29/8/2013
بنـدر السعـودية: فليكن التفجير! (1)
إسراء الفاس

مقلق هو الوضع بالنسبة للسعودية، ومرد ذلك ليس متعلقاً بما أفرزته التحولات في المنطقة فحسب، بل إلى هواجس متداخلة بين حسابات الداخل والخارج. ففي المملكة، ذات الوضع الداخلي المنهك والهش، تفوح رائحة انقسامات بين الجيل الأول من أبناء عبدالعزيز والجيل الثاني. كما أن تعاطفاً داخلياً مع الاخوان المسلمين إضافة إلى صعود الجماعة في المنطقة أخذ يشكل تهديداً يطرق أبواب قصور العائلة الحاكمة، فتجند له دعاة المملكة ونفطها.
بموازاة ذلك، يرى آل سعود في النفوذ الإيراني في المنطقة استفزازاً لهم، تتحدد بموجبه مواقفها من مجمل ملفات المنطقة. فيُربط به قلقهم من التحركات في البحرين، التي وعلى سلميتها تقض مضاجعهم. ويضيفون إلى ذلك ما يجري من تحركات في المنطقة الشرقية من السعودية، تحركات تزعج المملكة التي لم تتصالح حتى الان مع فكرة المطالب الشعبية. وعلى الحدود الجنوبية -حيث اليمن- يكمن ثقل حوثي لم يُفلح العسكر السعودي والحليف في وضع حد له. والمشكلة في العراق مشابهة لما هي عليه في سورية ولبنان.. حيث ميزان القوى بحساباتهم يميل لصالح إيران.
لا تكتم السعودية هواجسها ومخاوفها.. فتشير إليها في كل محطة، وتتصدى لها بشكل مباشر كما في البحرين والداخل واليمن، كما تغدق الدعم المالي والسياسي على ما يصفه الاخوان المسلمون بـ"الانقلاب على الشرعية" في مصر. وتمرر رسائل أمنية عبر مجموعات إرهابية تمولها وتديرها في العراق أو لبنان فتقابل هذه الاتهامات بالصمت، وتعلن صراحة عن انخراطها كطرف في ألازمة السورية، فتدعم وتمول وتدرب المسلحين هناك.
وفي سورية كلما جاهرت المملكة بدعمها للمقاتلين يُفهم من ذلك أنَّ الوضع على الأرض لا زال بيد الجيش السوري... شبح الهزيمة في سورية يؤرق المملكة، فتنغمس في تفاصيلها أكثر وأكثر. وبعد أن طغى حديث التسوية اثر استبعاد الدوحة كلاعب رئيسي في الأزمة، تلزمت الرياض المشروع الأميركي في المنطقة، قدمت ضمانات فيما يتعلق بالمجموعات السلفية ، وحصلت على مكاسب لناحية ابعاد الاخوان عن المشهد السياسي ، فكان القرار السعودي: لا للتسوية، وإن كان التفجير.. فليكن!
بندر والصفقة الكبرى

"قطر ليست إلا 300 شخص... وقناة تلفزيونية"... "وهذا لا يجعل منها بلداً"، هذا ما صاح به بندر بن سلطان، في احدى مكالماته الهاتفية، في اجتماع لتنسيق شحنات الأسلحة المرسلة الى المجموعات المسلحة في سوريا في الصيف الماضي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". أتى هذا الموقف بالتزامن مع مضاعفة الملك عبد الله واجبات ومهمات ابن اخية بندرالذي تم تعيينه كرئيس لمكتب الأمن القومي، مع إشرافه أيضا على المخابرات العامة السعودية. وأُسند لعدد من أمراء الجيل الثاني مناصب حساسة في السلطة مطلقاً يدهم بالتصرف، ومن هؤلاء: محمد بن نايف (الملف الداخلي) ومتعب بن عبد الله (وزير الحرس الوطني) وسلمان بن سلطان (نائب وزير الدفاع.)
أرادت المملكة من هذه الخطوة تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، أو ربما إيجاد قضية تجمع الطبقة السياسية الحاكمة لترميم الوضع الهش والمتصدع في الداخل ، في ظل صراع خفي محتدم بين أمراء الجيلين مع غياب صيغة تؤمن انتقال السلطة من الأول إلى الثاني وفقاً لرأي الكاتب في صحيفة الأخبار ناصر شرارة في حديثه لموقع قناة المنار، بينما قرأت صحف غربية في التعيين تعبيرا عن مرحلة انتقالية في السياسة السعودية.
عادت السعودية إلى الساحة السياسية الدولية باندفاع أكبر، وعينها على التمدد الاخواني الذي بدأ يطرق أبواب الخليج والمملكة. يشرح شرارة أنه وبحسب معلومات سُربت ، فان داخل آل سعود انفسهم من أبدى تعاطفاً مع الاخوان ، وأهمهم كان خالد بن طلال، وهو ما رفع منسوب قلق حكام المملكة، إلى جانب موقف "تيار الصحوة" المنتشر في المملكة والذي وجد في أفكار سيد قطب سلفية جهادية تروق له.
عملت الرياض على إقناع واشنطن بضعف التجربة الإخوانية، مقابل أن يُسند الدور لحركات سلفية، وقدمت ضمانات باحتواء الحركات المتطرفة مقابل انهاء صعود الاخوان... وقد ذكّرت السعودية بفشل القطريين والأتراك في تنفيذ مهتهم رغم المهل المتكررة التي أطلقوها للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
قطر إلى التنحي والأردن بديلاً عن تركيا

