربوا حظوظهم في الحرب الأهلية ولمدة سنتين، فوجدوا أن الانتصار صعب ومكلف وليس مطلَقاً. وها هم يتابعون تجربتهم هناك، ولذلك فإني أناشدهم بإسم الوطن، كل الوطن، وبإسم الإنسان في كل مكان أن يعيدوا تقويم المواقف وأن يضعوا خطة تضمن السلام المحدود في الجنوب والانقطاع عن العدو فوراً حتى لا يكون الجنوب ورقة رابحة في يد العدو يستعملها ضد لبنان فيساوم، وضد العرب فيضعف، وضد العالم فيفرض مزيداً من الشروط.
                إن وضع الجنوب إدانة للجميع، وسوف يحكم التاريخ من خلاله ومن خلال المواقف تجاهه، ولا شك أن حكم الله أصرح وجزاؤه أوفى وعذابه أخزى.

                تعليق


                • سيرة الأمام الصدر (مقال 4 )

                  الموضوع : مقال افتتاحي ـ يا رسول الله.. جبل عامل يدفع الآن ثمن السلام اللبناني قتلاً وتشريداً وخراباً.
                  المكـان : بيروت ـ 30/3/1977
                  المناسبـة : ازدياد أعمال العنف في الجنوب وارتفاع وتيرة وعنف الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في أشخاصهم وممتلكاتهم.
                  ـ الــنـــص ـ
                  عيد مولدك الشريف يأتي حاملاً طهر النبوة، وذكريات مضيئة عن الإنسان الجديد الذي ولد على يديك، وصنع على عينك من خلال رسالة الله التي حملتها ونوراً ورحمة للعالمين.. الإنسان العزيز القوي الرسالي الذي حمل إلى عالمه الكرامة والهدى والنور، أقام حضارة إنسانية لإنسان يتكامل فيه العقل والقلب والروح والجسد.
                  يا رسول الله.
                  عيد مولدك الشريف يأتي حاملاً معه الذكريات إلى عالم شوهت إنسانه، باسم الحرية، أو باسم النظام، حضارة مادية صمّاء فيها العقل وفيه الجسد، وليس لها من القلب ومن الروح نصيب. وحولت هذا الإنسان إلى آلة حية تُنتج السلع وتسوقها وتستهلكها.. وغدا جل همه أن ينتج، ويسوق ويستهلك، وينتج من جديد.. في حمى من الاندفاع المجنون ملكت عليه أقطار فكره ونفسه وجملة كيانه.. وإنتاج هذه السلع وتسويقها، واستهلاكها هي الشغل الشاغل لكهنة هذه الحضارة من السياسيين ورجال المال والأعمال وخبراء التخطيط والاستراتيجية هؤلاء الكهنة يبتكرون الأزمات للأوطان وللمجموعات الإقليمية ويشعلون الحروب "المحدودة" أو يطبقون مبدأ "السيادة المحدودة" ويشوهون إنسان هذه الأوطان باسم السلعة والخامات الأولية. لقد غدا الإنسان عبداً للسلعة، للصنم الذي صنعه.
                  أين طهر النبوة يا رسول الله من قذارة واقع الإنسان الآن؟ وأين الإنسان العزيز القوي الرسالي الذي شيدت أسس بنيانه ووضعت مداميك أركانه من الإنسان المستعبد بغرائز جسده وروح العدوان فيه، وقد تطلعت كوابحها فيروحه وقلبه، والذي يفسد الإعلام الحديث والإعلان الحديث وخطط كهنة الحضارة: كل صالح في داخله وكل طاهر في أعماق كيانه.
                  ونحن يا رسول الله، في العالم العربي نتلقى منذ عقود كثيرة من السنين سياط هذه الحضارة المادية الصماء، ذلك حين جاءتنا رسل هذه الحضارة وقد انطفأت فينا أو كادت، الشعلة المباركة التي أوقدتها رسالتك، فتحولت عندنا العبادة إلى طقوس بدل أن تكون اتصالاً حياً واعياً بالله، وعملاً يمتد على مساحة الحياة كلها، وتحولت عندنا المعرفة إلى ترداد أبله لنصوص الأقدمين بدل أن تكون اقتحاماً مستمراً للمجهول وحركة دائمة التدفق في العقل، وقد تمثلت هذه السياط في استعمار العالم الثالث كله، ونحن منه، وقد نهب هذا الاستعمار الثروات، وأذل الأوطان، وعطل حوافز التقدم والانبعاث السليم في الإنسان، وعمل ولا يزال يعمل جاهداً ليجعل هذا الإنسان نسخة مشوهة عن إنسانه وصورة باهتة من بنيانه.
                  وحين أحس هذا الاستعمار أن عهده أوشك أن يغرب، لان القوى المذخورة التي حفلت بها رسالتك، والحوافز العظيمة التي أطلقها قرآنك وتعاليمك ستطلق نحو النور ونحو الآفاق الجديدة العظيمة إنسانك الجديد في صورة جديدة تتفق مع متغيرات الزمان حين أحس الاستعمار بهذه القوى التحويلية تعمل عملها، جمع نفسه في بؤرة واحدة هي إسرائيل التي كونها الغرب والشرق والتي اجتمع على تأييدها وإحيائها الرأسمالية والشيوعية لتكون العصا الغليظة في العالم العربي، تحطم فيه كل وحدة، وتخنق فيه كل رغبة في الانطلاق نحو المستقبل، وتحصر همه في الحفاظ على الوجود وتمنعه من التطلع إلى ما وراء البقاء البيولوجي الصرف،وحين استطاع العالم العربي في ساعة نادرة من ساعات التاريخ، ويوم فريد من أيام الزمان أن يستشير في أعماقه قبساً من روحك، ويصل نفسه بسبب من تعليمك، فيتحدد ويعمل، ويضع إسرائيل في رمضان سنة 1973 على شفا الهاوية فيمتلك ناصية مصيره، ويضع يده على مقدرات كيانه حين وضع العالم العربي نفسه على عتبة المستقبل بهذا النحو اخترع كهنة الحضارة ما هو اشد هولاً من إسرائيل، إنه التمزيق الكامل والشتات المطلق لتكون إسرائيل هي عملاقة الحضارة هنا بين أقزام الدويلات والإمارات التي أريد لأوطاننا أن تتحول إليها.. فكانت حرب السنتين في لبنان لتكون فاتحة حروب أخرى مشابهة في هذا الوطن العربي أو ذاك. ودفع لبنان، في هذه الحرب، في غمرة رهيبة من جنون أبنائه، ومن مأزق أشقائه الذين أرعبتهم الجمرة الشيطانية اللبنانية فلم يمدوا لنا يداً لإطفائها خشية أن تمتد إلى أوطانهم دفع لبنان ما لم يدفعه شعب في التاريخ على الإطلاق قتلاً للأبرياء، وتشويهاً للعقول والنفوس ولكل ما هو نبيل في الإنسان، وخراباً هائلاً في العمران.. وهكذا دفع لبنان على مدى سنتين وعلى هذا النحو الرهيب ثمن السلام العربي.
                  ولكن العرب ثابوا أخيراً إلى أنفسهم وواتتهم الشجاعة على أن يضعوا يدهم على الجمرة اللبنانية ليطفئوها، فكانت مبادرة سوريا النبيلة إلى إطفاء نار الفتنة، وتلا ذلك قمة الرياض والقاهرة المباركتين، وكان نتيجة لهما السلام اللبناني..
                  ولكن السلام اللبناني لم يكن كاملاً.. فجنوب لبنان، جبل عامل يا رسول الله، جبل العلماء والعباد والزهاد، جبل الإنسانية والشهامة وروح الإبداع.. جبل عامل يدفع الآن ثمن السلام اللبناني. يدفعه قتلاً وتشريداً وخراباً في أبنائه ومدنه وقراه.
                  ولقد صمد أبناء الجنوب بإباء وبسالة أمام عدوان إسرائيل وأمام إغراء إسرائيل، لم يهنوا ولم يلينوا وآثروا أن يهاجروا على أن يستسلموا في الواقع الذي فرضته عليهم إسرائيل وإهمال الدولة.
                  وهكذا هاجرت النخبة من أبناء الجنوب إلى كل بقعة من لبنان، فغرسوا في كل مكان من لبنان حبهم لكل بنيه، و وضعوا كل ثقتهم في دولته التي كانوا يؤمنون أنها دولة. فلم يحصروا أنفسهم في قطاع يتفق سكانه معهم في الدين، ولم يدخلوا في حسابهم عندما هاجروا حقائق الديمغرافيا، وإنما انتشروا كماء الحياة في كل لبنان وساهموا بعملهم الشريف في أعمار كل لبنان.. وحين فاجأتهم فتنة السنتين لم يجدوا في الدولة ما كانوا يأملون لأنه لم تكن هناك دولة، كان ثمة شبح خدع الناس الطيبون زمناً طويلاً. ولكن مصيبة الجنوبيين لم تقف عند هذا الحد، فقد كانت تنتظرهم مصيبة أعظم، ذلك انهم لم يجدوا بين إخوانهم في الربانية ما يصونهم ويرعاهم، فتعرضوا وما زالوا لنكران الجميل وللدس وللافتراء. ولقد دافعوا عن أنفسهم وكرامتهم وعن قضيتهم ببسالة وتضحية، وبذلوا الكثير الكثير بالرغم من أن الفتنة قد احتوتهم بنارهم دون أن يكونوا عل استعداد لمواجهتها. وغامروا بكل شيء فاتحين قلوبهم مع ذلك لكل صيغة كريمة من صيغ المواطنية ولا يزالون ولكنهم غلبوا على أمرهم، فتعرضوا للتهجير من جديد على أيدي ذوي القربى، على أيد لبنانيين مثلهم، ولكن إلى أين …؟ إلى القرى التي خرجوا منها في تهجيرهم الأول، وأهملوا شأنهم فيها حين استقرت بهم الحياة في بيروت وضواحيها وأهملت الدولة البائدة شأنها، فخرج أكثرهم الآن إلى الفراغ.. إلى الضياع، بعد أن فقدوا ما جنوه بعرقهم وكدحهم الذي وصلوا به الليل والنهار.
                  وضـمد أبناء الجنوب، جبل عامل، جراحهم، وعاشوا بعد التهجير الثاني على فتاب الصدقات يا رسو ل الله، ومرّ عليهم وعل أطفالهم الصغار عام 1396ـ1397 (1976ـ1977م) لهجرتك الميمونة، وأكثرهم دون مأوى كريم، ودون عيش كريم، ودون ما يقيهم قسوة الشتاء من لباس أو غطاء.
                  ولم تمر عليهم فترة عذابهم هذه دون أن يكونوا هدفاً لاستغلال حقير بشع من بعض أبنائه العاقين والغرباء عنهم، الذين اشتركوا في الفتنة وكانوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون جزء من المؤامرة وأدوات في يد المتآمرين الكبار، فاتخذوا المهجرين سلعة يتجرون بها، وعملوا على تضليلهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وعملوا عل استغلال عريهم وجوعهم وحاجتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
                  إلاّ أن المهاجرين يا رسول الله تحملوا وصبروا صبراً جميلاً، لأن الأمل كان يحيي موات نفوسهم، ولأن الأمل كان يبلسم جراح قلوبهم، ولكن ها هو شعار الرجاء ينطفئ والأمل يتحطم، فها هم المهجرون ينضم إليهم من لم يبتل بالتهجير في الماضي، يواجهون تهجيراً ثالثاً عن الجنوب من جبل عامل اللبناني إلى بيروت من جديد.. إلى بيروت الخربة المليئة بالمهجرين. وها هم يتجهون إلى ضياع مضاعف جديد.. لماذا..؟ لأن على الجنوب أن يدفع ثمن السلام اللبناني هذه المرة.
                  من هم أدوات التهجير يا رسول الله؟ لن أقول كلمة في هذا الشأن، فيعظم حزنك. سيعظم حزن أخيك رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام. ولا أقول شيئاً عن رسول الله موسى بن عمران عليه السلام. فنحن ومواطنونا المسيحيون أتباعه وأولياؤه، وليس لمن يدعون أتباعه من الصهاينة نصيب من الصدق، فقد كفروا به وبكل ما جاء به من رسالته المباركة المقدسة كما أخبرنا بذلك وحي الله تعالى إليك وإلى نبي الله أخيك عيسى بن مريم عليهما السلام.
                  وغدا الجنوب يا رسول الله فرصة للسياسيين يعلنون فيها عن أنفسهم بالكلمات، وينفسون فيها عن أحقادهم بالمناورات، ويطمسون فيها معالم المأساة بتبادل الاتهامات.
                  وغدا الجنوب يا رسول الله أكبر من قضية لبنانية. وأكبر من قضية عربية. لقد غدا قضية عالمية تعني دول كبرى.. هل هو كذلك يا رسول الله؟ لا أدري!. هل يقولون عنه هذا القول ليغطي مشعلوا الفتنة فيه أدوارهم فلا تتوجه إليهم أصابع الاتهام..؟ لا أدري! ولكن يا رسول الله، لا يزالوا في الأفق أمل كبير، ففي الخرطوم اجتمع أبناء من بررة أبناءك، وفي القاهرة اجتمع بررة من أبنائك من قمة العرب، وهم بإذن الله قادرون على أن يطفئوا جمرة الجنوب كلها كما أطفئوا الجمرة الكبرى في الأمس القريب.. فهل يفعلون؟.
                  إن عشرات الألوف من المعذبين في الجنوب من الرجال والنساء والأطفال، من الجرحى والأرامل والأيتام، من المشوهين والثكالى.. هؤلاء الذين تأكل نار الفتنة في الجنوب كل وجودهم.. إنهم جميعاً يستصرخون ضمائر قادة العرب الأبرار أن يفعلوا شيئاً من أجل الجنوب، ويضعوا حداً للفتنة البشعة فيه فيعود إليه السلام وتعود الألفة والمحبة بين أبنائه جميعاً إلى ما كانت عليه في الماضي القريب.
                  إن الجنوب لا يريد مالاً ولا معونات، إنه يريد السلام، السلام فقط. وجبل عامل، بجهد أبنائه قادر على بناء نفسه وعلى ضمد جرحه.
                  يا رسول الله..
                  أنت قلت: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى إليه سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
                  أبتهل إلى الله تعالى أن يلهم أبناءك الأبرار من قادة العرب في لقائهم المبارك قبساً من هداك وإثارة من مزاياك ويسدد خطاهم في سبيل خير العرب أجمعين، فيدركون أن لا سلام في لبنان ولا سلام للعرب ما دام الجنوب يشتكي، وان بلوى هذا العضو الحبيب من لبنان تمتد بحماها إلى سائر العرب في جميع الأوطان.
                  والسلام عليك يا رسول الله في ذكرى مولدك المبارك، و على جدّك إبراهيم، وعلى أبيك إسماعيل، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. والحمد لله رب العالمين.

