* كأس الطبقة... ونخب كويرس

إيلي حنا - صحيفة "الأخبار"
في نيسان 2013، كانت كاميرا «الجزيرة» تلتقط العلم السوري داخل مطار كويرس العسكري. المُراسل السعيد بحصار «الجيش الحر» للكلية الجوية في ريف حلب الشرقي تواعد مع المسلحين بقرب التصوير داخل حرم المطار.
قبل أكثر من سنة من هذه الواقعة، كان الإعلام ينقل عن «قائد عسكري في حلب» أن «الجيش الحر يحاصر ثلاثة مطارات عسكرية هي النيرب وكويرس ومنغ».
غاب «الحر» وجاء «داعش»، وتواصل الحصار. لم يكن السوريون يريدون تكرار مشهد شهداء مطار منغ العسكري في آب 2013.
مئات الضباط والجنود يحمون كليةً خرّجت آلاف الطيارين السوريين. تداعت أرياف حلب، وأصبح الريف الشرقي ملعباً لخريجي «أشبال الخلافة».
في آب 2014، حلّت الكارثة بسقوط مطار الطبقة العسكري. مشاهد عشرات الجنود الهائمين في الصحراء والمأسورين لدى تنظيم «داعش»، جعلت الكارثة مزدوجة. لم تدم، حينها، فرحة فكّ الحصار عن سجن حلب المركزي (أيار 2014).
عند كل حصار، لم يتذكر الجمهور سوى «ما حصل في الطبقة». لا تُجرّعوا أولادنا من كأس الطبقة، صرخ أهالي المحاصرين في الشوارع وعلى مسامع المسؤولين. حلّت الكارثة المعنوية.
اليوم، الجيش السوري سيطر على جزء من طريق حلب ــ الرقة، وأصبح يبعد سبعة كيلومترات عن مدينة دير حافر شرقاً (بوابة الرقة)، و17 كيلومتراً عن معقل «داعش»، مدينة الباب شمالاً (وهي المسافة ذاتها تقريباً بين مدينة الشيخ نجار الصناعية وهذه المدينة).
الانتصار ليس فقط في فك الحصار عبر «كوريدور» ضيّق إلى مشارف المطار. هو جزء من التحوّل الميداني في أرياف حلب. جزء ممّا رُسم ويُرسم بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء لمرحلة ينتزع فيها الجيش زمام المبادرة.
معارك ريف حلب الشرقي أظهرت، كما المعركة المتصلة في الريف الجنوبي مع «القاعدة» وأخواتها، أنّ خُبرات العراق والشيشان تُهزم عبر خطّة محكمة وقرار حاسم.
ارموا كأسَ الطبقة... واشربوا نخب كويرس.
***
* انتصار كويرس يخلط الاوراق ويعزز التفاوض

السفير
تسارعت، امس، وتيرة التطورات على الساحة السورية على المستويين الميداني والسياسي، اللذين بات الواحد منهما يفرض ايقاعه على الآخر.
وبرز في الميدان تطوّر، قد يكون محورياً في تعديل موازين القوى في الشمال السوري، حيث تمكّن الجيش السوري، بمؤازرة الفصائل التي تقاتل الى جانبه، من فك الحصار عن مطار كويرس العسكري في ريف حلب، مكبّداً تنظيم «داعش» هزيمة قاسية، لا تقتصر مفاعيلها على القاعدة الجوية المحاصرة منذ ثلاثة اعوام فحسب، وانما على وجود التنظيم التكفيري على جبهة حلب بشكل عام، في حال صحّت التوقعات بتوسيع الجيش السوري رقعة سيطرته على مناطق مجاورة.
وعلى المستوى السياسي، تكثّفت وتيرة الاتصالات الديبلوماسية قبل ايام قليلة على انعقاد الاجتماع الدولي بشأن سوريا في جنيف يوم السبت المقبل، والتي كان محورها الرئيسي روسيا.
وافاد "السفير" : يبدو واضحاً ان تطورات الميدان السوري ستفرض نفسها على لقاء فيينا، لجهة تعزيز الاوراق التفاوضية لكل من دمشق، التي اظهرت من خلال عملية كويرس المعقدة قدرتها على إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» برغم الانتكاسات الميدانية التي واجهها الجيش السوري خلال الفترة الماضية، وموسكو، التي بإمكانها ان تتسلح بالنتائج الملموسة التي حققتها «عاصفة السوخوي»، وان تتجاوز رسالة التحذير المفخخة على متن الطائرة المنكوبة في شرم الشيخ، بما يقرّبها من تحديد جدول اعمال اللقاء الدولي المرتقب في العاصمة النمساوية بعد ايام، وفق اولوية ضرورة تحديد المجموعات الارهابية في سوريا، والقوى السياسية التي يمكن ان تشارك في المرحلة الانتقالية.
وفيما ينتظر بحسب الموقع ان تتسارع وتيرة الاتصالات الديبلوماسية خلال الايام الثلاثة المقبلة، لتتوّج باجتماع فيينا يوم السبت، فإنّ مؤشرين برزا، يوم امس، قد يحددان مسار المشاورات الدولية. الاول، هو تسريب وثيقة روسية بشأن خطوات المرحلة الانتقالية، والثاني موافقة بريطانية على الطرح الروسي بشأن ضرورة تحديد المجموعات الارهابية، وهو المطلب الذي تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الايام الماضية، واعاد تكراره يوم امس.
وفي هذا الوقت، بدت تركيا، القلقة من تطورات الميدان في شمال سوريا، راغبة في التشويش على مسار فيينا، عبر اعادة التركيز على فكرة «المنطقة الآمنة»، التي قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان حلفاء تركيا اقرب الى اعتمادها، ما استدعى رداً اميركياً نفى وجود تفاهم بشأن هذه القضية الخلافية.
وفي وقت اتجهت الانظار الى كويرس ميدانياً وموسكو ديبلوماسياً، فقد كانت مدينة اللاذقية الساحلية على موعد مع مذبحة جديدة، حيث قتل 23 شخصاً على الاقل واصيب اكثر من 60 شخصاً في سقوط صاروخين قرب نقطة تجمع لطلاب جامعيين.
مطار كويرس
وافاد الموقع ان الجيش السوري سجل يوم امس اختراقا هو الاهم منذ بدء الحملة الجوية الروسية، اذ نجح في خرق الحصار الذي فرضه تنظيم «داعش» منذ ربيع العام 2014 على مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي في شمال البلاد، والذي كان عرضة لهجمات مستمرة من قبل «جبهة النصرة»، وقبلها «الجيش الحر»، منذ العام 2012.
وتم فك الحصار من الجهة الغربية، اذ دخلت مجموعة من الجنود مطار كويرس العسكري، وبدأت باطلاق النار في الهواء ابتهاجاً، فيما اشارت مصادر ميدانية الى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف العصابات المسلحة.
وافاد التلفزيون الرسمي السوري في شريط عاجل ان «وحدات من الجيش والقوات المسلحة قضت على اعداد كبيرة من ارهابيي (داعش)، والتقت مع القوات المدافعة عن مطار كويرس في ريف حلب الشرقي».