سُحب الملف من يد قطر، واُطيح بالاخوان في مصر، بينما انفجرت تركيا غيظاً. وقد عمد السعوديون بذلك إلى تقزيم الدورين التركي والقطري. وظهر ذلك في التركيبة الأخيرة لما يُسمى بالإئتلاف السوري المعارض، حيث تم تعيين أحمد الجربا وميشال كيلو وجورج صبرا، وهم الأعضاء الذين يمثلون التوجه السعودي في التكشيل المعارض.
الفيتو السعودي على دور الاخوان لم يقتصر على مصر، بل شمل كل وجودهم في المنطقة. ورأت السعودية - وفق تعبير بندر بن سلطان في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- أن كلا من قطر وتركيا تجاوزتا الأدوار المرسومة لهما في دعم الاخوان المسلمين، الذي قدموا بدورهم تجربة ارهابية على حد وصف الأمير السعودي.
كان لابد من وضع حد لتنامي حجم المحور القطري - التركي. تنحى حمد بن خليفة آل ثاني وقُضي الأمر بمباركة أميركية. ثم جاء دور تركيا التي رأت أن المعركة ارتدت الى تهديد وضعها الداخلي. وفي الحسابات السعودية ، فان تنامي أي قوة اقليمية قد تزاحم المملكة في دورها يعتبر خطا أحمر. فبدأت بتحجيم هذا الدور ، فكانت الوجهة إلى الأردن، وكل ذلك بغية حفاظ السعودية على دورها وتوسيع نفوذها الاقليمي.
تنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تقرير أجنبي أن موظفين في المخابرات السعودية والأميركية وغيرها من دول التحالف لاسقاط الرئيس الاسد يعملون في غرف عمليات مشتركة وسرية لتدريب وتسليح المقاتلين ضد النظام منذ الصيف الماضي، وكان رئيس وكالة المخابرات المركزية يومها، ديفيد بترايوس، من أوائل المؤيدين لهذه الفكرة. الصحيفة الأجنبية ذكرت أن "موظفي كالة CIA في قاعدة الأردن موجودون بأعداد أكثر من نظرائهم السعوديين، وفقا لدبلوماسيين عرب".
يومها التقى بندر بن سلطان "مع بعض الأردنيين غير المرتاحين لمثل هذه القاعدة. واستغرقت لقاءاته في عمان مع الملك الأردني عبد الله في بعض الأحيان ثماني ساعات في جلسة واحدة، كما نقل التقرير عن شخص مطلع على هذه الاجتماعات. وقال مسؤولون في المنطقة والولايات المتحدة إن الاعتماد المالي للأردن على السعودية منح الرياض وبندر النفوذ القوي. وأضافوا انه بمباركة من الملك الأردني، انطلق عمل القاعدة العسكرية في الأردن في صيف عام 2012"، وقد ساعد بترايوس في انتزاع الدعم العسكري الأردني للقاعدة".

انتقلت غرف العمليات إلى الأردن لتنتزع من تركيا ورقة كانت بيدها منذ انطلاق الأزمة في سورية، وأُسند الاشراف على هذه العمليات إلى الأخ الأصغر وغير الشقيق لبندر الأمير سلمان بن سلطان آل سعود، الذي تسلم فيما بعد منصب نائب وزير الدفاع السعودي رغم صغر سنه، ولهذا يُطلق عليه البعض "بندر الصغير".
ولهذه المهمة، يقيم سلمان بن سلطان اليوم إقامة شبه دائمة في العاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في الطابق الرابع من فندق رويال. فهو يدير جزءا هاماً من الاستراتيجية السعودية المتعلقة بالملف السوري، "وتحديدا الجزء المتربط بما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعبارة إعادة التوازن ميدانيا"، وفقاً لتشخيص صحيفة القدس العربي.
وقد أعقب نشاط "بندر الصغير" في الأردن نشر عدة تقارير عن وصول العديد من قطع السلاح الثقيل من ذخائر وصواريخ مضادة للدروع الى المسلحين في سورية، وتحديدا في منطقة درعا جنوبي سورية.
ورغم ما يُنقل عن انخراط الأردن في جبهة مقابلة لسورية، يصر بعض من في المملكة الهاشمية اليوم على أن موقف بلادهم لا يزال متأرجحاً، ومنهم المسؤول في حزب الوحدة الشعبية ضرغام هلسة. ويجزم هلسة –في حديث لموقع المنار- أن هناك خلافاً في مركز صناعة القرار الاردني بين من مع ومن ضد. إلا أن مجريات المعركة يدلل على أن الموقف الرسمي وحياده لم يكن ايجابياً، يضيف هلسة ان النظام السياسي يخدم تحالفاته التاريخية مع دول الاستعمار العالمي في مواجهة محور المقاومة، لأن التردد في هذه المعركة غير مقبول.
ورغم ما يُغدق من دعم عسكري أميركي بتمويل سعودي، ترى CIA علامات اعتبرتها مثيرة للقلق: "إيران وحزب الله وروسيا، في رد فعل على تدفق الأسلحة للثوار من السعودية، يكثفون دعمهم للأسد". فكان لا بد من فتح المواجهة على مصراعيها... قالها بندر بصراحة لبوتين في اجتماعه الأخير: "المملكة لديها الكثير من المال وملتزمة باستخدامه لتسود"، وختم الأمير السعودي الذي أشار في بداية اللقاء الى أنه لا يتحدث باسم السعودية وحدها بل باسم الأميركيين: "لا مفر من الخيار العسكري بوصفه الخيار الوحيد المتاح حاليا"، معلناً بذلك: إذاً... فليكن التفجير!
http://www.almanar.com.lb/adetails.php?fromval=1&cid=83&frid=83&eid=576266
***
5/9/2013
السعودية VS سورية وحزب الله: فُتحت المواجهة! -2-
إسراء الفاس