                  تعليق


                  • سيرة الأمام الصدر (حوار 16 )جزء 1

                    الموضوع : حوار صحفي ـ الخلاف في الرأي والأنتماء بين المسلمين والمسيحيين لم يكن سبباً من أسباب القتال.
                    المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية ـ 7/5/1977.
                    مقدمـة : هل انتهت الحرب اللبنانية؟ هل هناك مؤامرة؟ ألم يكن بالإمكان تفادي ما حدث؟ هل وقع الطلاق بين المسلمين والمسيحيين؟ أين أصبح موقع لبنان؟ كيف يصبح الولاء وطنياً لا طائفياً؟ ماذا حلّ بالوجود الفلسطيني المسلح؟ ما هي حرب الجنوب؟ ما هو دور سوريا؟ أين قصر العرب مع لبنان؟ وما هو دور الغرب في الأزمة؟..
                    هذه الأسئلة المهمة وغيرها طرحتها "النهار الدولي العربي" التي بدأت تصدر في باريس على سماحة الإمام السيد موسى الصدر، وقد أجاب سماحته عليها على الوجه التالي:
                    ـ الــنـــص ـ
                    س ـ هل في الإمكان القول الآن أن حرب لبنان انتهت وزالت أسبابها، وأن لا حرب بعد اليوم؟
                    ج ـ إن الحرب اللبنانية انتهت. أما ما نعانيه في الجنوب وفي بيروت وغيرهما فهو ذيول الحرب. والحقيقة أن الأسباب التي دفعت البلاد إلى الانفجار، زال بعضها والباقي منها لا يكفي للعودة إلى الحرب، وخلال الأجوبة القادمة نتحدث عن تفاصيل هذه الأسباب.
                    س ـ هناك من يؤكد أن لبنان كان ضحية مؤامرة متشعبة الأطراف والأهداف، فهل كانت هناك مؤامرة بالفعل؟ وما هي أغراضها؟
                    ج ـ إن المؤامرة كانت بارزة للمراقبين وبصماتها كانت على الأحداث مشهورة: فالأسلحة والذخيرة وجميع مستلزمات الحرب، ونفقات المقاتلين ومختلف شؤون القتال كانت فوق إمكانات الأطراف المتحاربة وفوق طاقات أنصارهم في العالم. والنظام الدقيق في مجالات الإعلام، التعبئة النفسية: المخابرات، التموين، شؤون الجرحى، وحتى المصادرات، هذا النظام لدى الجبهة اللبنانية تجاوز المستوى المعروف لديها.
                    كما أن الإعلام الفلسطيني المكتسح للعالم، وتجاوب المؤسسات الإعلامية العالمية معه كانا دليلين على القوى العالمية المتورطة في الأحداث اللبنانية، حتى أن الإعلام السوري وحلفاءه في العام ضعف وتضائل في تلك المرحلة تجاه الإعلام الفلسطيني.
                    وهنا ندرك بوضوح أن الصراع كان بين قوى خفية تفوق في إمكاناتها جميع أطراف الصراع في لبنان وإنها مؤامرة عصفت بلبنان.
                    ومن جهة أخرى كان المراقب يشاهد حدوث الانفجار دون أمر من القيادة السياسية ودون علم منها، وحث ذلك مرات عديدة ولدى الجانبين الأساسيين. ولكن القيادات كانت تبادر إلى تبني الانفجار وتحاول تثبيت سيطرتها على القاعدة المقاتلة تمهيداً للاستثمار السياسي.
                    ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة بوجود الفوضى وتوفر المنافع الذاتية لدى بعض العناصر من المقاتلين لان تكرر الظاهرة واستمرارها بانتظام، حتى أصبحت عادة ينتظرها المواطن ويتحدث البعض عنها قبل حدوثها، أقوى من تكرر الظاهرة لم يكن يترك لتفسيرها بالفوضى أي مجال.
                    ومن جهة ثالثة فان العلاقات بين الفئات اللبنانية بعضها مع بعض، وبين بعض الأطراف اللبنانية والفلسطينية، خلال ربع قرن الأخير كانت تتحرك في إطار معروف لا تخرج عنه: تتوتر وتنفجر وتهدأ وتتحسن.
                    ولم يكن بإمكان أحد أن يتوقع تحول هذه العلاقات إلى مثل الذي حدث في الأزمة، ولذلك فان الأطراف المتحاربة، تجيد القتال وتبادل الاتهامات، ورغم العزل السياسي الذي مورس، كانت تقوم باتصالات جانبية في محاولات يائسة للحل.
                    وأوضح معالم المؤامرة كانت النتائج المرتقبة التي نجمت عن الأحداث وثبت بوضوح خسارة جميع الأطراف. كانت القيادات السياسية تعاني صعوبة بالغة في إقناع القاعدة بصوابية الاستمرار في المعارك حتى أن الجميع دون استثناء وفي جميع الجولات كانوا يتهمون، وكل يحمل الآخر مسؤولية البدء بالحرب. إن هذه النقاط الأربع بعض العلامات التي تؤكد وجود مؤامرة وراء الأحداث.
                    أما الأغراض فقد كانت متشعبة، من أطراف متعددة، لبنانية، فلسطينية، إسرائيلية ودولية، التقت في اختيار المجتمع اللبناني لتنفيذها، واختارت الظرف المناسب.
                    فبعض الأطراف اللبنانية كان يقصد من التفجير، إثبات النظرية القائلة بضرورة التمايز السياسي للمسيحيين عامة وللموارنة خاصة في المجتمع اللبناني، وذلك بسبب الاضطهاد المزعوم للأقليات في الشرق العربي، بالإضافة إلى وجود التفوق الحضاري لدى الموارنة. وقد كانت هذه النظرية مرفوضة من قبل الأكثرية المارونية وغالبية المسيحيين.
                    وبعض التنظيمات الفلسطينية المتطرفة، كانت ترى في تأزم الوضع بلبنان عنصر ضغط على العرب والغرب باتجاه القضية الفلسطينية، حتى أن عبارة "فتنمة" لبنان وتحويل الجبل إلى "هانوي" وغيرها كانت تراود أحلام البعض منهم وكتبها وناقش الآخرون حولها.
                    ولا شك أن بعض الدول العربية أرادت إسقاط النظام اللبناني الذي تراه لغماً موقوتاً في العالم العربي ونظامها يصنف المواطنين.
                    والبعض الآخر منها أراد خلق المتاعب لسوريا، وحاولت فئة ثالثة منها إضعاف اليسار العربي وتصفيته في لبنان.
                    ولكن الموقف العربي العام كان يتلخص بالإلتهاء والغياب بوجه عام. ولعل الكثير من قادة العرب لم يكونوا يدركوا بعد المؤامرة وخطورتها على الجميع، رغم تصريحاتهم المثيرة. والواقع أن صراعاً عربياً عاماً كان يمنع بروز إرادة عربية موحدة تضع حداً للمأساة وتحول دون مرور المؤامرة دون رادع كاف.
                    أما إسرائيل فقد كانت منذ هزائم 1973 المتنوعة تنتظر الفرصة لإنزال ضربة قاسية على العرب وبعد أن منعت من شن حرب صاعقة على سورية في أوائل 1974 بواسطة الولايات المتحدة، وجدت الفرصة الذهبية لها في لبنان، خصوصاً وقد كان لبنان بتعايش أبنائه سنداً قاطعاً يدين فلسفة الوجود الإسرائيلي العنصري.
                    فالهزيمة الإسرائيلية بدأت بعدم الانتصار العسكري في الحرب، واقترنت باستعمال سلاح النفط الفتاك، تلته هزائم سياسية في إفريقيا وأوروبا عندما قاطعتها 26 دولة إفريقية، واختارت اكثر الدول الأوروبية طريق الحياد، بعد أن كانت منحازة لإسرائيل.
                    وجاء إخراج إسرائيل من منظمة اليونسكو، ثم اعتبار الأمم المتحدة الصهيونية نوعاً من أنواعا العنصرية، جاء هذا ليلحق هزيمة أيديولوجية بإسرائيل تجعلها على أبواب الانهيار.
                    ومن الطبيعي أن تبنى لبنان قضية الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة وإعطاءه الحرية الإعلامية والسياسية والعسكرية للثورة الفلسطينية، كان يحرض إسرائيل لإنزال ضربتها عليه.
                    أما الغرض من المؤامرة الدولية يهدف إلى تأديب لبنان بسب مواقفه ومواقف صحفه، كما كان يهدف إلى ترويض المقاومة الفلسطينية، وإلى فرض قبولها بالحلول المطروحة آنذاك.
                    ولا شك أن سوريا كانت هي الأخرى هدفاً دولياً للمؤامرة بسبب مواقفها الرافضة، وإذا أمكن ضرب المقاومة الفلسطينية على أيدي سوريا فان هذا هدفا مثالي للمؤامرة.
                    ولا ننسى المطامع الدولية الأخرى في ساحل البحر المتوسط والرغبة في الحصول على قواعد. وكانت هذه المطامع تزداد وتعم كلما استمرت الأزمة وتعمقت!...
                    س ـ ما هو دور الصراعات والتناقضات اللبنانية في الحرب؟ وهل كان هناك خلاف في الرأي وفي الانتماء بين المسيحيين والمسلمين؟ ثم ألم يكن بالإمكان تفادي ما حدث؟
                    ج ـ إن التناقضات الاجتماعية اللبنانية كانت الأرضية الملائمة للحرب، وكان الفقراء في الأطراف وقود المعارك والعمود الفقري لصفوف المقاتلين.
                    أما الصراعات السياسية في لبنان، وهي لا تقف عند حد المصالحة الوطنية ولا ترتبط بالسلوك الأخلاقي السليم إطلاقاً، أما الصراعات هذه فقد جعلت بعض السياسيين في لبنان أداة المؤامرة، كما جعلت الحل اللبناني اللبناني مستحيلاً، وأصبحت الحاجة ماسة إلى قوة غير لبنانية.
                    وفي حدود معلوماتي، لم يكن الخلاف في الرأي والانتماء بين المسلمين والمسيحيين سبباً من أسباب القتال.
                    أما إمكانية تفادي ما حدث فكانت تحتاج إلى ثغرات داخلية كثيرة، وهذه بدورها كانت تتطلب وعياً وجرأة وإخلاصاً لم يكن يتمتع بها جميع أو بعض قادة لبنان.
                    فقضية الحرمان والتصنيف الطائفي، والإقطاع السياسي واستغلال الحرمان، وعدم وضوح العلاقات اللبنانية الفلسطينية واستغلالها سلباً أو إيجاباً من قبل بعض الزعماء، وكذلك عدم مكاشفة القادة لقضايا الوطن والمنطقة مع الناس، وغير ذلك كانت ثغرات في المجتمع اللبناني لم يكن بإمكانها الصمود أمام هذه المؤامرة الكبرى التي كانت مدروسة بدقة.
                    = يتبع =