واوضح مصدر سوري ميداني ان «قوات الجيش السوري المتقدمة من حامية المطار فكت الحصار بشكل نهائي بعد فتح ثغرة ووصول قوة مشاة الى المطار»، وذلك عقب السيطرة على قرى من الجهة الجنوبية الغربية.
وفي البداية، فرضت فصائل مقاتلة حصارا على مطار كويرس في نيسان العام 2013، ليطردها تنظيم «داعش» بعدها ويفرض الحصار بدوره منذ ربيع 2014. ويخوض التنظيم منذ ذلك الحين اشتباكات للسيطرة على هذه القاعدة الجوية وانما من دون جدوى.
ويأتي فك الحصار عن كويرس في وقت تشهد محافظة حلب التقدم الاكبر للجيش السوري خلال اكثر من شهر، بعدما استعاد عدداً من القرى والبلدات في ريفها الجنوبي من ايدي المجموعات المسلحة.
وقد يفتح فك الحصار عن مطار كويرس وضمان امن المنطقة المحيطة به المجال امام روسيا لاستخدامه لاحقاً كقاعدة عسكرية لعملياتها، وخصوصاً بهدف استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب.
وفي هذا الاطار، اعلنت موسكو يوم امس ان عملياتها العسكرية في سوريا مستمرة الى حين تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة الميدانية، حسبما اوضح رئيس الديوان الرئاسي الروسي سيرغي ايفانوف، الذي شدد على ان العملية العسكرية لن تتوقف على نتائج التحقيق في تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، ونافياً وجود اي صلة بين القضيتين اصلاً.
«فيينا السوري»
في هذا الوقت، تتواصل الاستعدادات للقاء فيينا. وفي هذا الاطار، برزت بالامس ملامح الخطة الروسية المقترحة للتسوية في سوريا، عبر وثيقة حصلت «السفير» على نسخة منها، وهي من سبع نقاط، وتشمل التالي:
1- تصنيف «داعش» كمنظّمة إرهابيّة من قبل مجلس الأمن الدولي.
2 – الاتفاق على قائمة إضافيّة من المجموعات الإرهابيّة.
3 - تبنِّي قرار مجلس الأمن لدعم الجهود ضدّ «داعش»، وتوفير آلية بهذا المجال.
4 - تجفيف منابع تمويل «داعش» وفقاً لقرار مجلس الامن الرقم 2199، ووقف تجارة النفط غير الشرعية مع «داعش».
5 -استبعاد تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من اتّفاق وقف إطلاق النار.
6 - إطلاق عمليّة سياسيّة تحت رعاية المبعوث الأممي إلى سوريا على أساس بيان «جنيف 1» (30 حزيران 2012)، بحيث يتم الاتفاق على تشكيل وفد المعارضة السورية مسبقاً على أساس الأهداف المشتركة لمنع وصول الإرهابيين إلى السلطة في سوريا، وللحفاظ على السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لسوريا.
7 – الآلية المقترحة للعملية السياسية تتضمن الآتي:
أ - إطلاق عملية إصلاح دستوري (18 شهراً).
ب -تشكيل لجنة دستورية تراعي كافة أطياف المجتمع السوري، بما في ذلك المعارضة الداخلية والخارجية، ويتم الاتفاق على مرشح لرئاستها مقبول من قبل جميع المشاركين.
ج -يجري استفتاء شعبي على مشروع الدستور. وبعد الموافقة عليه، تُنظّم انتخابات رئاسية مبكرة.
د - إرجاء الانتخابات البرلمانية المقرّرة في ربيع العام 2016، على أن تجري في ضوء الإصلاح الدستوري، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، على أساس الدستور الجديد.
هـ - تشكيل الحكومة السورية على أساس حزب/ كتلة انتخابية، على أن يسيطر على الحكومة من يحصل على أعلى نسبة أصوات. وسيكون الرئيس المنتخب شعبياً القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومسؤولا عن السياسة الخارجية.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اكد ان بلاده أطلعت شركاءها في الملف السوري على «لائحتنا للمنظمات الارهابية»، وتنتظر ان تؤول جولة محادثات جديدة الى «لائحة موحدة لازالة المشاكل بخصوص من يقصف من ومن يدعم من».
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للصحافيين في السفارة البريطانية في واشنطن انه يتعين على الدول التي تدعم فصائل في الداخل السوري ان تقرر من هي المجموعات الاكثر اعتدالا لتشملها العملية السياسية ومن هي الفصائل التي يجب استبعادها.
وتابع غداة محادثات اجراها مع نظيره الاميركي جون كيري «لا اعتقد انه في الامكان استبعاد الاتفاق على تحديد من هي الفصائل الارهابية»، لكنه شدد على ضرورة القبول بتسويات، موضحاً ان «السعوديين لن يقبلوا بان يتم تصنيف كتائب انصار الشام مجموعة ارهابية».
واضاف هاموند «علينا ان نرى اذا كان من الممكن التوصل الى حل براغماتي في هذه النقاط». وردا على سؤال عما اذا كان يطلب تحديدا من السعودية التخلي عن دعم بعض المجموعات، اجاب «ربما لكن لننظر في الامر». الا ان هاموند نفى ان يشكل اعداد «قائمة المجموعات الارهابية» مبررا لتنفيذ ضربات جوية على الفصائل المعارضة.
وفي الاتصالات الديبلوماسية تحضيراً للقاء فيينا، اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان لافروف ونظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير أجريا اتصالا هاتفيا لبحث الأزمة في سوريا.
واجرى لافروف يوم امس ايضاً في سوتشي محادثات مع نظيره الكويتي صباح خالد الحمد الصباح. وقال الوزير الروسي ان «ثمة تطابقاً أو تشابهاً في المواقف (بين روسيا والكويت) بشأن كل القضايا الكبرى في عصرنا، بما في ذلك مشاكل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي ما يتعلق بالأزمة السورية لدينا موقف مشترك وهو ضرورة وقف القتال في أقرب وقت ممكن، ووقف إراقة الدماء، والبدء فورا بعملية سياسية بين الحكومة وجميع المجموعات المعارضة».
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الكويتي أنه يعتبر روسيا شريكا مهما في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك في مناقشة التسوية السورية، ومحاربة الإرهاب.
كما اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان نائب وزير الخارجية الروسي التقى مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في موسكو لبحث الوضع في سوريا.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان آخر، ان بوغدانوف التقى بوفد للمعارضة السورية في موسكو، ضم ممثلين عن «جبهة التحرير والتغيير» السورية برئاسة قدري جميل.
وفي وقت تتكثف الاتصالات الديبلوماسية بشأن التسوية السورية، وفي ظل التطورات الميدانية المتسارعة في الشمال السوري، بما له من انعكاسات على الاجندة التركية، سعى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى التشويش على عملية فيينا، حيث قال ان حلفاء تركيا يقتربون من فكرة إقامة منطقة آمنة في سوريا مضيفا أنه شهد تطورات إيجابية بشأن منطقة حظر طيران وتنفيذ عمليات جوية، بينما هدد رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو بأن بلاده سترد جوا وبرا على أي تهديدات تأتي من ناحية سوريا من دون أن يحدد أي مصادر محتملة لمثل هذه التهديدات.
الى ذلك، قال متحدث باسم البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما سيبحث الأزمة السورية مع حلفاء الولايات المتحدة خلال الاجتماع المقبل لقمة مجموعة العشرين في مدينة انطاليا التركية.
