5/2/2014
«حزب الله» يتهيّأ للإنتحاريّين … من عرسال إلى القلمون !

طوني عيسى
«في الزمان والمكان المناسبين»، وفق العبارة التي تَرِدُ غالباً في بيانات دمشق بعد كل ضربة إسرائيلية، سيردُّ «حزب الله» على الضربات الإنتحارية. لكن الفارق هو أن «الحزب» سيردُّ فعلاً، لا على الورق، بمشاركة الحليف السوري، وفي زمان يبدو وشيكاً ومكان يبدو محدَّداً.
إنقضت مهلة الـ48 ساعة التي وجَّهتها عشائر الهرمل إلى “غير التكفيريين” من أبناء عرسال لمغادرتها، “حرصاً على دمائهم”، والتي أرفِقت بمهلة 24 ساعة لكي يغادر السوريون منطقة الهرمل، و”بعد ذلك بدقيقة سنهدر دمهم”.
وبات الجميع في انتظار الآتي. فلهجة التهديد جاءت حازمة وحاسمة بعد “رَشَقِ” العمليات الإنتحارية في الهرمل والضاحية: “التكفيريون” يمارسون “حقدهم”… “بمساعدةٍ من السوريين في الهرمل”. “نفد صبرنا”، و”قرَّرنا حماية أنفسنا”.
ليس مؤكداً إذا كانت العشائر ستنفِّذ تهديدها الخطِر ضد “التكفيريين” و”سوريّي الهرمل” من داعميهم. لكن الأرجح أنّ هناك ردّاً على الضربات الإنتحارية يُحضَّر على مستوى “حزب الله”. والمحللون الذين يدركون جيداً سيكولوجيّة “الحزب”، واختبروا تجاربه في ظروف مشابهة، يقولون: إن الصمت المطبق الذي يلتزمه لا يؤشِّر فقط إلى الإحراج، بل إلى شيءٍ ما يخبِّئه ويستعدُّ لتنفيذه في اللحظة المناسبة.
على مدى السنوات الثلاث الأولى من النزاع السوري، بقيت مناطق “حزب الله” آمنة. وفي المرّة الأولى، عندما تساقطت صواريخ “الغراد” في منطقة مار مخايل، ظنّ كثيرون أنها ضلّت الطريق إلى هدف آخر. لكن الضاحية بدأت تُستهدَف تصعيدياً: بعد الصواريخ عبوات ناسفة ثم إنتحاريون. وكذلك الهرمل. ولم يبقَ نائياً سوى الجنوب، ربما لضرورات لوجستية… حتى اليوم.
لا يَسمح “فائض القوة” لـ”حزب الله” بعدم الردّ. فإذا تلكأ، ستستمرُّ الضربات ويتمُّ استضعافه. وإذا أعلن انسحابه من سوريا – ولو صُوَرياً – فسيتمُّ تسجيل سابقة عليه، وهي أنه ينصاع للضغوط. وفي أي حال، لو لم يكن “الحزب” في صدد الردّ، لكان استعاض عن ذلك ببيانات التهديد. لكن “الحزب” ساكتٌ عن الكلام المباح، فيما المؤشرات توحي بأنه ذاهب إلى ردّ عنيف.
منذ اللحظات الأولى، بدأ “الحزب” يحدِّد “منبع الإرهاب” الذي يضرب مناطقه. وتتَّجه أصابعه إلى القلمون السورية، المفتوحة على عرسال، من خلال خطين: يبرود ورنكوس. ومع استهداف السفارة الإيرانية بعملية انتحارية مزدوجة، أعلنت مصادر أمنية أنّ السيارة جرى تفخيخها في يبرود، في جبال القلمون، وعَبَرت جرود عرسال إلى بيروت.
وهذا الإتهام بقيَ يتكرّر في التفجيرات اللاحقة وأعمال القصف، في الضاحية والهرمل. وتردّد أن هناك مصانع لتجهيز السيارات المفخّخة وتحضير الإنتحاريين في يبرود، وأن قصف الهرمل بالصواريخ، الشهر الفائت، تمّ من المنطقة الحدودية التي تربط القلمون بعرسال.