                    تعليق


                    • سيرة الأمام الصدر (حوار 16 ) جزء 2

                      س ـ هل الطلاق بين المسيحيين و المسلمين (أي التقسيم) هو الحل الوحيد، أم أن إعادة النظر في الأسلوب السياسي وصيغة التعايش هي الحل؟
                      ج ـ ليست في لبنان في رأيي مشكلة في التعايش بين الطوائف لكي تحل بالتقسيم. فعمر التعايش هذا يعود لقرون متمادية، ولا علاقة للنظام أو الصيغة به. إنه أصبح جزءاً من تكوين اللبناني.
                      س ـ على ما كان الخلاف الذي فجّر الحرب؟ وعلى ما سيكون الاتفاق الذي يؤدي إلى سلام دائم؟
                      ج ـ الخلاف لم يكن سبباً للحرب، بل كان أرضية الحرب بنتائجه الاجتماعية والسياسية كما أشرنا إليه في الجواب الثالث، ولذلك فان البناء الطبيعي للمجتمع الذي يضمن الحريات وتكافؤ الفرص والعلاقات الطبيعية مع العرب، ستخلق مجتمعاً متماسكاً لا تبقى فيه ثغرات تعبر منها المؤامرات.
                      س ـ إلى أي متى تغير لبنان، بفعل الحرب ونتائجها، وطنياً وعربياً؟ وأين اصبح موقعه السياسي في محيطه وفي العالم؟ وما هو الدور الذي تختارونه له؟
                      ج ـ الحرب يمكن أن تغير لبنان، ولكنها كفيلة بكشف الزيف والثغرات الموجودة فيه، وهذا ما نرجوا حدوثه أو زيادته بعد الحرب، رغم استمرار التصريحات المشنجة.
                      إن دور لبنان وموقعه السياسي من محيطه ومن العالم حضاريان، وتأمين الدور هذا والموقع يتمان بالعدالة الاجتماعية، بالحريات السياسية، بالعروبة الحضارية، وبتنظيم الوحدة الوطنية المتميزة بسبب الطوائف العديدة، مما يجعل الطوائف نواة حضارية، لا حواجز مجتمعة.
                      س ـ يكثر الحديث في هذه المرحلة عن لبنان الجديد. كيف تنظرون إلى هذا اللبنان الجديد؟ هل بإعادة بنائه على أسس وقيم ومبادئ جديدة؟ أم بتلميع الماضي واكسائه بأسماء جديدة؟
                      ج ـ لا اعتقد أن لبنان ما قبل الحرب كان مبنياً على أسس، بل كان في الواقع تعايشاً موروثاً منذ قرون في صورة الجوار، أُضيفت إليه مؤسسة سطحية سميت بالدولة لم تكن أكثر من عنصر حفظ المعادلات السياسية بين الزعماء لا بين الطوائف.
                      ولذلك لا نجد من استقلال لبنان حلاً شرعياً لاي قضية وطنية أو قومية كبرى، بل نرى قوانين وأنظمة وضعت لتسيير الأمور الجارية ولتهدئة الأزمات العابرة أو لتأجيلها.
                      إن لبنان الجديد يجب أن يبني مجتمعاً ينسجم مع عبقرية المواطن وطموحه، لا أن يحددها، وهذا لا يتم إلاّ بخلق ساحة عمل للمواطن تكون اوسع من الوطن، كما لا يتم إلاّ بتوفير الفرص لجميع المواطنين الذين تشكل طاقاتهم المجمدة ثروة لبنان الأولى.
                      إن المجتمع الواحد، الذي يضمن الحريات والعدالة والثقة المتبادلة والعلاقات التامة بينه وبين محيطه، تلك التي تفتح آفاق العمل للمواطنين بعض أركان لبنان الغد.
                      ولا شك أن القيم المسلكية ضمانة نجاح أي مجتمع، وبخاصة لبنان وطن الإنسان.
                      س ـ ولبنان الواحد، من الناقورة إلى النهر الكبير، كيف يكون ليستمر من غير حروب وخضات؟ كيف تبنى مؤسساته: "الجيش، التربية، الاقتصاد، الثقافة، العدالة"؟
                      ج ـ إن لبنان، رغم امتداده من الناقورة إلى النهر الكبير، بلد صغير نسبة إلى البلاد الأخرى، ولا صعوبة في إقامة مجتمع سليم على أرضه دون خضات، بل أن وجود المواطن الذي ساهم طويلاً في بناء الوطن يجعل الوجود مثل هذا المجتمع فيه اسهل من غيره. فالجيش الواحد ذو رسالة وتربية وطنية واحدة واقتصاد حر مبرمج (لا احتكار حر كما كان) وثقافة وطنية شاملة تضاف إليها ثقافات اختيارية أخرى والتي تكون مبنية على ثقافة أصيلة وطنية واحدة يساعد تنوعها على التبادل والوحدة، والثقافات المتعددة التي تخلق التناقض من دون القاعدة الثقافية الأصلية.
                      أما العدالة فلا بد من تعميمها بمعناها الشامل والمتطور، وهي تشمل المجالات القانونية والاقتصادية والسياسية وحتى المعنوية وأسلوب التعامل، سيما من الدولة ضرورية.
                      س ـ كيف يصبح الولاء للبنان وطنياً لا طائفياً؟ وكيف يصبح كل لبناني منتمياً إلى لبنان أولاً وأخيراً؟ لا إلى طائفته أولاً وأخيراً؟
                      ج ـ إن تسعين في بالمائة من الأبحاث المطروحة حول الولاء الوطني، في تصوري هي حرب إعلامية ومبادلة للتهم وتبرير لمواقف سياسية متطرفة، وإلا فالولاء الوطني لا الطائفي هو الحد الأدنى من شروط المواطنية وهو متوفر سابقاً وحالياً ومستقبلاً.
                      ويقابل هذه الاتهامات نوع آخر من الاتهام بانحصار الولاء في قسم من لبنان أو بالرغبة في عزل لبنان من منطقته، وهي جميعها تجن على المواطن اللبناني الذي هو من أكثر الناس ولاء لوطنه ولا يقبل عنه بديلاً.
                      ولكن لا بد من أن نركز على نقطة أساسية وهي ضرورة تحسس المواطن بأن وطنه حصنه وكرامته وساحة جهده وصيانة أولاده يجب أن يعطي الوطن للمواطن أكثر مما تعطيه طائفته، وبذلك نعمق مفهوم الولاء ونعطيه بعداً إنسانياً.
                      س ـ هل هناك مكان للديموقراطية البرلمانية في لبنان الجديد، وأية برلمانية؟ ما مصير الحريات، من حرية الرأي والفكر إلى حرية الاقتصاد؟
                      ج ـ لا لبنان بدون الحريات السياسية، وهذه بدورها تعتمد على حرية الفكر والرأي، وذلك لأن التعايش الوطني هو غير علاقة الجوار، وهذا التعامل الوطني لا يتم دون احترام وثقة متبادلين، وهما لا يحصلان بدون الحريات السياسية. ولا فرق كثيراً بين أنواع الديموقراطيات.
                      أما الاقتصاد الحر فيجب أن نميزه في المجتمع وفي ضل مصالح المجتمع عن الحرية الاقتصادية الفردية، ولذلك فلا بد من صيانة حرية اقتصاد المجتمع بحماية المستهلك وبمنع طغيان رأس المال وبمكافحة الاحتكار وببرمجة الاقتصاد. والمهم في لبنان بالذات صيانة الحرف والمهن الصغيرة وذلك للاحتفاظ بإبداع المواطن وطابعه في صناعته وإنتاجه.
                      إن لبنان يفقد الشيء الكثير عندما نسمح للصناعات الآلية الكبرى بان تقضي على الصناعات اليدوية، والنصف آلية، تلك التي تحافظ على ملامح صانعها وتعتبر من إبداعه.
                      س ـ بعد حرب السنتين، ماذا حل بالوجود الفلسطيني المسلح، وهل انتهت الإشكالات الحادة والتناقضات الصدامية في العلاقة بين السلطة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية؟ وهل استعاد لبنان كامل سيادته على كامل أراضيه؟
                      ج ـ لا شك أن المقاومة الفلسطينية أصيبت بنكسة كبرى في لبنان، وهي في نتائجها كانت أشد من محنة أيلول 1970 ولكنها بقيت موجودة ولم تصف كما كان الهدف من المؤامرة.
                      أما سيادة لبنان فقد تنازلت عنها السلطات، ولذلك فان مسؤولية غياب السيادة مشتركة، وطريقة عودتها أيضاً مشتركة.
                      أما الإشكالات فلا بد من حلها من خلال تعاون وثيق يعتمد على وحدة موقف المحاور اللبناني والمحاور الفلسطيني، وهذا الحل لم يحصل حتى الآن، ولكنه في موقع ليس لبنان بعيداً عنه.
                      س ـ اتفاق القاهرة، هل يبقى صالحاً لعلاقة سليمة بين لبنان والفلسطينيين. وان لم يكن فما هو البديل؟
                      ج ـ لا بد من بديل لاتفاقية القاهرة، ولكن الظروف الصعبة تمنع قبول الفلسطينيين بالتخلي عن اتفاقية القاهرة، والاتفاق على البديل والتوقيع عليه وضمانته.
                      ولا بد من اخذ الظروف المستجدة، وهي كثيرة جداً لوضع البديل.
                      س ـ حرب الجنوب ؟ ما هي هذه الحرب هل هي جزء من المؤامرة على لبنان أم أنها استمرار للحرب القذرة؟
                      ج ـ إن حرب الجنوب هي جزء من الحرب اللبنانية القذرة مع تغيير في المكان، وبالتالي فهي استمرار للمؤامرة أيضاً.
                      إن أطراف الصراع وأهدافه ومسلكيته وتضرر المباشرين به جميعاً هي تلك التي كانت جارية خلال سنتين. والفرق الوحيد هو انكشاف إسرائيل، وبتعبير أدق هو لا بد من بروز للدور الإسرائيلي في الساحة.
                      إنها مؤامرة متشعبة الأطراف، تنفذ من الثغرات اللبنانية بغياب العرب وصراعاتهم، ولكن الغياب هذه المرة يختلف عن المرة السابقة، فإسرائيل تهدد قوات الردع التي كانت حلاً للأزمة، والمطلوب ضغط العرب السياسي والاقتصادي لفرض دخول هذه القوات إلى الجنوب.
                      وبانتظار دخول الجيش اللبناني الذي قد يتطلب بضعة أشهر تطول مأساة لبنان وأبناء الجنوب خاصة، وهي مأساة في حجمه تعادل مأساة كل لبنان.
                      مئات الألوف من الأبرياء في الجنوب يتحركون كالرمال المتحركة دون أن يعرف السبب لمحنتهم، بالإضافة إلى القتلى والجرحى والدمار والجمود الاقتصادي والكارثة.
                      لا يمكن إقامة السلام الكامل في لبنان، ولا البناء السليم للمؤسسات قبل أن تحل المشكلة في الجنوب.
                      س ـ ما هو دور سوريا في إعادة السلام اللبناني؟ وكيف تنظرون إلى هذا الدور؟ وأين ترسمون حدوده؟.
                      ج ـ إن دور سوريا بوجه عام منذ بداية المحنة كان دوراً شريفا وطبيعياً، وكان بديلاً عن الحل الإسرائيلي أو الدولي الذين كانا بداية تقسيم.
                      وعندما يرى المواطن تضحيات الجيش السوري وضحاياه من أجل الأمن اللبناني يدرك مدى نبل هذا الدور وتأثيره العميق في العلاقات المستقبلية.
                      ورغم الأخطار الجزئية المتزايدة، فإن الأيام ستكشف عن أهمية هذا الدور.
                      أما حدود هذا الدور فينتهي مع بناء المؤسسات الوطنية ووضع المواطن اللبناني في موقع الخيار ليرسم تفاصيل العلاقات بين لبنان وسوريا.
                      س ـ العرب، أين قصروا خلال الحرب اللبنانية؟ ماذا كان ينتظر منهم لبنان أيام مأساته.. ولم يفعلوا؟ ولماذا تراهم قصروا؟ ماذا ينتظر لبنان السلام من العرب الذين قصروا مع لبنان الحرب؟
                      ج ـ كان ينتظر من العرب موقفاً موحداً كالذي حصل في الرياض منذ بداية المحنة. ولعل السبب في تأخيرهم هو عدم استيعاب الخطورة المبالغة للأزمة.
                      ولا شك أن جناحاً من المؤامرة جعل الأزمة اللبنانية معروضة عليهم بصورة مشوهة كان من أسباب هذا التأخر.
                      أما دورهم في السلام فهو دورهم في الحرب، موقع وموقف موحد إلى جانب شقيق لهم جريح طالما ساعدهم وسيتمكن من أداء دوره في المستقبل.
                      س ـ والغرب، ما دوره؟ من أميركا إلى فرنسا مروراً بالفاتيكان؟
                      ج ـ والغرب، الحضارة لا الاستعمار مدين للبنان حتى اليوم. فالتعايش ثروة لهم أيضاً، وتصدعه يصدع التعايش في أفريقيا، ثم في العالم كله، بالإضافة إلى خلل كبير يحصل في العلاقات الدولية وفي العلاقات العربية الأوروبية بالذات.
                      الغرب الدولي كان ذا موقف إيجابي بوجه إجمالي، ولكنه من خلال بعض مؤسساته وشركاته وبعض أجهزة إعلامه ساهم في تسعير المحنة.
                      كنا ولا نزال نطلب من الغرب دوراً أكثر فعالية لوحدة لبنان لتقليل الضغط الإسرائيلي ولمساعدة لبنان في بناء المؤسسات، وخاصة دور الولايات المتحدة لا يزال في منع إسرائيل ومن تمكين دخول قوات الردع كبير.
                      وأما الفاتيكان فقد اعتبرت لبنان ذا أهمية حضارية وإيمانية كبرى وتصرفت على هذا الأساس، وهذا موقف المؤسسة التي يخفق بين جوانحها قلب المسيح المخلص.
                      س ـ أي الكلام لديك إلى اللبنانيين اليوم، كلام الحرب أم السلام؟
                      ج ـ لا مجال إطلاقاً لأن ينتظر اللبنانيين كلاماً أو دعوة أو تراضيا للمساهمة في السلام، عليهم أن يتفقوا ويقتحموا الساحات، ويضعوا حداً للمتطرفين، يضعون مكاسب الحرب على موائدهم ويهضمونها، وللمتفرجين الذين يعرفون خطورة الوقت وأهميته والأيادي المهزوزة أو المعوجة التي ترغب في وضع الحجر الأساس بصورة مغلوطة من جديد.