وقال المتحدث جوس ارنست «سيكون من المستحيل السفر كل هذا الطريق إلى هناك وعدم قضاء بعض الوقت في التفكير والحديث بشأن جهودنا المتواصلة لإضعاف داعش وتدميره في نهاية المطاف... لذا أتوقع أن يكون هذا ضمن زيارة الرئيس»، مذكّراً بأن كثيرا من البلدان المشاركة في قمة مجموعة العشرين تشارك أيضا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش».
***
* معركة كويرس تعدل خريطة ميزان القوى في سوريا

محمد بلوط / السفير
مطار كويرس يدخل حراً الأسطورة العسكرية السورية. الجيش السوري لم يخترق الحصار المفروض على الكلية الجوية، وأحد أهم قواعده العسكرية في الشمال السوري فحسب، ولكنه أعاد الثقة بقدرة وحداته على إنجاز عمليات عسكرية معقدة، بعد أربعة أعوام من القتال والاستنزاف، وإلحاق واحدة من أكبر الهزائم بـ «داعش في سوريا»، منذ معركة عين العرب/كوباني في كانون الثاني الماضي.
ومن نافل القول ان التشكيلات التي قادها العقيد سهيل الحسن، في خط طولي من السفيرة نحو المطار المحاصر والصامد منذ أكثر من عامين ونصف عام، قد أثبتت قدرة الجيش السوري على هزيمة «داعش» عندما تتوفر الإرادة، ويحسّن التنسيق بين الهجوم البري والغطاء الجوي. اذ استطاعت أرتال المدرعات والقوات الخاصة، فتح ثغرة طولية في خطوط «داعش»، والتقدم وسط هجمات من جنود البغدادي على ميمنتها وميسرتها، من دون أن تتوقف قوات الطليعة عن اختراق الحصار.
واتخذ جنود العقيد الحسن إيقاعاً متمهلاً في التقدم في منطقة مكشوفة، تقل فيها المرتفعات، التي لا يتجاوز أعلاها، في تل نعام المئة متر. وسلك المهاجمون ممراً بطول ثلاثين كيلومتراً في قلب خطوط «داعش» من دون أن تتوقف خلال تقدمهم الهجمات على حامية المطار، لإسقاطه قبل وصول طليعتهم الى أسواره، ظهر امس.
ومنذ العشرين من الشهر الماضي، تحول إيقاع الهجوم الى عملية قضم بطيئة لسبعة كيلومترات أخيرة، كانت تفصل قوات «النمر» عن مئات الضباط والجنود، ممن دافعوا ببسالة عن المطار الذي تحيط به، من الشرق والشمال والغرب، قناة يترواح عرضها ما بين العشرة الى أربعين مترا، ساهمت في إبعاد خطر المفخخات.
ولم تتأثر العمليات بالهجوم الذي شنه «داعش» على طريق اثريا خناصر، ولم تستطع إرباك الهجوم، برغم سيطرتها لمدة عشرة أيام على مقطع من 27 كيلومتراً من طريق حلب حماه الاستراتيجي، وشريان الإمداد الوحيد لمليوني حلبي غرب المدينة، وتشكيلات الجيش السوري و «الدفاع الوطني»، و «كتائب البعث»، ووحدات «حزب الله».
وكانت الإمدادات قد استمرت عبر جسر جوي الى مطار النيرب، ساعد الروس على نقل الإمدادات للمهاجمين، وتعزيزات من حمص واللاذقية.
وكان الجيش قد استبق عملية الالتحام مع المحاصرين في المطار بتصعيد القصف والغارات الجوية على تدمر والرقة ومواقع «داعش» في ريف حمص الشرقي، لمنعها من تحريك أرتالها، أو توجيه قوات نحو المطار.
ويقول «المرصد السوري» ان رتلا من أربعين آلية، ومئات المقاتلين، يسلك طريقاً تتوجه من الرقة نحو أرياف حلب.
وكان رتل من مئة وأربعين آلية قد سلك الطريق نفسه قبل أسبوعين للاستيلاء على طريق اثريا خناصر، تكبد خسائر كثيرة في المواجهة التي دارت مع وحدات من الجيش السوري وحزب الله، واضطر ما تبقى منه الى التراجع.
ويبدو أن العملية تتجاوز مجرد فك الحصار عن المطار، الى الانتشار في المنطقة، مع دخول الجيش الى بلدة رسم العبود القريبة من كويرس، كما أن الجيش السوري سيقوم بثتبيت قواته في المنطقة، وعدم الاكتفاء بسحب المحاصرين.
واذا ما تأكدت فرضية الانتشار هذه، برغم المخاطر الكبيرة من التفاف «داعش»، واختراقه للممر الذي تنتشر فيه وحدات الجيش السوري، فإن ذلك يعزز الطوق الذي بات يفرضه حول مدينة حلب وأحيائها الشرقية حيث تنتشر المجموعات المسلحة، اذ يتقاطع إحكام السيطرة على شرق حلب وكويرس، مع صمود الجيش السوري في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، وصولا الى باشكوي، وتحصنه غربا في مواجهة آخر مواقع المعارضة في الرشدين، واستعادته أكثر من 55 قرية وبلدة في هجوم ريف حلب الجنوبي الحالي، ووقوفه عند مداخل بلدة الحاضر، ومشارف تل العيس المشرف على طريق حلب دمشق الاستراتيجي.
وجلي أن إسقاط الحصار عن كويرس سيحيي العمليات المؤجلة نحو بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين، ويصعّد من هجمات الجيش السوري نحو معقل «داعش» الأخير في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي الممر الممتد من الباب نحو منبج فجرابلس. والممر الذي يبلغ طوله 60 كيلومتراً، وعرضه تسعين كيلومتراً، على الضفة الغربية للفرات، يتسع للكثير من السيناريوات والرهانات التركية، التي تسعى لتحويله الى منطقة آمنة، والكردية التي تنتظر ضوءًا أخضر أميركياً لدخوله ووصل «كانتون» عين العرب كوباني بالإدارة الذاتية في عفرين، بعد وصلها بالحسكة عبر ضم تل أبيض منذ شهر تقريباً، وتوحيد «الكانتونات» الثلاثة في إدارة ذاتية كردية تؤرق الأتراك.
وحراً، يرفع كويرس من أوراق دمشق على التأثير على العملية السياسية في فيينا السبت المقبل. ومن دون مبالغة، فقد أثبت الجيش السوري قدرته على هزيمة «داعش» في الوقت الذي يعمل فيه اجتماع فيينا على غربلة من يريد من المشاركين مقاتلته، وبأي شروط، وتحديد من هو الإرهابي أو الصديق من بين فصائل المعارضة.
ويأتي ذلك ليتوج شهراً من خيار استراتيجي بفتح كل الجبهات ضد المجموعات المسلحة، وخوض معارك على كل الجبهات، وحيثما استطاع الجيش السوري إرسال قوات.
وجلي أن خيار إرسال الآلاف من الجنود الى عمليات هجومية، بالرغم من أن الجيش يعاني من نقص في تجديد قواته وصعوبة في تثبيت مواقعه بعد انتزاعها من يد المعارضة، لم يثن العسكريين الروس والسوريين عن مواصلة الحرب الشاملة التي تخوضها الوحدات البرية السورية تحت غطاء جوي روسي وسوري.