كل من في ضاحية بيروت الجنوبية إما ردد أو سمع عبارة: "فعلها بندر!" عقب التفجيرين الذين وقعا فيها. وخرجت صحف لبنانية لتحمل السعودية صراحة، ورئيس جهازها الاستخباري بندر بن سلطان بالإسم، مسؤولية ما جرى. اتهامات لم تزعج المملكة التي قررت أن تلوذ بالصمت.
يقول الكاتب في صحيفة الأخبار ناصر شرارة – في حديث خاص لموقع المنار - إن تفجيري الضاحية "شبه موقعين من بندر"، فعقب التفجير الأول سارعت دول العالم إلى الإدانة، وتبرأ كيان العدو الاسرائيلي، فيما لم يُسمع من بلاد الحرمين استنكار أو إدانة. وبعد شهر تقريباً، سقط حوالي 30 شهيداً لم يصدر موقف عن المملكة، بل أتت الإدانة عبر موقف مجلس التعاون الخليجي، الذي سُرعان ما مسحته السعودية بعد إنتقادات وجهتها لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في اليوم التالي.
في هذا الوقت، انشغلت التحليلات بقراءة الغاية السعودية، قيل إن قرار تفجير الوضع الأمني في لبنان هو لإلهاء حزب الله في الداخل عن معركته الكبرى التي تدور رحاها في الميدان السوري. وذكر البعض أن آل سعود يريدون معاقبة حزب الله على "تخطيه الخط الأحمر" بانخراطه كطرف في الأزمة السورية.. كُتب الكثير، ولكن الأفكار صبت في خندق واحد، أكده التعاطي الإعلامي للفريق المحسوب على المملكة في داخل لبنان وخارجه، ومفاده: مطلوب إبعاد حزب الله بعد إنجاز القصير.
"التفجير السعودي".. كيف تلقاه حزب الله؟
عقب تفجير بئر العبد كتب رئيس تحرير جريدة الأخبار ابراهيم الأمين: "أمس وقعت جريمة جديدة لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن تلك التي نُفّذت قبل 28 عاماً. وحزب الله عوّد الأعداء على انه يعمل لمنعهم من القيام بالجريمة او منعهم عن تكرارها. وفي العلم العسكري والامني، يسمى هذا النوع من العمل بالردع. وعلى من قرروا وخططوا وشاركوا في جريمة امس، أن يتحسسوا رقابهم، اينما ذهبوا في ارض الله الواسعة!".. فجاء بعدها تفجير الرويس موقعاً شهداء من المدنيين.

ووسط المعلومات والتحليلات، صمت السعودية وترقبها قابلته رسائل تضمنها خطاب السيد نصر الله في الذكرى السنوية السابعة لانتصار المقاومة على العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، وربما أخرى مُررت خلف الكواليس!
كانت الآذان بانتظار موقف سيُعلن من بلدة عيتا الحدودية مع فلسطين المحتلة ، فأكد الأمين العام لحزب الله أن ما جرى يحمل قراراً بتدمير لبنان، جازماً أن رد المقاومة سيكون " أنه إذا كان لدينا الف مقاتل في سورية، سيصبحون ألفين، واذا كان لدينا 5 آلاف مقاتل في سورية سيصبحون 10 آلاف، واذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الارهابيين ان اذهب انا وكل حزب الله الى سورية سنذهب الى سورية".
"نحن من نحسم المعركة ونوقت نهاية كل معركة"، قالها بثقة المؤكد أن لا تراجع!
الكلام تبعته رواية تناقلتها الصالونات الإعلامية والسياسية، قالت إنه عقب تفجير الضاحية الجنوبية الأول، بُلغ السعوديون رسالة من حزب الله أكدت – في مضمونها- أن ما وقع في بئر العبد قُرِأ على أنه رسالة لن تغير شيئاً من المعادلة أو الحسابات، ولكن أي تفجير آخر سيُفهم بأن المواجهة فُتحت، وبالتالي سيكون حزب الله مستعداً لها.
الرواية التي استبعدتها مصادر في حزب الله، تلقفها إعلاميون وسياسيون.. ليبنوا عليها عدداً من التساؤلات أهمها: " كيف سيردّ حزب الله على تفجير الضاحية الثاني؟"، وهل سيتخطى الرد الحدود اللبنانية كون الصراع أكبر من حدود لبنان؟
ويلفت ناصر شرارة أن السعودي انخرط في "حرب تستهدف مصالح قوى قادرة، وإذا اتخذت هذه القوى قراراً بالمواجهة فلن يستطيع عندها مجاراتها، بل سيكون الخاسر". شرارة وإذ يعتقد أنه لازال هناك رهان على أن يراجع السعودي حساباته، يؤكد أن القوى في المحور المقابل لازالت عاقلة حتى الآن، ومترفعة عن إرسال الرسائل الحادة، سواء في الداخل أو على الحدود السعودية التي تزعجها، وهنا يُذكر شرارة بأزمة المملكة مع جارها الجنوبي، والذي أثبتت تجارب السنوات الماضية عجزها عن احتوائها سياسياً وعسكرياً.
أما المحلل السياسي الأردني ناهض حتر فيفسر تعقل محور المقاومة والممانعة، مشيراً إلى أن "هناك مَن لا يزال يعتقد ــــ في سورية ومحور المقاومة معا ــــ أن الحرب، تؤذن بنهاية قريبة، وأن التسوية تلوح في الأفق، ويرى، بالتالي، أن الحكمة تقتضي ابتلاع الاعتداءات، وتوخّي النجاة من توسيع دائرة الحرب، وحصرها داخل الأراضي السورية".
وليست التفجيرات وحدها رسائل الجبهة المفتوحة، فقد سبقتها ضغوط أميركية-سعودية مورست على الاتحاد الأوروبي لإدراج حزب الله على لائحة المنظمات الارهابية، لم يكن أمام السعوديين حينها إلا تهديد الفرنسيين بملف العلاقات الاقتصادية، وفقاً لما نُقل عن مصادر أوروبية . كما أن تعليق تشكيل الحكومة اللبنانية، من خلال وضع فيتو على مشاركة حزب الله، كان ورقة أخرى استخدمت من قبل السعودية.
السعوديون لأميركا: لا نتوقع انتصاراً
الرسائل المفتوحة فجّرتها انتصارات الجيش السوري في القصير وما بعدها. وفي المملكة من يعتقد أن تطهير القصير من المجموعات التكفيرية لم يكن ليتم لولا تدخل حزب الله، ولذلك ذهب بعضهم ليقول إن الحزب تخطى "الخط الأحمر"، خصوصاً أن ما جرى دفع بكبار محللي الاستخبارات الأميركية للقول إن المسلحين السوريين ميؤوس منهم ويتفوق عليهم حلفاء سورية، بحسب ما نقل مسؤولون في الكونغرس ودبلوماسيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