                      تعليق


                      • سيرة الأمام الصدر (خطاب 13 ) جزء 1

                        الموضوع : خطاب ـ نكرّم علي شريعتي، لأننا نعتبره تجسيداً لأصالة الفكر الثوري.
                        المكـان : قاعة الرشيد في كلية العاملية ـ 14/8/1977.
                        المناسبـة : في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده أقامت حركة المحرومين احتفالاً شعبياً في قاعة الرشيد وكانت الكلمة الأولى لسماحة الإمام الصدر.
                        المقدمـة : المفكر المناضل المؤمن الشهيد الدكتور علي شريعتي كرم في حفل لم يسبق له مثيل، وذلك في قاعة الرشيد بالعاملية صباح الأحد الماضي، في حفل تأبيني، دعت إليه تسع عشرة منظمة ثورية مؤمنة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا وكندا.
                        وحضر الحفل جمهور كبير من علماء الدين وأساتذة الجامعات ومختلف الطبقات.
                        وكان في جملة الحضور السيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس حركة "فتح"، والإمام السيد موسى الصدر، وعميد كلية الحقوق، وآل الفقيد. وقد غصت القاعات بالحضور.
                        افتتح الحفل بآي من الذكر الحكيم ثم قدم فضيلة الشيخ محمد يعقوب الأمام الصدر بكلمة قال فيها:
                        في زمن الكساد والطقس الدنيء والردة على الأبواب، كان شريعتي فعل عطاء ورمز انبعاث وارتقاء، رعدا في عالم من السكون وسراجا منيرا في بحر من الظلام.
                        في زمن التسول الفكري والغيبوبة الروحية كان علي شريعتي خط جهاد وفيض رسالة: لغة إلهية يحوكها على نول الوجود التزاما واصالة، من معجن السماء خبز الفقراء ومن صحراء محمد (ص) لهيب الرجاء، ومن نهج علي عدالة وعزيمة ومضاء، ومن طيف الحسين شهادة ومنطق فداء.
                        من قلب المعاناة، من صميم المأساة، من لهيب العاصفة، في عمق التحدي، في تزواج الفعل مع الكلمة، في مضاء العزيمة، في ألف الرسالة، في زهد الشرفاء، في طهارة الأتقياء، في ثورة الرجاء، في معقل الفداء يتبدى في حلكة الليل إشعاعه هدى ووفاء، ملتزماً بالنضال المؤمن الهادف، أما حقيقته للفقراء المضطهدين والجائعين والمشردين يسمح بكفاحه عن وجوههم عرق المهانة والذل والتاريخي ويقود مسيرة الحق في دروب الجلجلة وآلامها، يصفع وجود الطغاة أصنام المال والحياة والجاه والأمجاد الزائفة، قائد مسيرة حركة المحرومين سماحة الإمام السيد موسى الصدر.
                        ـ الــنـــص ـ
                        أولاً: خطاب سماحة الإمام الصدر
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه، وخاتم رسله محمد، وعلى أنبياء الله المرسلين. وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
                        إخواني العلماء، أخي إحسان، السيدة الجليلة حرم فقيدنا الكبير، أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله.
                        لماذا نحتفل؟ لماذا نجتمع، فنقيم احتفالاً يضم رجالاً ونساءً، مناضلين ومناضلات، يضم رجال دين يضم رجال فكر وها أنا أرى أمامي، عميد كلية الحقوق، الدكتور محمد فرحات، والأخ الدكتور منير شفيق، وقادة الفكر الملتزم.
                        لماذا نجتمع فنحتفل؟ ما لنا وللدكتور شريعتي؟ وماله ومالنا؟ في الواقع، أن إنساننا الطامح، عندما ينظر في الأفق، فيرى أن وضعه وحياته ومجتمعه لا يرضى طموحه، يتطلع إلى الأفق ويعزم على التغيير. هذا الإنسان الذي يقول عنه الحديث الشريف:"أكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل". تعبيراً عن معاناة الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم، ولا يكفيهم ما هم فيه من الوضع المهتريء. فيعانون من المستفيدين في المجتمع أكثر وأكثر بنسبة طموحهم، وبعد تطلعهم.
                        نحن ننظر إلى الأفق لكي نرى وضعنا اليوم، وفي المنطقة، وفي العالم، فلا نجد في هذا اليوم، كما لم نجد أمس، ما يرضينا، ما يرضي طموحنا، ما يقنعنا. وهنا يختلف الناس فئات:
                        فئة تستسلم للوضع الحاضر، تذوب فيه، تسايره، تجامله، تفلسفه، تتعاون معه. هؤلاء الضعاف لسنا منهم، ولا يشرفنا أن نلتقي معهم.
                        فئة أخرى، تفوق الفئة الأولى، لا تقبل بما يجري في المجتمع. ولكنها تتهرب من المواجهة، تهاجر، تسافر، تختار مجتمعاً آخراً، تختار أميركا، أوروبا، آسيا، هنا وهناك. تفتش هذه الفئة عن الملجأ، عن المهجر. هؤلاء أقوى من الفئة الأولى ولكننا لا نقبل سيرتهم، ولا نكتفي بموقفهم. أما الفئة الثالثة هم أقوى من الفئة الأولى المستسلمة .
                        أما نحن لم نكن لنقبل أن نكون من الفئة التي تستسلم للوضع الحاضر. ولا من الفئة التي تهرب ولا تواجه. والدليل على ذلك ما أنتم فيه، فقد وجدتم أنفسكم في مأساة فقد قائد فكري كبير، غريب، يعتصركم الحزن والألم، فإذا بكم يتحول الحزن والألم، فإذا بكم يتحول لقاؤكم إلى مهرجان فرح وسرور. كما يحضر قائد الثورة ورمز الشعلة المتقدة الأخ أبو عمار.
                        وهكذا ترفضون أن يتغلب الموت عليكم، ويخيم الحزن على قلوبكم، ترفضون الاستسلام، وتفتشون لتحويل هذا الحزن إلى البشائر. والخسارة إلى الربح، والوجوم إلى التصفيق.
                        إذاً لسنا من الفئة المستسلمة للوضع الحاضر، ولا من الفئة التي تغيب فلا تواجه الوضع الحاضر.
                        هناك فئة ثالثة، ترى أجواء بلدتها، ومنطقتها، وبيتها لا ترضيها، فتفتش عن التغيير. وهناك فئة من هؤلاء الراغبين في التغيير، من الساعين إلى التغيير، من الذين لا يستسلمون إلى الوضع الحاضر، فئة منهم تواجه فتغير. وكنها تستعمل سلاح الغير. تختار سلاح الأحزاب، بعض الأحزاب التي لا علاقة لها بأرضنا. هذه غير الفئة الأولى والثانية. فالذي يسعى في سبيل التغيير، ولكن يختار خطاً غير النهج المتفق عليه، يكون كما يقول الإمام علي (ع) "ليس الذي طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصاب".
                        نحن لسنا معهم، وإن كنا نحترم شأنهم، ونعتبرهم شباناً طامحين، أرادوا التغيير فأخطئوا في الوسيلة.
                        نحن هنا، وجدنا أن أفقنا لا يرضينا، مجتمعنا الداخلي، عالمنا العربي، موقعنا في العالم الثالث لا يرضى طموحنا، لا ينسجم مع إيماننا، لا يتفق مع مبادئنا. وأول مظاهر إيماننا، الإيمان بالله اللامتناهي. فطموحنا لا متناه، وإيماننا بالحق والعدل لا متناه إذاً مهما عظمت المصاعب في الداخل والخارج، لا يمكننا أن نقبل. نحن نشاهد عالمنا العربي، ويعز علي أن أقول، أن عالمنا العربي، وما نشاهد في الأجواء، أمر لا يشرفنا. فنحن نشعر بالذل والهوان عندما تتحكم فئة إرهابية في حياتنا، وفي حياة منطقتنا. عندما يريد أن يتحكم إرهابي فيحول إرهابه إلى قضية، ويحول القضية المقدسة إلى الإرهاب، ويجد في العالم مسامع تسمع، وقلوباً تقتنع، نحن نشعر بالألم. نحن عندما نحاسب ونحتسب، ونفكر في عالمنا العربي، فنرى أن وزير خارجية أميركا يأتي ويذهب، ويقابل ويلاقي، ويفشل. ثم يحاول ويطلب المزيد من التنازلات، وأي تنازلات يمكن أن يقدمها العالم العربي اليوم، أكثر مما حصل؟ ومع ذلك كله، ومع إبراز النية الحسنة أمام العالم، ومع إبراز الموقع الإيجابي اقتصادياً، و"بترولياً وسياسياً، وحربياً، مع ذلك تشعر بأن العدو، المتبختر، المتكبر، يستعلي علينا، ويستعلي على قادتنا، وزعمائنا، ورجالنا، وممثلينا.
                        نشعر بالألم، فنرفض هذا الواقع بكل قوة. ولا يمكن أن نقبل بهذا الواقع، حالاً ومستقبلاً، إن تمكنا من التغيير فوراً، أو لم نتمكن، المهم أن نضع الخطوة الأولى في سبيل الألف ميل، وفي طريق الألف ميل للتغيير. إذاً الجو العربي، لا يرضينا، ولا ينسجم مع طموحاتنا، وتضحياتنا، وتاريخنا، فنريد التغيير.
                        جونا الداخلي، مرت علينا، هذه الفترة الطويلة، بعد التذابح والتقاتل، بعد الحرب القذرة، التي لا انتصار فيها لأحد، بعد المعركة التي فرضت علينا دون سبب، ودون نتيجة، ودون نجاح، ولا تزال تجد فئات هنا وهناك، تحاول الاستسلام أو تحاول الاستمرار في التشنج، وكأن التجربة المريرة المزعجة لا تكفيهم. جونا الداخلي نشعر بأنه لا يرضينا، ولا يقنعنا ولا يشرفنا القبول به.
                        جونا العالمي، في نفس المستوى، في كل منطقة، في بيوتنا، في مناطقنا، في حركاتنا، في نشاطاتنا، في تجمعنا، نجد النقص هنا وهناك. فهل نستسلم؟ كلاّ هل نهاجر؟ كلاّ هل نختار إيديولوجية الآخرين؟ هل نعترف بإفلاسنا؟ كلا.
                        لذلك نفتش في الأفق، لكي نجد ثورة من طبيعة أرضنا وسمائنا، ثورة فكرية ترتبط بقلوبنا، وتراثنا وإيماننا. فإذا اخترنا واحترامنا علي شريعتي، فلأنه يفلسف، ويبرر، ويشرح، ويلقي أضواء على السلاح الفكري الذي امتشقته هذه الأمة في تاريخها المجيد، بقوة وحزم، وتمكنت أن تغير به جاهليتها بالنور، وكفرها بالإيمان، وتشتتها بالتوحيد، وذلها بالقوة، وشقاءها بالرحمة، وتخلفها بالسعي لتقدم الآخرين. هذه التجربة الناجحة، التي تبرز من خلال كلمات علي شريعتي ورفاقه، ثورة فكرية كبرى نحترمها. كما نحترم "فتح" وثورة فتح. لماذا؟ لا لمجرد أنها ثورة حق. ولا لمجرد أنها تسعى في سبيل تحرير الأرض المقدسة فحسب، بل أكثر من ذلك، نحن نحترم فتح لأنها ثورة أصيلة، ليست مستوردة ولا مقتبسة ولا محاكاة. ثورة من صميم هذه الأرض، ومن وحي هذه السماء، من هذه المنطقة المباركة. ثورة هي في الصراط المستقيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. هذا ما نقر ونعتز، ولذلك بها نتمسك.
                        ولذلك نقف، ونعتز ونحترم هذه المناسبة الكريمة، التي يكرم فيها علي شريعتي، ومن خلال علي شريعتي يكرم الفكر الأصيل المؤمن، الفكر الذي يتمكن من استقطاب العالم، كل العالم، ومن تحريك الطاقات المجمدة، الموجودة في المعابد والمحلات والبيوت. تلك الطاقات الهائلة، المكدسة، المهملة، التي يمكن أن تعمل فعلها في تغيير مجتمعنا، عندما تتحول إلى حركة مؤمنة، مناضلة لتغيير المجتمع.
                        نحن نعتز، ونعترف. وها نحن نجتمع لنكرم هذا الفكر الأصيل. لنكرم الفئة الرابعة غير المستسلمة، ولا المهاجرة، ولا المقتبسة، بل أصحاب الثورة الأصيلة، الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم. أخذنا من علي شريعتي في حياته، وها نحن نأخذ من علي شريعتي في وفاته. وفاته هي التي تجمعنا.
                        الثورات المؤمنة، المناضلة، الأصيلة، من فلسطين إلى لبنان، إلى أقطار آسيا وإفريقيا إلى إريتريا، إلى زنجبار، إلى زيمبابوي، إلى الفليبين، إلى إيران... إلى كل مكان، هذه الثورات الأصلية التي تشكل الفئة الرابعة، أو فلنسمه العالم الرابع. كانوا يسموننا العالم الثالث، ونحن بموقعنا الطبيعي من العالم الثالث، لأننا لا نخضع للجبارين، ولا نقر بتقسيم العالم بين القوتين بالإفلاس فتقتبس فكرة وإيديولوجية من هنا وهناك، وفئة ترفض أن تعترف بالإفلاس وتعتمد الفكر الأصيل، والإيديولوجية الأصيلة، من أرضها وسمائها وتتقدم فيها.
                        إذن! أخذنا من الدكتور شريعتي، في وفاته، لقاء هذه الحركات المناضلة المؤمنة، فشعرنا بقوتنا في عصر الغربة. وشعرنا بقوتنا في وقت الضعف. وها نحن نلتف حول بعض، كرموز تمثل عالماً واسعاً، مرتبطاً بالجغرافية، وبالتاريخ الناجح. بل مرتبطاً بالسماء والأرض، بقلب ملتق مع الإيمان بالله، الذي هو ينبوع الفكر، وينبوع النضال. نشعر بقوة بعد جرح، وبعد محنة، وبعد ضعف. نشعر بقوة وأصالة عندما نلتقي في هذا اللقاء المبارك. إذن! لشريعتي فضله في حياته وله وفضله في وفاته أيضاً.
                        = يتبع =

