لماذا اختار نصرالله هذا التوقيت لوضع «النقاط على حروف» خصوم الداخل والخارج؟
ابراهيم ناصرالدين
قبل نحو عام التقى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ببعض من قيادات الحزب السياسية، وكان الهم السوري يؤرق هؤلاء، وكانت الصورة بالنسبة اليهم مشوشة، اسئلة كثيرة في السياسة والعسكر لم تكن أجوبتها واضحة عند هؤلاء، فالوضع الميداني معقد، والمناخ الدولي ضاغط، وكان من الصعب بالنسبة اليهم الوصول الى خلاصات حاسمة حول مآل التطورات. استمع السيد لكل تلك الهواجس، نظر في وجوههم ثم ابتسم ابتسامته المعهودة، أخرج خريطة عسكرية تشرح الواقع الميداني في سوريا، حمل قلماً وبدأ برسم الدوائر حول نقاط استراتيجية تم اعداد الخطط العسكرية المناسبة لاستعادتها من المجموعات المسلحة السورية، واستفاض حينها في شرح الاهمية الاستراتيجية لتلك المناطق وتأثيراتها المباشرة في قلب المعادلات الامنية والسياسية، خاتما شرحه بالقول «لا داعي للقلق، انشاء الله ان سارت الامور كما هو مخطط لها، نلتقي بعد عام من يومنا هذا، وعندها لن احتاج الى تقديم اي شروحات، فالصورة ستكون واضحة، ولن يكون هناك مكان للقلق». هل كان السيد نصرالله يمارس «السحر» او «التنجيم»؟ بالطبع لا . فالرجل، كما تقول اوساط سياسية متابعة لهذا الملف، يدير منظومة حزبية قادرة على تغيير المعادلات ، رهاناته تقوم على معطيات واقعية، يملك الادوات المناسبة لتحقيق اهدافه التكتيكية والاستراتيجية، وهو خرج في خطابه الاخير ليؤكد لمن انتابه القلق يوما، أن ألامر ليس بحاجة الى جلسة «وراء الابواب» المغلقة لشرح النقلة النوعية التي احدثها دخول الحزب على خط القتال الميداني في سوريا، كعادته لم يتباهى بهذا الامر، لكن القاصي والداني يعرف ان «انقلاب» المشهد والتبدلات السياسية والديبلوماسية ما كانت لتحصل لولا تبدل الاحوال في الميدان. اذاً خرج السيد ليقول علنا، إن ما وضعناه من خطط وتكتيكات في السياسة و«العسكر»، تحقق دون زيادة أو نقصان، وللمرحلة المقبلة خططها وتكتيكاتها وهي في طريقها الى التحقق، وما قاله قبل عام لكادرات سياسية في الحزب، خرج هذه المرة ليقوله علنا الى فريق 14 اذار، وضع امامهم خريطة طريق للخروج بأقل الخسائر الممكنة، لم يكن خطاب اعلان الانتصار، بل خطاب اعلان نجاح المرحلة الاولى من الخطة المرسومة، فهو لا يدعي ان الحرب هناك قد حسمت بشكلها النهائي، ويعرف جيدا ان الايام الصعبة لم تنته، لكنه اختار هذا التوقيت المفصلي في تاريخ الازمة، وقبل بدء المرحلة الثانية، ليضع بعض «النقاط على الحروف»، وهو اراد إبلاغ من يعنيهم الامر على حدّ قول الاوساط أنه في نهاية المطاف، هناك ثمن يجب أن يدفع هذه المرة كضريبة عن الرهانات الخاطئة، فما حصل ويحصل ليس مواجهة سياسية تدور رحاها في صناديق الاقتراع، وانما مواجهة مصيرية مفتوحة دفع حزب الله فيها الكثير من الدماء، وهنا لا مكان للمساومة، هناك شهداء وهناك جرحى، ومن راهن وتآمر في هذه المعركة عليه ان يدفع الثمن، لكن السيد نصرالله العارف بالواقع اللبناني والمدرك للتركيبة المعقدة داخليا، كان واضحا في تخييره قوى 14 اذار بين خسارة تحفظ لهم بعضا من «ماء الوجه» بعد انتهاء الجولة الاولى، وخسارة لا تعوض بعد انجاز المرحلة الثانية. طبعا لا يتكىء السيد نصرالله في تقويمه للمشهد العام فقط على الواقع السوري الميداني، فاضافة الى ما بات معلنا في التحولات الاقليمية والدولية من الازمة السورية، والتباينات بين واشنطن وحلفائها، والتفاهم الروسي- الاميركي، ومعرفة السيد نصرالله بما يدور