القناعة نفسها يتشاركها السعوديون، ولو أن التصريح بها مر! ولكن يُستدل من ذلك على ما أبلغه بندر بن سلطان وسفير المملكة في واشنطن عادل الجبير للمسؤولين هناك: لا نتوقع انتصاراً للمسلحين.. ولكن نريد تعديل موازين القوى، وفقاً للصحيفة الأميركية نفسها.
وتنقل وكالة "رويترز" عن روبرت غوردان سفير الولايات المتحدة لدى الرياض، بين عامي 2001 2003، أن المسؤوليْن السعودييْن "اتسما "بالصراحة الشديدة" في اعتقادهما بانه يمكن الوثوق في مقاتلي المعارضة وضرورة تقديم الدعم العسكري لهم".
وبناءً عليه، ينظر المسؤول في حزب الوحدة الشعبية الأردني ضرغام هلسة – بحسب كلامه مع موقع المنار- إلى أن المواجهة في المنطقة فُتحت نحو الصراع التناحري، في إعلان الحرب على محور المقاومة. وأنا ما يجري من ضغط على حزب الله يهدف إلى إرباكه في الداخل للحدّ من تدخّله في مسار الأزمة السورية. وذلك بالتوازي مع تسليح المقاتلين في سورية بأسلحة حديثة ومتطوّرة لتحقيق إنجازات .
وفيما ينصب الاهتمام الإعلامي على أم المعرك في حلب، يُحكى عن تسليح سُعودي وتحشيد وتعزيزات عسكرية من الطرفين، وتعتمد الخطة السعودية على تعزيز قدرات مجموعات مختارة بعناية من المقاتلين وفق صحيفة "وول ستريت جورنال". وفي السياق، تكشف "ذي اندبندنت" البريطانية أن رئيس الاستخبارات السعودي كان على مدى شهور يعمل بصورة حصرية لحشد التأييد الدولي للمسلحين في سورية، بما في ذلك تسليحهم وتدريبهم.
اليوم، تترقب وسائل الاعلام ما هو قادم في حلب، فيما تحذر رسائل إفريقية من معركة يُحضر لها في منطقة درعا – القنيطرة - السويداء، لفرض منطقة عازلة على الحدود مع الأردن... فالمعركتان القادمتان من شأنهما أن تحددا معالم المنطقة مستقبلاً، ورسم سياساتها.
الضربة العسكرية: صُنع في السعودية
يُنظر اليوم إلى بندر بن سلطان على أنه رأس حربة المشروع السعودي، يقود مشروع المملكة بشراسة، بعد أن كان من أشد المطالبين بغزو العراق عام 2003، تقول "ذي اندبندنت" إن الأمير السعودي الوثيق الصلة بواشنطن هو من أشد الداعين اليوم إلى عدوان عسكري على سورية من شأنه أن يُضعف النظام السوري أو اسقاطه، وذلك على خلفية مزاعم استخدام الجيش السوري لأسلحة كيميائية في منطقة الغوطية في ريف دمشق بتاريخ 21 آب/ أغسطس الماضي.

وقبل نشر تقرير أعدته مراسلة وكالة "أسوشييتد برس" ديل غافلاك كشفت فيه أن السلاح الكيميائي الذي استخدم في ريف دمشق، سُلم من الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى المسلحين، لكنهم فشلوا في استخدامه ما أدى إلى وقوع مجزرة في صفوف المدنيين والمسلحين. كانت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية قد كتبت: " في فصل الشتاء الماضي، بدأ السعوديون أيضا في محاولة إقناع الحكومات الغربية أن الأسد قد تخطى ما وصفه الرئيس باراك أوباما قبل عام بـ"الخط الأحمر": استخدام الأسلحة الكيميائية. ويقول دبلوماسيون عرب إن عملاء الاستخبارات السعودية تعقبوا مصابا سوريا سافر إلى بريطانيا للعلاج، وأظهرت التحليلات تعرضه لغاز السارين. جواسيس مخابرات الأمير بندر خلصوا في شباط /فبرايرالماضي إلى أن الرئيس الأسد استخدم أسلحة كيماوية، ونقلوا الأدلة إلى الولايات المتحدة، والتي وصلت إلى استنتاج مماثل بعد أربعة أشهر".
كلام أتى ليدعمه موقف رسمي من وزارة الدفاع الليبية في مقابلة لصالح إذاعة صوت روسيا، قال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه إن معلومات سُمعت في أروقة وزارة الدفاع الليبية فحواها أن الأسلحة الكيميائية التي سُلمت من السعودية للمسلحين مصدرها "إسرائيل".
وكتبت وكالة "رويترز" في مقال تحليلي نشرته الثلاثاء 3/9/2013، إن موقف أوباما المتردد برجوعه إلى الكونغرس قبل أي تدخل عسكري في سورية أزعج حليفيه الرئيسيين في المنطقة: السعودية و"إسرائيل".
"إسرائيل والسعودية... تضغطان على صديقهما المشترك في البيت الأبيض لضرب الرئيس السوري بشار الأسد بقوة. ويمارس الجانبان هذا الضغط وعينهما ليست على سوريا وحدها بل تنظر أيضا إلى عدوهما المشترك إيران"، قالت الوكالة الأجنبية.
وأضافت أن الرياض التي تعتبر داعماً رئيسياً للمسلحين في سورية، تعتبر أن سقوط سورية من شأنه تقويض النفوذ الايراني في المنطقة. وذكّرت في إحدى برقيات الدبلوماسية الأميركية المسربة التي قال فيها مبعوث سعودي إن الملك عبد الله بن عبد العزيز "يريد من واشنطن "قطع رأس الأفعى" لإنهاء التهديد النووي الذي تشكله طهران"، وفقاً لرويترز.
ما تريده السعودية وفقاً لرئيس اللجنة الخارجية في مجلس الشورى عبد الله العسكر، أن يقود العدوان الأميركي على سورية لإسقاط الحكم فيها، وهي ما تنفك تلوح للولايات المتحدة بأن بقاء الرئيس الأسد على سدة الحكم في سورية يعني تعزيزاً لقوة التكفيرين، لأن "يأس مقاتلي المعارضة من تقاعس أمريكا تجاه الوضع في سورية سيدفع المزيد من المقاتلين لتحويل ولائهم إلى المتشددين"، وفقاً للمنطق السعودي.
اليوم يترقب الأميركيون موقف الكونغرس.. ويضغط السعوديون كما الصهاينة لناحية القبول بتوجيه عدوان عسكري على سورية، يتوعد السوريون وحلفاؤهم المعتدين، بينما تنخرط السعودية أكثر فأكثر في وحول المنطقة، علها تحقق ما فشلت فيه دوماً.
http://www.almanar.com.lb/adetails.p...ccatid=24&s1=1
بنـدر السعـودية: فليكن التفجير! (1)
إسراء الفاس