                        تعليق


                        • سيرة الأمام الصدر (خطاب 13 )جزء 2

                          أيها الأخوة الأعزاء
                          نحن في مجتمعنا، نستعرض الوضع العام، نجد أن المؤمنين بالله، نجد أن الأبطال المناضلين، يجب أن يلتقوا، ويتعاونوا، ويخلصوا، ويعلموا، ويختاروا، وإلا فأنهم محاربون في عقر دارهم. وها نحن نشاهد في لبنان، بعد المحنة الكبرى، التي عانيناها خلال السنتين الماضيتين، والتي وقفنا فيها موقف الدفاع عن الوطن، عن وحدة الوطن، عن عروبة الوطن، عن قضية الوطن. عن قضية فلسطين في هذا الوطن.
                          عندما وقفنا هذا الموقف، دون أن نريد علواً في الأرض ولا فساداً، مددنا للتعاون، ولا نزال نمد اليد للتعاون. ومع ذلك، نشاهد أن العالم يستضعفنا، وينقل خلافاته إلينا، ويحاول أن يشتت شملنا، ويفرق جمعنا، ويضعف قوتنا، ويدق الإسفين بين صفوفنا.
                          أيها الأخوة الأعزاء
                          أكثر ما يمكن أن يضعف به الإنسان والمؤسسة والحركة، أن تشعر بالتشتت، والتمزق. وحدة صفنا، تكوين جبهتنا، لقاؤنا، أتصور أن لا بديل عنه في موقعنا. ألا يكفينا ما وصلنا إليه في هذه الفترة؟ أما سمعتم أيها الأخوة الأكارم، أن رئيس وزراء إسرائيل يقول أرجو الانتباه أن السلاح الإسرائيلي هو الذي حمى المسيحيين في جنوب لبنان، ومنع إبادتهم. هل نقبل نحن، في لبنان مسلمين ومسيحيين، بهذا الطرح؟ هل هذا صحيح؟ نحن خلال ألف سنة، أو أكثر، نتعايش، نتآخى، نتعاون، نتداول، ننام ونأكل في بيوت بعضنا البعض، وفي قرى بعض، مشتركين متعاونين. أين كانت إسرائيل قبل قرن أو أكثر؟ نحن كنا أخوة. سلاح إسرائيل هو الذي فرقنا وليس هو الذي دافع عنا، أو دافع عن المسيحيين. بالعكس كانوا يراقبون الأحداث حتى إذا هدأت، يبعثون عصابات وأسلحة لإعادة التفجير في بلادنا.
                          إذا كانت ذاكرة بعض الناس ضعيفة، فهناك من يذكر. اسألوا صحاب الغبطة، البطريرك خريش، الرجل الطاهر الصادق الأمين. عندما كان قساً في يافا وعكا وحيفا. سيطرت إسرائيل وتأسست دولة العصابات هناك، في البداية، فرقت بين المسلمين والمسيحيين، وقالوا للمسيحيين لا علاقة لنا بكم ولا ضير من قبلنا عليكم. نحن نخاصم المسلمين حتى طردوا المسلمين. وبعد ذلك جاؤوا إلى المسيحيين، ففرقوا بين الموارنة والكاثوليك والروم، ثم فرقوا بين فئاتهم ثم سبوا جميعاً وأخرجوا جميعاً. هذا الذي سمعته مرة ومرتين وثلاث من البطريرك.
                          على من يضحك عدونا رئيس وزراء إسرائيل؟ من الذي خلق المشكلة الطائفية في لبنان؟ نحن كنا نتعايش. نحن كنا منذ ثلاثة سنوات، بالضبط في وقت يشبه هذا الوقت، كنت أنا ألقي عظة الصيام في كنيسة الكبوشيين. وكاد أن يلقي خطبة الجمعة رجل دين مسيحي في بعض المؤسسات. من الذي وصل في تعايشه وتعاونه إلى ما وصل إليه اللبنانيون ولا يزالون؟ من الذي خلق الطائفية غير العدو الإسرائيلي؟ هل نحن نقبل؟ وهل نلبي؟ هل نسكت؟ كلا! علينا أن نرد على هذه المزاعم. فنضع أيدينا بعضاً ببعض، لبنانيين، وفلسطينيين، وسوريين، والعرب. نقف لمواجهة هذه المرحلة الخطرة، التي تعادل في سمومها تاريخ اليهود المظلم. وتفوق في خطورتها جهنم، التي تعيش في قلب "بيغن" ورفاق "بيغن" في إسرائيل. إلى أين وصلنا؟ هل لا تزال فئات منا، ولأسباب خاصة ولمصالح سياسة، تحاول أن تعتدي؟ وأن تعض على الأصابع؟ وأن تأخذ من هنا وهناك؟ كلا! لقد آن لأن نتفق، ولأن نلتقي، ولأن نؤجل خلافاتنا، ولأن نعالجها بالحوار المطلوب حتى نتجاوز ونتخطى هذه المرحلة الخطرة.
                          ماذا يريد بعض أشقائنا منا؟ عندما تتجاوزهم مشاكلهم فينقلون هذه المشاكل إلى جنوبنا، إلى مناطق أخرى، فيتصرفون، ويخلقون الصعوبات والمشاكل للمقاومة الفلسطينية وللبنان. وقد وصلنا أكثر من كل ذلك.. إلى أن بعض الدول الشرقية أيضاً استضعفتنا وبدأت تلعب في أمعائنا. ففي كل يوم نسمع إماماً ومؤسسة. وفي كل يوم نرى أن هناك زعماً في التعاون والمساعدة. وفي كل يوم نسمع إماماً ومؤسسة. وفي كل يوم نرى أن هناك زعماً في التعاون والمساعدة. وفي كل يوم نسمع أنهم يريدون خيراً للشيعة، لو أرادوا خيراً للشيعة لم اعتقلوا الطالقاني. ولو أرادوا خيراً للشيعة، لما اعتقلوا كبار قادة الفكر في إيران. إن المخابرات الإيرانية هي تضطهد الشيعة، وتمزق الشيعة وتخلق منا ما لا نقبل. نحن لا نقبل بهذا الشيء. هل نحن نسكت ونقبل بما يمزقنا ويمزق أحشاءنا؟ كلا! لا نقبل ذلك. صحيح أننا نتعرض للصعوبات، والاعتداءات وللمشاكل، وكلننا أيضاً لا نزال نملك دماً يدافع، وهمة ترفض، وقولاً يقول: لا. كيف كان تاريخنا؟ كيف كان قادتنا؟ كيف كان رجالنا؟ أولئك الذين كانوا وحدهم في التاريخ؟ وكانوا يقولون لإمبراطوريات العالم: لا! لا!
                          نحن لا نقبل هذا الشيء. نحن نشاهد كل يوم، وأنتم تشاهدون. القضية لا تحتاج إلى السكوت وإلى البحث. تشاهدون فئات هنا وهناك. مشايخ هنا، وإماماً هناك. جبهة هنا، وتنظيمات هناك، تتحول وتشجع، وتضع كل ثقلها وهمها، لتمزيق صف الشيعة. ماذا يريدون منا؟ نحن أخذنا طريقنا: طريق النضال. طريق علي والحسين. طريق الحق. طريق الاستقرار. طريق رفض الطغيان، طريق قوله: لا.
                          بلد الوعي والنضال، بلد النموذج الرسالي في العالم، بلد الوحدة الوطنية، بلد الصراع في سبيل الأفضل، بلد الهجرة المناضلة، بلد المنطلق لأقدس ثورة.. ثورة فلسطين. لا يمكن أن نقبل أن رجالاً صغاراً، لا يملكون إلا ثمن البترول، ولا يملكون إلا اللؤم والدس والفتنة، يدخلون إلى بيوتنا، وفي صفوفنا لكي يمزقونا، ويخلقوا منا محاور وفئات هنا وهناك. شعبنا مطلع على ذلك. وطائفتنا مطلعة على ذلك. وطائفتنا شاهدت أيام كانوا يتهمون علياً بالغيبة، ويوماً كانوا يتهمون علياً بالمرح، ويوماً كانوا يتهمون الحسين بالخروج على إمام زمانه، ويوماً كانوا يضللون هنا وهناك.
                          لو لم يكن من أية ميزة! ميزة النضال تقترب إلى ميزة الإدراك. ألسنا قوم الاجتهاد نحن؟ يعني إداراك الوضع الحاضر، واكتشاف الوضع الحاضر والعمل! هذا هو الأساس.
                          لا! لا يمكن أن يؤثر فينا سهمهم، وأن تمر فينا مؤمراتهم. نحن لهم بالمرصاد، فيذهب العملاء والمأجورون، ولو لبسوا لفات. فليذهب العملاء والمأجورون ولو سموا أنفسهم أئمة. فليذهب الصغار والأقزام إلى جهنم. جهنم المال، جهنم الفساد، جهنم الميوعة. فليعلم الناس هذا! أصحاب علي والحسين، أنهم لو كانوا يهتمون بالشيعة والتشيع، لو كانوا يعتنون برجال الدين والعلماء، لو كانوا يهتون بالعلم والفقه والفضيلة، لما أدخلوا مئات الألوف في سجونهم. نحن نرفض هذا. وهذا رفض جديد أمامنا.
                          أخواني الأعزاء!
                          نكرم بأشرف صورة فقيدنا الكبير الدكتور شريعتي. ولا شك أننا، في هذا المكان، عندما نلتقي بالشعلة المتقدة، كما قلنا، نشعر أن في هذا عزاءً لأهله، وعزاءً للشبيبة المؤمنة التي شعرت بالحرقة الكبرى في وفاة فقيدنا الراحل. كما أن ذلك عطاء آخر منه في يومنا العصيب. فلنلتق! أيها الذين يرفضون الوضع الحاضر ولا يهاجرون، والذين لا يقتبسون سلاماً من الآخرين. فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا ولا يهاجرون، والذين لا يقتبسون سلاماً من الآخرين. فلنقف، ونلتقي، ونغير حاضرنا اللبناني والعربي، والعالمي، بالحكمة والوعي، وعدم السماح للأيادي الخبيثة أن تلعب في أمعائنا، ولنضع كلبنانيين أيدينا بعضاً مع بعض. ولنضع كأخوة مناضلين، أصحاب قضية واحدة، فلسطينيين ولبنانيين، أيدينا بعضنا مع بعض. ولنضع كعرب، يدنا في أيدي بعضنا، حتى نضع حداً للكبرياء الذي نعانيه والذي نحس به، والذي نقرف منه، ونشعر بأنه لا يتناسب مع كرامتنا، وكرامة تاريخنا. فيداً بيد! ووجها إلى جانب وجه! وعقلاً إلى جانب عقل! وقلباً إلى جانب قلب، متصلاً بواسطة الإيمان إلى ينبوع العقل والفكر والعلم، إلى الله سبحانه وتعالي، فإلى الله.