في كواليس العلاقة الاميركية مع ايران، هناك رأي تلك الاوساط، عاملان اضافيان يرتبطان بتراجع قدرة فى 14 اذار على تخريب الوضع الداخلي، وبضعف قدرة السعودية على التاثير في المستوى الاقليمي، ومن هنا اختار السيد تسمية الامور بأسمائها والخروج من سياسة «تدوير الزوايا». بالنسبة الى العامل الاول، المشهد لا يحتاج الى الكثير من الشرح، بعد عامين ونيف من عمر الازمة السورية، ترسخت العلاقة بين حزب الله ومعظم الاجهزة الامنية اللبنانية، وخصوصا مع قيادة الجيش ، وكلا الطرفين يخوضان معاً حربا ضد الارهاب، وقد وصل مستوى التنسيق والتعاون الى ارفع مستوياته، وابرز تجلياته الانتشار الامني في الضاحية الجنوبية. في المقابل انعدمت الثقة بين فريق 14 اذار، وتحديدا تيار المستقبل، والمؤسسة العسكرية، وتصريحات الرئيس سعد الحريري الاخيرة لا تحتاج الى تفسير، وتهديدات النائب نهاد المشنوق بالاحتماء بجبهة النصرة، لا تحتاج ايضا الى تفسير، فما جرى في عبرا، وما يرجح ان يحصل في عرسال، وما يحصل اليوم في طرابلس أخرج من «المعادلة» «ورقة» كان يظن تيار المستقبل، ومن خلفه السعودية، انها ستكون رابحة في وجه حزب الله، لكن الحسابات تضيف الاوساط باتت مختلفة، وكل المجموعات المسلحة المفترض ان تواجه الحزب، باتت وجها لوجه مع المؤسسة العسكرية، خرج حزب الله «بذكاء» من المشهد، وبات عنوان المعركة بين مؤسسة عسكرية تريد استعادة هيبة الدولة، وقادة محاور ومجموعات مسلحة، خارجين عن القانون يريدون العبث بالامن. وفي المعادلة الخارجية، يدرك السيد نصرالله جيدا حجم العزلة التي تعيش فيها السعودية، وبعيدا عما هو متداول حول الازمة مع واشنطن، كانت نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في جدة قبل اسبوع، بين السعودية والامارات والاردن، كانت أقرب لاجتماع «نكسة» سياسية، للبحث عن مخارج لتقليل الخسائر. ووفقا للمعلومات، أخفقت الرياض في تأمين مقعد رابع في إجتماع جدة للقيادة المصرية الجديدة، وعندما حاولت التواصل مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، سمعت كلاما يفيد برغبة القاهرة بالتريث وبعدم الرغبة في دخول «نادي» المواجهة مع سوريا، وفهم ان القاهرة لا ترغب بالتورط «بدعسة ناقصة» في ظل المساحة الغامضة والمتوترة مع الإدارة الأمريكية. في هذا الوقت بدأت تتغير «اللهجة» التركية تجاه الموضوع السوري، واعلنت انقرة صراحة استعدادها للتحول كما فعلت دولة قطر، وقد ترجم ذلك بحل ازمة مخطوفي اعزاز، وثمة كلام ايراني جديد عن تقارب في الموقف مع الدوحة وانقرة من الازمة السورية. لكن اكثر الاشارات المقلقة كانت من ملك الاردن عبدالله الثاني الذي عبر خلال القمة عن رغبته في اقفال «جبهة» درعا، شارحا المخاطر الكبيرة التي باتت تهدد بلاده بعد ان خرجت واشنطن من المعادلة، والغت الضربة العسكرية لسوريا، وهذا الامر يعد خسارة كبيرة للسعوديين الذين وضعوا ثقلهم الإستخباري في تلك الجبهة، وانفقوا على مقاتليهما الملايين، وهي كانت تشكل نقطة حيوية جدا بالنسبة لإستراتيجية التخلص من النظام السوري. انطلاقا من هذه الابعاد الداخلية الاقليمية والدولية، خاطب السيد نصرالله خصومه في الداخل والخارج، واضعا الجميع امام مسؤولياتهم، فسواء عقد مؤتمر جنيف 2 أو لم يعقد، سواء فشل او نجح في وضع التسويات على «السكة»، المنطقة ستكون أمام مرحلة جديدة من التحولات، هناك هامش «للتفاهم»متاح الان قبل اعلان النجاح أو الفشل، ويبقى على الطرف الاخر ان يحدد خياراته، أو بالاحرى ان يختار حجم الثمن الذي يريد ان يدفعه.