مقلق هو الوضع بالنسبة للسعودية، ومرد ذلك ليس متعلقاً بما أفرزته التحولات في المنطقة فحسب، بل إلى هواجس متداخلة بين حسابات الداخل والخارج. ففي المملكة، ذات الوضع الداخلي المنهك والهش، تفوح رائحة انقسامات بين الجيل الأول من أبناء عبدالعزيز والجيل الثاني. كما أن تعاطفاً داخلياً مع الاخوان المسلمين إضافة إلى صعود الجماعة في المنطقة أخذ يشكل تهديداً يطرق أبواب قصور العائلة الحاكمة، فتجند له دعاة المملكة ونفطها.
بموازاة ذلك، يرى آل سعود في النفوذ الإيراني في المنطقة استفزازاً لهم، تتحدد بموجبه مواقفها من مجمل ملفات المنطقة. فيُربط به قلقهم من التحركات في البحرين، التي وعلى سلميتها تقض مضاجعهم. ويضيفون إلى ذلك ما يجري من تحركات في المنطقة الشرقية من السعودية، تحركات تزعج المملكة التي لم تتصالح حتى الان مع فكرة المطالب الشعبية. وعلى الحدود الجنوبية -حيث اليمن- يكمن ثقل حوثي لم يُفلح العسكر السعودي والحليف في وضع حد له. والمشكلة في العراق مشابهة لما هي عليه في سورية ولبنان.. حيث ميزان القوى بحساباتهم يميل لصالح إيران.
لا تكتم السعودية هواجسها ومخاوفها.. فتشير إليها في كل محطة، وتتصدى لها بشكل مباشر كما في البحرين والداخل واليمن، كما تغدق الدعم المالي والسياسي على ما يصفه الاخوان المسلمون بـ"الانقلاب على الشرعية" في مصر. وتمرر رسائل أمنية عبر مجموعات إرهابية تمولها وتديرها في العراق أو لبنان فتقابل هذه الاتهامات بالصمت، وتعلن صراحة عن انخراطها كطرف في ألازمة السورية، فتدعم وتمول وتدرب المسلحين هناك.
وفي سورية كلما جاهرت المملكة بدعمها للمقاتلين يُفهم من ذلك أنَّ الوضع على الأرض لا زال بيد الجيش السوري... شبح الهزيمة في سورية يؤرق المملكة، فتنغمس في تفاصيلها أكثر وأكثر. وبعد أن طغى حديث التسوية اثر استبعاد الدوحة كلاعب رئيسي في الأزمة، تلزمت الرياض المشروع الأميركي في المنطقة، قدمت ضمانات فيما يتعلق بالمجموعات السلفية ، وحصلت على مكاسب لناحية ابعاد الاخوان عن المشهد السياسي ، فكان القرار السعودي: لا للتسوية، وإن كان التفجير.. فليكن!
بندر والصفقة الكبرى

"قطر ليست إلا 300 شخص... وقناة تلفزيونية"... "وهذا لا يجعل منها بلداً"، هذا ما صاح به بندر بن سلطان، في احدى مكالماته الهاتفية، في اجتماع لتنسيق شحنات الأسلحة المرسلة الى المجموعات المسلحة في سوريا في الصيف الماضي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". أتى هذا الموقف بالتزامن مع مضاعفة الملك عبد الله واجبات ومهمات ابن اخية بندرالذي تم تعيينه كرئيس لمكتب الأمن القومي، مع إشرافه أيضا على المخابرات العامة السعودية. وأُسند لعدد من أمراء الجيل الثاني مناصب حساسة في السلطة مطلقاً يدهم بالتصرف، ومن هؤلاء: محمد بن نايف (الملف الداخلي) ومتعب بن عبد الله (وزير الحرس الوطني) وسلمان بن سلطان (نائب وزير الدفاع.)
أرادت المملكة من هذه الخطوة تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، أو ربما إيجاد قضية تجمع الطبقة السياسية الحاكمة لترميم الوضع الهش والمتصدع في الداخل ، في ظل صراع خفي محتدم بين أمراء الجيلين مع غياب صيغة تؤمن انتقال السلطة من الأول إلى الثاني وفقاً لرأي الكاتب في صحيفة الأخبار ناصر شرارة في حديثه لموقع قناة المنار، بينما قرأت صحف غربية في التعيين تعبيرا عن مرحلة انتقالية في السياسة السعودية.
عادت السعودية إلى الساحة السياسية الدولية باندفاع أكبر، وعينها على التمدد الاخواني الذي بدأ يطرق أبواب الخليج والمملكة. يشرح شرارة أنه وبحسب معلومات سُربت ، فان داخل آل سعود انفسهم من أبدى تعاطفاً مع الاخوان ، وأهمهم كان خالد بن طلال، وهو ما رفع منسوب قلق حكام المملكة، إلى جانب موقف "تيار الصحوة" المنتشر في المملكة والذي وجد في أفكار سيد قطب سلفية جهادية تروق له.
عملت الرياض على إقناع واشنطن بضعف التجربة الإخوانية، مقابل أن يُسند الدور لحركات سلفية، وقدمت ضمانات باحتواء الحركات المتطرفة مقابل انهاء صعود الاخوان... وقد ذكّرت السعودية بفشل القطريين والأتراك في تنفيذ مهتهم رغم المهل المتكررة التي أطلقوها للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
قطر إلى التنحي والأردن بديلاً عن تركيا