                          والسلام عليكم

                          تعليق


                          • سيرة الأمام الصدر (رسالة 2 )

                            الموضوع : رسالة إلى اللبنانيين ـ أيها اللبنانيون! هبوا لإنقاذ وطنكم، فلا الصديق ولا الشقيق ينوب عنكم في عملية الإنقاذ .
                            المكـان : مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـ 15/8/1977.
                            المناسبـة : بمناسبة بدء شهر رمضان وجّه سماحة الإمام السيد موسى الصدر هذه الرسالة إلى اللبنانيين من التلفزيون ونشرتها الصحف صباح اليوم التالي.
                            ـ الــنـــص ـ
                            أيها اللبنانيون..
                            في ليلنا الكئيب الرهيب الذي لبث طويلاً وتجاوز كل حد، يطلع فجر أمل جديد، يكشف الطريق ويكتب على جبين الأفق أبعاد المحنة وسبل الخلاص، وتفاصيل الوسائل.
                            ها قد أقبل علينا شهر الله، رمضان المبارك، حاملاً معه فرص التأمل والرؤيا الواضحة وطرق الانتصار للإرادة الخيرة ولتقرير المصير، ويتقدم بذكرياته المشرقات شواهد وتجارب من التاريخ القريب والبعيد.
                            وفي هذه السنة تقترن بداية رمضان بذكرى عظيمة مؤثرة في حياتنا هي عيد انتقال العذراء مريم (ع) سيدة النساء، تقترن البداية حتى يضاعف الشهر هداياه الى الوطن المعذب بتقديم مقارنة سماوية تعكس اقتراناً وطنياً على الأرض.
                            ولكم كان الوطن بحاجة الى رمضان ليكون محطة في طريق المستقبل، ومنعطفاً يطوي صفحات الماضي القريب وذيولها ليضعها في عالم التجارب والعبر.
                            فالمواطن يتطلع الى الآفاق ويراها مغطاة بالضباب المكثف الذي يحول دون رؤية المستقبل السعيد وإشراقته. وينتقل المواطن الى الأنفس ويشعر بالجروح الدامية، ويتذكر المفاجآت الفاجعة.
                            ثم يعود الى ما حوله ليرى في مجتمعه ركوداً وهولاً وآلاماً من شدة وقع التآمر الذي عصف به.
                            ويشاهد المواطن أن محاولات مضنية تجري من قبَل قادته المخلصين، وأن الليل والنهار يتواصلان في مكاتبهم، ثم يرى أن الشاعر العربي عبر عن هذا الوضع إذ قال: "فكيف بيانٍ خلفه ألف هادم".
                            وهكذا يمضي المواطن أيامه بين الآلام والمصائب، وبين الحيرة والقلق، يراوح في مكانه، وتذوب آماله وتبيض عيناه من التطلع والانتظار.
                            ثم يقبل شهر رمضان يضمه بحنانه، ويخصّه بكرامة الله ويضعه أمام فرصة كبرى جديدة من نفحات الدهر عليه أن يغتنمها ويتعرض لها.
                            أيها الاخوة المواطنون.
                            حرب سياسية عشناها عشرات السنوات وحرب عسكرية سيطرت على بلدنا مدة سنتين أو اكثر، وحرب إعلامية لا تزال مستمرة.
                            وفي محاسبة النتائج نجد أيادينا فارغة إلاّ من الآلام والخسائر وإلا من تلمس حقيقة واحدة وهي استحالة الانتصار. وأن العالم القريب والغريب، لا يسمح بتغيير المعادلات.
                            وعندما نشاهد تجارب وقف إطلاق النار عشرات المرات، وتجارب نقل المعارك من مكان الى مكان، ومن زمان الى زمان، وتجارب عض الأصابع، عندما نشاهد هذه وغيرها من التجارب لا نجد أن النتيجة كانت أفضل.
                            وها نحن قضينا حوالـي السنة، والحرب انتقلت من هذه المناطق، وكان المطلوب في كل لحظة أن نبدأ بالبناء ولا نزال نبحث في الحوار وفي الوفاق، وفي المصالحة، وفي اللقاءات، وفي الجبهة العريضة وفي.... ولا نزال نحس بالآلام والمصائب ونشعر بالقلق والحيرة.
                            ونعود الى القواسم المشتركة والمعادلات السابقة، وندرسها بالرؤى الثابتة ونضيف إليها أسوأ ما أفرزته الحرب وهو تراكم آثار الحرب السياسية والعسكرية والإعلامية على الأفكار وعلى الرجال والمواقف، وبخاصة على الجسور والأوتاد التي كانت تمسك أطراف الوطن، والتي كانت رموز الوحدة في محيط الكثرة.
                            وفي هذا الخضم ننتقل الى شهر رمضان، شهر الوحي الإلهي، والصيام والابتهال، شهر الذكريات المجيدة في بدر وحنين وفتح مكة والدخول في القدس، شهر القدر وبناء المصير، شهر المعاناة المشتركة والمؤاساة المباشرة. فشهر رمضان هو شهر الفرص، ومع كل فرصة يمكننا علاج مشكلة وتضميد جرح.
                            فمع الصيام، وما يستتبع الصيام من انفتاح في القلب والعقل، نعيد النظر في الأحداث والأشخاص والمواقف فنحظى برؤية واضحة لتقييم الماضي، ولتخطيط المستقبل. المستقبل الذي لا يمكننا الفرار من مواجهته، ولا تأجيل البحث فيه، ولا إهماله والتساهل في أمره.
                            ومع استعراض الذكريات تعود الثقة الى النفوس والى السعي، وتلمس معاني الآية الكريمة.. {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ . وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:59ـ60).
                            سيما وأن الصيام يهيئ الأسباب، فيعلمنا الصبر والجلد، ويعمق الشعور بالمسؤولية الجماعية وتحسس آلام الاخوة، أولئك الذين أبعدوا من ديارهم بغير حق، والذين لا يزالون يحترقون، رغم نهاية الحرب، بنار الجوع والمرض والتشرد والسلاح.
                            ومع حلول القدر ندرك أن مصير المستقبل رهن إرادتنا، وأن ما نعانيه مهما كان قاسياً فإنه قابل للتغيير إذا أردنا.
                            ويدعم هذا الإدراك معاني انتقال العذراء، حيث أن اللانهاية في الكمال وفي الطموح تصبح ممكنة بالجهود والتفاني والإخلاص.
                            أيها اللبنانيون..
                            لن يحصل الخلاص إذا لم تبادروا بالسعي نحو الخلاص.
                            ولن تعثروا على وطنكم إذا لم ترتفعوا فوق جراحكم ومصالحكم ووجهات نظركم.
                            لا الشقيق ولا الصديق يمكنه أن ينوب عنكم فيمارس عملية الإنقاذ. بل إنه المساعد والملبي إذا أردتم وإذا طلبتم. وحتى الله ينصركم عندما تنصرونه.
                            وها فرصة الشهر العظيم، وقد تعاظمت إرادة الخير، وتوفّرت شروط الخلاص، وتزود الكثير منكم بعقول منفتحة وقلوب صابرة متحسسة، ومعكم الله سبحانه.
                            هبوا للإنقاذ،للالتفاف حول القيادة المسؤولة الشرعية،للتسامي واللقاء،
                            لتجاوز العقبات،للنظر في الماضي والمستقبل برؤية مخلصة وجديدة
                            ولبناء الوطن من جديد.

                            تعليق


                            • سيرة الأمام الصدر (حوار 17 ) جزء 1

                              الموضوع : حوار صحفي ـ ضمان إسرائيل للمسيحيين أشبه بضمان الذئاب.
                              المكـان : بيروت ـ 22/8/1977
                              المناسبـة : تفجر الوضع في الجنوب بعد أحداث الشوف وتصريح بيغن "أن إسرائيل عملت وتعمل على حماية المسيحيين في لبنان" دع الإمام الصدر إلى تنبيه اللبنانيين وخاصة الجنوبيين من الوقوع في الفخ الإسرائيلي فكان هذا الحوار.
                              ـ الــنـــص ـ
                              س ـ كيف تقيمون وضع الجنوب اليوم؟
                              ج ـ لا شك أن الجنوب أولاً يعيش مأساة إنسانية تتجاوز في أبعادها وفي محنتها كل حد، لأن غياب السلطة واستمرار الآلام التي كانت متفجرة في لبنان، بالإضافة الى قرب إسرائيل، إلى جانب عوامل أخرى هي أن وضع الجنوب أقرب أكثر فأكثر إلى أن أصبحت المشكلة دولية، وفي نفس النسبة يبتعد عن أفق رؤية الناس الأمل في نهاية المأساة.
                              إذن المأساة البشرية كبيرة جداً. الناس يعيشون حالة قلق، فقر، عدم تمكن من ممارسة نشاط اقتصادي اجتماعي، وعدم أمن، والموت والتشرد وقصف مفاجئ وغير ذلك.
                              ومن الناحية السياسية، وضع الجنوب وضع مقلق لأن سيطرة الأطراف المعنية التي أوقعت مجازر لبنان غير متوفرة في الجنوب.
                              في مناطق لبنانية أخرى، رغم استمرار الحرب، تمكنت قوة الردع العربية، أو بتعبير أصح وحدة المواقف العربية تمكنت من إيقاف المجازر. بينما في الجنوب هناك عامل غير عربي، وغير لبناني، هو إسرائيل. لذلك حتى توحيد العرب لا يتمكن مباشرةً من إيقاف المجازر، وهذا مما يجعلنا نتأكد أن إسرائيل معنية باستمرار التوتر في الجنوب، كورقة ضغط ضد العرب من جملة أوراق الضغط الأخرى التي هي بيد إسرائيل.
                              لذلك، بشكل عام، يمكننا أن نقول أن الوضع في الجنوب مأساوي وخطر جداً.
                              س ـ ما هي أبعاد هذا الخطر؟
                              ج ـ أبعاد الخطر:
                              ـ إنسانياً: استمرار المأساة
                              ـ سياسياً لبنانياً: إن الوضع المتوتر في الجنوب يحول دون إمكانية السلام في لبنان. حوالي سنة تقريباً مرت على وقف إطلاق النار في لبنان، ولا يزال السلام غير مستتب والمؤسسات الوطنية غير مبنية. وبرز بوضوح أن مسألة بناء الجيش ومسائل الأمن بصورة عامة، وحتى الوفاق السياسي مجمدة بانتظار انتهاء مشكلة الجنوب. إذن الوضع في الجنوب سياسياً يحول دون انتهاء المشكلة السياسية في لبنان.