ومع كويرس الحر، تتضح معالم الخريطة الجديدة لميزان القوى في سوريا، التي لا تزال تحتاج للمزيد من الوقت لتثبيتها.
وباستثناء نكسة ريف حماة الشمالي، حيث تراجع الجيش من قرى كفرنبودة ومعركبة ولطمين ولحايا وتل سكيك وسكيك، بل وخسر مورك، التي تبعد 10 كيلومترات عن مدينة حماة، إلا أن كفة الميزان تميل مع ذلك لمصلحته على بقية الجبهات، اذ أصبح الجيش السوري في وضعية هجومية على الجبهات كافة.
وخلال الشهر الماضي، استطاع الجيش السوري السيطرة على سلسلة تلال الجب الأحمر الاستراتيجية في ريف اللاذقية، ويقترب من فصل جبل الزاوية عن جبل الأكراد، بدخوله جبل غمام. وتؤهله تلك المكتسبات تقرير إرسال مدرعاته في سهل الغاب في وقت قريب، من دون التعرض من التلال لزخات صواريخ «التاو» التي تمنعها من التقدم.
وفي الغوطة الشرقية، فقدت المجموعات المسلحة المبادرة، حيث يقوم الجيش بالتقدم في حرستا، وحول دوما، ويستعيد مواقع في جنوب شرق الغوطة، حول مطار مرج السلطان، كان قد فقدها في العام 2012.
وغني عن القول ان الجبهة الجنوبية خرجت من المعادلة تقريبا، بعد هزيمة خمس أمواج صيفية متصلة لـ «عاصفة الجنوب»، أمام تحصينات الجيش السوري في درعا، وتفاهم روسي - أردني أعفى غرفة عمليات عمّان من وظيفتها حاليا.
ويبدو ريف حلب الجنوبي ميدان انتصارات متواصلة للجيش السوري الذي يقوم بتصفية ما تبقى من كتائب لـ «الجيش الحر» في هذه المنطقة، أمام أمر تركي بعدم تحريك أو إرسال أي مؤازرة لتلك المجموعات، وتركيز الاهتمام على الاحتشاد في ريف حلب الشمالي، حيث تقترب «أم المعارك « بالنسبة للأتراك، اذا ما واصل الجيش السوري تقدمه في المنطقة.
في المشهد السوري، اختار الروس فتح كل الجبهات السياسية والعسكرية دفعة واحدة، لتشتيت المعارضة المسلحة، وإرباك القوى الاقليمية، وإحياء المسار السياسي بالتزامن في فيينا ضمن المربع الأساسي، الذي بات يقاتل مباشرة أو بالوكالة على الأرض السورية.
وعكست تلك الاستراتيجية رهانا كبيرا على تحقيق أهداف ميدانية كبيرة تقلب موازين القوى في سوريا، بدأت تظهر مع تحرير مطار كويرس. وكانت تقديرات لا تزال موضع اختبار، تقول باحتمال الوصول اليها في زمن قياسي: شهر أو أكثر بقليل للإمساك بمحاور الطرق الرئيسة في حلب ـ حماة ـ حمص ـ دمشق ـ درعا، وتقطيع خطوط إمداد المعارضة المسلحة... وأربعة أشهر، للوصول الى الحدود التركية السورية في الشمال السوري، ودفع المجموعات المسلحة نحو جيوب معزولة.
وتقدم كويرس ورقة إضافية للروس للمضي في العملية السورية بجلائها الخيارات السياسية والعسكرية الروسية في سوريا التي تقف أمام منعطف ثلاثي: ما بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ، وعدم ضبط إيقاع العملية العسكرية في ريف حماة الشمالي، ومواعيد فيينا السوري في ظل عدم تقاطع الحسابات الميدانية والسياسية.
ومنذ إسقاط طائرة شرم الشيخ الروسية، بدأت مراجعات غير معلنة لكل عناصر السياسة السورية، لا سيما لمبدأ عدم إرسال قوات برية، لم يشملها بأي حال تفويض مجلس الدوما للرئيس فلاديمير بوتين، كأحد الأثمان غير المحسوبة، للمعركة، باعتبار ان قرار عدم الانخراط على الارض كان سيحمي روسيا من ارتداداته داخليا، أو أفغنة الحرب السورية.
وتقول مصادر قريبة من الأجهزة الأمنية الروسية في باريس ان قرار عدم الانخراط على الارض أو إرسال قوات روسية الى سوريا لم يعد مبررا بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ بعبوة ناسفة، بحسب كل الفرضيات، وبعد تباطؤ العمليات في ريف حماه الشمالي، وقد يسقط في منتهى عمليات إعادة تقييم الاوضاع وتحديد الاطراف التي تقف وراء عملية إسقاط الطائرة.
ويقول مسؤول أمني غربي سابق لـ«السفير»، انه لم يعد مستبعدا أن يتجاوز الروس في الاسابيع المقبلة تحريم إرسال قوات برية الى سوريا. ويتضافر ذلك مع ما يقوله مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية الروسية من ان الخيار الذي يدرسه الروس يذهب نحو اختيار إرسال قوات خاصة تعمل خلف خطوط «داعش»، وتقوم بعمليات خاطفة ومحدودة لتصفية القيادات والكوادر الرئيسة لـ «داعش» في سوريا.
ويقول المصدر المسؤول ان الروس قد يصطادون من نفذوا عملية سيناء، أو المجموعة التي خططت لها، ولكن الشبهات تذهب نحو دولة عربية، بإصدار الأمر بتنفيذ تلك العملية، لإرباك الروس، ومنعهم من المضي قدماً في عمليتهم السورية، وتدفيعهم الثمن مقدماً.
بطاقة تعريف
يقع مطار كويرس شرق مدينة حلب بمسافة تقدر بحوالي 40 كيلومتراً. وتبلغ مساحته حوالي 400 هكتار وهو ينقسم إلى قسمين أساسيين:
القسم الأول، يضم الكلية الجوية وهي مختصة بتدريب وتخريج الطلاب الضباط من ملاحين وفنيين وطيارين. ويحصل المتدرب على رتبة ملازم عند تخرجه. وبالنسبة للطائرات الموجودة داخله فهي تقتصر على المروحيات وطائرات تدريب معطلة عن العمل منذ فرض الحصار حوله.
اما القسم الثاني، فيضم الفوج 111 وهو مكلف بحماية الكلية الجوية وتوجد بداخله كتائب دفاع جوي عدة.
وتعرض المطار لهجمات عدة من قبل «الجيش الحر» ولاحقاً «جبهة النصرة»، قبل أن يسيطر تنظيم «داعش» على محيطه. وهو محاصر منذ ثلاث سنوات ولا يقلع منه أي نوع من الطائرات منذ حصاره.
ويقدر العدد الموجود فيه حالياً بـ 1000 عنصر بين ضابط وصف ضابط وجندي. وحاول الجيش السوري فك الحصار عنه انطلاقاً من مدينة السفيرة التي تبعد حوالي الـ25 كيلومتراً، حيث سيطر بداية على قرى عدة بدعم من سلاح الجو السوري والروسي.