سُحب الملف من يد قطر، واُطيح بالاخوان في مصر، بينما انفجرت تركيا غيظاً. وقد عمد السعوديون بذلك إلى تقزيم الدورين التركي والقطري. وظهر ذلك في التركيبة الأخيرة لما يُسمى بالإئتلاف السوري المعارض، حيث تم تعيين أحمد الجربا وميشال كيلو وجورج صبرا، وهم الأعضاء الذين يمثلون التوجه السعودي في التكشيل المعارض.
الفيتو السعودي على دور الاخوان لم يقتصر على مصر، بل شمل كل وجودهم في المنطقة. ورأت السعودية - وفق تعبير بندر بن سلطان في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- أن كلا من قطر وتركيا تجاوزتا الأدوار المرسومة لهما في دعم الاخوان المسلمين، الذي قدموا بدورهم تجربة ارهابية على حد وصف الأمير السعودي.
كان لابد من وضع حد لتنامي حجم المحور القطري - التركي. تنحى حمد بن خليفة آل ثاني وقُضي الأمر بمباركة أميركية. ثم جاء دور تركيا التي رأت أن المعركة ارتدت الى تهديد وضعها الداخلي. وفي الحسابات السعودية ، فان تنامي أي قوة اقليمية قد تزاحم المملكة في دورها يعتبر خطا أحمر. فبدأت بتحجيم هذا الدور ، فكانت الوجهة إلى الأردن، وكل ذلك بغية حفاظ السعودية على دورها وتوسيع نفوذها الاقليمي.
تنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تقرير أجنبي أن موظفين في المخابرات السعودية والأميركية وغيرها من دول التحالف لاسقاط الرئيس الاسد يعملون في غرف عمليات مشتركة وسرية لتدريب وتسليح المقاتلين ضد النظام منذ الصيف الماضي، وكان رئيس وكالة المخابرات المركزية يومها، ديفيد بترايوس، من أوائل المؤيدين لهذه الفكرة. الصحيفة الأجنبية ذكرت أن "موظفي كالة CIA في قاعدة الأردن موجودون بأعداد أكثر من نظرائهم السعوديين، وفقا لدبلوماسيين عرب".
يومها التقى بندر بن سلطان "مع بعض الأردنيين غير المرتاحين لمثل هذه القاعدة. واستغرقت لقاءاته في عمان مع الملك الأردني عبد الله في بعض الأحيان ثماني ساعات في جلسة واحدة، كما نقل التقرير عن شخص مطلع على هذه الاجتماعات. وقال مسؤولون في المنطقة والولايات المتحدة إن الاعتماد المالي للأردن على السعودية منح الرياض وبندر النفوذ القوي. وأضافوا انه بمباركة من الملك الأردني، انطلق عمل القاعدة العسكرية في الأردن في صيف عام 2012"، وقد ساعد بترايوس في انتزاع الدعم العسكري الأردني للقاعدة".

انتقلت غرف العمليات إلى الأردن لتنتزع من تركيا ورقة كانت بيدها منذ انطلاق الأزمة في سورية، وأُسند الاشراف على هذه العمليات إلى الأخ الأصغر وغير الشقيق لبندر الأمير سلمان بن سلطان آل سعود، الذي تسلم فيما بعد منصب نائب وزير الدفاع السعودي رغم صغر سنه، ولهذا يُطلق عليه البعض "بندر الصغير".
ولهذه المهمة، يقيم سلمان بن سلطان اليوم إقامة شبه دائمة في العاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في الطابق الرابع من فندق رويال. فهو يدير جزءا هاماً من الاستراتيجية السعودية المتعلقة بالملف السوري، "وتحديدا الجزء المتربط بما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعبارة إعادة التوازن ميدانيا"، وفقاً لتشخيص صحيفة القدس العربي.
وقد أعقب نشاط "بندر الصغير" في الأردن نشر عدة تقارير عن وصول العديد من قطع السلاح الثقيل من ذخائر وصواريخ مضادة للدروع الى المسلحين في سورية، وتحديدا في منطقة درعا جنوبي سورية.
ورغم ما يُنقل عن انخراط الأردن في جبهة مقابلة لسورية، يصر بعض من في المملكة الهاشمية اليوم على أن موقف بلادهم لا يزال متأرجحاً، ومنهم المسؤول في حزب الوحدة الشعبية ضرغام هلسة. ويجزم هلسة –في حديث لموقع المنار- أن هناك خلافاً في مركز صناعة القرار الاردني بين من مع ومن ضد. إلا أن مجريات المعركة يدلل على أن الموقف الرسمي وحياده لم يكن ايجابياً، يضيف هلسة ان النظام السياسي يخدم تحالفاته التاريخية مع دول الاستعمار العالمي في مواجهة محور المقاومة، لأن التردد في هذه المعركة غير مقبول.
ورغم ما يُغدق من دعم عسكري أميركي بتمويل سعودي، ترى CIA علامات اعتبرتها مثيرة للقلق: "إيران وحزب الله وروسيا، في رد فعل على تدفق الأسلحة للثوار من السعودية، يكثفون دعمهم للأسد". فكان لا بد من فتح المواجهة على مصراعيها... قالها بندر بصراحة لبوتين في اجتماعه الأخير: "المملكة لديها الكثير من المال وملتزمة باستخدامه لتسود"، وختم الأمير السعودي الذي أشار في بداية اللقاء الى أنه لا يتحدث باسم السعودية وحدها بل باسم الأميركيين: "لا مفر من الخيار العسكري بوصفه الخيار الوحيد المتاح حاليا"، معلناً بذلك: إذاً... فليكن التفجير!
http://www.almanar.com.lb/adetails.php?fromval=1&cid=83&frid=83&eid=576266
***
5/9/2013
السعودية VS سورية وحزب الله: فُتحت المواجهة! -2-
إسراء الفاس

