* روسيا تغير المعادلة على الأرض.. وأميركا ’تتفرج’ من الجو
سركيس ابو زيد - خاص العهد
في الأسابيع الأخيرة فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب أكثر من مرة أولاً بنشر طائراته ودباباته في سوريا، ثم بالدعوة الى تحالف دولي ضد "داعش"، وبعدھا بالاعلان عن تحالف استخباري مع سوريا والعراق وإيران، كجزء من الحملة على التنظيم الإرهابي الذي يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا.
المشهد الاقليمي-الدولي المتعثر أتاح لبوتين أن يقتنص الفرصة ليفرض وجوده كلاعب رئيس ومحرك لحل الأزمة في منطقة الشرق الاوسط انطلاقا من سوريا، بينما الولايات المتحدة شبه غائبة عن المسرح وتفضل الانكفاء والجلوس في المقعد الخلفي ولا خطط ولا رغبة لديھا للتدخل، وأوروبا منشغلة بأزمة اللاجئين والمھاجرين ومنقسمة حيالھا وتريد حلا لأزمة سوريا بأي طريقة، ودول الخليج منھمكة بحرب اليمن ولا ترى خطرا إلا الخطر الإيراني، وتركيا منشغلة بوضعھا الداخلي الموزع بين أزمة أمنية ومواجھات متجددة مع الأكراد وأزمة سياسية تعبّر عنھا انتخابات مبكرة بعد أشھر على انتخابات قوَضت مشروع أردوغان وسلطته المطلقة وغالبيته البرلمانية، و"إسرائيل" مھتمة بأمورھا وأوضاعھا الممتدة من الجبھة الشمالية مع سوريا الى جبھة غزة مرورا بضفة غربية منتفضة.
والآن يضاف الى ھذا المشھد الذي يدل على ارتباك الدول الداعمة للمعارضة السورية، موقف مصر الذي يأخذ مسافة من ھذه الدول ويتمايز عنھا ويشكل دعما معنويا لروسيا. تجلى ذلك في تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري لقناة "العربية": "أن دخول روسيا بما لديھا من إمكانات وقدرات في مقاومة الإرھاب والعمل على محاصرة انتشاره، ھو أمر نرى أنه سيكون له أثر في محاصرة الإرھاب في سوريا والقضاء عليه"....
ھذا التصريح كان كافياً لإثارة موجة من ردود فعل مستنكرة من جانب القوى المناھضة للنظام السوري، التي اعتبرت موقف مصر بأنه مثير للقلق والشبھة في تمايزه عن موقف الدول الخليجية، ومن حيث تغطيته للتدخل الروسي المتماھي مع التدخل الإيراني في سوريا. والأهم من ذلك أنه لا يلتقي مع الموقف السعودي، لأن الحرب الروسية في سوريا "مرحب بھا مصريا، وغير مرحب بھا سعوديا".

روسيا تغير المعادلة
أما في لبنان، المعني أكثر من غيره من الدول المنخرطة بالأزمة السورية، فقد انقسمت الأراء فيه:
* فھناك من يتوقع أن يكون تلبد الفضاء الإقليمي حافزا للأطراف اللبنانيين على مزيد من الحوار وتحصين الوضع الداخلي لاتقاء المخاطر المتزايدة وعزل لبنان عن محيطه.
* وھناك من يتوقع أن يتجه الوضع في لبنان القابع في "الفراغ والشلل" الى "الأسوأ"، والى مزيد من التأزم والتصعيد وازدياد التطرف لدى القوى والحركات الإسلامية في لبنان والمنطقة، كرد فعل على التدخل الروسي في سوريا لأن هذا التدخل من وجهة نظرهم أضاف الى البعد المذھبي السني - الشيعي، البعد الديني الإسلامي - المسيحي .
الوزير السابق كريم بقرادوني يرى أن: " التدخل الروسي استراتيجي وھناك سببان للتدخل الروسي الأساسي:
الأول ھو الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، إذ ترفض القيادة الروسية تنحي الرئيس بشار الأسد أو سقوطه.
والثاني ھو تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استعادة دور روسيا في المنطقة بعدما ارتاح في الداخل عبر الانتخابات وارتاح دوليا، وبالتالي ما لم يكن في استطاعته فعله قبل أربع سنوات بات اليوم قادرا على فعله."