إيلي حنا - صحيفة "الأخبار"
في نيسان 2013، كانت كاميرا «الجزيرة» تلتقط العلم السوري داخل مطار كويرس العسكري. المُراسل السعيد بحصار «الجيش الحر» للكلية الجوية في ريف حلب الشرقي تواعد مع المسلحين بقرب التصوير داخل حرم المطار.
قبل أكثر من سنة من هذه الواقعة، كان الإعلام ينقل عن «قائد عسكري في حلب» أن «الجيش الحر يحاصر ثلاثة مطارات عسكرية هي النيرب وكويرس ومنغ».
غاب «الحر» وجاء «داعش»، وتواصل الحصار. لم يكن السوريون يريدون تكرار مشهد شهداء مطار منغ العسكري في آب 2013.
مئات الضباط والجنود يحمون كليةً خرّجت آلاف الطيارين السوريين. تداعت أرياف حلب، وأصبح الريف الشرقي ملعباً لخريجي «أشبال الخلافة».
في آب 2014، حلّت الكارثة بسقوط مطار الطبقة العسكري. مشاهد عشرات الجنود الهائمين في الصحراء والمأسورين لدى تنظيم «داعش»، جعلت الكارثة مزدوجة. لم تدم، حينها، فرحة فكّ الحصار عن سجن حلب المركزي (أيار 2014).
عند كل حصار، لم يتذكر الجمهور سوى «ما حصل في الطبقة». لا تُجرّعوا أولادنا من كأس الطبقة، صرخ أهالي المحاصرين في الشوارع وعلى مسامع المسؤولين. حلّت الكارثة المعنوية.
اليوم، الجيش السوري سيطر على جزء من طريق حلب ــ الرقة، وأصبح يبعد سبعة كيلومترات عن مدينة دير حافر شرقاً (بوابة الرقة)، و17 كيلومتراً عن معقل «داعش»، مدينة الباب شمالاً (وهي المسافة ذاتها تقريباً بين مدينة الشيخ نجار الصناعية وهذه المدينة).
الانتصار ليس فقط في فك الحصار عبر «كوريدور» ضيّق إلى مشارف المطار. هو جزء من التحوّل الميداني في أرياف حلب. جزء ممّا رُسم ويُرسم بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء لمرحلة ينتزع فيها الجيش زمام المبادرة.
معارك ريف حلب الشرقي أظهرت، كما المعركة المتصلة في الريف الجنوبي مع «القاعدة» وأخواتها، أنّ خُبرات العراق والشيشان تُهزم عبر خطّة محكمة وقرار حاسم.
ارموا كأسَ الطبقة... واشربوا نخب كويرس.
***
* انتصار كويرس يخلط الاوراق ويعزز التفاوض

السفير
تسارعت، امس، وتيرة التطورات على الساحة السورية على المستويين الميداني والسياسي، اللذين بات الواحد منهما يفرض ايقاعه على الآخر.
وبرز في الميدان تطوّر، قد يكون محورياً في تعديل موازين القوى في الشمال السوري، حيث تمكّن الجيش السوري، بمؤازرة الفصائل التي تقاتل الى جانبه، من فك الحصار عن مطار كويرس العسكري في ريف حلب، مكبّداً تنظيم «داعش» هزيمة قاسية، لا تقتصر مفاعيلها على القاعدة الجوية المحاصرة منذ ثلاثة اعوام فحسب، وانما على وجود التنظيم التكفيري على جبهة حلب بشكل عام، في حال صحّت التوقعات بتوسيع الجيش السوري رقعة سيطرته على مناطق مجاورة.
وعلى المستوى السياسي، تكثّفت وتيرة الاتصالات الديبلوماسية قبل ايام قليلة على انعقاد الاجتماع الدولي بشأن سوريا في جنيف يوم السبت المقبل، والتي كان محورها الرئيسي روسيا.
وافاد "السفير" : يبدو واضحاً ان تطورات الميدان السوري ستفرض نفسها على لقاء فيينا، لجهة تعزيز الاوراق التفاوضية لكل من دمشق، التي اظهرت من خلال عملية كويرس المعقدة قدرتها على إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» برغم الانتكاسات الميدانية التي واجهها الجيش السوري خلال الفترة الماضية، وموسكو، التي بإمكانها ان تتسلح بالنتائج الملموسة التي حققتها «عاصفة السوخوي»، وان تتجاوز رسالة التحذير المفخخة على متن الطائرة المنكوبة في شرم الشيخ، بما يقرّبها من تحديد جدول اعمال اللقاء الدولي المرتقب في العاصمة النمساوية بعد ايام، وفق اولوية ضرورة تحديد المجموعات الارهابية في سوريا، والقوى السياسية التي يمكن ان تشارك في المرحلة الانتقالية.
وفيما ينتظر بحسب الموقع ان تتسارع وتيرة الاتصالات الديبلوماسية خلال الايام الثلاثة المقبلة، لتتوّج باجتماع فيينا يوم السبت، فإنّ مؤشرين برزا، يوم امس، قد يحددان مسار المشاورات الدولية. الاول، هو تسريب وثيقة روسية بشأن خطوات المرحلة الانتقالية، والثاني موافقة بريطانية على الطرح الروسي بشأن ضرورة تحديد المجموعات الارهابية، وهو المطلب الذي تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الايام الماضية، واعاد تكراره يوم امس.
وفي هذا الوقت، بدت تركيا، القلقة من تطورات الميدان في شمال سوريا، راغبة في التشويش على مسار فيينا، عبر اعادة التركيز على فكرة «المنطقة الآمنة»، التي قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان حلفاء تركيا اقرب الى اعتمادها، ما استدعى رداً اميركياً نفى وجود تفاهم بشأن هذه القضية الخلافية.
وفي وقت اتجهت الانظار الى كويرس ميدانياً وموسكو ديبلوماسياً، فقد كانت مدينة اللاذقية الساحلية على موعد مع مذبحة جديدة، حيث قتل 23 شخصاً على الاقل واصيب اكثر من 60 شخصاً في سقوط صاروخين قرب نقطة تجمع لطلاب جامعيين.
مطار كويرس
وافاد الموقع ان الجيش السوري سجل يوم امس اختراقا هو الاهم منذ بدء الحملة الجوية الروسية، اذ نجح في خرق الحصار الذي فرضه تنظيم «داعش» منذ ربيع العام 2014 على مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي في شمال البلاد، والذي كان عرضة لهجمات مستمرة من قبل «جبهة النصرة»، وقبلها «الجيش الحر»، منذ العام 2012.
وتم فك الحصار من الجهة الغربية، اذ دخلت مجموعة من الجنود مطار كويرس العسكري، وبدأت باطلاق النار في الهواء ابتهاجاً، فيما اشارت مصادر ميدانية الى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف العصابات المسلحة.
وافاد التلفزيون الرسمي السوري في شريط عاجل ان «وحدات من الجيش والقوات المسلحة قضت على اعداد كبيرة من ارهابيي (داعش)، والتقت مع القوات المدافعة عن مطار كويرس في ريف حلب الشرقي».
واوضح مصدر سوري ميداني ان «قوات الجيش السوري المتقدمة من حامية المطار فكت الحصار بشكل نهائي بعد فتح ثغرة ووصول قوة مشاة الى المطار»، وذلك عقب السيطرة على قرى من الجهة الجنوبية الغربية.