(الديار)
ابراهيم ناصرالدين
قبل نحو عام التقى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ببعض من قيادات الحزب السياسية، وكان الهم السوري يؤرق هؤلاء، وكانت الصورة بالنسبة اليهم مشوشة، اسئلة كثيرة في السياسة والعسكر لم تكن أجوبتها واضحة عند هؤلاء، فالوضع الميداني معقد، والمناخ الدولي ضاغط، وكان من الصعب بالنسبة اليهم الوصول الى خلاصات حاسمة حول مآل التطورات. استمع السيد لكل تلك الهواجس، نظر في وجوههم ثم ابتسم ابتسامته المعهودة، أخرج خريطة عسكرية تشرح الواقع الميداني في سوريا، حمل قلماً وبدأ برسم الدوائر حول نقاط استراتيجية تم اعداد الخطط العسكرية المناسبة لاستعادتها من المجموعات المسلحة السورية، واستفاض حينها في شرح الاهمية الاستراتيجية لتلك المناطق وتأثيراتها المباشرة في قلب المعادلات الامنية والسياسية، خاتما شرحه بالقول «لا داعي للقلق، انشاء الله ان سارت الامور كما هو مخطط لها، نلتقي بعد عام من يومنا هذا، وعندها لن احتاج الى تقديم اي شروحات، فالصورة ستكون واضحة، ولن يكون هناك مكان للقلق». هل كان السيد نصرالله يمارس «السحر» او «التنجيم»؟ بالطبع لا . فالرجل، كما تقول اوساط سياسية متابعة لهذا الملف، يدير منظومة حزبية قادرة على تغيير المعادلات ، رهاناته تقوم على معطيات واقعية، يملك الادوات المناسبة لتحقيق اهدافه التكتيكية والاستراتيجية، وهو خرج في خطابه الاخير ليؤكد لمن انتابه القلق يوما، أن ألامر ليس بحاجة الى جلسة «وراء الابواب» المغلقة لشرح النقلة النوعية التي احدثها دخول الحزب على خط القتال الميداني في سوريا، كعادته لم يتباهى بهذا الامر، لكن القاصي والداني يعرف ان «انقلاب» المشهد والتبدلات السياسية والديبلوماسية ما كانت لتحصل لولا تبدل الاحوال في الميدان. اذاً خرج السيد ليقول علنا، إن ما وضعناه من خطط وتكتيكات في السياسة و«العسكر»، تحقق دون زيادة أو نقصان، وللمرحلة المقبلة خططها وتكتيكاتها وهي في طريقها الى التحقق، وما قاله قبل عام لكادرات سياسية في الحزب، خرج هذه المرة ليقوله علنا الى فريق 14 اذار، وضع امامهم خريطة طريق للخروج بأقل الخسائر الممكنة، لم يكن خطاب اعلان الانتصار، بل خطاب اعلان نجاح المرحلة الاولى من الخطة المرسومة، فهو لا يدعي ان الحرب هناك قد حسمت بشكلها النهائي، ويعرف جيدا ان الايام الصعبة لم تنته، لكنه اختار هذا التوقيت المفصلي في تاريخ الازمة، وقبل بدء المرحلة الثانية، ليضع بعض «النقاط على الحروف»، وهو اراد إبلاغ من يعنيهم الامر على حدّ قول الاوساط أنه في نهاية المطاف، هناك ثمن يجب أن يدفع هذه المرة كضريبة عن الرهانات الخاطئة، فما حصل ويحصل ليس مواجهة سياسية تدور رحاها في صناديق الاقتراع، وانما مواجهة مصيرية مفتوحة دفع حزب الله فيها الكثير من الدماء، وهنا لا مكان للمساومة، هناك شهداء وهناك جرحى، ومن راهن وتآمر في هذه المعركة عليه ان يدفع الثمن، لكن السيد نصرالله العارف بالواقع اللبناني والمدرك للتركيبة المعقدة داخليا، كان واضحا في تخييره قوى 14 اذار بين خسارة تحفظ لهم بعضا من «ماء الوجه» بعد انتهاء الجولة الاولى، وخسارة لا تعوض بعد انجاز المرحلة الثانية. طبعا لا يتكىء السيد نصرالله في تقويمه للمشهد العام فقط على الواقع السوري الميداني، فاضافة الى ما بات معلنا في التحولات الاقليمية والدولية من الازمة السورية، والتباينات بين واشنطن وحلفائها، والتفاهم الروسي- الاميركي، ومعرفة السيد نصرالله بما يدور في كواليس العلاقة الاميركية مع ايران، هناك