وحسب تقارير وزارة الدفاع الأميركية، أرسلت موسكو تعزيزات بأسلحة برية ھجومية متطورة، لاستخدامھا غرب البلاد ضد قوات المعارضة بعيداً عن عناصر تنظيم "داعش". وھذه الأسلحة رصدت في منطقة بين حمص وإدلب ومناطق في غرب إدلب. وترى واشنطن الخطوة على أنھا تسريع في النشاط البري الذي يستھدف المعارضة لا "داعش".
لكن الفارق بين بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما ھو أن الأول يعرف ماذا يريد ولديه أدواته على الأرض لجھة التعاون والتنسيق مع الجيش السوري وقوات الحماية الكردية على أن يضرب جوا ويتحرك ھؤلاء على الأرض، في حين أن الثاني وهو أوباما يريد إسقاط "داعش" والرئيس بشار الأسد معا، لكنه لا يملك الأدوات على الأرض، وظھر جليا أن الولايات المتحدة تضرب جوا منذ سنة ولم تستطع أن تغيّر المعادلة السورية، لكن الدخول الروسي غيّرها.
لذلك أرسلت روسيا إشارات ورسائل عملية متلاحقة تفيد أنھا جدية الى أبعد الحدود في تدخلھا العسكري المباشر في سوريا، وأن قرارھا استراتيجي لا رجوع عنه ولا عودة الى الوراء، وأن تدخلها لا يقف عند حدود ضربات جوية ليست كافية لتغيير الوضع، وإنما تمهد لحرب وعمليات برية ستكون بشكل أساسي على عاتق الجيش السوري وستتصاعد وتيرتھا حتى آخر العام الجاري، لأن المطلوب ھو إحداث تغيير جوهري في المعادلة على الأرض وفي ميزان القوى بين النظام ومعارضيه وفرض واقع جديد في جبھات حمص وحلب وحماه وإدلب.
ونتيجة هذه الأحداث المتسارعة ولد في المنطقة محور آخر ھو المحور الروسي - السوري - العراقي - الإيراني بعدما كان ھناك محور واحد ھو المحور الأميركي السعودي - التركي والخليجي عموما، وكانت ھناك أحادية أميركية في إدارة منطقة الشرق الأوسط منذ حرب الخليج في التسعينات، ولكن اليوم تبدلت المعادلة.
محور موسكو - طھران - بغداد - دمشق - حزب الله يقدم نفسه على أنه القوة الوحيدة المستعدة لمحاربة "داعش"، وتاليا يسعى الى تقويض الجھود الخجولة للائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتھميشه في ھذه الحرب.
ولذلك تم إعلان تأسيس "مركز التنسيق المعلوماتي"، وحرصت جھات عدة، من بينھا رئاسة الحكومة العراقية، على جعل عمله يقتصر على الجانب الاستخباري، بمعنى جمع المعلومات عن المجموعات الإرھابية وبنيتھا التنظيمية، وھيكليتھا وعديدھا وتسليحھا، وانتشارھا الجغرافي، وطرق الإمداد اللوجستي الخاصة بھا، ومصادر ھذا الإمداد، وما إلى ذلك من معطيات تساعد على وضع الخطط وتحديد الآليات والطرق ونوع الأسلحة التي يجب استخدامھا في استھدافھا. لكن نظراً لتعقيدات الأمور توسعت مھماتھا، لتشمل توفير المساعدة الميدانية المباشرة خلال حصول العمليات والمواجھات، وجرى اتفاق على أن مقر غرفة التنسيق ستكون في وزارة الدفاع العراقية على أن يقيم أعضاؤھا (ستة من كل دولة) في المنطقة الخضراء.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي تخفيف لغة الاتفاق الرباعي الذي انضم إليه العراق ووصفه بأنه مجرد خلية تنسيق استخباري، إلا أن واشنطن سارعت إلى القيام بإجراءات على الأرض أشبه ما تكون بعقوبات ضد الحكومة العراقية نتيجة لما عدوه ھرولة عراقية غير محسوبة النتائج خلف حلفٍ لم يتمكن من فعل شيء في سوريا منذ أربع سنوات من وجوده.
وغلى الرغم من ذلك، تخطو موسكو بثقة واستراتيجية واضحة في سوريا على خلاف واشنطن التي لا تزال تظھر ترددا في مواجھة "داعش" كما في بلورة خطة حل سياسي للنزاع. وبإرسالھا تعزيزات الى المنطقة وإرسائھا أسس محور جديد توجه موسكو رسالة الى دول المنطقة بأنھا حليف ذو صدقية في المعركة ولاعب رئيس في الحرب كما في أي مشروع سلام لسوريا.