وفي البداية، فرضت فصائل مقاتلة حصارا على مطار كويرس في نيسان العام 2013، ليطردها تنظيم «داعش» بعدها ويفرض الحصار بدوره منذ ربيع 2014. ويخوض التنظيم منذ ذلك الحين اشتباكات للسيطرة على هذه القاعدة الجوية وانما من دون جدوى.
ويأتي فك الحصار عن كويرس في وقت تشهد محافظة حلب التقدم الاكبر للجيش السوري خلال اكثر من شهر، بعدما استعاد عدداً من القرى والبلدات في ريفها الجنوبي من ايدي المجموعات المسلحة.
وقد يفتح فك الحصار عن مطار كويرس وضمان امن المنطقة المحيطة به المجال امام روسيا لاستخدامه لاحقاً كقاعدة عسكرية لعملياتها، وخصوصاً بهدف استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب.
وفي هذا الاطار، اعلنت موسكو يوم امس ان عملياتها العسكرية في سوريا مستمرة الى حين تمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة الميدانية، حسبما اوضح رئيس الديوان الرئاسي الروسي سيرغي ايفانوف، الذي شدد على ان العملية العسكرية لن تتوقف على نتائج التحقيق في تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء، ونافياً وجود اي صلة بين القضيتين اصلاً.
«فيينا السوري»
في هذا الوقت، تتواصل الاستعدادات للقاء فيينا. وفي هذا الاطار، برزت بالامس ملامح الخطة الروسية المقترحة للتسوية في سوريا، عبر وثيقة حصلت «السفير» على نسخة منها، وهي من سبع نقاط، وتشمل التالي:
1- تصنيف «داعش» كمنظّمة إرهابيّة من قبل مجلس الأمن الدولي.
2 – الاتفاق على قائمة إضافيّة من المجموعات الإرهابيّة.
3 - تبنِّي قرار مجلس الأمن لدعم الجهود ضدّ «داعش»، وتوفير آلية بهذا المجال.
4 - تجفيف منابع تمويل «داعش» وفقاً لقرار مجلس الامن الرقم 2199، ووقف تجارة النفط غير الشرعية مع «داعش».
5 -استبعاد تنظيم «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى من اتّفاق وقف إطلاق النار.
6 - إطلاق عمليّة سياسيّة تحت رعاية المبعوث الأممي إلى سوريا على أساس بيان «جنيف 1» (30 حزيران 2012)، بحيث يتم الاتفاق على تشكيل وفد المعارضة السورية مسبقاً على أساس الأهداف المشتركة لمنع وصول الإرهابيين إلى السلطة في سوريا، وللحفاظ على السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لسوريا.
7 – الآلية المقترحة للعملية السياسية تتضمن الآتي:
أ - إطلاق عملية إصلاح دستوري (18 شهراً).
ب -تشكيل لجنة دستورية تراعي كافة أطياف المجتمع السوري، بما في ذلك المعارضة الداخلية والخارجية، ويتم الاتفاق على مرشح لرئاستها مقبول من قبل جميع المشاركين.
ج -يجري استفتاء شعبي على مشروع الدستور. وبعد الموافقة عليه، تُنظّم انتخابات رئاسية مبكرة.
د - إرجاء الانتخابات البرلمانية المقرّرة في ربيع العام 2016، على أن تجري في ضوء الإصلاح الدستوري، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، على أساس الدستور الجديد.
هـ - تشكيل الحكومة السورية على أساس حزب/ كتلة انتخابية، على أن يسيطر على الحكومة من يحصل على أعلى نسبة أصوات. وسيكون الرئيس المنتخب شعبياً القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومسؤولا عن السياسة الخارجية.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اكد ان بلاده أطلعت شركاءها في الملف السوري على «لائحتنا للمنظمات الارهابية»، وتنتظر ان تؤول جولة محادثات جديدة الى «لائحة موحدة لازالة المشاكل بخصوص من يقصف من ومن يدعم من».
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للصحافيين في السفارة البريطانية في واشنطن انه يتعين على الدول التي تدعم فصائل في الداخل السوري ان تقرر من هي المجموعات الاكثر اعتدالا لتشملها العملية السياسية ومن هي الفصائل التي يجب استبعادها.
وتابع غداة محادثات اجراها مع نظيره الاميركي جون كيري «لا اعتقد انه في الامكان استبعاد الاتفاق على تحديد من هي الفصائل الارهابية»، لكنه شدد على ضرورة القبول بتسويات، موضحاً ان «السعوديين لن يقبلوا بان يتم تصنيف كتائب انصار الشام مجموعة ارهابية».
واضاف هاموند «علينا ان نرى اذا كان من الممكن التوصل الى حل براغماتي في هذه النقاط». وردا على سؤال عما اذا كان يطلب تحديدا من السعودية التخلي عن دعم بعض المجموعات، اجاب «ربما لكن لننظر في الامر». الا ان هاموند نفى ان يشكل اعداد «قائمة المجموعات الارهابية» مبررا لتنفيذ ضربات جوية على الفصائل المعارضة.
وفي الاتصالات الديبلوماسية تحضيراً للقاء فيينا، اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان لافروف ونظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير أجريا اتصالا هاتفيا لبحث الأزمة في سوريا.
واجرى لافروف يوم امس ايضاً في سوتشي محادثات مع نظيره الكويتي صباح خالد الحمد الصباح. وقال الوزير الروسي ان «ثمة تطابقاً أو تشابهاً في المواقف (بين روسيا والكويت) بشأن كل القضايا الكبرى في عصرنا، بما في ذلك مشاكل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي ما يتعلق بالأزمة السورية لدينا موقف مشترك وهو ضرورة وقف القتال في أقرب وقت ممكن، ووقف إراقة الدماء، والبدء فورا بعملية سياسية بين الحكومة وجميع المجموعات المعارضة».
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الكويتي أنه يعتبر روسيا شريكا مهما في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك في مناقشة التسوية السورية، ومحاربة الإرهاب.
كما اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان نائب وزير الخارجية الروسي التقى مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في موسكو لبحث الوضع في سوريا.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان آخر، ان بوغدانوف التقى بوفد للمعارضة السورية في موسكو، ضم ممثلين عن «جبهة التحرير والتغيير» السورية برئاسة قدري جميل.
وفي وقت تتكثف الاتصالات الديبلوماسية بشأن التسوية السورية، وفي ظل التطورات الميدانية المتسارعة في الشمال السوري، بما له من انعكاسات على الاجندة التركية، سعى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى التشويش على عملية فيينا، حيث قال ان حلفاء تركيا يقتربون من فكرة إقامة منطقة آمنة في سوريا مضيفا أنه شهد تطورات إيجابية بشأن منطقة حظر طيران وتنفيذ عمليات جوية، بينما هدد رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو بأن بلاده سترد جوا وبرا على أي تهديدات تأتي من ناحية سوريا من دون أن يحدد أي مصادر محتملة لمثل هذه التهديدات.
الى ذلك، قال متحدث باسم البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما سيبحث الأزمة السورية مع حلفاء الولايات المتحدة خلال الاجتماع المقبل لقمة مجموعة العشرين في مدينة انطاليا التركية.
