شمس سوريا وأحقادهم
فاطمة طفيلي

الإنسان هو الإنسان، ومهما اختلفت الأزمنة والعصور تبقى القيم الإنسانية هي المعيار الأساس للحكم على الشعوب في تعاطيها بعضها مع بعض، كما على الدول والأنظمة في نظرتها إلى الشعوب. التاريخ يشهد على النضالات البشرية المريرة في مشارق الأرض ومغاربها لبلوغ ما اصطلح على تسميته بشرعة حقوق الإنسان، مجازر ارتكبت وأراض استبيحت وتجمعات بشرية وممالك أبيدت تحت مسميات وشعارات استبطنت من الجرائم والمجازر ما لا سبيل إلى حصره. والمؤسف أن الاتفاقيات المعقودة والقوانين الموضوعة بقيت في مهب المصالح الآنية للدول والأنظمة، واستمرت الغلبة لشريعة الغاب وحكم الأقوى، ولم تساوِ تواقيع الدول عليها ما أهدر من حبر في سبيل ذلك. ورغم العناوين البراقة التي تطبع الزمن الحاضر، ما زالت مقولة "التاريخ يعيد نفسه" صالحة كما في كل عصر وزمان، لان أحدا لم يعتبر من كل ما اختزنه تاريخ البشرية من دروس وعبر، ولأن زمن قايين وهابيل فاق كل ما عداه من تطور وعصرنة وتكنولوجيا، ليمتد، إن لم نقل ليجتاح يومنا كما الأمس، ويوشك أن يقتحم مستقبلنا. لن نذهب بعيدا، فالأمثلة حاضرة وحية منذ اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الصهيوني، مرورا بيوميات القتل والتدمير المستمرة منذ عقود، إلى بروز مرحلة التفاوض والتطبيع والمساومة على الحقوق وتسلل الدول العربية سرا ثم علانية، الواحدة تلو الأخرى للاعتراف بالكيان الغاصب وإبرام عقود الصلح والتعاون معه، إلى يومنا الحاضر وما فيه من انقلاب للقيم والمبادئ. فإسرائيل الدولة الديمقراطية الأولى في المنطقة، وهي من يرفع شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. والسواد الأعظم ممن تسمى دولا عربية بدأت ترفع شعارات الثأر ممن قاوم واستشهد وما يزال في سبيل الأرض والحقوق والشرف العربي. ولولا فسحة الأمل الباقية والمتمثلة بمحور المقاومة والصمود لأمكن القول أننا نعيش الزمن الإسرائيلي بكل فيه من حقد وكراهية وعنصرية. أما الخريف العربي فحدث ولا حرج، مخططات تخريب وفتن ومؤامرات، وخطط تقسيم ترصد دول المنطقة مداورة. وبمعزل عن العنوان العسكري وما فيه من حشد وتجييش وثروات تسمى عربية توضع بتصرف المايسترو الأول الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، وبمعزل عن فلسفة المواقف الداعمة والمبررة، يبقى الجانب البشري بل الإنساني هو الأخطر والادهي، وما يطال الشعب السوري من استغلال وقتل وتشريد، وما يُقترف بحقه يوازي ما تعرض له الشعب الفلسطيني، إن لم يكن أكثر، فظلم ذوي القربى اشد مرارة، كيف لا والأقربون هم طلائع الجحافل الغازية؟!. الشعب السوري الذي تبنّى وما يزال، رغم محنة الاستهداف، قضية فلسطين وحركات المقاومة العربية وناصر الشعوب العربية قاطبة في محنها، لا يستحق المبادلة بهذا الكم من الأحقاد، وهذا القدر من العنصرية والاستغلال. فهل يعقل أن تعجز الدول العربية المسماة بالشقيقة عن تقاسم أعباء احتضان النازحين السوريين كما تفعل بالتزاحم على دفع كلفة الغدر بهذا الشعب؟! وهل يجوز أن يُحشر النازحون السوريون في مخيمات أشبه بالمعازل، وأن تترك المرأة السورية في مهب الاستغلال المادي والجنسي من ذوى الغرائز الحيوانية، وأسرى عقد الرجولة والفحولة من أصحاب الثروات وبراميل النفط، وهل يصدق عاقل أن دولا بقضها وقضيضها تستجدي دول العالم مدها بما يقوم بأود الأسر السورية النازحة، وتقيم لذلك عشرات المؤسسات وجمعيات المحاسيب المتنفعة بحجة المساعدة؟ العبرة تبقى في التاريخ ذاته لمن يرغب في الإفادة من تجارب الشعوب المناضلة والمقاومة، بأن الشر يأكل نفسه والأحقاد تدمر أصحابها، وبأن على الباغي تدور الدوائر، وبأن الغلبة للحق الذي لن يضيع، وكذلك هي حقوق الشعوب العربية الأبية التي اختارت البقاء في دروب النضال والمقاومة، ما هانت ولا خنعت أو استكانت وإن غدا لناظره قريب، أليس ذلك من عبر التاريخ المأثورة؟! سوريا الجريحة تبدت اليوم رغم كل ما جرى دولة عظمى بشعبها وجيشها ورئيسها وأما المتورطون في العدوان ممن جحدوا فضل سوريا وخيرها عليهم فأولئك هم الصغار الخاسرون حين تسطع الحقائق القاهرة وتنتصر قبضة المقاومة العليا على كل أيادي التخريب والتآمر والقتل والدمار.
تعليق