***
* الغارات الروسية المثمرة في سوريا تحّرج أميركا
علي حسن - خاص العهد
بات الذعر والخوف يسودان صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا بعد أن أعلن الحليف الروسي بدء الغارات الجوية بتوجيه الضربات الجدِّية المركزة على أهم النقاط التي تتواجد فيها المجموعات التكفيرية، وهذه المعطيات تؤكد أن ضربات التحالف التي نُفذت منذ أكثر من سنة لم تحمل أي نوع من أنواع الجدية بل كانت ضربات استعراضية تمثيلية وليس لها تأثير على الأرض لأن امتداد المجموعات التكفيرية يتزايد دون أي خوف.
شرعية التدخل الروسي
يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء ثابت محمد، لـ "موقع العهد الإخباري" أن "التحالف الروسي تحالف شرعي، بينما لا يملك التحالف الأمريكي أية شرعية، لأن تدخُّل التحالف الروسي جاء بناء على طلب الحكومة السورية، في حين لم تطلب سوريا ولا العراق أي تدخل للتحالف الأميركي الذي يعتبر الإرهاب وسيلة لتحقيق مشروعه السياسي، بينما ترى روسيا الاتحادية في الإرهاب عدوا بكل تنظيماته كـ داعش وجبهة النصرة".

يضيف الخبير العسكري أن "الحليف الروسي يستخدم في ضرباته أسلحة متطورة لا تخطئ الهدف، على عكس قوى التحالف فهي تستخدم ذخائر قديمة مستهلكة وفاسدة منذ عقود؛ وعليه فإن نتائج الغارات الجوية الروسية السورية خلال العشرة أيام الماضية أدت إلى تدمير عدد من مواقع وقواعد لوجستية بالإضافة إلى مقرات قيادة للإرهابيين على مختلف الجغرافيا السورية بما يعادل آلاف الأضعاف مما دمره التحالف الأمريكي على مدى سنة وشهرين".
توقف الهجمات المسلحة
يطلعنا الكاتب والخبير السياسي كامل صقر في حديث خاص لـ"العهد" على مدى تحقيق الأهداف مقارنة مع حجم الغارات، فيقول: "بالنظر إلى كثافة الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن والتي تجاوزت الستة آلاف غارة قيل أنها استهدفت تنظيم "داعش" الارهابي وقواه الميدانية، فيما نسبة الغارات الجوية الروسية هي نسبة تكاد لا تذكر من حيث العدد والكمية، إلا أن النتائج التي فرضتها الغارات الجوية والضربات المكثفة الروسية على مواقع تلك التنظيمات كانت واضحة وملموسة وكبيرة في كثير من المناطق، دون أن نلمس أية نتائج لغارات التحالف الدولي على الأرض، حيث استطاعت القوى الجوية الروسية أن تشل حركة وقدرة هذه التنظيمات بنسبة أربعين بالمئة أو أكثر في مناطق مختلفة، وأن تضرب القدرة القتالية لهذه التنظيمات".
يضيف صقر أنه "بطبيعة الحال هذا الكلام ليس مجرد كلام، إذا نظرنا إلى الأرض نستطيع أن نلحظ عدم قيام تلك التنظيمات بأية هجمات مسلحة ضد مواقع الجيش أو ضد بلدان وقرى في مختلف المناطق منذ انطلاق المقاتلات الروسية بغاراتها".
على أثر ذلك الواقع، يصل المراقبون إلى نتيجة جوهرية تتمثل بأن "الغارات الجوية التي نفذتها قوات التحالف الإمريكي على مدى عام كامل ربما لم تحقق خمسة بالمئة مما استطاعت أن تحققه الغارات الجوية الروسية خلال عشرة أيام فقط".
عملية التأثير والفاعلية
يتابع الخبير ثابت لـ"العهد" أنه "بعد التحالف الأميركي زاد انتشار داعش في سوريا والعراق أيضاً، بينما في ظل التحالف الروسي نلاحظ عملية عكسية للتنظيم الإرهابي الذي يلوذ بالفرار باتجاه العراق والأردن وحدود تركيا، كما نشاهد تقلص انتشار تموضع الجماعات المتطرفة خلال سبعة أيام".