                              ـ عربياً: من الممكن أن وضع الجنوب يحول المحنة الى العالم العربي بشكل عام. ومن الممكن أن استمرار التوتر في الجنوب ينعكس على الوضع العربي، ذلك لأن هذا التوتر يحول دون إمكانية التفاهم العربي الفلسطيني مع لبنان. وعدم تنظيم العلاقات اللبنانية الفلسطينية ينعكس على العلاقات اللبنانية العربية وعلى العلاقات الفلسطينية العربية، وبالتالي وضع الجنوب ينعكس على الوضع السياسي اللبناني. وبالإضافة الى هذا وذاك، هناك مسألة الانفجار التي تدخل في صميم السؤال الثاني.
                              إذن، المشكلة من الناحية العربية أيضاً خطرة، وبشكل عام نحن نعتقد أن وضع الجنوب يصلح أن يخلق أكثر من مشكلة لبنانية وعربية، من خلال تفجرات دولية. يعني قد تتمكن بعض التطورات في جنوب لبنان أن تخلق متاعب سياسية للعالم، بالنسبة لوجهات النظر الشرقية والغربية، السوفيتية والأميركية. من الممكن وهذا ما يبدو خلال الأسبوع الأخير واضحا، أن هناك اتجاهاً نحو المواجهة الأميركية الإسرائيلية.
                              إذن المشكلة لها أبعاد سياسية واسعة، لذلك تبدو المشكلة خطرة.
                              س ـ هل يمكن أن تحدث مواجهة إسرائيلية أميركية بسبب وضع الجنوب؟ ولماذا؟
                              ج ـ لأن وجهات النظر الأميركية الإسرائيلية فيما يخص جنوب لبنان لا تتفق، وإذا كان الموقف الإسرائيلي بالنسبة لبعض الدول العربية يجد في الولايات المتحدة، وفي الكونغرس الأميركي من يدافع عنه، فإن موقف إسرائيل من جنوب لبنان لا يجد في الولايات المتحدة وفي العالم كله، من يبرر هذا الموقف. ولذلك نرى أن إسرائيل تحاول بكل جهد أن تخلق مشكلة طائفية في جنوب لبنان، وأن تعكس في العالم أن إسرائيل هي حامية للمسيحيين في الجنوب. هذا الإصرار الإسرائيلي على إبراز المشكلة الطائفية دليل على أن إسرائيل حتى الآن لا تجد في الولايات المتحدة وفي العالم من يدافع عن موقفها في جنوب لبنان.
                              لذلك النقطة الأكثر بروزاً في الخلافات الإسرائيلية الأميركية والنقطة القابلة لأن تنمو وتكرس الخلاف الإسرائيلي الأميركي هي في جنوب لبنان أكثر من أي مكان آخر.
                              ولا ننسى أن هناك رجال سياسة كبار أميركيين، مثل السناتور جيمس ابو رزق وغيره من جنوب لبنان بالذات (من منطقة مرجعيون) ومعنيين بجنوب لبنان، ولعلكم سمعتم الحوار القاسي الذي جرى بين جيمس ابو رزق وبين بيغن في الكونغرس الأميركي.
                              إذن، من الممكن أن الوضع في الجنوب يخلق نوعاً من التوتر والمجابهة بين أميركا وإسرائيل.
                              س ـ ذكرتم شيئاً عن مواجهة أميركية سوفيتية في الجنوب؟
                              ج ـ بإمكاني أن أقول أن الجنوب منطقة من المجموعة، وليس منطقة مميزة عن بقية المناطق. يعني مشكلة الشرق الأوسط بشكل عام تسمح دائماً لأن تلقي نقاط ضعف ونقاط تفجر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، والسبب واضح: في حرب تشرين الأخيرة سمعنا أنه اكثر من مرة حدث ما كان أن يؤدي إلى الانفجار. السبب أن للمنطقة أهميتها: ثروتها، تأثيرها السياسي في العالم، الارتباطات بالسلاح، بالتجارة، بغير ذلك مع الأطراف المعنية. هذه العلاقات تجعل المنطقة كثيرة التفاعل وكثيرة التأثير على هموم الولايات المتحدة وهموم الاتحاد السوفياتي، لا سيما أنه في الوقت الحاضر الولايات المتحدة أخذت كافة الإمكانات والأوراق المعروضة في الساحة. بمعنى أن الدول العربية بأكثريتها خاصة دول المجابهة اعتمدت الولايات المتحدة كعنصر فعّال في الحل. وهذا ما أدى إلى شعور الاتحاد السوفياتي بعدم الرضا على ما يجري في الشرق الأوسط، خاصة مع موقف مصر بالنسبة للقطن وغير ذلك. إذن الدول العربية في هذه المنطقة أعطت للولايات المتحدة ما كان يمكن أن تعطي، فإذاً المشكلة لم تتجه نحو السلام، يخشى أن تكون انفجارات داخلية في البلاد العربية، وهذه الانفجارات قد تغير المعادلات.
                              ولمنع تغيير المعادلات التي تؤثر في المعادلات الدولية، يخشى من وقوع أحداث دولية كبرى.
                              س ـ كيف ترون حل مشكلة الجنوب حلاً جذرياً؟
                              ج ـ الخطة الموضوعة من قبل السلطة اللبنانية طبعاً، هي الخطة الحكيمة. بمعنى أن اتفاقية شتورا حيّدت المقاومة الفلسطينية في الجنوب، وجعلت المسلحين الفلسطينيين في أماكن متفق عليها، ووحدات الجيش اللبناني ستنتقل الى الجنوب خطوة خطوة.
                              س ـ هل بدأ هذا؟
                              ج ـ سيبدأ ذلك في خلال أيام قليلة حيث ينتقل الجيش اللبناني إلى الجنوب، وعند ذلك، القوى اللبنانية والفلسطينية تضبط وتلتزم. ويبقى الموقف الإسرائيلي. والموقف الإسرائيلي له فعالية خاصة في الجنوب، من خلال القصف أولاً، ومن خلال إمكانية تسرب عناصر إسرائيلية تتكلم اللغة العربية وتخلق مضاعفات من خلال الجبهتين المتخاصمتين.
                              أضف إلى ذلك أنه بالفعل هناك مجموعات من المتقاتلين في الجنوب مرتبطة بإسرائيل بشكل أو بآخر، تتدرب وتتسلح وتأخذ التموين من الأرض الإسرائيلية. إذاً إسرائيل له فاعلية كبيرة في الجنوب. هنا نجد أن السلطة اللبنانية اعتمدت الضغط غير المباشر على إسرائيل بواسطة الولايات المتحدة. ولعلكم سمعتم بالاتصالات التي جرت في اليومين الأخيرين بين السفير باركر ووزير الخارجية. يعني أن الدولة اللبنانية بعدما أدت مهمتها بالنسبة للقوى اللبنانية والقوى الفلسطينية، تحاول أن تضغط على إسرائيل بواسطة الولايات المتحدة وبالتالي تنهي المشكلة في الجنوب. هذا الذي يجري خلال هذا الذي يجري هذه الأيام بالذات.
                              س ـ هل حدث التراجع الفلسطيني الى النقاط المعينة المتفق عليها في اتفاق شتورا؟
                              ج ـ بدون شك إن هذا التراجع مرتبط بوصول الجيش اللبناني، لأن هذا التراجع إذا حصل لا يعرف كيف يحصل وماذا يحصل بعد هذا التراجع. لأن هناك فراغاً أمنياً في الجنوب فيخشى أن تملأ إسرائيل هذا الفراغ مباشرة أو غير مباشرة. لذلك قبل ما يشبه التسليم التسلم بين الجيش اللبناني وبين المسلحين في الجنوب لبنانيين أم فلسطينيين يبدو أن الأمر لا يمكن أن يكون غير ذلك.
                              س ـ إذاً هناك تفاؤل أن يصير هذا التسلم والتسليم بالنسبة للجيش اللبناني والمسلحين في الوضع الداخلي. بالنسبة للمشاورات الجارية للضغط من أميركا على إسرائيل، ما هو تقديركم؟
                              ج ـ أيضاً هناك نجاح جيد حتى الآن. يعني موقف الولايات المتحدة منسجم تماماً مع موقف الدولة اللبنانية في المرحلة الحاضرة، والذي أقوله أن النقطة الإيجابية الوحيدة في موقف الولايات المتحدة هو موقفها في جنوب لبنان.
                              س ـ بالنسبة لموقف أميركا من كل مشاكل الشرق الأوسط؟
                              ج ـ أفضل نقاط الموقف الأميركي هو موقفها من جنوب لبنان.



                              س ـ أتعتقدون أن للطرف المسيحي أن يتصدى لهذا المخطط الإسرائيلي؟

                              ( مثلاً منذ يومين، قال الرئيس شمعون أن ادعاء إسرائيل بحماية المسيحيين في جنوب لبنان هو للدعاية الدولية)


                              ج ـ حتماً. يعني الجبهة اللبنانية مطلوب منها اليوم أكثر من أي وقت آخر أن تثبت وأن وتؤكد عدم قبولها بهذا الضمان الذي هو أشبه بضمان الذئاب. من الواضح جداً أن إسرائيل لا تريد الخير للمسيحيين. موقف إسرائيل في شمال فلسطين معروف، ففي البداية كما سمعت من غبطة البطريرك تصدوا للمسلمين وطمأنوا المسيحيين. ولكن في المرحلة الثانية طردوا المسيحيين واغتصبوا أراضيهم وبلادهم وخلقوا مستعمرات.
                              نفس الشيء في المناطق الأخرى، في الضفة الغربية، إذن إسرائيل عداوتها مع المسيحيين لا تقل عن عداوتها مع المسلمين، ومطامعها في الأراضي التي يسكنها المسيحيون لا تقل عن المطامع في الأراضي التي يسكنها المسلمون. ومن خلال هذه الأمور بإمكاننا أن نعرف أن هذا الطرح هو استغلال سياسي كما ذكرت لأن إسرائيل تشعر بموقف صعب فيما يخص جنوب لبنان، فتريد من اختلاق هذه الورقة أن تقوي مركزها وأن تبقي الجو متوتراً.
                              س ـ هل توافقون على القول أن حرب الشرق الأوسط المقبلة ستنطلق من جنوب لبنان؟
                              ج ـ لا شك أن هذا السؤال يجد الجواب انطلاقاً من النقاط التي كنا نتحدث عنها الآن. فإذا تمكنت إسرائيل من أن تخلق مأساة طائفية في الجنوب، تختلق مأساة أو تبرز بإعلانها القاهر في العالم قضية أسمها قضية المسيحيين في جنوب لبنان، عند ذلك من الممكن أن يكون الانفجار المستقبلي انفجاراً من جنوب لبنان. والسبب في ذلك أن إسرائيل بحكمها الجديد، يعني حكم "ليكود" هي أمام وضع دولي غير جيد لأن العالم كان يقف مع إسرائيل باعتبار أن إسرائيل تريد السلام. وكان العالم يقف مع إسرائيل لا، الدول العربية هي المعتدية. عندما جاء بيغن إلى الحكم أنقلب الوضع. الآن الدول العربية تريد السلام والعالم يعرف ذلك. وحكام إسرائيل يريدون الحرب والعالم يعرف ذلك. إذن الوضع السياسي لإسرائيل ليس جيداً.
                              الحرب الإسرائيلية العربية من البعيد جداً أن تحصل في المناطق الأخرى في الشرق الأوسط ما عدا جنوب لبنان في حالة واحدة، وهي أن تتكون قضية أسمها قضية المسيحيين في جنوب لبنان لأن هذه القضية تعطي مبرر للدول الكبرى التي هي مسيحية غالباً. وتعطي شعوب هذه الدول مبرراً لإسرائيل. عند ذلك، إسرائيل الراغبة في الحرب تستعمل هذه الورقة دون رحمة.
                              س ـ ما هو عدد النازحين عن الجنوب بسبب الحرب الدائرة؟
                              ج ـ عدد النازحين من الجنوب حوالي 170 ألفاً الذين نزحوا من النبعة ورأس الدكوانة وضواحي بيروت باتجاه الجنوب. يعني مجموع من نزح من الجنوب (من جنوبيين سكان الجنوب أو جنوبيين كانوا يقطنون ضواحي بيروت) 240 ألف شخص. وهذه الكمية الكبيرة من الناس تتفاوت أوضاعهم الاجتماعية. بينهم أناس وجدوا أماكن في بيوت أرحامهم أو أصدقائهم أو أماكن شغلهم. ومنهم لم يجدوا حتى الآن أماكن للسكن، فينتقلون بين مكان ومكان بحالة قاسية.
                              = يتبع =