رأي تلك الاوساط، عاملان اضافيان يرتبطان بتراجع قدرة فى 14 اذار على تخريب الوضع الداخلي، وبضعف قدرة السعودية على التاثير في المستوى الاقليمي، ومن هنا اختار السيد تسمية الامور بأسمائها والخروج من سياسة «تدوير الزوايا». بالنسبة الى العامل الاول، المشهد لا يحتاج الى الكثير من الشرح، بعد عامين ونيف من عمر الازمة السورية، ترسخت العلاقة بين حزب الله ومعظم الاجهزة الامنية اللبنانية، وخصوصا مع قيادة الجيش ، وكلا الطرفين يخوضان معاً حربا ضد الارهاب، وقد وصل مستوى التنسيق والتعاون الى ارفع مستوياته، وابرز تجلياته الانتشار الامني في الضاحية الجنوبية. في المقابل انعدمت الثقة بين فريق 14 اذار، وتحديدا تيار المستقبل، والمؤسسة العسكرية، وتصريحات الرئيس سعد الحريري الاخيرة لا تحتاج الى تفسير، وتهديدات النائب نهاد المشنوق بالاحتماء بجبهة النصرة، لا تحتاج ايضا الى تفسير، فما جرى في عبرا، وما يرجح ان يحصل في عرسال، وما يحصل اليوم في طرابلس أخرج من «المعادلة» «ورقة» كان يظن تيار المستقبل، ومن خلفه السعودية، انها ستكون رابحة في وجه حزب الله، لكن الحسابات تضيف الاوساط باتت مختلفة، وكل المجموعات المسلحة المفترض ان تواجه الحزب، باتت وجها لوجه مع المؤسسة العسكرية، خرج حزب الله «بذكاء» من المشهد، وبات عنوان المعركة بين مؤسسة عسكرية تريد استعادة هيبة الدولة، وقادة محاور ومجموعات مسلحة، خارجين عن القانون يريدون العبث بالامن. وفي المعادلة الخارجية، يدرك السيد نصرالله جيدا حجم العزلة التي تعيش فيها السعودية، وبعيدا عما هو متداول حول الازمة مع واشنطن، كانت نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في جدة قبل اسبوع، بين السعودية والامارات والاردن، كانت أقرب لاجتماع «نكسة» سياسية، للبحث عن مخارج لتقليل الخسائر. ووفقا للمعلومات، أخفقت الرياض في تأمين مقعد رابع في إجتماع جدة للقيادة المصرية الجديدة، وعندما حاولت التواصل مع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، سمعت كلاما يفيد برغبة القاهرة بالتريث وبعدم الرغبة في دخول «نادي» المواجهة مع سوريا، وفهم ان القاهرة لا ترغب بالتورط «بدعسة ناقصة» في ظل المساحة الغامضة والمتوترة مع الإدارة الأمريكية. في هذا الوقت بدأت تتغير «اللهجة» التركية تجاه الموضوع السوري، واعلنت انقرة صراحة استعدادها للتحول كما فعلت دولة قطر، وقد ترجم ذلك بحل ازمة مخطوفي اعزاز، وثمة كلام ايراني جديد عن تقارب في الموقف مع الدوحة وانقرة من الازمة السورية. لكن اكثر الاشارات المقلقة كانت من ملك الاردن عبدالله الثاني الذي عبر خلال القمة عن رغبته في اقفال «جبهة» درعا، شارحا المخاطر الكبيرة التي باتت تهدد بلاده بعد ان خرجت واشنطن من المعادلة، والغت الضربة العسكرية لسوريا، وهذا الامر يعد خسارة كبيرة للسعوديين الذين وضعوا ثقلهم الإستخباري في تلك الجبهة، وانفقوا على مقاتليهما الملايين، وهي كانت تشكل نقطة حيوية جدا بالنسبة لإستراتيجية التخلص من النظام السوري. انطلاقا من هذه الابعاد الداخلية الاقليمية والدولية، خاطب السيد نصرالله خصومه في الداخل والخارج، واضعا الجميع امام مسؤولياتهم، فسواء عقد مؤتمر جنيف 2 أو لم يعقد، سواء فشل او نجح في وضع التسويات على «السكة»، المنطقة ستكون أمام مرحلة جديدة من التحولات، هناك هامش «للتفاهم»متاح الان قبل اعلان النجاح أو الفشل، ويبقى على الطرف الاخر ان يحدد خياراته، أو بالاحرى ان يختار حجم الثمن الذي يريد ان يدفعه.
(الديار)
تعليق