من الناحية العلمية، صرح رئيس أركان الجيش الأميركي بأن "التحالف استهلك ما يقرب من عشرين ألف قذيفة وصاروخا ضد داعش، وكانت نتيجة ذلك مقتل خمس عشرة ألف داعشي، أي كل ثلاثة أرباع داعشي تلزمه قذيفة، وهذا يدل على أن التحالف يعلم المجموعات الإرهابية بشكل مسبق عن قصف الأهداف".
كشف أوراق التحالف الأميركي
وفي سياق متصل، لم تحصل الساحة الإعلامية على أية صورة أو شريط فيديو للمواقع التي تم ضربها من قبل التحالف الأميركي، على عكس التحالف الروسي الذي يقوم يوميا ببث الصور والمواقع المستهدفة من قبل طائراته.
ولا يغيب عن المتابع للسياسات الخارجية لكل من أميركا وروسيا أن التحالف الأميركي يدعم الدول التي تنتمي إلى السعودية والإمارات، الدول المتآمرة على سوريا والداعمة للإرهاب، بينما يهتم الروسي بسوريا وإيران والعراق التي تعاني من خطر الإرهاب.
وفي المحصلة لا بدَّ من التنوية بأن "روسيا تستند في عملياتها إلى الاقمار الاصطناعية، معتمدة في تنفيذ غاراتها على معلومات الجيش السوري واستخباراته العسكرية وهذه أهم نقطة في الحرب على الارهاب"، إضافة إلى منظومتها الخاصة للاستطلاع في الجو التي يمكن أن تكون قمرا اصطناعيا، أو مركزا لجمع المعطيات على الأرض".
سركيس ابو زيد - خاص العهد
في الأسابيع الأخيرة فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب أكثر من مرة أولاً بنشر طائراته ودباباته في سوريا، ثم بالدعوة الى تحالف دولي ضد "داعش"، وبعدھا بالاعلان عن تحالف استخباري مع سوريا والعراق وإيران، كجزء من الحملة على التنظيم الإرهابي الذي يسيطر على أجزاء من العراق وسوريا.
المشهد الاقليمي-الدولي المتعثر أتاح لبوتين أن يقتنص الفرصة ليفرض وجوده كلاعب رئيس ومحرك لحل الأزمة في منطقة الشرق الاوسط انطلاقا من سوريا، بينما الولايات المتحدة شبه غائبة عن المسرح وتفضل الانكفاء والجلوس في المقعد الخلفي ولا خطط ولا رغبة لديھا للتدخل، وأوروبا منشغلة بأزمة اللاجئين والمھاجرين ومنقسمة حيالھا وتريد حلا لأزمة سوريا بأي طريقة، ودول الخليج منھمكة بحرب اليمن ولا ترى خطرا إلا الخطر الإيراني، وتركيا منشغلة بوضعھا الداخلي الموزع بين أزمة أمنية ومواجھات متجددة مع الأكراد وأزمة سياسية تعبّر عنھا انتخابات مبكرة بعد أشھر على انتخابات قوَضت مشروع أردوغان وسلطته المطلقة وغالبيته البرلمانية، و"إسرائيل" مھتمة بأمورھا وأوضاعھا الممتدة من الجبھة الشمالية مع سوريا الى جبھة غزة مرورا بضفة غربية منتفضة.
والآن يضاف الى ھذا المشھد الذي يدل على ارتباك الدول الداعمة للمعارضة السورية، موقف مصر الذي يأخذ مسافة من ھذه الدول ويتمايز عنھا ويشكل دعما معنويا لروسيا. تجلى ذلك في تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري لقناة "العربية": "أن دخول روسيا بما لديھا من إمكانات وقدرات في مقاومة الإرھاب والعمل على محاصرة انتشاره، ھو أمر نرى أنه سيكون له أثر في محاصرة الإرھاب في سوريا والقضاء عليه"....
ھذا التصريح كان كافياً لإثارة موجة من ردود فعل مستنكرة من جانب القوى المناھضة للنظام السوري، التي اعتبرت موقف مصر بأنه مثير للقلق والشبھة في تمايزه عن موقف الدول الخليجية، ومن حيث تغطيته للتدخل الروسي المتماھي مع التدخل الإيراني في سوريا. والأهم من ذلك أنه لا يلتقي مع الموقف السعودي، لأن الحرب الروسية في سوريا "مرحب بھا مصريا، وغير مرحب بھا سعوديا".