                              تعليق


                              • سيرة الأمام الصدر (حوار 17 ) جزء 2

                                س ـ هل تتوقعون عودة هؤلاء النازحين أم تعتقدون أنهم استقروا حيث هم الآن (بعد عودة السلام)؟
                                ج ـ العكس هو الصحيح، يعني بعد نهاية المحنة في لبنان سيكون الجنوبيون الراغبون في السكن في بيروت أقل مما هو الآن. فهذا يعني أن الـ 170ألف نازح جنوبي سيعدون جميعاً إلى الجنوب. والـ 70 ألف جنوبي الساكنين في ضاحية بيروت، أيضاً قسم منهم سيعود إلى الجنوب لأن الوضع الإنمائي في الجنوب أولاً في أيام الرئيس سركيس يرجى أن يتحسن، فتتوفر فرص العمل. ومن جهة ثانية، مأساة الضاحية في بيروت كانت مأساة كبيرة. فالجنوبيون الساكنون في ضواحي بيروت شعروا بظلم كبير جداً من جراء المعاملة التي عوملوا بها دون سبب. ولذلك قسم هؤلاء الناس سوف لا يعود إلى الضواحي. إذن الـ 170 ألف جنوبي سيعودون وقسم من سكان الضواحي سيعود إلى الجنوب. قسم من هؤلاء سيسكن في الجنوب. ونحن سنعمل على هذا الأساس لتوفير الظروف والعمل في الجنوب، بمساعدة الدولة طبعاً، حتى الناس تسكن في الجنوب أكثر وأكثر.
                                س ـ من هي القوى في رأيكم التي ما زالت تمنع عودة السلام إلى الجنوب؟
                                ج ـ إسرائيل فقط، مباشرة وبواسطة عصابات ترسلها إسرائيل بين طريفين، وأيضاً مجموعة عسكرية تبلغ كتيبتين تدعي أنها منتمية إلى الجبهة اللبنانية، ولكن في الواقع تأخذ أوامرها من إسرائيل. إسرائيل تمنع عودة السالم مباشرة وبواسطة عملائها، وعملاؤها موجودون في الطرفين، والمجموعة العسكرية التي تتزود وتتسلح وتتدرب وتأخذ أوامرها مباشرة من إسرائيل. يعني إسرائيل لها ثلاث طرق في التأثير على سلام الجنوب. تستعملها، وهذا وحده السبب في عدم حصول السلام في الجنوب. وإلا فجميع القوى الأخرى من مصلحتها السلام في الجنوب.
                                س ـ هل إمكانية التعايش بين القرى الجنوبية ما زالت ممكنة بعد عودة السلام إلى المنطقة؟
                                ج ـ طبعاً، لأن ما حصل بين القرى المسيحية وغيرها كان من الواضح أنها ليست مواقف ذاتية من تلك القرى. مثلاً عندما دخل المسلحون عبر الأراضي الإسرائيلية في عين أبل، أحتج أهالي عين أبل عليهم، ولكنهم لم يتمكنوا من أن يعملوا أي شيء نتيجة لوجود المسلحين ونتيجة لوجود الضغط الإسرائيلي. رميش الآن تعيش حالة تململ وقلق قاس. وهكذا القوزح وبقية القرى أيضاً. وهذه القرى تتعايش مع القرى المجاورة منذ ألف سنة أو أكثر ومشاركتهم الحياتية عميقة جداً. ولذلك الرصيد للتعايش لا يزال باقياً، خاصة عندما يتضح لجميع الأطراف أن المحرك إسرائيل، وأنها هي وحدها كانت بصورة مباشرة وغير مباشرة تحرض هذه القرى بعضها على بضع.
                                س ـ يعني يمكننا القول أن موقف أهل الجنوب حيادي!
                                ج ـ أهل الجنوب موقفهم في مختلف الجهات كان مثالياً. أولاً، خلال ألف سنة كان موقفهم مختلف الأديان والمذاهب موقفاً سليماً منفتحاً رسالياً. وخلال فترة الحرب سنتين في لبنان، في الجنوب كان الموقف جيداً. وكل قادة الجنوب وأنا أحد أفرادهم العاديين كنا نبذل جهوداً معينة في سبيل عدم حصول أي توتر أمني. وكنا نسعى في سبيل تحسين الوضع المعيشي للقرى المسيحية أكثر من القرى الإسلامية في المنطقة. بعد ذلك حصلت محاولات اغراءات، تهديدات، ضغوط لكي يتعامل الجنوبي مع إسرائيل. فرفض الجنوبي هذا الأمر ومن مجموع هذه الأمور بإمكاننا أن نقول أن موقف الجنوبيين موقف وطني لا طائفي، قومي، وكما قلت أكثر من مرة كاد أن يكون موقف تحد أمام اللبنانيين جميعاً، لا،ه من يتمكن أن يعيش في هذه الظروف القاسية، ومع ذلك يبقى بهذه الصورة الهادئة وهذه الأعصاب المتينة للعمل.
                                وفي الوقت الحاضر لا شك أن الأمل بهذه المساعي القائمة. وسيجد الجيش اللبناني عندما يدخل إلى الجنوب أن شعور المواطنين ووطنيتهم وتحملهم للمسؤوليات هي أكثر من أي منطقة أخرى رغم مرور هذه المحنة، ورغم مرور فترة إهمال من السلطات المركزية في وضعهم المعاشي، الإداري، ووضعهم الأمني بصورة خاصة. مع ذلك التزام الجنوبيين بالشرعية التزام كبير.
                                س ـ هل عودتكم إلى المسرح السياسي مؤخراً، بعد احتجابكم فترة عنه، هو بسبب تزايد خطورة الوضع في الجنوب أم بسبب بداية عودة الوئام إليه؟
                                ج ـ في الواقع أنا لا أعتقد أنني غبت عن المسرح السياسي ساعة لأنني لا أعتبر أن المسرح الذي أعمل فيه هو المسرح السياسي، بل أعتبر أنه المسرح الوطني. عندما يعيش الوطن حالة الخطر، فكل فرد بأي مركز وضمن أية مؤسسة، عليه أن يتحرك. فهذه السنوات الأخيرة، أنا أشعر بخطر على وطني، ودائماً كنت أنذر قبل الأحداث بحدوث مثل هذه الأحداث التي حدثت. إذن كنت دائماً في هذا المسح، ولا أزال باقياً إلى أن يبتعد الخطر عن وطني.
                                أما السبب التعتيم في فترة زمنية معينة، فسببه نفس السبب الذي عرّضني لهجمات كبيرة من خلال الإعلام اللبناني والعالمي. والسبب أن المؤامرة التي عصفت بلبنان كنت أحد أهم أهدافها ضرب صيغة التعايش والوحدة الوطنية اللبنانية. وإذا كان التعايش هدفاً للمؤامرة، فرموز التعايش حتماً تصبح هدفاً للمؤامرة في الدرجة الأولى. وأنا لا أعتقد أن أحداً في لبنان كان يرمز إلى وحدة لبنان بمقدار ما كنت أنا شخصياً. لأنني بالإضافة إلى كل اتصالاتي الثقافية والإجتماعية والسياسية مع مختلف الطوائف اللبنانية والعلاقات الواسعة، بلغت درجة إلقاء عظة الصيام في كنيسة الكبوشيين قبل ثلاثة سنوات. وهذا حدّ لا يبلغه أحد في العالم. ويكون تماماً مثل رجل دين مسيحي يلقي خطبة الجمعة. إذن كنت رمز الوحدة الوطنية، ولذلك تصدّت المؤامرة لي بشكل مباشر وشوّهت مواقفي وأبرزت مواقف مشوهة عن نشاطاتي وتحركاتي. وفترة من الزمن حاولت التعتيم على مساعيي ونشاطاتي. بطبيعة الحال أنا راض على ما أصبت به، ولا شك أن الحقائق لا يمكن أن تبقى دائماً مخفية. في المستقبل ستتغير هذه المواقف وسيتضح للبنانيين جميعاً أنني بذلت رغم ظلمهم الإعلامي، أكثر مما كنت أبذل في حالة التفافهم ومحبتهم.
                                س ـ ما هو سبب إزالة التعتيم في هذه الفترة بالذات؟
                                ج ـ عدم تمكن الوسائل التي كانت وراء التعتيم من أن تخفي هذه النشاطات، باعتبار أن قضية الجنوب قفزت إلى المسرح كقضية أولى لبنانية. وعندما يبحث عن الجنوب، بطبيعة الحال لا يمكن أن تبتعد قضية الجنوب عني بشكل أو بآخر. ولذلك كان البروز الإعلامي من جديد.
                                س ـ من هي الجهات أو الأطراف التي أرادت التعتيم؟
                                ج ـ نفس الجهات التي خلقت المؤامرة واستعانت بجهات داخلية لتنفيذ المؤامرة، وهذا بحث طويل طبعاً...
                                س ـ ألا يمكننا أن نوضح أكثر؟ يعني كلمة الأطراف أو الجهات غير واضحة؟
                                ج ـ أعتقد أنه سيأتي الوقت الذي يكشف فيه عن هذه الأمور. في الوقت الحاضر إذا تحدثنا يصبح الحديث جزءاً من الحملات الإعلامية المتشنجة ولا يسجل كمعالجة للمحنة. ولكنه سيأتي الوقت.
                                س ـ ما هي المشاريع الاجتماعية والاقتصادية التي تعتقدون أن من الضروري المباشرة بها فور عودة السلام إلى الجنوب؟
                                ج ـ طبعاً في الدرجة الأولى الليطاني، لأن مشروع الليطاني إلى جانب كونه مشروع إنمائي يروي 45,000 هكتار. والزراعة وما يستتبع الزراعة من خلال 45,000 هكتار من مختلف الشؤون يغير وجه بنان ويعتبر وجه الجنوب. هناك مشاريع أخرى من بحيرات اصطناعية في مثلث يارين كفرا يارون. هناك مشروع اوتوستراد، والسكة الحديدية الذي يمكن العامل الجنوبي أن يعمل في بيروت ويعود لينام في بيته. طبعاً اوتوستراد من جهة والسكة الحديدية إما فوق الأرض وإما تحت الأرض. مشاريع الجنوب مدروسة وجاهزة وواضحة تماماً وليس هناك أمر غير معروف. هناك صناعات محلية كانت وصناعات محلية صارت، والصناعات المحلية التي كانت: صناعة الفخار في راشيا وصناعة الأحذية في بنت جبيل. والصناعات التي صارت كانت في الواقع الصناعات التي أنا أسستها: صناعة السجاد العجمي والسارية والسجاد الحرير وغير ذلك. هذه الصناعات في الدرجة الأولى تتعمم على المناطق، ثم في المرحلة الثانية تصبح صناعات نصف آلية. ليس هناك مشكلة بالنسبة لخطة العمل في الجنوب.
                                س ـ أتعتقدون أن الدولة ستعطي اهتماماً أكثر لمشاريع الجنوب مما كانت تعطيه في الماضي؟
                                ج ـ هذا الذي نأمل خاصة في أيام الرئيس سركيس لأن الرئيس سركيس شخصياً يمتاز بقناعته الكلية بالقضية الاجتماعية. الرئيس سركيس يعرف مدى أهمية القضية الاجتماعية اليوم في القضايا الأمنية وحتى في القضايا الوطنية.
                                س ـ هل تريدون إضافة شيء؟
                                ج ـ طبعاً أنا أحب أن أقول كلمة، مع تقديري لمقالات "موندي مورننغ" التي تخلق دائماً ضجة إعلامية كبيرة، أحب أن أقول "لموندي مورننغ" وللناس الذين يقرأون المقال بالإنكليزية أو العربية أن الحرب اللبنانية أكثر من خمسين بالمئة منها اعتمدت على الإعلام، حتى كدنا أن نقول أن الحرب كانت إعلامية وكانت تتحول لحرب عسكرية. ولذلك هناك أخطاء كبيرة وصور مشوهة ووقائع مختلفة وتغطية غير سليمة لأشخاص ولأحداث ولمواقف. ولا شك أن اللبنانيين إذا كانوا يريدون أن يتجاوزوا الحرب، وتجاوز الحرب ليس بأن يسكتوا الرصاص فقط ولا بأن يعالجوا الجرح الذي يتركه الرصاص، بل أن يزيلوا أيضاً الأثر الذي تركته الحرب الإعلامية خلال فترة سنتين.
                                وإذا تمكنا أن نعالج هذا الأمر، أعتقد أننا نخطو خطوات واسعة نحو السلام. وأتمنى أن يكون شهر رمضان الذي هو شهر المحبة والتضحية والمعاناة المشتركة، فرصة للاتجاه بهذا النحو.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X