وقبل أيام، بدأت الأوساط القريبة من “حزب الله” تتحدّث عن عملية قيصرية تشمل بقعة القلمون – عرسال، وهدفها توجيه ضربة قاضية إلى “الإرهاب التكفيري”. وتعتقد مصادر سياسية أن “حزب الله” حدَّد مكان الردّ، وأنه بات على جهوزية عسكرية لخوض هذه المعركة، بالإشتراك مع حليفه الرئيس بشّار الأسد.
لكن تحديد الموعد كان متعذراً خلال التحضير لمؤتمر “جنيف 2″. فالأسد لا يستطيع تنفيذ اجتياحات تكلّف الكثير من الدماء والدمار، فيما هو جالس إلى طاولة المفاوضات حول التسوية. ولذلك، تمّ تأجيل المعركة إلى ظرفٍ سياسي أفضل.
واليوم، وفي الوقت المستقطع بين جولة وأخرى في جنيف، وتحت ضغط العمليات الإنتحارية المتسارعة في الضاحية والهرمل، ثمة من يعتقد أن المغامرة العسكرية واردة في أي لحظة. فـ”الحزب” يترصّد عرسال عسكرياً، فيما يُنقل عن المصادر المواكبة أنّ هجوم الجيش النظامي على يبرود، بدعم من “الحزب”، سيبدأ قريباً. ويَخشى خصوم “الحزب” أن يُزَجَّ الجيش في المعركة تحت ظروف معينة، ما يسيء إلى دوره.
وهكذا تكون المعادلة قد سلكت المسار الآتي: “حزب الله” ذهب يقاتل الجهاديين في سوريا، فجاؤوا إليه انتحارياً في لبنان. ومن باب الردِّ على الردّ، قد يعمد “الحزب” إلى السيطرة على مناطق لبنانية، ويدعم حليفه السوري للسيطرة على مناطق سورية.
لكن الخوف من استمرار مسلسل الرعب يبقى قائماً، أيّاً تكن نتيجة المواجهات العسكرية. وقد يؤدي إلى تكريس الفرز في لبنان، على وتيرة الفرز في سوريا. فبعض المناطق اللبنانية بات مفروزاً جيداً، ولا تنقصه إلّا اللمسات الأخيرة وتكريس الأمر الواقع.
«حزب الله» يتهيّأ للإنتحاريّين … من عرسال إلى القلمون !

طوني عيسى
«في الزمان والمكان المناسبين»، وفق العبارة التي تَرِدُ غالباً في بيانات دمشق بعد كل ضربة إسرائيلية، سيردُّ «حزب الله» على الضربات الإنتحارية. لكن الفارق هو أن «الحزب» سيردُّ فعلاً، لا على الورق، بمشاركة الحليف السوري، وفي زمان يبدو وشيكاً ومكان يبدو محدَّداً.
إنقضت مهلة الـ48 ساعة التي وجَّهتها عشائر الهرمل إلى “غير التكفيريين” من أبناء عرسال لمغادرتها، “حرصاً على دمائهم”، والتي أرفِقت بمهلة 24 ساعة لكي يغادر السوريون منطقة الهرمل، و”بعد ذلك بدقيقة سنهدر دمهم”.
وبات الجميع في انتظار الآتي. فلهجة التهديد جاءت حازمة وحاسمة بعد “رَشَقِ” العمليات الإنتحارية في الهرمل والضاحية: “التكفيريون” يمارسون “حقدهم”… “بمساعدةٍ من السوريين في الهرمل”. “نفد صبرنا”، و”قرَّرنا حماية أنفسنا”.
ليس مؤكداً إذا كانت العشائر ستنفِّذ تهديدها الخطِر ضد “التكفيريين” و”سوريّي الهرمل” من داعميهم. لكن الأرجح أنّ هناك ردّاً على الضربات الإنتحارية يُحضَّر على مستوى “حزب الله”. والمحللون الذين يدركون جيداً سيكولوجيّة “الحزب”، واختبروا تجاربه في ظروف مشابهة، يقولون: إن الصمت المطبق الذي يلتزمه لا يؤشِّر فقط إلى الإحراج، بل إلى شيءٍ ما يخبِّئه ويستعدُّ لتنفيذه في اللحظة المناسبة.