روسيا تغير المعادلة
يأتي ذلك متزامناً مع تصريح دبلوماسي روسي:" قلناھا للسعوديين، وبمنتھى الوضوح، حين نحول دون استيلاء تنظيم داعش على السلطة في دمشق فإننا نحميكم من ذلك الحيوان الخرافي الذي يتغلغل في عظام المنطقة..". لأنه في نظر موسكو "ليس من مصلحة السعوديين، أو أي دولة عربية أخرى، أن ينھار الجيش السوري"، والمسؤولون الروس يقولون:" إنه لو كان ھناك منطق في المنطقة لذھبت الأموال الھائلة التي أنفقت على الفصائل المعارضة، وغالبيتھا من المرتزقة، الى الجيش السوري الذي ليس جيش النظام، بل جيش سوريا." يتابع الدبلوماسي الروسي:" "قلنا لأصدقائنا، أصدقائنا السعوديين، إن الأولوية الآن لإزالة تنظيم داعش من سوريا. " وختم مؤكداً بأنه:"واثق من أن السعوديين سيعيدون النظر في سياساتھم حيال سوريا."
أما في لبنان، المعني أكثر من غيره من الدول المنخرطة بالأزمة السورية، فقد انقسمت الأراء فيه:
* فھناك من يتوقع أن يكون تلبد الفضاء الإقليمي حافزا للأطراف اللبنانيين على مزيد من الحوار وتحصين الوضع الداخلي لاتقاء المخاطر المتزايدة وعزل لبنان عن محيطه.
* وھناك من يتوقع أن يتجه الوضع في لبنان القابع في "الفراغ والشلل" الى "الأسوأ"، والى مزيد من التأزم والتصعيد وازدياد التطرف لدى القوى والحركات الإسلامية في لبنان والمنطقة، كرد فعل على التدخل الروسي في سوريا لأن هذا التدخل من وجهة نظرهم أضاف الى البعد المذھبي السني - الشيعي، البعد الديني الإسلامي - المسيحي .
الوزير السابق كريم بقرادوني يرى أن: " التدخل الروسي استراتيجي وھناك سببان للتدخل الروسي الأساسي:
الأول ھو الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، إذ ترفض القيادة الروسية تنحي الرئيس بشار الأسد أو سقوطه.
والثاني ھو تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استعادة دور روسيا في المنطقة بعدما ارتاح في الداخل عبر الانتخابات وارتاح دوليا، وبالتالي ما لم يكن في استطاعته فعله قبل أربع سنوات بات اليوم قادرا على فعله."
وحسب تقارير وزارة الدفاع الأميركية، أرسلت موسكو تعزيزات بأسلحة برية ھجومية متطورة، لاستخدامھا غرب البلاد ضد قوات المعارضة بعيداً عن عناصر تنظيم "داعش". وھذه الأسلحة رصدت في منطقة بين حمص وإدلب ومناطق في غرب إدلب. وترى واشنطن الخطوة على أنھا تسريع في النشاط البري الذي يستھدف المعارضة لا "داعش".
لكن الفارق بين بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما ھو أن الأول يعرف ماذا يريد ولديه أدواته على الأرض لجھة التعاون والتنسيق مع الجيش السوري وقوات الحماية الكردية على أن يضرب جوا ويتحرك ھؤلاء على الأرض، في حين أن الثاني وهو أوباما يريد إسقاط "داعش" والرئيس بشار الأسد معا، لكنه لا يملك الأدوات على الأرض، وظھر جليا أن الولايات المتحدة تضرب جوا منذ سنة ولم تستطع أن تغيّر المعادلة السورية، لكن الدخول الروسي غيّرها.
لذلك أرسلت روسيا إشارات ورسائل عملية متلاحقة تفيد أنھا جدية الى أبعد الحدود في تدخلھا العسكري المباشر في سوريا، وأن قرارھا استراتيجي لا رجوع عنه ولا عودة الى الوراء، وأن تدخلها لا يقف عند حدود ضربات جوية ليست كافية لتغيير الوضع، وإنما تمهد لحرب وعمليات برية ستكون بشكل أساسي على عاتق الجيش السوري وستتصاعد وتيرتھا حتى آخر العام الجاري، لأن المطلوب ھو إحداث تغيير جوهري في المعادلة على الأرض وفي ميزان القوى بين النظام ومعارضيه وفرض واقع جديد في جبھات حمص وحلب وحماه وإدلب.