وقال المتحدث جوس ارنست «سيكون من المستحيل السفر كل هذا الطريق إلى هناك وعدم قضاء بعض الوقت في التفكير والحديث بشأن جهودنا المتواصلة لإضعاف داعش وتدميره في نهاية المطاف... لذا أتوقع أن يكون هذا ضمن زيارة الرئيس»، مذكّراً بأن كثيرا من البلدان المشاركة في قمة مجموعة العشرين تشارك أيضا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش».
***
* معركة كويرس تعدل خريطة ميزان القوى في سوريا

محمد بلوط / السفير
مطار كويرس يدخل حراً الأسطورة العسكرية السورية. الجيش السوري لم يخترق الحصار المفروض على الكلية الجوية، وأحد أهم قواعده العسكرية في الشمال السوري فحسب، ولكنه أعاد الثقة بقدرة وحداته على إنجاز عمليات عسكرية معقدة، بعد أربعة أعوام من القتال والاستنزاف، وإلحاق واحدة من أكبر الهزائم بـ «داعش في سوريا»، منذ معركة عين العرب/كوباني في كانون الثاني الماضي.
ومن نافل القول ان التشكيلات التي قادها العقيد سهيل الحسن، في خط طولي من السفيرة نحو المطار المحاصر والصامد منذ أكثر من عامين ونصف عام، قد أثبتت قدرة الجيش السوري على هزيمة «داعش» عندما تتوفر الإرادة، ويحسّن التنسيق بين الهجوم البري والغطاء الجوي. اذ استطاعت أرتال المدرعات والقوات الخاصة، فتح ثغرة طولية في خطوط «داعش»، والتقدم وسط هجمات من جنود البغدادي على ميمنتها وميسرتها، من دون أن تتوقف قوات الطليعة عن اختراق الحصار.
واتخذ جنود العقيد الحسن إيقاعاً متمهلاً في التقدم في منطقة مكشوفة، تقل فيها المرتفعات، التي لا يتجاوز أعلاها، في تل نعام المئة متر. وسلك المهاجمون ممراً بطول ثلاثين كيلومتراً في قلب خطوط «داعش» من دون أن تتوقف خلال تقدمهم الهجمات على حامية المطار، لإسقاطه قبل وصول طليعتهم الى أسواره، ظهر امس.
ومنذ العشرين من الشهر الماضي، تحول إيقاع الهجوم الى عملية قضم بطيئة لسبعة كيلومترات أخيرة، كانت تفصل قوات «النمر» عن مئات الضباط والجنود، ممن دافعوا ببسالة عن المطار الذي تحيط به، من الشرق والشمال والغرب، قناة يترواح عرضها ما بين العشرة الى أربعين مترا، ساهمت في إبعاد خطر المفخخات.
ولم تتأثر العمليات بالهجوم الذي شنه «داعش» على طريق اثريا خناصر، ولم تستطع إرباك الهجوم، برغم سيطرتها لمدة عشرة أيام على مقطع من 27 كيلومتراً من طريق حلب حماه الاستراتيجي، وشريان الإمداد الوحيد لمليوني حلبي غرب المدينة، وتشكيلات الجيش السوري و «الدفاع الوطني»، و «كتائب البعث»، ووحدات «حزب الله».
وكانت الإمدادات قد استمرت عبر جسر جوي الى مطار النيرب، ساعد الروس على نقل الإمدادات للمهاجمين، وتعزيزات من حمص واللاذقية.
وكان الجيش قد استبق عملية الالتحام مع المحاصرين في المطار بتصعيد القصف والغارات الجوية على تدمر والرقة ومواقع «داعش» في ريف حمص الشرقي، لمنعها من تحريك أرتالها، أو توجيه قوات نحو المطار.
ويقول «المرصد السوري» ان رتلا من أربعين آلية، ومئات المقاتلين، يسلك طريقاً تتوجه من الرقة نحو أرياف حلب.
وكان رتل من مئة وأربعين آلية قد سلك الطريق نفسه قبل أسبوعين للاستيلاء على طريق اثريا خناصر، تكبد خسائر كثيرة في المواجهة التي دارت مع وحدات من الجيش السوري وحزب الله، واضطر ما تبقى منه الى التراجع.
ويبدو أن العملية تتجاوز مجرد فك الحصار عن المطار، الى الانتشار في المنطقة، مع دخول الجيش الى بلدة رسم العبود القريبة من كويرس، كما أن الجيش السوري سيقوم بثتبيت قواته في المنطقة، وعدم الاكتفاء بسحب المحاصرين.
واذا ما تأكدت فرضية الانتشار هذه، برغم المخاطر الكبيرة من التفاف «داعش»، واختراقه للممر الذي تنتشر فيه وحدات الجيش السوري، فإن ذلك يعزز الطوق الذي بات يفرضه حول مدينة حلب وأحيائها الشرقية حيث تنتشر المجموعات المسلحة، اذ يتقاطع إحكام السيطرة على شرق حلب وكويرس، مع صمود الجيش السوري في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، وصولا الى باشكوي، وتحصنه غربا في مواجهة آخر مواقع المعارضة في الرشدين، واستعادته أكثر من 55 قرية وبلدة في هجوم ريف حلب الجنوبي الحالي، ووقوفه عند مداخل بلدة الحاضر، ومشارف تل العيس المشرف على طريق حلب دمشق الاستراتيجي.
وجلي أن إسقاط الحصار عن كويرس سيحيي العمليات المؤجلة نحو بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين، ويصعّد من هجمات الجيش السوري نحو معقل «داعش» الأخير في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي الممر الممتد من الباب نحو منبج فجرابلس. والممر الذي يبلغ طوله 60 كيلومتراً، وعرضه تسعين كيلومتراً، على الضفة الغربية للفرات، يتسع للكثير من السيناريوات والرهانات التركية، التي تسعى لتحويله الى منطقة آمنة، والكردية التي تنتظر ضوءًا أخضر أميركياً لدخوله ووصل «كانتون» عين العرب كوباني بالإدارة الذاتية في عفرين، بعد وصلها بالحسكة عبر ضم تل أبيض منذ شهر تقريباً، وتوحيد «الكانتونات» الثلاثة في إدارة ذاتية كردية تؤرق الأتراك.
وحراً، يرفع كويرس من أوراق دمشق على التأثير على العملية السياسية في فيينا السبت المقبل. ومن دون مبالغة، فقد أثبت الجيش السوري قدرته على هزيمة «داعش» في الوقت الذي يعمل فيه اجتماع فيينا على غربلة من يريد من المشاركين مقاتلته، وبأي شروط، وتحديد من هو الإرهابي أو الصديق من بين فصائل المعارضة.
ويأتي ذلك ليتوج شهراً من خيار استراتيجي بفتح كل الجبهات ضد المجموعات المسلحة، وخوض معارك على كل الجبهات، وحيثما استطاع الجيش السوري إرسال قوات.
وجلي أن خيار إرسال الآلاف من الجنود الى عمليات هجومية، بالرغم من أن الجيش يعاني من نقص في تجديد قواته وصعوبة في تثبيت مواقعه بعد انتزاعها من يد المعارضة، لم يثن العسكريين الروس والسوريين عن مواصلة الحرب الشاملة التي تخوضها الوحدات البرية السورية تحت غطاء جوي روسي وسوري.