على مدى السنوات الثلاث الأولى من النزاع السوري، بقيت مناطق “حزب الله” آمنة. وفي المرّة الأولى، عندما تساقطت صواريخ “الغراد” في منطقة مار مخايل، ظنّ كثيرون أنها ضلّت الطريق إلى هدف آخر. لكن الضاحية بدأت تُستهدَف تصعيدياً: بعد الصواريخ عبوات ناسفة ثم إنتحاريون. وكذلك الهرمل. ولم يبقَ نائياً سوى الجنوب، ربما لضرورات لوجستية… حتى اليوم.
لا يَسمح “فائض القوة” لـ”حزب الله” بعدم الردّ. فإذا تلكأ، ستستمرُّ الضربات ويتمُّ استضعافه. وإذا أعلن انسحابه من سوريا – ولو صُوَرياً – فسيتمُّ تسجيل سابقة عليه، وهي أنه ينصاع للضغوط. وفي أي حال، لو لم يكن “الحزب” في صدد الردّ، لكان استعاض عن ذلك ببيانات التهديد. لكن “الحزب” ساكتٌ عن الكلام المباح، فيما المؤشرات توحي بأنه ذاهب إلى ردّ عنيف.
منذ اللحظات الأولى، بدأ “الحزب” يحدِّد “منبع الإرهاب” الذي يضرب مناطقه. وتتَّجه أصابعه إلى القلمون السورية، المفتوحة على عرسال، من خلال خطين: يبرود ورنكوس. ومع استهداف السفارة الإيرانية بعملية انتحارية مزدوجة، أعلنت مصادر أمنية أنّ السيارة جرى تفخيخها في يبرود، في جبال القلمون، وعَبَرت جرود عرسال إلى بيروت.
وهذا الإتهام بقيَ يتكرّر في التفجيرات اللاحقة وأعمال القصف، في الضاحية والهرمل. وتردّد أن هناك مصانع لتجهيز السيارات المفخّخة وتحضير الإنتحاريين في يبرود، وأن قصف الهرمل بالصواريخ، الشهر الفائت، تمّ من المنطقة الحدودية التي تربط القلمون بعرسال.
وقبل أيام، بدأت الأوساط القريبة من “حزب الله” تتحدّث عن عملية قيصرية تشمل بقعة القلمون – عرسال، وهدفها توجيه ضربة قاضية إلى “الإرهاب التكفيري”. وتعتقد مصادر سياسية أن “حزب الله” حدَّد مكان الردّ، وأنه بات على جهوزية عسكرية لخوض هذه المعركة، بالإشتراك مع حليفه الرئيس بشّار الأسد.
لكن تحديد الموعد كان متعذراً خلال التحضير لمؤتمر “جنيف 2″. فالأسد لا يستطيع تنفيذ اجتياحات تكلّف الكثير من الدماء والدمار، فيما هو جالس إلى طاولة المفاوضات حول التسوية. ولذلك، تمّ تأجيل المعركة إلى ظرفٍ سياسي أفضل.
واليوم، وفي الوقت المستقطع بين جولة وأخرى في جنيف، وتحت ضغط العمليات الإنتحارية المتسارعة في الضاحية والهرمل، ثمة من يعتقد أن المغامرة العسكرية واردة في أي لحظة. فـ”الحزب” يترصّد عرسال عسكرياً، فيما يُنقل عن المصادر المواكبة أنّ هجوم الجيش النظامي على يبرود، بدعم من “الحزب”، سيبدأ قريباً. ويَخشى خصوم “الحزب” أن يُزَجَّ الجيش في المعركة تحت ظروف معينة، ما يسيء إلى دوره.
وهكذا تكون المعادلة قد سلكت المسار الآتي: “حزب الله” ذهب يقاتل الجهاديين في سوريا، فجاؤوا إليه انتحارياً في لبنان. ومن باب الردِّ على الردّ، قد يعمد “الحزب” إلى السيطرة على مناطق لبنانية، ويدعم حليفه السوري للسيطرة على مناطق سورية.
لكن الخوف من استمرار مسلسل الرعب يبقى قائماً، أيّاً تكن نتيجة المواجهات العسكرية. وقد يؤدي إلى تكريس الفرز في لبنان، على وتيرة الفرز في سوريا. فبعض المناطق اللبنانية بات مفروزاً جيداً، ولا تنقصه إلّا اللمسات الأخيرة وتكريس الأمر الواقع.
تعليق