ونتيجة هذه الأحداث المتسارعة ولد في المنطقة محور آخر ھو المحور الروسي - السوري - العراقي - الإيراني بعدما كان ھناك محور واحد ھو المحور الأميركي السعودي - التركي والخليجي عموما، وكانت ھناك أحادية أميركية في إدارة منطقة الشرق الأوسط منذ حرب الخليج في التسعينات، ولكن اليوم تبدلت المعادلة.
محور موسكو - طھران - بغداد - دمشق - حزب الله يقدم نفسه على أنه القوة الوحيدة المستعدة لمحاربة "داعش"، وتاليا يسعى الى تقويض الجھود الخجولة للائتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن، وتھميشه في ھذه الحرب.
ولذلك تم إعلان تأسيس "مركز التنسيق المعلوماتي"، وحرصت جھات عدة، من بينھا رئاسة الحكومة العراقية، على جعل عمله يقتصر على الجانب الاستخباري، بمعنى جمع المعلومات عن المجموعات الإرھابية وبنيتھا التنظيمية، وھيكليتھا وعديدھا وتسليحھا، وانتشارھا الجغرافي، وطرق الإمداد اللوجستي الخاصة بھا، ومصادر ھذا الإمداد، وما إلى ذلك من معطيات تساعد على وضع الخطط وتحديد الآليات والطرق ونوع الأسلحة التي يجب استخدامھا في استھدافھا. لكن نظراً لتعقيدات الأمور توسعت مھماتھا، لتشمل توفير المساعدة الميدانية المباشرة خلال حصول العمليات والمواجھات، وجرى اتفاق على أن مقر غرفة التنسيق ستكون في وزارة الدفاع العراقية على أن يقيم أعضاؤھا (ستة من كل دولة) في المنطقة الخضراء.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي تخفيف لغة الاتفاق الرباعي الذي انضم إليه العراق ووصفه بأنه مجرد خلية تنسيق استخباري، إلا أن واشنطن سارعت إلى القيام بإجراءات على الأرض أشبه ما تكون بعقوبات ضد الحكومة العراقية نتيجة لما عدوه ھرولة عراقية غير محسوبة النتائج خلف حلفٍ لم يتمكن من فعل شيء في سوريا منذ أربع سنوات من وجوده.
وغلى الرغم من ذلك، تخطو موسكو بثقة واستراتيجية واضحة في سوريا على خلاف واشنطن التي لا تزال تظھر ترددا في مواجھة "داعش" كما في بلورة خطة حل سياسي للنزاع. وبإرسالھا تعزيزات الى المنطقة وإرسائھا أسس محور جديد توجه موسكو رسالة الى دول المنطقة بأنھا حليف ذو صدقية في المعركة ولاعب رئيس في الحرب كما في أي مشروع سلام لسوريا.
***
* الغارات الروسية المثمرة في سوريا تحّرج أميركا
علي حسن - خاص العهد
بات الذعر والخوف يسودان صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا بعد أن أعلن الحليف الروسي بدء الغارات الجوية بتوجيه الضربات الجدِّية المركزة على أهم النقاط التي تتواجد فيها المجموعات التكفيرية، وهذه المعطيات تؤكد أن ضربات التحالف التي نُفذت منذ أكثر من سنة لم تحمل أي نوع من أنواع الجدية بل كانت ضربات استعراضية تمثيلية وليس لها تأثير على الأرض لأن امتداد المجموعات التكفيرية يتزايد دون أي خوف.
شرعية التدخل الروسي
يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء ثابت محمد، لـ "موقع العهد الإخباري" أن "التحالف الروسي تحالف شرعي، بينما لا يملك التحالف الأمريكي أية شرعية، لأن تدخُّل التحالف الروسي جاء بناء على طلب الحكومة السورية، في حين لم تطلب سوريا ولا العراق أي تدخل للتحالف الأميركي الذي يعتبر الإرهاب وسيلة لتحقيق مشروعه السياسي، بينما ترى روسيا الاتحادية في الإرهاب عدوا بكل تنظيماته كـ داعش وجبهة النصرة".