ومع كويرس الحر، تتضح معالم الخريطة الجديدة لميزان القوى في سوريا، التي لا تزال تحتاج للمزيد من الوقت لتثبيتها.
وباستثناء نكسة ريف حماة الشمالي، حيث تراجع الجيش من قرى كفرنبودة ومعركبة ولطمين ولحايا وتل سكيك وسكيك، بل وخسر مورك، التي تبعد 10 كيلومترات عن مدينة حماة، إلا أن كفة الميزان تميل مع ذلك لمصلحته على بقية الجبهات، اذ أصبح الجيش السوري في وضعية هجومية على الجبهات كافة.
وخلال الشهر الماضي، استطاع الجيش السوري السيطرة على سلسلة تلال الجب الأحمر الاستراتيجية في ريف اللاذقية، ويقترب من فصل جبل الزاوية عن جبل الأكراد، بدخوله جبل غمام. وتؤهله تلك المكتسبات تقرير إرسال مدرعاته في سهل الغاب في وقت قريب، من دون التعرض من التلال لزخات صواريخ «التاو» التي تمنعها من التقدم.
وفي الغوطة الشرقية، فقدت المجموعات المسلحة المبادرة، حيث يقوم الجيش بالتقدم في حرستا، وحول دوما، ويستعيد مواقع في جنوب شرق الغوطة، حول مطار مرج السلطان، كان قد فقدها في العام 2012.
وغني عن القول ان الجبهة الجنوبية خرجت من المعادلة تقريبا، بعد هزيمة خمس أمواج صيفية متصلة لـ «عاصفة الجنوب»، أمام تحصينات الجيش السوري في درعا، وتفاهم روسي - أردني أعفى غرفة عمليات عمّان من وظيفتها حاليا.
ويبدو ريف حلب الجنوبي ميدان انتصارات متواصلة للجيش السوري الذي يقوم بتصفية ما تبقى من كتائب لـ «الجيش الحر» في هذه المنطقة، أمام أمر تركي بعدم تحريك أو إرسال أي مؤازرة لتلك المجموعات، وتركيز الاهتمام على الاحتشاد في ريف حلب الشمالي، حيث تقترب «أم المعارك « بالنسبة للأتراك، اذا ما واصل الجيش السوري تقدمه في المنطقة.
في المشهد السوري، اختار الروس فتح كل الجبهات السياسية والعسكرية دفعة واحدة، لتشتيت المعارضة المسلحة، وإرباك القوى الاقليمية، وإحياء المسار السياسي بالتزامن في فيينا ضمن المربع الأساسي، الذي بات يقاتل مباشرة أو بالوكالة على الأرض السورية.
وعكست تلك الاستراتيجية رهانا كبيرا على تحقيق أهداف ميدانية كبيرة تقلب موازين القوى في سوريا، بدأت تظهر مع تحرير مطار كويرس. وكانت تقديرات لا تزال موضع اختبار، تقول باحتمال الوصول اليها في زمن قياسي: شهر أو أكثر بقليل للإمساك بمحاور الطرق الرئيسة في حلب ـ حماة ـ حمص ـ دمشق ـ درعا، وتقطيع خطوط إمداد المعارضة المسلحة... وأربعة أشهر، للوصول الى الحدود التركية السورية في الشمال السوري، ودفع المجموعات المسلحة نحو جيوب معزولة.
وتقدم كويرس ورقة إضافية للروس للمضي في العملية السورية بجلائها الخيارات السياسية والعسكرية الروسية في سوريا التي تقف أمام منعطف ثلاثي: ما بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ، وعدم ضبط إيقاع العملية العسكرية في ريف حماة الشمالي، ومواعيد فيينا السوري في ظل عدم تقاطع الحسابات الميدانية والسياسية.
ومنذ إسقاط طائرة شرم الشيخ الروسية، بدأت مراجعات غير معلنة لكل عناصر السياسة السورية، لا سيما لمبدأ عدم إرسال قوات برية، لم يشملها بأي حال تفويض مجلس الدوما للرئيس فلاديمير بوتين، كأحد الأثمان غير المحسوبة، للمعركة، باعتبار ان قرار عدم الانخراط على الارض كان سيحمي روسيا من ارتداداته داخليا، أو أفغنة الحرب السورية.
وتقول مصادر قريبة من الأجهزة الأمنية الروسية في باريس ان قرار عدم الانخراط على الارض أو إرسال قوات روسية الى سوريا لم يعد مبررا بعد إسقاط طائرة شرم الشيخ بعبوة ناسفة، بحسب كل الفرضيات، وبعد تباطؤ العمليات في ريف حماه الشمالي، وقد يسقط في منتهى عمليات إعادة تقييم الاوضاع وتحديد الاطراف التي تقف وراء عملية إسقاط الطائرة.
ويقول مسؤول أمني غربي سابق لـ«السفير»، انه لم يعد مستبعدا أن يتجاوز الروس في الاسابيع المقبلة تحريم إرسال قوات برية الى سوريا. ويتضافر ذلك مع ما يقوله مصدر مقرب من الأجهزة الأمنية الروسية من ان الخيار الذي يدرسه الروس يذهب نحو اختيار إرسال قوات خاصة تعمل خلف خطوط «داعش»، وتقوم بعمليات خاطفة ومحدودة لتصفية القيادات والكوادر الرئيسة لـ «داعش» في سوريا.
ويقول المصدر المسؤول ان الروس قد يصطادون من نفذوا عملية سيناء، أو المجموعة التي خططت لها، ولكن الشبهات تذهب نحو دولة عربية، بإصدار الأمر بتنفيذ تلك العملية، لإرباك الروس، ومنعهم من المضي قدماً في عمليتهم السورية، وتدفيعهم الثمن مقدماً.
بطاقة تعريف
يقع مطار كويرس شرق مدينة حلب بمسافة تقدر بحوالي 40 كيلومتراً. وتبلغ مساحته حوالي 400 هكتار وهو ينقسم إلى قسمين أساسيين:
القسم الأول، يضم الكلية الجوية وهي مختصة بتدريب وتخريج الطلاب الضباط من ملاحين وفنيين وطيارين. ويحصل المتدرب على رتبة ملازم عند تخرجه. وبالنسبة للطائرات الموجودة داخله فهي تقتصر على المروحيات وطائرات تدريب معطلة عن العمل منذ فرض الحصار حوله.
اما القسم الثاني، فيضم الفوج 111 وهو مكلف بحماية الكلية الجوية وتوجد بداخله كتائب دفاع جوي عدة.
وتعرض المطار لهجمات عدة من قبل «الجيش الحر» ولاحقاً «جبهة النصرة»، قبل أن يسيطر تنظيم «داعش» على محيطه. وهو محاصر منذ ثلاث سنوات ولا يقلع منه أي نوع من الطائرات منذ حصاره.
ويقدر العدد الموجود فيه حالياً بـ 1000 عنصر بين ضابط وصف ضابط وجندي. وحاول الجيش السوري فك الحصار عنه انطلاقاً من مدينة السفيرة التي تبعد حوالي الـ25 كيلومتراً، حيث سيطر بداية على قرى عدة بدعم من سلاح الجو السوري والروسي.
تعليق