كل من في ضاحية بيروت الجنوبية إما ردد أو سمع عبارة: "فعلها بندر!" عقب التفجيرين الذين وقعا فيها. وخرجت صحف لبنانية لتحمل السعودية صراحة، ورئيس جهازها الاستخباري بندر بن سلطان بالإسم، مسؤولية ما جرى. اتهامات لم تزعج المملكة التي قررت أن تلوذ بالصمت.
يقول الكاتب في صحيفة الأخبار ناصر شرارة – في حديث خاص لموقع المنار - إن تفجيري الضاحية "شبه موقعين من بندر"، فعقب التفجير الأول سارعت دول العالم إلى الإدانة، وتبرأ كيان العدو الاسرائيلي، فيما لم يُسمع من بلاد الحرمين استنكار أو إدانة. وبعد شهر تقريباً، سقط حوالي 30 شهيداً لم يصدر موقف عن المملكة، بل أتت الإدانة عبر موقف مجلس التعاون الخليجي، الذي سُرعان ما مسحته السعودية بعد إنتقادات وجهتها لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في اليوم التالي.
في هذا الوقت، انشغلت التحليلات بقراءة الغاية السعودية، قيل إن قرار تفجير الوضع الأمني في لبنان هو لإلهاء حزب الله في الداخل عن معركته الكبرى التي تدور رحاها في الميدان السوري. وذكر البعض أن آل سعود يريدون معاقبة حزب الله على "تخطيه الخط الأحمر" بانخراطه كطرف في الأزمة السورية.. كُتب الكثير، ولكن الأفكار صبت في خندق واحد، أكده التعاطي الإعلامي للفريق المحسوب على المملكة في داخل لبنان وخارجه، ومفاده: مطلوب إبعاد حزب الله بعد إنجاز القصير.
"التفجير السعودي".. كيف تلقاه حزب الله؟
عقب تفجير بئر العبد كتب رئيس تحرير جريدة الأخبار ابراهيم الأمين: "أمس وقعت جريمة جديدة لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن تلك التي نُفّذت قبل 28 عاماً. وحزب الله عوّد الأعداء على انه يعمل لمنعهم من القيام بالجريمة او منعهم عن تكرارها. وفي العلم العسكري والامني، يسمى هذا النوع من العمل بالردع. وعلى من قرروا وخططوا وشاركوا في جريمة امس، أن يتحسسوا رقابهم، اينما ذهبوا في ارض الله الواسعة!".. فجاء بعدها تفجير الرويس موقعاً شهداء من المدنيين.

ووسط المعلومات والتحليلات، صمت السعودية وترقبها قابلته رسائل تضمنها خطاب السيد نصر الله في الذكرى السنوية السابعة لانتصار المقاومة على العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، وربما أخرى مُررت خلف الكواليس!
كانت الآذان بانتظار موقف سيُعلن من بلدة عيتا الحدودية مع فلسطين المحتلة ، فأكد الأمين العام لحزب الله أن ما جرى يحمل قراراً بتدمير لبنان، جازماً أن رد المقاومة سيكون " أنه إذا كان لدينا الف مقاتل في سورية، سيصبحون ألفين، واذا كان لدينا 5 آلاف مقاتل في سورية سيصبحون 10 آلاف، واذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الارهابيين ان اذهب انا وكل حزب الله الى سورية سنذهب الى سورية".
"نحن من نحسم المعركة ونوقت نهاية كل معركة"، قالها بثقة المؤكد أن لا تراجع!
الكلام تبعته رواية تناقلتها الصالونات الإعلامية والسياسية، قالت إنه عقب تفجير الضاحية الجنوبية الأول، بُلغ السعوديون رسالة من حزب الله أكدت – في مضمونها- أن ما وقع في بئر العبد قُرِأ على أنه رسالة لن تغير شيئاً من المعادلة أو الحسابات، ولكن أي تفجير آخر سيُفهم بأن المواجهة فُتحت، وبالتالي سيكون حزب الله مستعداً لها.
الرواية التي استبعدتها مصادر في حزب الله، تلقفها إعلاميون وسياسيون.. ليبنوا عليها عدداً من التساؤلات أهمها: " كيف سيردّ حزب الله على تفجير الضاحية الثاني؟"، وهل سيتخطى الرد الحدود اللبنانية كون الصراع أكبر من حدود لبنان؟
ويلفت ناصر شرارة أن السعودي انخرط في "حرب تستهدف مصالح قوى قادرة، وإذا اتخذت هذه القوى قراراً بالمواجهة فلن يستطيع عندها مجاراتها، بل سيكون الخاسر". شرارة وإذ يعتقد أنه لازال هناك رهان على أن يراجع السعودي حساباته، يؤكد أن القوى في المحور المقابل لازالت عاقلة حتى الآن، ومترفعة عن إرسال الرسائل الحادة، سواء في الداخل أو على الحدود السعودية التي تزعجها، وهنا يُذكر شرارة بأزمة المملكة مع جارها الجنوبي، والذي أثبتت تجارب السنوات الماضية عجزها عن احتوائها سياسياً وعسكرياً.
أما المحلل السياسي الأردني ناهض حتر فيفسر تعقل محور المقاومة والممانعة، مشيراً إلى أن "هناك مَن لا يزال يعتقد ــــ في سورية ومحور المقاومة معا ــــ أن الحرب، تؤذن بنهاية قريبة، وأن التسوية تلوح في الأفق، ويرى، بالتالي، أن الحكمة تقتضي ابتلاع الاعتداءات، وتوخّي النجاة من توسيع دائرة الحرب، وحصرها داخل الأراضي السورية".
وليست التفجيرات وحدها رسائل الجبهة المفتوحة، فقد سبقتها ضغوط أميركية-سعودية مورست على الاتحاد الأوروبي لإدراج حزب الله على لائحة المنظمات الارهابية، لم يكن أمام السعوديين حينها إلا تهديد الفرنسيين بملف العلاقات الاقتصادية، وفقاً لما نُقل عن مصادر أوروبية . كما أن تعليق تشكيل الحكومة اللبنانية، من خلال وضع فيتو على مشاركة حزب الله، كان ورقة أخرى استخدمت من قبل السعودية.
السعوديون لأميركا: لا نتوقع انتصاراً
الرسائل المفتوحة فجّرتها انتصارات الجيش السوري في القصير وما بعدها. وفي المملكة من يعتقد أن تطهير القصير من المجموعات التكفيرية لم يكن ليتم لولا تدخل حزب الله، ولذلك ذهب بعضهم ليقول إن الحزب تخطى "الخط الأحمر"، خصوصاً أن ما جرى دفع بكبار محللي الاستخبارات الأميركية للقول إن المسلحين السوريين ميؤوس منهم ويتفوق عليهم حلفاء سورية، بحسب ما نقل مسؤولون في الكونغرس ودبلوماسيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