يضيف الخبير العسكري أن "الحليف الروسي يستخدم في ضرباته أسلحة متطورة لا تخطئ الهدف، على عكس قوى التحالف فهي تستخدم ذخائر قديمة مستهلكة وفاسدة منذ عقود؛ وعليه فإن نتائج الغارات الجوية الروسية السورية خلال العشرة أيام الماضية أدت إلى تدمير عدد من مواقع وقواعد لوجستية بالإضافة إلى مقرات قيادة للإرهابيين على مختلف الجغرافيا السورية بما يعادل آلاف الأضعاف مما دمره التحالف الأمريكي على مدى سنة وشهرين".
توقف الهجمات المسلحة
يطلعنا الكاتب والخبير السياسي كامل صقر في حديث خاص لـ"العهد" على مدى تحقيق الأهداف مقارنة مع حجم الغارات، فيقول: "بالنظر إلى كثافة الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن والتي تجاوزت الستة آلاف غارة قيل أنها استهدفت تنظيم "داعش" الارهابي وقواه الميدانية، فيما نسبة الغارات الجوية الروسية هي نسبة تكاد لا تذكر من حيث العدد والكمية، إلا أن النتائج التي فرضتها الغارات الجوية والضربات المكثفة الروسية على مواقع تلك التنظيمات كانت واضحة وملموسة وكبيرة في كثير من المناطق، دون أن نلمس أية نتائج لغارات التحالف الدولي على الأرض، حيث استطاعت القوى الجوية الروسية أن تشل حركة وقدرة هذه التنظيمات بنسبة أربعين بالمئة أو أكثر في مناطق مختلفة، وأن تضرب القدرة القتالية لهذه التنظيمات".
يضيف صقر أنه "بطبيعة الحال هذا الكلام ليس مجرد كلام، إذا نظرنا إلى الأرض نستطيع أن نلحظ عدم قيام تلك التنظيمات بأية هجمات مسلحة ضد مواقع الجيش أو ضد بلدان وقرى في مختلف المناطق منذ انطلاق المقاتلات الروسية بغاراتها".
على أثر ذلك الواقع، يصل المراقبون إلى نتيجة جوهرية تتمثل بأن "الغارات الجوية التي نفذتها قوات التحالف الإمريكي على مدى عام كامل ربما لم تحقق خمسة بالمئة مما استطاعت أن تحققه الغارات الجوية الروسية خلال عشرة أيام فقط".
عملية التأثير والفاعلية
يتابع الخبير ثابت لـ"العهد" أنه "بعد التحالف الأميركي زاد انتشار داعش في سوريا والعراق أيضاً، بينما في ظل التحالف الروسي نلاحظ عملية عكسية للتنظيم الإرهابي الذي يلوذ بالفرار باتجاه العراق والأردن وحدود تركيا، كما نشاهد تقلص انتشار تموضع الجماعات المتطرفة خلال سبعة أيام".
من الناحية العلمية، صرح رئيس أركان الجيش الأميركي بأن "التحالف استهلك ما يقرب من عشرين ألف قذيفة وصاروخا ضد داعش، وكانت نتيجة ذلك مقتل خمس عشرة ألف داعشي، أي كل ثلاثة أرباع داعشي تلزمه قذيفة، وهذا يدل على أن التحالف يعلم المجموعات الإرهابية بشكل مسبق عن قصف الأهداف".
كشف أوراق التحالف الأميركي
وفي سياق متصل، لم تحصل الساحة الإعلامية على أية صورة أو شريط فيديو للمواقع التي تم ضربها من قبل التحالف الأميركي، على عكس التحالف الروسي الذي يقوم يوميا ببث الصور والمواقع المستهدفة من قبل طائراته.
ولا يغيب عن المتابع للسياسات الخارجية لكل من أميركا وروسيا أن التحالف الأميركي يدعم الدول التي تنتمي إلى السعودية والإمارات، الدول المتآمرة على سوريا والداعمة للإرهاب، بينما يهتم الروسي بسوريا وإيران والعراق التي تعاني من خطر الإرهاب.
وفي المحصلة لا بدَّ من التنوية بأن "روسيا تستند في عملياتها إلى الاقمار الاصطناعية، معتمدة في تنفيذ غاراتها على معلومات الجيش السوري واستخباراته العسكرية وهذه أهم نقطة في الحرب على الارهاب"، إضافة إلى منظومتها الخاصة للاستطلاع في الجو التي يمكن أن تكون قمرا اصطناعيا، أو مركزا لجمع المعطيات على الأرض".
تعليق