القناعة نفسها يتشاركها السعوديون، ولو أن التصريح بها مر! ولكن يُستدل من ذلك على ما أبلغه بندر بن سلطان وسفير المملكة في واشنطن عادل الجبير للمسؤولين هناك: لا نتوقع انتصاراً للمسلحين.. ولكن نريد تعديل موازين القوى، وفقاً للصحيفة الأميركية نفسها.
وتنقل وكالة "رويترز" عن روبرت غوردان سفير الولايات المتحدة لدى الرياض، بين عامي 2001 2003، أن المسؤوليْن السعودييْن "اتسما "بالصراحة الشديدة" في اعتقادهما بانه يمكن الوثوق في مقاتلي المعارضة وضرورة تقديم الدعم العسكري لهم".
وبناءً عليه، ينظر المسؤول في حزب الوحدة الشعبية الأردني ضرغام هلسة – بحسب كلامه مع موقع المنار- إلى أن المواجهة في المنطقة فُتحت نحو الصراع التناحري، في إعلان الحرب على محور المقاومة. وأنا ما يجري من ضغط على حزب الله يهدف إلى إرباكه في الداخل للحدّ من تدخّله في مسار الأزمة السورية. وذلك بالتوازي مع تسليح المقاتلين في سورية بأسلحة حديثة ومتطوّرة لتحقيق إنجازات .
وفيما ينصب الاهتمام الإعلامي على أم المعرك في حلب، يُحكى عن تسليح سُعودي وتحشيد وتعزيزات عسكرية من الطرفين، وتعتمد الخطة السعودية على تعزيز قدرات مجموعات مختارة بعناية من المقاتلين وفق صحيفة "وول ستريت جورنال". وفي السياق، تكشف "ذي اندبندنت" البريطانية أن رئيس الاستخبارات السعودي كان على مدى شهور يعمل بصورة حصرية لحشد التأييد الدولي للمسلحين في سورية، بما في ذلك تسليحهم وتدريبهم.
اليوم، تترقب وسائل الاعلام ما هو قادم في حلب، فيما تحذر رسائل إفريقية من معركة يُحضر لها في منطقة درعا – القنيطرة - السويداء، لفرض منطقة عازلة على الحدود مع الأردن... فالمعركتان القادمتان من شأنهما أن تحددا معالم المنطقة مستقبلاً، ورسم سياساتها.
الضربة العسكرية: صُنع في السعودية
يُنظر اليوم إلى بندر بن سلطان على أنه رأس حربة المشروع السعودي، يقود مشروع المملكة بشراسة، بعد أن كان من أشد المطالبين بغزو العراق عام 2003، تقول "ذي اندبندنت" إن الأمير السعودي الوثيق الصلة بواشنطن هو من أشد الداعين اليوم إلى عدوان عسكري على سورية من شأنه أن يُضعف النظام السوري أو اسقاطه، وذلك على خلفية مزاعم استخدام الجيش السوري لأسلحة كيميائية في منطقة الغوطية في ريف دمشق بتاريخ 21 آب/ أغسطس الماضي.

وقبل نشر تقرير أعدته مراسلة وكالة "أسوشييتد برس" ديل غافلاك كشفت فيه أن السلاح الكيميائي الذي استخدم في ريف دمشق، سُلم من الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى المسلحين، لكنهم فشلوا في استخدامه ما أدى إلى وقوع مجزرة في صفوف المدنيين والمسلحين. كانت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية قد كتبت: " في فصل الشتاء الماضي، بدأ السعوديون أيضا في محاولة إقناع الحكومات الغربية أن الأسد قد تخطى ما وصفه الرئيس باراك أوباما قبل عام بـ"الخط الأحمر": استخدام الأسلحة الكيميائية. ويقول دبلوماسيون عرب إن عملاء الاستخبارات السعودية تعقبوا مصابا سوريا سافر إلى بريطانيا للعلاج، وأظهرت التحليلات تعرضه لغاز السارين. جواسيس مخابرات الأمير بندر خلصوا في شباط /فبرايرالماضي إلى أن الرئيس الأسد استخدم أسلحة كيماوية، ونقلوا الأدلة إلى الولايات المتحدة، والتي وصلت إلى استنتاج مماثل بعد أربعة أشهر".
كلام أتى ليدعمه موقف رسمي من وزارة الدفاع الليبية في مقابلة لصالح إذاعة صوت روسيا، قال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه إن معلومات سُمعت في أروقة وزارة الدفاع الليبية فحواها أن الأسلحة الكيميائية التي سُلمت من السعودية للمسلحين مصدرها "إسرائيل".
وكتبت وكالة "رويترز" في مقال تحليلي نشرته الثلاثاء 3/9/2013، إن موقف أوباما المتردد برجوعه إلى الكونغرس قبل أي تدخل عسكري في سورية أزعج حليفيه الرئيسيين في المنطقة: السعودية و"إسرائيل".
"إسرائيل والسعودية... تضغطان على صديقهما المشترك في البيت الأبيض لضرب الرئيس السوري بشار الأسد بقوة. ويمارس الجانبان هذا الضغط وعينهما ليست على سوريا وحدها بل تنظر أيضا إلى عدوهما المشترك إيران"، قالت الوكالة الأجنبية.
وأضافت أن الرياض التي تعتبر داعماً رئيسياً للمسلحين في سورية، تعتبر أن سقوط سورية من شأنه تقويض النفوذ الايراني في المنطقة. وذكّرت في إحدى برقيات الدبلوماسية الأميركية المسربة التي قال فيها مبعوث سعودي إن الملك عبد الله بن عبد العزيز "يريد من واشنطن "قطع رأس الأفعى" لإنهاء التهديد النووي الذي تشكله طهران"، وفقاً لرويترز.
ما تريده السعودية وفقاً لرئيس اللجنة الخارجية في مجلس الشورى عبد الله العسكر، أن يقود العدوان الأميركي على سورية لإسقاط الحكم فيها، وهي ما تنفك تلوح للولايات المتحدة بأن بقاء الرئيس الأسد على سدة الحكم في سورية يعني تعزيزاً لقوة التكفيرين، لأن "يأس مقاتلي المعارضة من تقاعس أمريكا تجاه الوضع في سورية سيدفع المزيد من المقاتلين لتحويل ولائهم إلى المتشددين"، وفقاً للمنطق السعودي.
اليوم يترقب الأميركيون موقف الكونغرس.. ويضغط السعوديون كما الصهاينة لناحية القبول بتوجيه عدوان عسكري على سورية، يتوعد السوريون وحلفاؤهم المعتدين، بينما تنخرط السعودية أكثر فأكثر في وحول المنطقة، علها تحقق ما فشلت فيه دوماً.
http://www.almanar.com.lb/adetails.p...ccatid=24&s1=1
تعليق